→ كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | ابن حزم - المحلى كتاب الحج (مسألة 833) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الحج (تتمة مسألة 833) ← |
كتاب الحج
833 - مسألة : وأما من أراد الحج فإنه إذا جاء إلى الميقات كما ذكرنا فلا يخلو من أن يكون معه هدي ، أو ليس معه هدي ، والهدي إما من الإبل ، أو البقر ، أو الغنم ، فإن كان لا هدي معه - وهذا هو الأفضل - ففرض عليه أن يحرم بعمرة مفردة ولا بد لا يجوز له غير ذلك ؛ فإن أحرم بحج ؛ أو بقران حج وعمرة ففرض عليه أن يفسخ إهلاله ذلك بعمرة يحل إذا أتمها ، لا يجزئه غير ذلك ؛ ثم إذا أحل منها ابتدأ الإهلال بالحج مفردا من مكة وهذا يسمى : متمتعا . وإن كان معه هدي ساقه مع نفسه فنستحب له أن يشعر هديه إن كان من الإبل ، وهو أن يضربه بحديدة في الجانب الأيمن من جسده حتى يدميه ثم يقلده ، وهو أن يربط نعلا في حبل ويعلقها في عنق الهدي وإن جلله بجل فحسن ، فإن كان الهدي من الغنم فلا إشعار فيه لكن يقلده رقعة جلد في عنقه ؛ فإن كان من البقر فلا إشعار فيه ولا تقليد كانت له أسنمة أو لم تكن . ثم يقول : لبيك بعمرة وحج معا ، لا يجزئه إلا ذلك ولا بد ؛ وإن قال : لبيك بحج وعمرة ؛ أو لبيك عمرة وحجا ، أو حجة وعمرة ؛ أو نوى كل ذلك في نفسه ، ولم ينطق به فكل ذلك جائز ؛ وهذا يسمى : القران . ومن ساق من المعتمرين الهدي فعل فيه من الإشعار ، والتقليد ما ذكرنا ؛ ونحب له في كل ما ذكرنا أن يشترط فيقول عند إهلاله : اللهم إن محلي حيث تحبسني ، فإن قال ذلك فأصابه أمر ما يعوقه عن تمام ما خرج له من حج أو عمرة أحل ولا شيء عليه ؛ لا هدي ولا قضاء إلا إن كان لم يحج قط ولا اعتمر فعليه أن يحج حجة الإسلام وعمرته . برهان ما ذكرنا - : ما رويناه من طريق مسلم نا ابن أبي عمر نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت { خرجنا مع رسول الله ﷺ فقال : من أراد منكم أن يهل بحج ، أو عمرة فليفعل ، ومن أراد أن يهل بحج فليهل ، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل ، قالت عائشة : فأهل رسول الله ﷺ بحج ، وأهل به ناس معه وأهل ناس بالحج والعمرة ؛ وأهل ناس بعمرة وكنت فيمن أهل بالعمرة } . قال أبو محمد : فهذا أول أمره عليه السلام بذي الحليفة عند ابتداء إحرامهم وإرادتهم الإهلال بلا شك ، إذ هو نص الحديث - : نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا ابن نمير نا أبو نعيم هو الفضل بن دكين - نا موسى بن نافع قال : ( قدمت مكة متمتعا بعمرة قبل التروية بأربعة أيام فقال الناس : تصير حجتك الآن مكية ) فدخلت على عطاء بن أبي رباح فقال : حدثني جابر بن عبد الله أنه حج مع رسول الله ﷺ عام ساق الهدي معه ، وقد أهلوا بالحج مفردا فقال رسول الله ﷺ : { أحلوا من إحرامكم فطوفوا بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، وقصروا وأقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا الذي قدمتم بها متعة } . وبه إلى مسلم نا إسحاق هو ابن راهويه - عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جابر بن عبد الله أنه أخبره عن حجة النبي ﷺ فقال { : حتى إذا كان آخر طواف على المروة ، قال عليه السلام : لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فشبك