→ كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | ابن حزم - المحلى كتاب الحج (مسألة 834 - 835) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) ← |
كتاب الحج
834 - مسألة : وأما جواز تقديم لفظة العمرة على الحج ، أو لفظة الحج على العمرة ؛ فلأنه قال تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } فبدأ بلفظة الحج ؛ وصح { عن رسول الله ﷺ أنه قال : لبيك عمرة وحجة } وصح أنه عليه السلام قال : { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } فلا نبالي أي ذلك قدم في اللفظ - وبالله تعالى التوفيق .
835 - مسألة : فإذا جاء القارن إلى مكة عمل في الطواف والسعي بين الصفا والمروة كما قلنا في العمرة إلا أنه يستحب له أن يرمل في الثلاث ، وليس ذلك فرضا في الحج ثم إذا أتم ذلك أقام محرما [ كما هو ] إلى يوم منى - وهو الثامن من ذي الحجة - فإذا كان اليوم المذكور أحرم بالحج من كان متمتعا ثم نهض القارن ، والمتمتع إلى منى فيبقيان بها نهارهما وليلتهما فإذا كان من الغد - وهو اليوم التاسع من ذي الحجة - نهضوا كلهم إلى عرفة فيصلي هنالك الإمام والناس الظهر بعد أن يخطب الناس ثم يؤذن المؤذن ، ويقيم ويصلي الظهر بالناس ، فإذا سلم من الظهر أقيمت الصلاة إقامة بلا أذان وصلى بهم العصر إثر سلامه من الظهر بعد زوال الشمس لا ينتظر وقت العصر كما في سائر الأيام ، ثم يقف الناس للدعاء فإذا غابت الشمس نهضوا كلهم إلى مزدلفة . ولو نهض إنسان إلى مزدلفة قبل غروب الشمس فلا حرج في ذلك ، ولا شيء عليه - لا دم ولا غيره وحجه تام . فإذا أتوا مزدلفة أذن المؤذن لصلاة المغرب ، ثم أقام وصلى الإمام بالناس صلاة المغرب ولا يجزئ أحدا أن يصليها تلك الليلة قبل مزدلفة ولا قبل مغيب الشفق ، فإذا - سلم أقيم لصلاة العتمة إقامة بلا أذان فيصليها بالناس ، وهي ليلة عيد الأضحى ويبيت الناس هنالك ، فإذا انصدع الفجر أذن المؤذن وأقيمت الصلاة فصلى بهم الصبح . ومن لم يقف بعرفة من بعد زوال الشمس من يوم عرفة إلى مقدار ما يدفع منها ويدرك بمزدلفة صلاة الصبح مع الإمام - فقد بطل حجه إن كان رجلا ، ومن لم يدرك مع الإمام بمزدلفة صلاة الصبح فقد بطل حجه إن كان رجلا . وأما النساء فإن وقفن بعرفة إلى قبل طلوع الفجر من يوم النحر أو دفعن من عرفة بعد ذكرهن الله - تعالى - فيها أجزأهن الحج ؛ ومن لم يقف منهن بعرفة لا يوم عرفة ولا ليلة يوم النحر حتى طلع الفجر ، فقد بطل حجها ، ومن لم تقف منهن بمزدلفة بعد وقوفها بعرفة وتذكر الله - تعالى - فيها حتى طلعت الشمس من يوم النحر ، فقد بطل حجها . فإذا صلى الإمام كما ذكرنا بمزدلفة صلاة الصبح بالناس وقفوا للدعاء ، فإذا أسفر قبل طلوع الشمس دفعوا كلهم إلى منى ، فإذا أتوا منى أحببنا لهم التطيب بعد أن يرموا جمرة العقبة بسبع حصيات يكبرون مع كل حصاة ، ولا يقطعون التلبية مذ يهلون بالحج من المسجد ، أو بالقران من الميقات إلا مع تمام رمي السبع حصيات ، فإذا رموها كما ذكرنا فقد تم إحرامهم ويحلقون أو يقصرون ، والحلق أفضل للرجال . وينحرون الهدي إن كان معهم ، ثم قد حل لهم كل ما كان من اللباس حراما على المحرم ، وحل لهم التصيد في الحل ، والتطيب حاشا الوطء فقط . فإن نهضوا من يومهم إلى مكة فطافوا بالبيت سبعا لا خبب في شيء منها ثم سعى بين الصفا والمروة سبعا - إن كان متمتعا ، أو إن كان لم يسع بينهما أول دخوله إن كان قارنا - فقد تم الحج كله ، أو القران كله وحل لهم الوطء . ويرجعون إلى منى فيقيمون بها ثلاثة أيام بعد يوم النحر يرمون كل يوم بعد زوال الشمس الجمرات الثلاث بسبع حصيات ، سبع حصيات ، سبع حصيات : يبدأ بالقصوى ، ثم بالتي تليها ، ثم جمرة العقبة التي رمى يوم النحر يقف عند الأوليين للدعاء ، ولا يقف عند جمرة العقبة ؛ فإذا تم ذلك ، فقد تم جميع [ عمل ] الحاج . ويأكل القارن ولا بد من الهدي الذي ساق مع نفسه ويتصدق منه ولا بد . فأما المتمتع فإن كان من غير أهل مكة والحرم ، ولم يكن أهله معه قاطنين هنالك : ففرض عليه أن يهدي هديا ، ولا بد - : إما رأس من الإبل ، أو من البقر ، وإما شاة ، وإما نصيب مشترك في رأس من الإبل ، أو في رأس من البقر بين عشرة أنفس فأقل - لا نبالي متمتعين كانوا أو غير متمتعين ، وسواء أراد بعضهم حصته للأكل ، أو للبيع ، أو لله دي ، ولا يجزئه أن يهديه إلا بعد أن يحرم بالحج ويذبحه بمكة أو بمنى ولا بد ، أو متى شاء بعد ذلك . فإن لم يقدر على هدي ففرضه أن يصوم ثلاثة أيام ما بين أن يحرم بالحج إلى أول يوم من النحر ، فإن فاته ذلك فليؤخر طواف الإفاضة - وهو الطواف الذي ذكرنا يوم النحر - إلى أن تنقضي أيام التشريق ، ثم يصوم الثلاثة الأيام ؛ ثم يطوف بعد تمام صيامهن طواف الإفاضة ؛ ثم يصوم سبعة أيام إذا رجع من عمل الحج كله ولم يبق منه شيء ؛ فإن كان أهله بمكة لم يلزمه إن كان متمتعا هدي ، ولا صيام ، وهو محسن في كل ذلك .
