→ كتاب الحدود (مسألة 2213 - 2216) | ابن حزم - المحلى كتاب الحدود (مسألة 2217 - 2220) ابن حزم |
كتاب الحدود (مسألة 2221 - 2223) ← |
كتاب الحدود
2217 - مسألة : المحلل والمحلل له
قال أبو محمد رحمه الله : حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا أحمد بن عون الله ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا شعبة عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن قبيصة بن جابر الأسدي قال : قال عمر بن الخطاب : لا أوتى بمحلل أو محلل له إلا رجمته
قال أبو محمد : عهدنا بالحنفيين , والمالكيين , والشافعيين , يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم , وكلهم قد خالفوا عمر بن الخطاب وهم يقلدونه فيما هو عنه من طريق لا تصح والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق : أن كل نكاح انعقد سالما مما يفسده , ولم يشترط فيه التحليل والطلاق فهو نكاح صحيح تام لا يفسخ وسواء اشترط ذلك عليه قبل العقد أو لم يشترط لأن كل ناكح لمطلقة ثلاثا فهو محلل ، ولا بد , فالتحليل المحرم هنا : هو ما انعقد عقدا غير صحيح.
وأما إذا عقد النكاح على شرط التحليل ثم الطلاق فهو عقد فاسد , ونكاح فاسد , فإن وطئ فيه , فإن كان عالما أن ذلك لا يحل فعليه الرجم والحد , لأنه زنا , وعليها إن كانت عالمة مثل ذلك , ولا يلحق الولد فإن كان جاهلا فلا حد عليه , ولا صداق , والولد لاحق وبالله تعالى التوفيق. وهكذا القول في كل عقد فاسد بالشغار , والمتعة والعقد بشرط ليس في كتاب الله تعالى , أي شرط كان وبالله تعالى التوفيق.
2218 - مسألة : المستأجرة للزنى , أو للخدمة والمخدمة
قال أبو محمد : حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا ابن جريج ني محمد بن الحارث بن سفيان عن أبي سلمة بن سفيان : أن امرأة جاءت إلى عمر بن الخطاب فقالت : يا أمير المؤمنين أقبلت أسوق غنما لي فلقيني رجل فحفن لي حفنة من تمر , ثم حفن لي حفنة من تمر ثم حفن لي حفنة من تمر , ثم أصابني فقال عمر : ما قلت فأعادت , فقال عمر بن الخطاب ويشير بيده : مهر مهر مهر ثم تركها. وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن الوليد بن عبد الله ، و، هو ابن جميع عن أبي الطفيل أن امرأة أصابها الجوع فأتت راعيا فسألته الطعام فأبى عليها حتى تعطيه نفسها , قالت : فحثى لي ثلاث حثيات من تمر وذكرت أنها كانت جهدت من الجوع , فأخبرت عمر , فكبر وقال : مهر مهر مهر ودرأ عنها الحد
قال أبو محمد رحمه الله : قد ذهب إلى هذا أبو حنيفة ولم ير الزنى , إلا ما كان مطارفة ,
وأما ما كان فيه عطاء أو استئجار فليس زنى ، ولا حد فيه. وقال أبو يوسف , ومحمد , وأبو ثور , وأصحابنا , وسائر الناس , هو زنى كله وفيه الحد.
وأما المالكيون , والشافعيون , فعهدنا بهم يشنعون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف إذا وافق تقليدهم وهم قد خالفوا عمر رضي الله عنه ، ولا يعرف له مخالف من الصحابة ، رضي الله عنهم ، , بل هم يعدون مثل هذا إجماعا , ويستدلون على ذلك بسكوت من بالحضرة من الصحابة عن النكير لذلك.
فإن قالوا : إن أبا الطفيل ذكر في خبره أنها قد كان جهدها الجوع
قلنا لهم : وهذا أيضا أنتم لا تقولون به , ولا ترونه عذرا مسقطا للحد , فلا راحة لكم في رواية أبي الطفيل مع أن خبر أبي الطفيل ليس فيه أن عمر عذرها بالضرورة , بل فيه : أنه درأ الحد من أجل التمر الذي أعطاها وجعله عمر مهرا.
