→ كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | ابن حزم - المحلى كتاب الحج (مسألة 837 - 850) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الحج (مسألة 851 - 861) ← |
كتاب الحج
837 مسألة : ويجزئ في الهدي : المعيب ، والسالم أحب إلينا - ولا تجزئ جذعة من الإبل ، ولا من البقر ، ولا من الغنم ، إلا في جزاء الصيد فقط . برهان ذلك - : أن { نهي النبي ﷺ عن العرجاء البين عرجها ، والعوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعجفاء التي لا تنقى ، وأن لا يضحى بشرقاء ، ولا خرقاء ، ولا مقابلة ، ولا مدابرة } ، إنما جاء في الأضاحي نصا ، والأضحية غير الهدي ، والقياس باطل . وقد وافقنا المخالف على اختلاف حكم الهدي والأضحية في الإشعار والتقليد ، وحكمه إذا عطب قبل محله . فمن الباطل أن يقاس حكم الهدي على الأضاحي في مكان ، ولا يقاس عليه في مكان آخر بغير برهان مفرق بين ذلك ، والهدي جائز في جميع السنة ، ولا تجوز الأضحية عندهم إلا في ثلاثة أيام من ذي الحجة ؛ فبطلت التسوية بينهما - وبالله - تعالى - التوفيق . وأما الجذعة - : فلما روينا من طريق مسلم نا يحيى بن يحيى أنا هشيم عن داود بن أبي هند عن الشعبي { عن البراء بن عازب : أن خاله أبا بردة بن نيار ذبح قبل أن يذبح النبي ﷺ فقال : يا رسول الله إن هذا اليوم اللحم فيه مكروه ، وإني عجلت نسيكتي لأطعم أهلي ، وجيراني ، وأهل داري ؟ فقال له رسول الله ﷺ أعد نسكا ؟ فقال : يا رسول الله إن عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم ؟ فقال عليه السلام : هي خير نسيكتيك ، ولا تجزئ جذعة عن أحد بعدك } . وهذا عموم منه عليه السلام وابتداء قضية قائمة بذاتها وإنما كان يكون هذا مقصورا على الأضحية لو قال عليه السلام : ولا تجزئ عن أحد بعدك ، فكان يكون الضمير مردودا إلى الأضحية ؛ لكن ابتدأ عليه السلام فأخبر : أنه لا يجزئ جذعة عن أحد بعدها ؛ فعم ولم يخص . وإنما خصصنا جزاء الصيد بنص قوله تعالى : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } فعم - تعالى - أيضا ، ووجب أن يجزئ الجذع بمثله ، والصغير بمثله ، والمعيب بمثله بنص القرآن - وبالله - تعالى - التوفيق .
838 مسألة : ولا يجوز لأحد أن يطوف بالبيت عريان ، فإن فعل لم يجزه ، فإن غطى قبله ودبره ، فلا يسمى : عريان ، فإن انكشف ساهيا لم يضره ، قال الله - عز وجل - : { خذوا زينتكم عند كل مسجد } . روينا من طريق شعبة عن المغيرة عن الشعبي { عن المحرر بن أبي هريرة عن أبيه قال : كنت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله ﷺ إلى مكة ببراءة كنا ننادي : أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، ولا يطوف بالبيت عريان } . وقال - تعالى - : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } .
839 مسألة : والطواف بالبيت على غير طهارة جائز ، وللنفساء ، ولا يحرم إلا على الحائض فقط ؛ لأن رسول الله ﷺ منع أم المؤمنين - إذ حاضت - من الطواف بالبيت كما ذكرنا قبل . وولدت أسماء بنت عميس بذي الحليفة فأمرها عليه السلام بأن تغتسل وتهل ، ولم ينهها عن الطواف ؛ فلو كانت الطهارة من شروط الطواف لبينه [ رسول الله ] ﷺ كما بين أمر الحائض ، { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } { وما كان ربك نسيا } ولا فرق بين إجازتهم الوقوف بعرفة ، والمزدلفة ، والسعي بين الصفا والمروة ، ورمي الجمرة على غير طهارة ، وبين جواز الطواف على غير طهارة إلا حيث منع منه النص فقط . روينا عن سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن أبي بشر عن عطاء قال : حاضت امرأة وهي تطوف مع عائشة أم المؤمنين فأتمت بها عائشة بقية طوافها - فهذه أم المؤمنين لم تر الطهارة من شروط الطواف - ولا نقول بهذا في الحيض خاصة للنص الوارد في ذلك .
