الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الستون


كتاب الحج

ومن طريق البخاري نا أبو النعمان هو محمد بن الفضل عارم - نا حماد بن زيد عن عبد الملك بن جريج عن عطاء عن جابر بن عبد الله ، وعن طاوس عن ابن عباس قالا جميعا : { قدم رسول الله ﷺ صبح رابعة من ذي الحجة يهلون بالحج لا يخلطه شيء ؛ فلما قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة ، وأن نحل إلى نسائنا ففشت في ذلك القالة فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال : بلغني أن قوما يقولون كذا وكذا والله لأنا أبر وأتقى لله منهم ، ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ، ولولا أن معي الهدي لأحللت ؟ فقام سراقة بن جعشم فقال : يا رسول الله هي لنا أو للأبد ؟ قال : لا بل للأبد } . قال أبو محمد : وهكذا رواه مجاهد عن ابن عباس ، ومحمد بن علي بن الحسين عن جابر - : قال أبو محمد : فبطل التخصيص والنسخ وأمن [ من ] ذلك أبدا ، ووالله إن من سمع هذا الخبر ثم عارض أمر رسول الله ﷺ بكلام أحد ولو أنه كلام أمي المؤمنين حفصة ، وعائشة ، وأبويهما رضي الله عنهم لهالك ؛ فكيف بأكذوبات كنسج العنكبوت الذي هو أوهن البيوت ؟ عن الحارث بن بلال ، والمرقع ، وسليمان أو سليم الذين لا يدرى من هم في الخلق ، وموسى الربذي ، وكفاك وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وليس لأحد أن يقتصر بقوله عليه السلام { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } على أنه أراد جوازها في أشهر الحج دون ما بينه جابر ، وابن عباس من إنكاره عليه السلام أن يكون الفسخ لهم خاصة أو لعامهم دون ذلك ، ومن فعل ذلك فقد كذب على رسول الله ﷺ جهارا . قال أبو محمد : وأتى بعضهم بطامة ، وهي أنه ذكر الخبر الثابت عن ابن عباس أنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض فقدم النبي ﷺ وأصحابه صبيحة رابعة من ذي الحجة فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا : يا رسول الله أي الحل ؟ قال : الحل كله " فقال قائلهم : إنما أمرهم عليه السلام بذلك ليوقفهم على جواز العمرة في أشهر الحج قولا وعملا . قال أبو محمد : وهذه عظيمة ؛ أول ذلك أنه كذب على النبي ﷺ في دعواهم أنه إنما أمرهم بفسخ الحج في عمرة ليعلمهم جواز العمرة في أشهر الحج . ثم يقال لهم : هبك لو كان ذلك ومعاذ الله من أن يكون أبحق أمر أم بباطل ؟ فإن قالوا : بباطل كفروا ، وإن قالوا : بحق ؟ قلنا : فليكن أمره عليه السلام بذلك لأي وجه كان قد صار حقا واجبا ، ثم لو كان هذا الهوس الذي قالوه فلأي معنى كان يخص بذلك من لم يسق الهدي دون من ساق ؟ وأطم من هذا كله أن هذا الجاهل القائل بذلك قد علم أن النبي ﷺ اعتمر بهم في ذي القعدة عاما بعد عام قبل الفتح ، ثم اعتمر في ذي القعدة عام الفتح ، ثم قال لهم في حجة الوداع في ذي الحليفة : من شاء منكم أن يهل بعمرة فليفعل ، ومن شاء أن يهل بحج وعمرة فليفعل ، ومن شاء أن يهل بحج فليفعل ؛ ففعلوا كل ذلك ، فيا لله ويا للمسلمين أبلغ الصحابة رضي الله عنهم من البلادة ، والبله ، والجهل أن لا يعرفوا مع هذا كله أن العمرة جائزة في أشهر الحج ؟ وقد عملوها معه عليه السلام عاما بعد عام بعد عام [ في أشهر الحج ] حتى يحتاج إلى أن يفسخ حجهم في عمرة ليعلموا جواز ذلك ، تالله إن الحمير لتميز الطريق من أقل من هذا ؛ فكم هذا الإقدام والجرأة على مدافعة السنن الثابتة في نصر التقليد ؟ مرة بالكذب المفضوح ، ومرة بالحماقة المشهورة ، ومرة بالغثاثة والبرد - حسبنا الله ونعم الوكيل ، والحمد لله على السلامة . واحتج بعضهم في جواز الإفراد بالحج بالخبر الثابت من طريق أبي هريرة عن النبي ﷺ { والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنينهما } . قال أبو محمد : كل مسلم فلا يشك في أن النبي ﷺ لم يعلم هذا إلا بوحي من الله عز وجل إليه لا يمكن غير هذا أصلا ؛ ولا شك في أن وحي الله عز وجل لا يترك بشك لأنه عز وجل لا يشك ، فصح أن هذا الشك من قبل أبي هريرة أو ممن دونه لا من قبل رسول الله ﷺ ، ثم لو صح أنه من قبله عليه السلام لكان ذلك إذ كان الإفراد مباحا ، ثم نسخ بأمره عليه السلام من لا هدي معه بالمتعة ولا بد ، ومن معه الهدي بالقران ولا بد . قال علي : فظهر الحق واضحا والحمد لله رب العالمين ، وقال مالك : الإفراد أفضل ، ووافقنا هو والشافعي في صفة التمتع والقران لمن أراد أن يكون قارنا أو متمتعا ، وكل ذلك جائز عندهما لمن ساق الهدي ولمن لم يسقه . وقال الشافعي مرة : الإفراد أفضل ، ومرة قال : التمتع أفضل ، ومرة قال : القران أفضل ؛ وكل ذلك عنده جائز كما ذكرنا . وأما أبو حنيفة فإنه قال : القران أفضل ثم التمتع ثم الإفراد ، وكل ذلك جائز عنده لمن ساق الهدي ولمن لم يسقه إلا أنه خالف في صفة التمتع والقران على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى . وأما الإشعار : فإن عبد الله بن ربيع نا قال : نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي الفلاس نا يحيى بن سعيد القطان نا شعبة عن قتادة عن أبي حسان الأعرج عن ابن عباس { أن النبي ﷺ لما كان بذي الحليفة أمر ببدنته فأشعر في سنامها من الشق الأيمن ثم سلت الدم عنها وقلدها نعلين } وذكر باقي الخبر . وبه إلى عمرو بن علي نا وكيع حدثني أفلح بن حميد عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة أم المؤمنين { أن رسول الله ﷺ أشعر بدنه } . ورويناه أيضا من طريق المسور بن مخرمة عن النبي ﷺ نا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا أبو النعمان هو محمد بن الفضل عارم - نا عبد الواحد هو ابن زياد - نا الأعمش نا إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عائشة أم المؤمنين قالت : كنت أفتل القلائد للنبي ﷺ فيقلد الغنم ويقيم في أهله حلالا . ورويناه أيضا من طريق أبي معاوية عن الأعمش ، والحكم بن عتيبة ، ومنصور ، كلهم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أم المؤمنين . قال أبو محمد : ولم يأت في البقر شيء من هذا ، وروينا كما نذكر بعد هذا - إن شاء الله تعالى - أن رسول الله ﷺ أمر عليا بأن يقسم لحوم البدن وجلالها ؛ فصح التجليل فيها . وروينا من طريق ابن أبي شيبة عن علي بن مسهر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : لا هدي إلا ما قلد وأشعر ووقف بعرفة . ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس : إن شئت فأشعر ، وإن شئت فلا تشعر ، وإن شئت فقلد ، وإن شئت فلا تقلد . ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود أنه أرسل إلى عائشة أم المؤمنين في إشعار البدنة ؟ فقالت : إن شئت ، إنما تشعر ليعلم أنها بدنة . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه كان يشعر في الشق الأيمن حين يريد أن يحرم . ومن طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال : تشعرها من الأيمن - ومن طريق وكيع نا أفلح هو ابن حميد - قال : رأيت القاسم بن محمد أشعرها في الجانب الأيمن - وهو قول الشافعي ؛ وأبي سليمان ؛ ومن طريق عبد الرزاق عن عمر بن ذر بن أبي رباح قال : رأيت عائشة أم المؤمنين تفتل القلائد للغنم تساق معها هديا . ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن أبي عدي عن محمد بن عمرو عن محمد بن عباس قال : لقد رأيت الغنم يؤتى بها مقلدة . ومن طريق ابن أبي شيبة نا حاتم بن وردان عن برد عن عطاء قال : رأيت ناسا من أصحاب رسول الله ﷺ يسوقون الغنم مقلدة . وعن حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء قال : رأيت الكباش تقلد ؛ وعن وكيع عن بسام عن أبي جعفر بن محمد بن علي بن الحسين قال : رأيت الكباش تقلد - ومن طريق ابن طاوس عن أبيه قال : رأيت الغنم تقلد . ومن طريق سعيد بن منصور عن سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن أبي يزيد قال : رأيت الغنم تقدم مكة مقلدة . قال أبو محمد : واختلف الناس في هذا فقال أبو حنيفة : أكره الإشعار ، وهو مثلة - قال علي : هذه طامة من طوام العالم أن يكون مثله شيء فعله النبي ﷺ أف لكل عقل يتعقب - حكم رسول الله ﷺ ويلزمه أن تكون الحجامة ، وفتح العرق : مثله فيمنع من ذلك ، وأن يكون القصاص من قطع الأنف ، وقلع الأسنان ، وجدع الأذنين : مثلة ؛ وأن يكون قطع السارق والمحارب : مثلة ؛ والرجم للزاني المحصن : مثلة ، والصلب للمحارب : مثلة ، إنما المثلة فعل من بلغ نفسه مبلغ انتقاد فعل رسول الله ﷺ فهذا هو الذي مثل بنفسه ؛ والإشعار كان في حجة الوداع والنهي عن المثلة كان قبل قيام ذلك بأعوام ؛ فصح أنه ليس مثلة وهذه قولة : لا يعلم لأبي حنيفة فيها متقدم من السلف ، ولا موافق من فقهاء أهل عصره إلا من ابتلاه الله بتقليده ونعوذ بالله من البلاء - وقال أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، ومالك : يشعر في الجانب الأيسر . قال أبو محمد : وهذا خلاف السنة كما ذكرنا فإن قالوا : قد رويتم عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا كانت بدنة واحدة أشعرها في الجانب الأيسر وإذا كانت بدنتين قلد إحداهما في الجانب الأيمن ، والأخرى في الأيسر . وعن مجاهد كانوا يستحبون الإشعار في الجانب الأيسر ؟ قلنا : هذا مما اختلف فيه عن ابن عمر ؛ وعلى كل حال فليس هو قولكم ، وسالم ابنه أوثق وأجل وأعلم به من نافع روى عنه الإشعار في الجانب الأيمن كما أوردنا ، ولا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ والعجب من احتجاجهم بابن عمر في فعل قد اختلف عنه فيه فمرة عليهم ومرة ليس لهم ، وهم قد خالفوا قوله الذي لم يختلف عنه فيه من أنه لا هدي إلا ما قلد وأشعر ، وهذا مما خالف فيه المالكيون عمل أهل المدينة كما ذكرنا . فإن قيل : فلم لم تقولوا أنتم : بأنه لا يكون هديا إلا ما أشعر ؟ للحديث الذي رويتم آنفا عن رسول الله ﷺ { أنه أمر ببدنته فأشعر في سنامها } ؟ قلنا : ليس في هذا الخبر أمر بالإشعار ، ولو كان فيه لقلنا بإيجابه مسارعين ، وإنما فيه أنه أمر ببدنته فأشعر في سنامها فمقتضاه أنه أمر بها فأدنيت إليه فأشعر في سنامها ؛ لأنه هو عليه السلام تولى بيده إشعارها ، بذلك صح الأثر عنه عليه السلام كما ذكرنا . وروينا عن أبي بن كعب ، وابن عمر إشعار البقر في أسنمتها . وعن ابن عمر : الشاة لا تقلد . ولا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ وقد خالفوا ابن عمر كما أوردنا آنفا في قوله في الهدي ، فمن الباطل احتجاجهم بمن لا مؤنة عليهم في مخالفته . وروينا عن سعيد بن جبير : الإبل تقلد ، وتشعر ، والغنم لا تقلد ، ولا تشعر ، والبقر تقلد ، ولا تشعر - وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا - تقلد الغنم - ورأى مالك إشعار البقر إن كانت لها أسنمة . قال علي : وهذا خطأ ومقلوب ؛ بل الإبل : تقلد ، وتشعر ؛ والبقر : لا تقلد ، ولا تشعر ، والغنم : تقلد ، ولا تشعر . وقال أبو حنيفة : لا يقلد إلا هدي المتعة ، والقران ، والتطوع من الإبل ، والبقر فقط : ولا يقلد : هدي الإحصار ، ولا الجماع ، ولا جزاء الصيد . وقال مالك ، والشافعي : يقلد كل هدي ويشعر ؛ وهذا هو الصواب لعموم فعل النبي ﷺ . قال علي : وقال بعض من أعماه الهوى وأصمه : إنما معنى ما روي عن عائشة من هدي الغنم مقلدة ؛ إنما هو أنها فتلت قلائد الهدي من الغنم - أي من صوف الغنم - : قال أبو محمد : وهذا استسهال للكذب البحت وخلاف لما رواه الناس عنها من إهدائه عليه السلام الغنم مقلدة - ونعوذ بالله العظيم من الخذلان .

وأما الاشتراط : فلما حدثنا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني نا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : { دخل رسول الله ﷺ على ضباعة بنت الزبير هو ابن عبد المطلب - فقال لها : أردت الحج ؟ قالت : والله ما أجدني إلا وجعة ؟ فقال لها : حجي واشترطي وقولي : اللهم محلي حيث حبستني ، وكانت تحت المقداد } . ورويناه أيضا : من طريق إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة { عن النبي ﷺ أنه قال لضباعة حجي واشترطي أن محلي حيث تحبسني } . ورويناه أيضا : من طريق طاوس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، كلهم عن ابن عباس { عن رسول الله ﷺ أنه قال لضباعة أهلي بالحج واشترطي أن محلي حيث تحبسني } . ورويناه أيضا : من طريق عروة بن الزبير عن ضباعة عن رسول الله ﷺ . ومن طريق أبي الزبير عن جابر عن النبي ﷺ . فهذه آثار متظاهرة متواترة لا يسع أحدا الخروج عنها . وروينا من طريق سويد بن غفلة قال لي عمر بن الخطاب : إن حججت ولست صرورة فاشترط إن أصابني مرض أو كسر أو حبس فأنا حل . وروينا أيضا الأمر بالاشتراط في الحج من طريق : وكيع ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ويحيى بن سعيد القطان ، كلهم عن سفيان الثوري عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة عن عمر : أنه - وفي رواية ابن مهدي ، ويحيى : أنه قال له : أفرد الحج واشترط ، فإن لك ما اشترطت ، ولله عليك ما شرطت . ومن طريق ابن أبي شيبة نا الفضل بن دكين عن سعيد بن عبد الرحمن عن ابن سيرين عن عبد الله بن عتبة عن عثمان بن عفان مثل ما رواه ابن المبارك عن هشام بن حسان عن ابن سيرين : أن عثمان رأى رجلا واقفا بعرفة قال له : أشارطت ؟ قال : نعم . ومن طريق جمة عن محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن ميسرة : أن علي بن أبي طالب كان إذا أراد الحج قال : اللهم حجة إن تيسرت ، أو عمرة إن أراد العمرة وإلا فلا حرج . ومن طريق سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عميرة بن زياد قال : قال لي ابن مسعود : حج واشترط ، وقل : اللهم الحج أردت وله عمدت فإن تيسر وإلا فعمرة . ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تقول : اللهم للحج خرجت وله عمدت فإن قضيت فهو الحج وإن حال دونه شيء فهي عمرة ؛ وإنها كانت تأمر عروة بأن يشترط كذلك . ومن طريق أبي إسحاق عن المنهال عن عمار هو ابن ياسر - أنه قال : إذا أردت الحج فاشترط . ومن طريق كريب عن ابن عباس : أنه كان يأمر بالاشتراط في الحج . فهؤلاء : عمر ، وعثمان ، وعلي وعائشة أم المؤمنين ، وعمار بن ياسر ، وابن مسعود ، وابن عباس - ومن التابعين عميرة بن زياد . ومن طريق الحجاج بن المنهال عن أبي عوانة عن منصور عن إبراهيم النخعي قال : كانوا يشترطون في الحج والعمرة يقول : اللهم إني أريد الحج إن تيسر ، وإلا فعمرة إن تيسرت ، اللهم إني أريد العمرة إن تيسرت وإلا فلا حرج علي . ومن طريق وكيع نا الربيع عن الحسن البصري ، وعطاء بن أبي رباح ، قالا جميعا في المحرم يشترط : قالا جميعا : له شرطه . ومن طريق الأعمش عن عمارة بن عمير قال : كان علقمة ، والأسود يشترطان في الحج . ومن طريق سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن المسيب بن رافع أردت الحج فأرسل إلي عبيدة هو السلماني - أن اشترط . ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير قال : كان شريح القاضي يشترط في الحج فيقول : اللهم إنك قد عرفت نيتي وما أريد ؛ فإن كان أمرا تتمه فهو أحب إلي وإن كان غير ذلك فلا حرج . وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه كان يشترط في العمرة ؛ وجاء أيضا [ نصا ] عن سعيد بن المسيب ، وعطاء بن يسار ، وعكرمة - وقال الشافعي : إن صح الخبر قلت به . قال أبو محمد : قد صح الخبر وبالغ في الصحة فهو قوله وهو قول أحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وأبي سليمان - وروي عن ابن عمر أنه كان إذا سأل عن الاستثناء في الحج ؟ قال : لا أعرفه . وروينا عن إبراهيم اضطرابا فروينا عنه من طريق المغيرة أنه قال : كانوا يستحبون أن يشترطوا عند الإحرام وكانوا لا يرون الشرط شيئا لو أن الرجل ابتلي - وروينا عنه من طريق الأعمش أنه قال كانوا يكرهون أن يشترطوا في الحج . قال أبو محمد : هذا تناقض فاحش ، مرة كانوا يستحبون الشرط ، ومرة كانوا يكرهونه ، فأقل ما في هذا ترك رواية إبراهيم جملة لاضطرابها . وروينا من طريق سعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي أنهما قالا : المشترط وغير المشترط سواء إذا أحصر فليجعلها عمرة . ومن طريق الحجاج بن أرطاة - وهو ساقط - عن عطاء مثل قول سعيد بن جبير هذا ، والصحيح عن عطاء خلاف هذا . ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه أنه كان لا يرى الاشتراط في الحج شيئا . وعن طاوس الاشتراط في الحج ليس شيئا . وعن إبراهيم بن مهاجر - وهو ضعيف - عن إبراهيم النخعي عن علقمة أنه كان لا يرى الاشتراط في الحج شيئا . وعن الحكم بن عتيبة ، وحماد مثل هذا ؛ وهو قول مالك ، والحنفيين . قال أبو محمد : وشغبوا في مخالفة السنن الواردة في هذا الباب بأن قالوا : هذا الخبر خلاف للقرآن ، لأن الله تعالى يقول : { وأتموا الحج والعمرة لله } . قال علي : هذه الآية حجة عليهم لا علينا لأنهم يفتون من عرض له عارض من مرض أو نحوه أن يحل بعمرة إن فاته الحج ؛ فقد خالفوا الآية في إتمام الحج ؛ وأما نحن فإنا نقول : إن الذي أنزلت عليه هذه الآية وأمر ببيان ما أنزل عليه لنا قد أمر بالاشتراط في الحج وأن محله حيث حبسه ربه تعالى بالقدر النافذ ؛ فنحن لم نخالف الآية إذا أخذنا ببيان النبي ﷺ وأنتم خالفتموها بآرائكم الفاسدة إلى مخالفتكم السنة الواردة في ذلك . وقالوا : هذا الخبر خلاف لقول الله تعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } ؟ قلنا : كذب من ادعى أن هذا الخبر خلاف لهذه الآية ؛ بل أنتم خالفتموها إذ قلتم : من أحصر بمرض لم يحل إلا بعمرة برأي لا نص فيه ؛ وأما نحن فقلنا بهذه الآية : إن لم يشترط كما أمر الذي أنزلت عليه هذه الآية وأمر ببيانها لنا ؟ قال أبو محمد : ومن جعل هذه السنة معارضة للقرآن فالواجب عليه أن يجعل الرواية في القطع في ربع دينار وعشرة دراهم مخالفة للقرآن إذ يقول تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } . لأن حديث الاشتراط لم يضطرب فيه عن عائشة وهو في غاية الصحة ؛ وقد اضطرب في حديث القطع في ربع دينار عليها - ولم يصح قط خبر في تحديد القطع في عشرة دراهم بل قولهم هو المخالف للقرآن حقا ؛ لأن الله تعالى يقول : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } . وقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } . ولا حرج ، ولا عسر ، ولا تكليف ما ليس في الوسع أكثر من إيجاب البقاء على حال الإحرام ، ومنع الثياب ، والطيب ، والنساء ، لمن قد منعه الله تعالى من الحج والعمرة ؛ فلو لم يكن إلا هذه الآيات لكفت في وجوب إحلال من عاقه عائق عن إتمام الحج والعمرة ، فكيف والسنة قد جاءت بذلك نصا ؟ وشغب بعضهم بالخبر الثابت عن رسول الله ﷺ : { كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ؟ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له ، كتاب الله أحق وشرط الله أوثق } . قال أبو محمد : هذا من أعجب شيء لأنهم احتجوا بما هو أعظم حجة عليهم ، والاشتراط في الحج هو في كتاب الله تعالى منصوص مما ذكرنا من قوله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . { وما جعل عليكم في الدين من حرج } . و { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } . وبقوله تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } . وقوله تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } . وإنما الشروط التي ليست في كتاب الله تعالى فهي الشروط التي أباحوا : من أن كل امرأة يتزوجها على فلانة امرأته فهي طالق ، وكل أمة اشتراها