وأما الحنفيون المقلدون لأبي حنيفة في هذا فمن عجائب الدنيا التي لا يكاد يوجد لها نظير : أن يقلدوا عمر في إسقاط الحد هاهنا بأن ثلاث حثيات من تمر مهر , وقد خالفوا هذه القضية بعينها فلم يجيزوا في النكاح الصحيح مثل هذا وأضعافه مهرا , بل منعوا من أقل من عشرة دراهم في ذلك فهذا هو الأستخفاف حقا , والأخذ بما اشتهوا من قول الصاحب حيث اشتهوا , وترك ما اشتهوا تركه من قول الصاحب إذا اشتهوا , فما هذا دينا وأف لهذا عملا , إذ يرون المهر في الحلال لا يكون إلا عشرة دراهم لا أقل , ويرون الدرهم فأقل مهرا في الحرام , إلا أن هذا هو التطريق إلى الزنى , وإباحة الفروج المحرمة , وعون لابليس على تسهيل الكبائر , وعلى هذا لا يشاء زان ، ولا زانية أن يزنيا علانية إلا فعلا وهما في أمن من الحد , بأن يعطيها درهما يستأجرها به للزنى. فقد علموا الفساق حيلة في قطع الطريق , بأن يحضروا مع أنفسهم امرأة سوء زانية وصبيا بغاء , ثم يقتلوا المسلمين كيف شاءوا , ولا قتل عليهم من أجل المرأة الزانية والصبي البغاء , فكلما استوقروا من الفسق خفت أوزارهم وسقط الخزي والعذاب عنهم. ثم علموهم وجه الحيلة في الزنى , وذلك أن يستأجرها بتمرتين وكسرة خبز ليزني بها ثم يزنيان في أمن وذمام من العذاب بالحد الذي افترضه الله تعالى. ثم علموهم الحيلة في وطء الأمهات والبنات , بأن يعقدوا معهن نكاحا ثم يطئونهن علانية آمنين من الحدود. ثم علموهم الحيلة في السرقة أن ينقب أحدهم نقبا في الحائط ويقف الواحد داخل الدار والآخر خارج الدار , ثم يأخذ كل ما في الدار فيضعه في النقب , ثم يأخذه الآخر من النقب , ويخرجا آمنين من القطع. ثم علموهم الحيلة في قتل النفس المحرمة بأن يأخذ عودا صحيحا فيكسر به رأس من أحب حتى يسيل دماغه ويموت ويمضي آمنا من القود ومن غرم الدية من ماله. ونحن نبرأ إلى الله تعالى هذه الأقوال الملعونة , وما قال أئمة المحدثين ما قالوا باطلا ونسأل الله السلامة. ولو أنهم تعلقوا في كل ما ذكرنا بقرآن أو سنة لاصابوا , بل خالفوا القرآن والسنة , وما تعلقوا بشيء إلا بتقليد مهلك , ورأي فاسد , واتباع الهوى المضل
قال أبو محمد رحمه الله : وحد الزنى واجب على المستأجر والمستأجرة , بل جرمهما أعظم من جرم الزاني والزانية بغير استئجار , لأن المستأجر والمستأجرة زنيا كما زنى غير المستأجر ، ولا فرق , وزاد المستأجر والمستأجرة على سائر الزنى حراما آخر وهو أكل المال بالباطل.
وأما المخدمة فروي ، عن ابن الماجشون صاحب مالك : أن المخدمة سنين كثيرة لا حد على المخدم إذا وطئها
وهذا قول فاسد ومع فساده ساقط : أما فساده فإسقاطه الحد الذي أوجبه الله تعالى في الزنى.
وأما سقوطه فتفريقه بين المخدمة مدة طويلة , والمخدمة مدة قصيرة , ويكلف تحديد تلك المدة المسقطة للحد التي يسقط فيها الحد , فإن حد مدة كان متزيدا من القول بالباطل بلا
برهان , وإن لم يحد شيئا كان محرما موجبا شارعا ما لا يدري فيما لا يدري وهذه تخاليط نعوذ بالله منها. والحد كامل واجب على المخدم والمخدمة , ولو أخدمها عمر نوح في قومه لأنه زنى وعهر من ليست له فراشا وبالله تعالى التوفيق.