والمتمتع هو من اعتمر ممن ليس أهله من سكان الحرم ثم حج من عامه سواء رجع إلى بلده ، أو إلى الميقات ، أو لم يرجع ، ولا يضر الهدي أن لا يوقف بعرفة ، ولا هدي على القارن - مكيا كان أو غير مكي - حاشا الهدي الذي كان معه عند إحرامه . فمن أراد ممن ذكرنا أن يخرج عن مكة فليجعل آخر عمل يعمله أن يطوف بالبيت سبعا ، ثم يخرج إثر تمامه موصولا به ولا بد ؛ فإن تردد لأمر ما أعاد الطواف إذا أراد الخروج عن مكة ، فإن خرج ولم يطف ففرض عليه الرجوع ولا بد - ولو من أقصى الدنيا - حتى يجعل آخر عمله بمكة الطواف بالبيت
ومن ترك من طواف الإفاضة - ولو بعض شوط حتى خرج - : ففرض عليه الرجوع حتى يتمه ؛ فإن خرج ذو الحجة قبل أن يتمه فقد بطل حجه .
ومن لم يرم جمرة العقبة يوم النحر أو باقي ذي الحجة فقد بطل حجه ؛ ويجزئ القارن طواف واحد لعمرته ولحجه ، كالمفرد بالحج ولا فرق . برهان ذلك : ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا أبو بكر بن أبي شيبة ، وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - جميعا عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ( . . . ) قال : قلت لجابر بن عبد الله : أخبرني عن حجة الوداع ؟ فقال جابر - فذكر حديثا - وفيه { فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة - فذكر كلاما - ثم قال فصلى رسول الله ﷺ في المسجد ، ثم ركب القصواء - فذكر كلاما - ثم قال : حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم فقرأ { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فجعل المقام بينه وبين البيت . . . ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ؛ فلما دنا من الصفا قرأ { إن الصفا والمروة من شعائر الله } أبدأ بما بدأ الله به ؛ فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة ، فوحد الله وكبره وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده . ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ؛ ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه في بطن الوادي حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة قال : لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة ؛ فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد ؟ - فشبك رسول الله ﷺ أصابعه واحدة في الأخرى وقال : دخلت العمرة في الحج مرتين - لا ، بل لأبد أبد ، وقدم علي من اليمن ببدن النبي ﷺ فوجد فاطمة ممن حل ، ولبست ثيابا صبيغا فأنكر ذلك عليها فقالت : إني أمرت بهذا . . . فأخبر علي بذلك النبي ﷺ فقال : صدقت صدقت ماذا قلت حين فرضت الحج ؟ قال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسولك ﷺ قال : فإن معي الهدي فلا تحل . . . فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي ﷺ ومن كان معه هدي ؛ فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله ﷺ فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة فسار رسول الله ﷺ . . . حتى أتى عرفة . . . فنزل في القبة بنمرة حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس فقال : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا - ثم ذكر كلاما كثيرا - ثم أذن ، ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ؛ ثم ركب عليه السلام حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا . . . وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله ﷺ وقد شنق للقصواء الزمام ، وقال : أيها الناس السكينة السكينة ، كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد ، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا ، ثم اضطجع عليه السلام حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ؛ ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله تعالى وكبره وهلله ووحده ؛ فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس ، وأردف الفضل بن العباس حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ؛ ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ؛ ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه . ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ، ثم ركب رسول الله ﷺ فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر . ثم أتى زمزم فتناول دلوا فشرب منه } . قال أبو محمد : كل ما في هذا الخبر من دعاء ، وصفة مشي ، وغير ذلك لا تحاش شيئا ، فهو كله سنة مستحبة