عليها فهي حرة . وأن يكون بعض الصداق لا يلزم إلا إلى كذا وكذا عاما والله تعالى يقول : { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } . وكبيع السنبل وعلى البائع درسه . وكنزول أهل الحرب وبأيديهم الأسرى من المسلمين بشرط أن لا يمنعوا من الوطء لهن ولا من ردهم إلى بلاد الكفر - وسائر الشروط الفاسدة التي أباحوا ؛ واحتجوا بأن هذا الخبر رواه عروة ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وطاوس - وروي عنهم خلافه . قال أبو محمد : فقلنا : سمعناكم تقبلون هذا في الصاحب إذا روى الخبر وخالفه فأنكرناه حتى أتيتم بالآبدة إذ جعلتم ترك التابع لما روى حجة في ترك السنن ؛ وهذا إن أدرجتموه بلغ إلينا وإلى من بعدنا فصار كل من بلغه حديث عن النبي ﷺ فتركه كائنا من كان من الناس حجة في رد السنن ؛ وهذا حكم إبليس اللعين ، وما أمرنا الله تعالى باتباع رأي من ذكرتم ؛ وإنما أمرنا باتباع روايتهم ؛ لأنهم ثقات عدول وليسوا معصومين من الخطإ في الرأي . ولا عجب ممن يعترض في رد السنن بأن طاوسا ، وعطاء ، وعروة ، وسعيد بن جبير : خالفوا ما رووا من ذلك - ثم لو أنه عزم على صبغ قميصه أخضر فقالوا له : بل اصبغه أحمر ؟ لم ير رأيهم في ذلك حجة ولا ألزم نفسه الأخذ به ؟ ثم رأيهم حجة في مخالفة رسول الله ﷺ ولئن كان خالف هؤلاء ما رووا فقد رواه غيرهم ولم يخالفه : كعكرمة ، وعطاء ؛ ولا يصح عن عطاء إلا القول به - وقد رواه عن عائشة ، وابن عباس ، وأخذا به . وقالوا : لم يعرفه ابن عمر ؟ فقلنا : فكان ماذا ؟ فقد عرفه : عمر ، وعثمان وعلي ، وعائشة ، وابن مسعود ، وعمار ، وابن عباس ، وأخذوا به ، وهذا مما خالفوا فيه جمهور الصحابة بل ليس لابن عمر هاهنا خلاف ؛ لأنه لم يقل بإبطاله ، وإنما قال : لا أعرفه . والعجب كله أن عمر رأى الاشتراط في الحج ومعه القرآن والسنة فخالفوه وتعلقوا في ذلك بأن ابنه عبد الله لم يعرفه . وصح عن عبد الله بن عمر الإهلال يوم التروية ومعه السنة فخالفوه وتعلقوا برواية جاءت في ذلك عن عمر - وقال عمر ، وعثمان ، بالاشتراط في الحج فخالفوهما ومعهما السنة وتعلقوا بهما في المنع من فسخ الحج في عمرة إذ جاء عنهما خلاف أمر النبي ﷺ فكأنهم مغرمون بمخالفة السنن ، ومخالفة الصحابة فيما جاء عنهم من موافقة السنن : والقوم غرقى في بحار هواهم وبكل ما يردي الغريق تعلقوا وذكروا قول إبراهيم : كانوا يشترطون في الحج ولا يرونه شيئا ؟ قال أبو محمد : وهذا كلام في غاية الفساد وليس فيه أكثر من أنه يصفهم بفساد الرأي والتلاعب ؛ إذ يشترطون ما لا فائدة فيه ، ولا يصح ، ولا يجوز ، وهذه صفة من لا عقل له ، ويكفي من هذا كله أن السنة إذا صحت لم يحل لأحد خلافها ، ولم يكن قول أحد حجة في معارضتها - وبالله تعالى التوفيق . وهذا مما خالفوا فيه القرآن ، والسنة الثابتة ، وجمهور الصحابة ، والقياس ؛ لأنهم يقولون : من دخل في صلاة فعجز عن إتمامها قائما ، وعن الركوع ، وعن السجود : سقط عنه ما لا يقدر عليه من ذلك . ومن دخل في صوم فرض فعجز عن إتمامه : سقط عنه ولم يكلفه ؛ وكذلك التطوع ، وقالوا هاهنا : من دخل في حج فرض ، أو تطوع ، أو عمرة ، كذلك فعجز عنهما : لم يسقطا عنه ؛ بل هو مكلف ما لا يقدر عليه من الوصول إلى البيت .