2219 - مسائل : من نحو هذا
قال علي : من زنى بامرأة ثم تزوجها لم يسقط الحد بذلك عنه , لأن الله تعالى قد أوجبه عليه فلا يسقطه زواجه إياها.
وكذلك إذا زنى بأمة ثم اشتراها
وهو قول جمهور العلماء.
وقال أبو حنيفة : لا حد عليه في كلتا المسألتين
قال أبو محمد رحمه الله : وهذه من تلك الطوام
فإن قالوا : كيف نحده في وطء امرأته وأمته
قلنا لهم : لم نحده في وطئه لهما وهما امرأته وأمته وإنما نحده في الوطء الذي كان منه لهما وهما ليستا امرأته ، ولا أمته ثم يلزمهم على هذا الأعتلال الفاسد : أن من قذف امرأة ثم تزوجها أن يلاعن ، ولا حد عليه , وأنه إن زنى بها فحملت ثم تزوجها أو اشتراها أن يلحق به الولد , وإلا فكيف ينفي عنه ولد امرأته منه أو ولد أمته منه
فإن قالوا : ليس ابن فراش
قلنا : صدقتم , ولذلك نحده على الوطء السالف , لأنه لم يكن وطء فراش
قال أبو محمد رحمه الله : لو زنى بامرأة حرة أو أمة ثم قتلها فعليه حد الزنى كاملا والقود أو الدية والقيمة , لأنها كلها حقوق أوجبها الله تعالى , فلا تسقطها الآراء الفاسدة.
وروي عن أبي حنيفة أن حد الزنى يسقط إذا قتلها فما سمع بأعجب من هذه البلية : أن يكون يزني فيلزم الحد , فإذا أضاف إلى كبيرة الزنى كبيرة القتل للنفس التي حرم الله تعالى : سقط عنه حد الزنى نبرأ إلى الله تعالى من ذلك , ونحمده على السلامة منها كثيرا , وبه نستعين.
2220 - مسألة : ومن وطئ امرأة أبيه أو حريمته , بعقد زواج أو بغير عقد
قال أبو محمد : حدثنا حمام ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي , ، وإبراهيم بن عبد الله , قال الرقي : حدثنا عتبة بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت عن يزيد بن البراء بن عازب عن أبيه , وقال إبراهيم : حدثنا هشيم عن أشعث بن سوار عن البراء بن عازب , ثم اتفقا واللفظ لهشيم قال : مر بي عمي الحارث بن عمرو وقد عقد له رسول الله ﷺ فقلت له : أي عم أين بعثك رسول الله ﷺ فقال : بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه , فأمرني أن أضرب عنقه
قال أبو محمد رحمه الله : وهذا الخبر من طريق الرقين صحيح نقي الإسناد.
وأما من طرق هشيم فليست بشيء , لأن أشعث بن سوار ضعيف. وبه إلى أحمد بن زهير ، حدثنا يوسف بن منازل ، حدثنا عبد الله بن إدريس ، حدثنا خالد بن أبي كريمة عن معاوية بن قرة عن أبيه أن رسول الله ﷺ بعث أباه هو جد معاوية إلى رجل أعرس بامرأة أبيه فضرب عنقه وخمس ماله. قال أحمد بن إبراهيم : قال يحيى بن معين : هذا الحديث صحيح , ومن رواه فأوقفه على معاوية فليس بشيء , قد كان ابن إدريس أرسله لقوم وأسنده لأخرين. قال ابن معين : ويوسف بن منازل ثقة ، حدثنا حمام ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل , وأبو قلابة , قال أبو قلابة : حدثنا المغيرة بن بكار ، حدثنا شعبة سمعت الربيع بن الركين يقول : سمعت عدي بن ثابت يحدث عن البراء , قال : مر بنا ناس ينطلقون
قلنا : أين تريدون قالوا : بعثنا رسول الله ﷺ إلى رجل أتى امرأة أبيه أن نضرب عنقه
قال أبو محمد رحمه الله : هذه آثار صحاح تجب بها الحجة ، ولا يضرها أن يكون عدي بن ثابت حدث به مرة عن البراء , ومرة عن يزيد بن البراء عن أبيه فقد يسمعه من البراء ويسمعه من يزيد بن البراء فيحدث به مرة عن هذا ومرة عن هذا , فهذا سفيان بن عيينة يفعل ذلك , يروي الحديث عن الزهري مرة , وعن معمر عن الزهري مرة , قال : وقد اختلف الناس في هذا : فقالت طائفة : من تزوج أمه أو ابنته أو حريمته أو زنى بواحدة منهن , فكل ذلك سواء , وهو كله زنى , والزواج كله زواج إذا كان عالما بالتحريم , وعليه حد الزنى كاملا , ولا يلحق الولد في العقد.