رسول الله ﷺ أصابعه واحدة في الأخرى وقال : دخلت العمرة في الحج مرتين ، لا بل لأبد أبد } . نا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا موسى بن إسماعيل نا وهيب هو ابن خالد - نا أيوب هو السختياني - عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال { صلى رسول الله ﷺ - ونحن معه بالمدينة - الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى الصبح ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء حمد الله وسبح وكبر ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما ، فلما قدمنا أمر الناس فحلوا حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج } . نا حمام بن أحمد نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا أحمد بن خالد نا عبيد بن محمد الكشوري نا محمد بن يوسف الحذافي نا عبد الرزاق نا مالك ، ومعمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : { خرجنا مع النبي ﷺ عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ، ثم قال النبي ﷺ : من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ولا يحل حتى يحل منهما جميعا } . قال أبو محمد : ففي هذه الأحاديث الثابتة برهان كل ما قلنا ولله تعالى الحمد وهي أربعة أحاديث - : ففي الأول الذي من طريق جابر أمر النبي ﷺ من أهل بحج مفرد ولا هدي معه بأن يحل بعمرة ولا بد ، ثم يهل بالحج يوم التروية فيصير متمتعا . وفي الحديث الثالث الذي من طريق أنس أمره ﷺ من أهل بحج وعمرة قارنا ولا هدي معه أن يهل بعمرة ولا بد ؛ ثم يهل بالحج يوم التروية فيصير أيضا متمتعا . وفي الحديث الثاني الذي من طريق جابر أمره ﷺ كل من لا هدي معه عموما بأن يحل بعمرة ، وأن هذا هو آخر أمره على الصفا بمكة ؛ وأنه عليه السلام أخبر بأن التمتع أفضل من سوق الهدي معه ، وتأسف إذ لم يفعل ذلك هو ، وأن هذا الحكم ( هو ) باق إلى يوم القيامة ، وما كان هكذا فقد أمنا أن ينسخ أبدا ؛ ومن أجاز نسخ ما هذه صفته فقد أجاز الكذب على خبر رسول الله ﷺ وهذا تعمده كفر مجرد ؛ وفيه أن العمرة قد دخلت في الحج - وهذا هو قولنا لأن الحج لا يجوز إلا بعمرة متقدمة له يكون بها متمتعا أو بعمرة مقرونة معه ولا مزيد . وفي الحديث الرابع الذي من طريق عائشة أم المؤمنين أمره ﷺ من معه هدي أن يقرن بين الحج ، والعمرة - : وبه يقول ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وإسحاق بن راهويه ، وغيره - : نا أحمد بن عمر بن أنس نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا محمد بن أحمد بن الجهم نا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل نا أحمد بن صالح نا عنبسة حدثني يونس هو ابن يزيد - عن ابن شهاب عن كريب أنه حدثه عن ابن عباس أنه كان يقول : ما طاف رجل بالبيت إن كان حاجا إلا حل بعمرة إذا لم يكن معه هدي ، ولا طاف ومعه هدي إلا اجتمعت له : حجة ، وعمرة . ومن طريق مسلم بن الحجاج نا إسحاق هو ابن راهويه - أنا محمد بن بكر أنا ابن جريج أخبرني عطاء قال : كان ابن عباس يقول : لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل . فقلت لعطاء : من أين تقول ذلك ؟ قال : من قول الله تعالى : { ثم محلها إلى البيت العتيق } . قلت : فإن ذلك بعد المعرف ؟ قال : كان ابن عباس يقول : هو بعد المعرف وقبله . وكان يأخذ ذلك من أمر رسول الله ﷺ حين أمرهم أن يحلوا في حجة الوداع - ومن طريق عطاء ، ومجاهد : أن ابن عباس كان يأمر القارن أن يجعلها عمرة إذا لم يكن ساق الهدي - ومن طريق طاوس عن ابن عباس : والله ما تمت حجة رجل قط إلا بمتعة إلا رجل اعتمر في وسط السنة - : نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان هو الثوري - عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى الأشعري قال { : قدمت على رسول الله ﷺ وهو بالبطحاء فقال : بم أهللت ؟ قلت : أهللت بإهلال النبي ﷺ قال : هل سقت من هدي ؟ قلت : لا ، قال : طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل ، فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي } فكنت أفتي الناس بذلك في إمارة أبي بكر ، وإمارة عمر ؛ فإني لقائم بالموسم إذ جاءني رجل فقال : إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك ؟ قلت : يا أيها الناس من كنا أفتيناه بشيء فليتئد فإن أمير المؤمنين قادم عليكم فأتموا به ، فلما قدم قلت : يا أمير المؤمنين ما ( هذا ) الذي أحدثت في شأن النسك ؟ قال : إن نأخذ بكتاب الله تعالى فإن الله تعالى قال : { وأتموا الحج والعمرة لله } وإن نأخذ بسنة نبينا ﷺ فإنه لم يحل حتى نحر الهدي . قال أبو محمد : هذا أبو موسى قد أفتى بما قلنا مدة إمارة أبي بكر وصدرا من إمارة عمر رضي الله عنهما ، وليس توقفه لما شاء الله تعالى أن يتوقف له حجة على ما روي عن النبي ﷺ وحسبنا قوله لعمر ما الذي أحدثت في شأن النسك ؟ فلم ينكر ذلك عمر . وأما قول عمر رضي الله عنه فيقول الله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } فلا إتمام لهما إلا علمه رسول الله ﷺ الناس وهو الذي أنزلت عليه هذه الآية ، وأمر ببيان ما أنزل عليه من ذلك . وأما كونه عليه السلام لم يحل حتى نحر الهدي فإن أم المؤمنين ابنته حفصة رضي الله عنها روت عن النبي ﷺ بيان فعله كما روينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر عن { حفصة أم المؤمنين أنها قالت لرسول الله ﷺ ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك ؟ قال : إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر } . ورواه أيضا علي كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أخبرني معاوية بن صالح الأشعري نا يحيى بن معين نا حجاج يعني ابن محمد الأعور - نا يونس يعني أبا إسحاق السبيعي - عن أبيه عن البراء هو ابن عازب - عن علي بن أبي طالب { أن رسول الله ﷺ قال له : إني سقت الهدي وقرنت ، لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما فعلتم ، ولكني سقت الهدي وقرنت } . فهذا أولى أن يتبع من رأي رآه عمر قد صح عنه رجوعه عنه ؛ وقد خالفوه فيه أيضا كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال في كتاب علي بن أبي طالب : من شاء أن يجمع بين الحج والعمرة فليسق هديه معه - : نا أحمد بن محمد الطلمنكي نا ابن مفرج نا إبراهيم بن أحمد بن فراس نا محمد بن علي بن زيد الصائغ نا سعيد بن منصور نا هشيم أنا منصور هو ابن المعتمر - قال : حج الحسن البصري وحججت معه في ذلك العام فلما قدمنا مكة جاء رجل إلى الحسن فقال : يا أبا سعيد إني رجل بعيد الشقة من أهل خراسان وإني قدمت مهلا بالحج ؟ فقال له الحسن : اجعلها عمرة وأحل فأنكر ذلك الناس على الحسن وشاع قوله بمكة فأتى عطاء بن أبي رباح فذكر ذلك له فقال : صدق الشيخ ، ولكنا نفرق أن نتكلم بذلك قال أبو محمد : ليس إنكار أهل الجهل حجة على سنن الله تعالى ورسوله ﷺ ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : من أهل من خلق الله تعالى ممن له متعة بالحج خالصا أو بحجة وعمرة فهي متعة سنة الله تعالى ورسوله ﷺ وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أنه سأل عن قول رسول الله ﷺ { دخلت العمرة في الحج ؟ } فقال : هو الرجل يفرد الحج ويذبح فقد دخلت له عمرة في الحج فوجبتا له جميعا . ومن طريق عبد الرزاق نا عمر بن ذر : أنه سمع مجاهدا يقول : من جاء حاجا فأهدى هديا فله عمرة مع حجة . ومن طريق سعيد بن منصور نا عتاب بن بشير نا خصيف عن عطاء ومجاهد أن ابن عباس كان يأمر القارن أن يجعلها عمرة إذا لم يكن ساق الهدي قال خصيف : وكنت مع مجاهد فأتاه الضحاك بن سليم وقد خرج حاجا فسأل مجاهدا ؟ فقال له مجاهد : اجعلها عمرة ، فقال : هذا أول ما حججت فلا تشايعني نفسي فأي ذلك ترى أتم ؟ أن أمكث كما أنا أو أجعلها عمرة ؟ قال خصيف : فقلت له : أظن هذا أتم لحجك أن تمكث كما أنت ؟ فرفع مجاهد تبنة من الأرض وقال : ما هو بأتم من هذا ، وهو قول إسحاق بن راهويه . وقال عبيد الله بن الحسن القاضي ، وأحمد بن حنبل بإباحة فسخ الحج لا بإيجابه - ومنع منه أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي . قال علي : روى أمر رسول الله ﷺ من لا هدي له أن يفسخ حجه بعمرة ويحل بأوكد أمر جابر بن عبد الله ، وعائشة أم المؤمنين ، وحفصة أم المؤمنين ( كذلك ) ، وفاطمة بنت رسول الله ﷺ ، وعلي ، وأسماء بنت أبي بكر الصديق ، وأبو موسى الأشعري ، وأبو سعيد الخدري ، وأنس وابن عباس ، وابن عمر ، وسبرة بن معبد ، والبراء بن عازب ، وسراقة بن مالك ، ومعقل بن يسار خمسة عشر من الصحابة رضي الله عنهم ؛ ورواه عن هؤلاء نيف وعشرون من التابعين ؛ ورواه عن هؤلاء من لا يحصيه إلا الله عز وجل ، فلم يسع أحدا الخروج عن هذا . واحتج من خالف كل هذا باعتراضات لا حجة لهم في شيء منها ؛ منها أنهم ذكروا خبرا رويناه من طريق مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة عن عائشة { خرجنا مع رسول الله ﷺ عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج وعمرة ؛ ومنا من أهل بالحج وأهل رسول الله ﷺ بالحج ، فأما من أهل بعمرة فحل ، وأما من أهل بحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر } . وبخبر رويناه من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة ، وقد ذكر له عن رجل ذكر { عن النبي ﷺ أنه طاف بالبيت وحل } فقال عروة عن عائشة في حديث : قالت عن رسول الله ﷺ " أنه أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت ، ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره ، ثم عمر مثل ذلك ، ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف ( بالبيت ) ، ثم لم يكن غيره ، ثم معاوية ، وعبد الله بن عمر ، ثم حججت مع الزبير أبي فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره ، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك ، ثم لم يكن غيره ولا أحد ممن مضى ( ما ) كانوا يبدءون بشيء حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت ثم لا يحلون ، وقد رأيت أمي ، وخالتي تقدمان لا تبدآن بشيء أول من البيت تطوفان به ثم لا تحلان ، وقد أخبرتني أمي أنها أقبلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة قط فلما مسحوا الركن حلوا ، وقد كذب فيما ذكر من ذلك " . وبخبر رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن محمد بن بشير العبدي عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة قالت : " خرجنا مع رسول الله ﷺ للحج ثم ذكرت أن من كان منهم أهل بحج مفرد ، أو بعمرة وحج فلم يحلل حتى قضى مناسك الحج ، ومن أهل بعمرة مفردة طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل حتى يستقبل حجا " . قال أبو محمد : حديث أبي الأسود عن عروة عن عائشة ، وحديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عنها منكران ، وخطأ عند أهل العلم بالحديث . نا أحمد بن عمر بن أنس نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا عبيد الله بن محمد السقطي نا أحمد بن جعفر نا محمد بن مسلم الختلي نا عمر بن محمد بن عيسى الجوهري السداني نا أحمد بن محمد الأثرم نا أحمد بن حنبل فذكر حديث مالك عن أبي الأسود الذي ذكرنا آنفا فقال أحمد : إيش في هذا الحديث من العجب ؟ هذا خطأ ، قال الأثرم : فقلت له : الزهري عن عروة عن عائشة بخلافه ؟ قال أحمد : نعم ، وهشام بن عروة . قال أبو محمد : ولأبي الأسود المذكور حديث آخر في هذا الباب لا خفاء بفساده ، وهو خبر رويناه من طريق البخاري نا أحمد بن صالح نا ابن وهب أنا عمرو بن الحارث عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل أن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر قال : حدثه أنه كان يسمع أسماء بنت أبي بكر تقول كلما مرت بالحجون : صلى الله على رسوله لقد نزلنا معه هاهنا ، ونحن يومئذ خفاف قليل ظهرنا قليلة أزوادنا فاعتمرت أنا وأختي عائشة ، والزبير ، وفلان ، وفلان ؛ فلما مسحنا البيت أحللنا ثم أهللنا من العشي بالحج . قال علي : وهذا باطل بلا خلاف من أحد ؛ لأن عائشة رضي الله عنها لم تعتمر في عام حجة الوداع قبل الحج أصلا ؛ لأنها دخلت - وهي حائض - حاضت بسرف ولم تطف بالبيت إلا بعد أن طهرت يوم النحر هذا أمر في شهرة الشمس ؛ ولذلك رغبت من النبي ﷺ أن يعمرها بعد الحج فأعمرها من التنعيم بعد انقضاء أيام التشريق كلها رواه جابر بن عبد الله ، ورواه عن عائشة : عروة ، والقاسم بن محمد ، وطاوس ، ومجاهد ، والأسود بن زيد وابن أبي مليكة . وبلية أخرى في هذا الخبر وهي قوله فيه : ثم أهللنا من العشي بالحج ، وهذا باطل بلا خلاف ، لأن عائشة أم المؤمنين ؛ وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك ، وابن عباس ، كلهم رووا : أن الإحلال كان يوم دخولهم مكة مع النبي ﷺ وأن إهلالهم بالحج كان يوم التروية - وهو يوم منى - وبين يوم إحلالهم يوم إهلالهم ثلاثة أيام بلا شك ؛ لأن رسول الله ﷺ دخل مكة في حجة الوداع صبح رابعة من ذي الحجة ، والأحاديث في ذلك مشهورة قد ذكرناها في كتبنا وذكرها الناس وكل من جمع في المسند ؛ فظهر عوار رواية أبي الأسود .