وهو قول الحسن , ومالك , والشافعي , وأبي ثور , وأبي يوسف , ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة إلا أن مالكا فرق بين الوطء في ذلك بعقد النكاح , وبين الوطء في بعض ذلك بملك اليمين , فقال : فيمن ملك بنت أخيه , أو بنت أخته , وعمته , وخالته , وامرأة أبيه , وامرأة ابنه بالولادة , وأمه نفسه من الرضاعة , وابنته من الرضاعة , وأخته من الرضاعة وهو عارف بتحريمهن , وعارف بقرابتهن منه ثم وطئهن كلهن عالما بما عليه في ذلك , فإن الولد لاحق به , ولا حد عليه , لكن يعاقب. ورأى : أن ملك أمه التي ولدته , وابنته , وأخته , بأنهن حرائر ساعة يملكهن , فإن وطئهن حد حد الزنى.
وقال أبو حنيفة : لا حد عليه في ذلك كله , ولا حد على من تزوج أمه التي ولدته , وابنته , وأخته , وجدته , وعمته , وخالته , وبنت أخيه , وبنت أخته عالما بقرابتهن منه , عالما بتحريمهن عليه , ووطئهن كلهن : فالولد لاحق به , والمهر واجب لهن عليه , وليس عليه إلا التعزير دون الأربعين فقط
وهو قول سفيان الثوري , قالا : فإن وطئهن بغير عقد نكاح فهو زنى , عليه ما على الزاني من الحد.
حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب ، أنه قال في من زنى بذات محرم : يرجم على كل حال. وقال إبراهيم النخعي , والحسن : حده حد الزنى. وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن عوف ، هو ابن أبي جميلة ني عمرو بن أبي هند , قال : إن رجلا أسلم وتحته أختان , فقال له علي بن أبي طالب : لتفارقن إحداهما , أو لاضربن عنقك. وقال جابر بن زيد أبو الشعثاء , وأحمد بن حنبل , وإسحاق بن راهويه , كل من وطئ حريمته عالما بالتحرم عالما بقرابتها منه , فسواء وطئها باسم نكاح , أو بملك يمين , أو بغير ذلك , فإنه يقتل ، ولا بد محصنا كان أو غير محصن
قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ليلوح الحق فنتبعه إن شاء الله تعالى فبدأنا بما احتج به أبو حنيفة ومن قلده لقوله , فوجدناهم يقولون : إن اسم " الزنى " غير اسم " النكاح " فواجب أن يكون له غير حكمه. فإذا قلتم : زنى بأمه فعليه ما على الزاني وإذا قلتم : تزوج أمه , فالزواج غير الزنى فلا حد في ذلك , وإنما هو نكاح فاسد , فحكمه حكم النكاح الفاسد , من سقوط الحد , ولحاق الولد , ووجوب المهر وما نعلم لهم تمويها غير هذا , وهو كلام فاسد , واحتجاج فاسد , وعمل غير صالح :
وأما قوله " إن اسم الزنى غير اسم الزواج " فحق لا شك فيه , إلا أن الزواج هو الذي أمر الله تعالى به وأباحه وهو الحلال الطيب والعمل المبارك.
وأما كل عقد أو وطء لم يأمر الله تعالى به , ولا أباحه بل نهى عنه , فهو الباطل والحرام والمعصية والضلال ومن سمى ذلك زواجا فهو كاذب آفك متعد , وليست التسمية في الشريعة إلينا ، ولا كرامة إنما هي إلى الله تعالى
قال الله عز وجل {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان}
قال أبو محمد رحمه الله : أما من سمى كل عقد فاسد ووطء فاسد وهو الزنى المحض زواجا , ليتوصل به إلى إباحة ما حرم الله تعالى , أو إلى إسقاط حدود الله تعالى , إلا كمن سمى الخنزير : كبشا , ليستحله بذلك الأسم , وكمن سمى الخمر : نبيذا , أو طلاء , ليستحلها بذلك الأسم , وكمن سمى البيعة والكنيسة : مسجدا , وكمن سمى اليهودية : إسلاما وهذا هو الأنسلاخ من الإسلام ونقض عقد الشريعة , وليس في المحال أكثر من قول القائل : هذا نكاح فاسد , وهذا ملك فاسد , لأن هذا كلام ينقض بعضه بعضا , ولئن كان نكاحا أو ملكا فإنه لصحيح حلال , لأن الله تعالى أحل الزواج , والملك.
وقال تعالى : {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} فما كان زواجا وملك يمين فهو حلال , طلق , ومباح , طيب , ولا ملامة فيه , ولا مأثم , وكل ما كان فيه اللوم والإثم فليس زواجا , ولا ملكا مباحا للوطء ، ولا كرامة بل هو العدوان والزنى المجرد , لا شيء إلا فراش , أو عهر حرام , فإن وجد لنا يوما ما أن نقول : نكاح فاسد , أو زواج فاسد , أو ملك فاسد , فإنما هو حكاية أقوال لهم , وكلام على معانيهم. كما قال تعالى : {وجزاء سيئة سيئة مثلها} وكما قال تعالى : {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} و {الله يستهزئ بهم} وقد علم المسلمون أن الجزاء ليس بسيئة , وأن القصاص ليس عدوانا , وأن معارضة الله تعالى على الأستهزاء ليس مذموما , بل هو حق. فصح من هذا أن كل عقد لم يأمر به الله تعالى فمن عقده فهو باطل وإن وطئ فيه , فإن كان عالما بالتحريم , عالما بالسبب المحرم : فهو زان مطلق. وهكذا القول فيمن نكح نكاح متعة : أو شغار , أو موهوبة , أو على شرط ليس في كتاب الله تعالى , أو بصداق : لا يحل , من جهل التحريم في شيء من ذلك , بأن لم تبلغه , أو بتأويل لم تقم عليه الحجة , في فساده , فهو معذور , لا حد عليه , ومن قذفه فعليه الحد. كمن دخل بلدا فتزوج امرأة لا يعرفها , فوجدها أمه أو ابنته : فهذا يلحق فيه الولد , ولا يحد فيه حد بالإجماع وبهذا بطل قول أبي حنيفة المذكور , وقول مالك الذي وصفنا في وطء الحريمة بملك اليمين. والعجب كل العجب من احتجاج بعض من لقيناه من المالكيين بقوله تعالى : {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} قيل لهم : إن كنتم تعلقتم بهذه الآية في إلحاق الولد بمن وطئ عمته , وخالته , وذوات محارمه , فإنها من ملك اليمين : فأبيحوا الوطء المذكور , وأسقطوا عنه الملامة جملة فهذا هو نص الآية , فلو فعلوا ذلك لكفروا بلا خلاف من أحد وإذ لم يفعلوا ذلك , ولا أسقطوا الملامة , ولا أباحوا له ذلك قد ظهر تمويههم في إيراد هذه الآية في غير موضعها
قال أبو محمد رحمه الله : فإن قال قائل : فأنتم تقولون " إن المملوكة الكتابية لا يحل وطؤها وإن وطئها فلا حد عليه والولد لاحق " فما الفرق بين هذا وبين من وطئ أحدا من ذوات محارمه التي ذكرنا فأوجبتم في كل هذا حد الزنى , ولم تلحقوا الولد
قلنا : إن الفرق في ذلك : هو أن الله تعالى أباح ملك اليمين جملة , وحرم ذوات المحارم بالنسب , والرضاع , والصهر , والمحصنات من النساء , تحريما واحدا مستويا : فحرمت أعيانهن كلهن تحريما واحدا , ولم يحل منهن لمس , ولا رؤية عرية , ولا تلذذ أصلا , لأنهن محرمات الأعيان.