وقد روى الزهري عن عروة عن عائشة { أمر النبي ﷺ من لا هدي له بفسخ الحج } وأنهم فسخوه ، ولا يعدل أبو الأسود بالزهري - : روينا من طريق البخاري نا يحيى بن بكير نا الليث هو ابن سعد - عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : قال عبد الله بن عمر في صفة حجة النبي ﷺ فلما قدم النبي ﷺ مكة قال للناس { : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة - ويقصر وليحلل ثم ليهل بالحج فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله } ؛ قال الزهري عن عروة : إن عائشة أخبرته ( عن النبي ﷺ ) في تمتعه بالعمرة إلى الحج فتمتع الناس معه بمثل ما أخبر به سالم عن أبيه . ورواه أيضا عن عائشة من لا يذكر معه يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب وهم : القاسم بن محمد بن أبي بكر ؛ والأسود بن يزيد ، وذكوان مولاها وكان يؤمها ، وعمرة بنت عبد الرحمن ، وكل واحد من هؤلاء أخص بعائشة وأعلم وأضبط وأوثق من يحيى بن عبد الرحمن - : روينا من طريق مسلم حدثني سليمان بن عبيد الله الغيلاني نا أبو عامر عبد الملك بن عمر العقدي نا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه { عن عائشة أم المؤمنين قالت : خرجنا مع رسول الله ﷺ فذكر الحديث : وفيه فلما قدمنا مكة قال رسول الله ﷺ لأصحابه : اجعلوها عمرة فأحل الناس إلا من كان معه الهدي ، فكان الهدي مع رسول الله ﷺ وأبي بكر ، وعمر ، وذوي اليسارة ثم أهلوا حين راحوا } . ويكفي من كل هذا أن هذه الأخبار الثلاثة من طريق أبي الأسود ، ويحيى بن عبد الرحمن إنما هي موقوفة لا مسندة ، ولا حجة في موقوف فكيف إذا روى بضعة وعشرون من التابعين عن خمسة عشر من الصحابة خلاف ذلك ؟ وأسلم الوجوه لحديثي أبي الأسود ، وحديث يحيى بن عبد الرحمن أن يخرج على أن المراد بقولها : إن الذين أهلوا بحج ، أو حج وعمرة لم يحلوا إلى يوم النحر إنما كانوا من كان معه هدي فأهل بهما جميعا أو أضاف العمرة إلى الحج كما روى مالك عن الزهري عن عائشة عن النبي ﷺ فتخرج حينئذ هذه الأخبار سالمة لأن ما روته الجماعة عنها فيه زيادة لم يذكرها أبو الأسود ، ولا يحيى بن عبد الرحمن لو كان ما رويا مسندا فكيف وليس مسندا ؟ ونحمل حديث أبي الأسود عن عروة في حج أبي بكر ، وعمر ، وسائر من ذكرنا على أنهم كانوا يسوقون الهدي فتتفق الأخبار . واحتجوا أيضا بنهي عمر ، وعثمان عن ذلك . قال أبو محمد : هذا عليهم لا لهم لأنه إن كان نهيهما رضي الله عنهما حجة فقد صح عنهما النهي عن متعة الحج ، وهم يخالفونهما في ذلك - : نا أحمد بن محمد الطلمنكي نا ابن مفرج نا إبراهيم بن أحمد بن فراس نا محمد بن علي بن زيد الصائغ نا سعيد بن منصور نا هشيم ، وحماد بن زيد قال هشيم : أنا خالد هو الحذاء - وقال حماد : عن أيوب السختياني ثم اتفق أيوب ، وخالد كلاهما عن أبي قلابة قال : قال عمر بن الخطاب : متعتان كانتا على عهد رسول الله ﷺ وأنا أنهي عنهما وأضرب عليهما ؛ هذا لفظ أيوب ؛ وفي رواية خالد : أنا أنهي عنهما ، وأعاقب عليهما : متعة النساء ، ومتعة الحج . وبه إلى سعيد بن منصور نا هشيم أنا عبد الله بن عون عن القاسم بن محمد : أن عثمان نهى عن المتعة - يعني متعة الحج - وبه إلى سعيد بن منصور نا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن عبد العزيز بن نبيه عن أبيه أن عثمان بن عفان سمع رجلا يهل بعمرة وحج فقال : علي بالمهل ؛ فضربه وحلقه . قال أبو محمد : وهم يخالفونهما ويجيزون المتعة حتى أنها عند أبي حنيفة ، والشافعي أفضل من الإفراد ، فسبحان من جعل نهي عمر ، وعثمان رضي الله عنهما عن فسخ الحج حجة ولم يجعل نهيهما عن متعة الحج وضربهما عليها حجة إن هذا لعجب فإن قالوا : قد أباحها سعد بن أبي وقاص وغيره ؟ قلنا : وقد أوجب فسخ الحج ابن عباس وغيره ولا فرق - : واحتجوا بما رويناه أيضا من طريق البزار نا عمر بن الخطاب السجستاني نا الفريابي نا أبان بن أبي حازم حدثني أبو بكر بن حفص عن ابن عمر عن عمر قال : يا أيها الناس ، إن رسول الله ﷺ أحل لنا المتعة ثم حرمها علينا . ومن طريق أبي ذر كانت المتعة في الحج رخصة لنا أصحاب محمد ﷺ وعن عثمان : كانت متعة الحج لنا ليست لكم . قال أبو محمد : هذا كله خالفه الحنفيون ، والمالكيون ، والشافعيون ، لأنهم متفقون على إباحة متعة الحج - وأما حديث عمر فإنما هو في متعة النساء بلا شك ، لأنه قد صح عنه الرجوع إلى القول بها في الحج ؛ وهؤلاء مخالفون لهذا الخبر إن كان محمولا عندهم على متعة الحج . روينا من طريق شعبة عن سلمة بن كهيل عن طاوس عن ابن عباس قال : قال عمر بن الخطاب : لو اعتمرت في سنة مرتين ثم حججت لجعلت مع حجتي عمرة . ورويناه أيضا من طريق سفيان عن سلمة بن كهيل عن طاوس عن ابن عباس عن عمر بمثله - ورويناه أيضا من طرق . واحتجوا بما رويناه أيضا من طريق المرقع عن أبي ذر أنه قال : كان فسخ الحج من رسول الله ﷺ لنا خاصة . ومن طريق عبد الرحمن بن الأسود عن سليمان أو سليم بن الأسود أن أبا ذر قال فيمن حج ثم فسخها عمرة : لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله ﷺ ؛ ومن طريق موسى بن عبيدة عن يعقوب بن زيد عن أبي ذر قال : لم يكن لأحد بعدنا أن يجعل حجته عمرة إنما كانت لنا رخصة أصحاب محمد ﷺ . قال أبو محمد : إن لم يكن قول أبي ذر إن متعة الحج خاصة لهم حجة فليس قوله : إن فسخ الحج خاصة لهم حجة ؛ لا سيما وذلك الإسناد عنه صحيح ؛ لأنه من رواية إبراهيم التيمي عن أبيه ؛ وهذه الأسانيد عنه واهية ؛ لأنها عن المرقع ، وسليمان أو سليم ، وهما مجهولان . وعن موسى بن عبيدة الربذي - وهو ضعيف - فكيف وقد خالفه ابن عباس ، وأبو موسى ؟ فلم يريا ذلك خاصة . ولا يجوز أن يقال في سنة ثابتة أنها خاصة لقوم دون قوم إلا بنص قرآن أو سنة صحيحة ؛ لأن أوامر النبي ﷺ على لزوم الإنس ، والجن ، الطاعة لها والعمل بها . فإن قيل : هذا لا يقال بالرأي ؟ قلنا : فيجب على هذا متى وجد أحد من الصحابة يقول في آية أنها مخصوصة أو منسوخة أن يقال بقوله ؛ وأقر بذلك قولهم في المتعة : إنها خاصة ، وقد خالفوا ذلك . واحتجوا بما رويناه من طريق ربيعة الرأي { عن الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه قلت : يا رسول الله أفسخ الحج لنا خاصة أو لمن بعدنا ؟ قال : لكم خاصة } . قال أبو محمد الحارث بن بلال مجهول ولم يخرج أحد هذا الخبر في صحيح الحديث ؛ وقد صح خلافه بيقين ؛ كما أوردنا من طريق جابر بن عبد الله { أن سراقة بن مالك قال لرسول الله ﷺ إذ أمرهم بفسخ الحج في عمرة : يا رسول الله ، لعامنا هذا أم لأبد ؟ فقال رسول الله ﷺ بل لأبد الأبد } .