وقال تعالى : {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} فإنما حرم فيهن النكاح فقط , والنكاح ليس إلا عقد الزواج , أما الوطء فقط , فإذا ملكناهن فلم تحرم علينا أعيانهن , إذ لا نص في ذلك , ولا إجماع , وإنما حرم وطؤهن فقط , وبقي سائر ذلك على التحليل بملك اليمين : كالمملوكة , والحائض , والمحرمة , والصائمة فرضا , والمعتكفة فرضا , والحامل من غير السيد , ولا فرق. فلما لم يكن في واحدة من هؤلاء محرمة العين كن فراشا في غير الوطء , فكان الوطء وإن كان حراما فهو في فراش لم يحرم فيه إلا الوطء فقط وكل وطء في غير محرم العين فليس عهرا , ولا زنى , وإنما العهر : ما كان في محرمة العين فقط وبالله تعالى التوفيق. قال : ثم نظرنا فيمن أوجب الحد في وطء الأم بعقد النكاح كحد الزنى بغيرها من الأجنبيات , وقول من أوجب في ذلك القتل أحصن أو لم يحصن فوجدنا الخبر في قتل من أعرس بامرأة أبيه ثابتا والحجة به قائمة , فوجب الحكم به , ولم يسع أحدا الخروج عنه. فكان من قول المخالف في ذلك أن قالوا : قد يمكن أن يكون ذلك الذي أعرس بامرأة أبيه قد فعل ذلك مستحلا له , فإن كان هذا فنحن لا نخالفكم في ذلك .
فقلنا لهم : إن هذه الزيادة ممن زادها كذب على رسول الله ﷺ مجرد , وعلى من روى ذلك من الصحابة ، رضي الله عنهم ،
ولو كان ذلك لقال الراوي : بعثنا رسول الله ﷺ إلى رجل ارتد فاستحل امرأة أبيه , فقتلناه على الردة , فإذا لم يقل ذلك الراوي , فهو كذب مجرد , فهذه الزيادة ظن ما ليس فيه. فصح من وطئ امرأة أبيه بعقد سماه نكاحا أو بغير عقد كما جاءت ألفاظ الحديث المذكور فقتله واجب ، ولا بد , وتخميس ماله فرض , ويكون الباقي لورثته إن كان لم يرتد أو للمسلمين , إن كان ارتد.
فإن قالوا : لم نجد مثل هذا في الأصول
قلنا لهم : لا أصل عندنا إلا القرآن , والسنة , والإجماع , فهذا الخبر أصل في نفسه ولكن أخبرونا : في أي الأصول وجدتم أن من تزوج أمه وهو يدري أنها أمه أو ابنته وهو يدري أنها ابنته أو أخته أو إحدى ذوات محارمه وهو يدري عالم بالتحريم في كل ذلك : فوطئهن فلا حد عليه , والمهر واجب لهن عليه , والولد لاحق به , فما ندري هذا إلا في غير الإسلام.
قال أبو محمد رحمه الله : وأما نحن فلا يجوز أن نتعدى حدود الله فيما وردت به , فنقول : إن من وقع على امرأة أبيه بعقد أو بغير عقد أو عقد عليها باسم نكاح وإن لم يدخل بها فإنه يقتل ، ولا بد محصنا كان أو غير محصن ويخمس ماله , وسواء أمه كانت أو غير أمه , دخل بها أبوه أو لم يدخل بها.
وأما من وقع على غير امرأة أبيه من سائر ذوات محارمه كأمه التي ولدته من زنى أو بعقد باسم نكاح فاسد مع أبيه فهي أمه وليست امرأة أبيه , أو أخته , أو ابنته , أو عمته , أو خالته أو واحدة من ذوات محارمه بصهر , أو رضاع فسواء كان ذلك بعقد أو بغير عقد : هو زان , وعليه الحد فقط , وإن أحصن عليه الجلد والرجم كسائر الأجنبيات لأنه زنى ,
وأما الجاهل في كل ذلك فلا شيء عليه.