840 - مسألة : فلو حاضت امرأة ولم يبق لها من الطواف إلا شوط أو بعضه ، أو أشواط ، فكل ذلك سواء ، وتقطع ولا بد ، فإذا طهرت بنت على ما كانت طافته ، ولها أن تطوف بين الصفا والمروة ؛ لأنها لم تنه إلا عن الطواف [ بالبيت ] فقط . وقد وافقونا على إجازة كل ذلك للحائض ، لأن النبي ﷺ لم ينهها عن ذلك ، فكذلك لم ينه الجنب ، ولا النفساء ، عن الطواف ، ولا فرق [ وبالله - تعالى - التوفيق ] .
841 مسألة : ومن قطع طوافه لعذر أو لكلل بنى على ما طاف ، وكذلك السعي ؛ لأنه قد طاف ما طاف كما أمر فلا يجوز إبطاله ، فلو قطعه عابثا فقد بطل طوافه ، لأنه لم يطف كما أمر .
842 - مسألة : والطواف والسعي راكبا جائز ، وكذلك رمي الجمرة - : لعذر ولغير عذر روينا من طريق مسلم ثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى أنا ابن وهب : أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس { أن رسول الله ﷺ طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن } . ورويناه أيضا من طريق عائشة ، وجابر بن عبد الله . ومن طريق مسلم نا عبد بن حميد أنا محمد بن بكر أنا ابن جريج : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : { طاف النبي ﷺ في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليشرف وليسألوه } . ومن طريق مسلم حدثني أحمد بن حنبل نا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم هو خال محمد بن سلمة واسمه خالد بن أبي يزيد عن زيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين عن جدته { أم الحصين قالت : حججت مع رسول الله ﷺ حجة الوداع فرأيت أسامة بن زيد وبلالا أحدهما آخذ بخطام ناقة رسول الله ﷺ والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة } . وقد روينا عن عمر ، وعروة : المنع من ذلك ، ولا حجة في أحد مع رسول الله ﷺ .
843 - مسألة : ولا يجوز التباعد عن البيت عند الطواف إلا في الزحام ؛ لأن التباعد عنه عمل بخلاف فعل رسول الله ﷺ وعبث لا معنى له فلا يجوز .
844 - مسألة : والطواف بالبيت في كل ساعة جائز ، وعند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، ويركع عند ذلك - : روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري نا سفيان هو ابن عيينة - نا أبو الزبير عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم : " أن النبي ﷺ قال : { يا بني عبد مناف لا تمنعن أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار } . ورويناه أيضا من طريق ابن أبي نجيح عن عبد الله بن باباه بإسناده - : وروينا عن الحسن ، والحسين ابني علي ، وعبد الله بن عمر : الطواف بعد العصر والصلاة حينئذ إثر الطواف . وعن ابن عباس أنه طاف بعد العصر - : وعن ابن الزبير أنه طاف بعد صلاة الصبح وصلى الركعتين حينئذ قال أبو محمد : إنما جاء النهي عن الصلاة بعد العصر جملة فمن أجاز الطواف بعد العصر ما لم تصفر الشمس فقد تحكم بلا دليل .
845 - مسألة : وجائز في - رمي الجمرة ، والحلق ، والنحر ، والذبح ، وطواف الإفاضة ، والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ، أن تقدم أيها شئت على أيها شئت لا حرج في شيء من ذلك - : روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا محمد بن عبد الله بن قهزاد نا علي بن الحسن عن عبد الله بن المبارك أنا محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال { سمعت رسول الله ﷺ وأتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة فقال : يا رسول الله إني حلقت قبل أن أرمي ؟ قال : ارم ، ولا حرج ، وأتاه آخر فقال : إني ذبحت قبل أن أرمي ؟ قال : ارم ولا حرج ، وأتاه آخر وقال : إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي ؟ قال : ارم ولا حرج قال فما رأيته يسأل يومئذ عن شيء إلا قال : افعلوا ولا حرج } . ومن طريق مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو بن العاص { أن رسول الله ﷺ وقف بمنى في حجة الوداع فجاء رجل فقال : يا رسول الله إني لم أشعر فحلقت قبل أن أرمي ؟ قال : ارم ولا حرج ، وجاء آخر فقال : يا رسول الله إني لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي ؟ قال : ارم ولا حرج - قال : فما سئل رسول الله ﷺ عن شيء يومئذ قدم أو أخر إلا قال : اصنع ولا حرج } . ومن طريق ابن الجهم عن إسماعيل بن إسحاق أنا أبو المصعب عن مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : { وقف رسول الله ﷺ في حجة الوداع بمنى فجاء رجل فقال : يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح ؟ قال : اذبح ولا حرج ، فقال آخر : يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أرمي ؟ قال : ارم ولا حرج ، فما سئل عن شيء قدم ، ولا أخر إلا قال : افعل ولا حرج } . ومن طريق مسلم حدثني محمد بن حاتم نا بهز بن أسد نا وهيب هو ابن خالد - نا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس ، { أن النبي ﷺ قيل له في الذبح ، والحلق والرمي ، والتقديم ، والتأخير ؟ فقال : لا حرج } . ومن طريق أبي داود نا عثمان بن أبي شيبة نا جرير بن عبد الحميد عن الشيباني هو أبو إسحاق - عن زياد بن علاقة عن { أسامة بن شريك قال : خرجت مع رسول الله ﷺ حاجا فكان الناس يأتونه فمن قائل يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو أخرت شيئا أو قدمت شيئا فكان يقول : لا حرج لا حرج } ، ذكر باقي الحديث . قال أبو محمد : فأخذ بهذا جمهور من السلف كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان نا أيوب هو السختياني - عن نافع عن ابن عمر أنه رأى رجلا من أهله أفاض قبل أن يحلق فأمره أن يحلق . وروينا عنه غير هذا من طريق سعيد أيضا - : نا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد عن نافع : أن ابن عمر لقي ابن أخيه عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عمر قد أفاض قبل أن يحلق أو يقصر فأمره أن يقصر ، ثم يرجع فيفيض . ومن طريق ابن الجهم نا عبد الله بن الحسن الهاشمي نا روح نا سعيد عن قتادة عن مورق العجلي قلت لابن عمر : رجل حلق قبل أن يذبح ؟ قال : خالف السنة ، قلت : ماذا عليه ؟ قال : إنك لضخم اللحية ، ولم يجعل عليه شيئا . ومن طريق ابن الجهم نا إبراهيم بن حماد نا الصاغاني نا سعيد بن عامر عن سعيد بن أبي عروبة عن مقاتل : أنهم سألوا أنس بن مالك عن قوم حلقوا قبل أن يذبحوا ؟ قال : أخطأتم السنة ولا شيء عليكم . قال علي : ما أخطئوا السنة ولا خالفوها ؛ لأن ما أباحه رسول الله ﷺ ولم ير فيه حرجا فهو سنة لكن تركوا الأفضل فقط . ومن طريق الحذافي نا عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء فيمن رمى الجمرة الوسطى قبل الأولى قال : يرمي التي ترك ( وأجزأه ) . وبه نصا إلى سفيان ، قال : أخبرني ابن جريج عن عطاء أنه قال : من بدأ بالصفا والمروة قبل البيت ؟ أنه يطوف بالبيت ، وقد أجزأ عنه - وبه يقول سفيان . ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد أنه أتى الحسن البصري بمكة ثاني يوم النحر قد بدأ يرمي جمرة العقبة ، ثم الوسطى ، ثم الأخرى قال : فسألت فقهاء مكة عن ذلك فلم ينكروه ؟ ومن طريق ابن أبي شيبة نا الفضيل بن عياض عن ليث بن أبي سليم عن صدقة قال : سألت طاوسا ، ومجاهدا عمن حلق قبل أن ينحر ؟ قالا : لا شيء عليه - وهو قول سفيان ، والأوزاعي ، وداود ، وأصحابه . وقد روي عن بعض السلف غير هذا - : روينا من طريق ابن أبي شيبة نا سلام بن مطيع وهو أبو الأحوص - عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عباس قال : من قدم شيئا من حجه أو أخره فليهرق لذلك دما . ومن طريق ابن أبي شيبة نا جرير عن منصور عن سعيد بن جبير قال : من قدم شيئا قبل شيء من حجه أو حلق قبل أن يذبح فعليه دم . ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو معاوية عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : من حلق قبل أن يذبح أهرق دما ، وقرأ { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } . ومن طريق ابن أبي شيبة نا فضيل بن عياض عن ليث عن صدقة عن جابر بن زيد قال : من حلق قبل أن ينحر فعليه الفدية . قال أبو محمد : أما الرواية عن ابن عباس فواهية ؛ لأنها عن إبراهيم بن مهاجر ، وهو ضعيف - وأما قول إبراهيم ، وجابر بن زيد في أن من حلق قبل الذبح والنحر : فعليه دم أو الفدية ، واحتجاجهم بقول الله - تعالى - : { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } فغفلة ممن احتج بهذا ؛ لأن محل الهدي هو يوم النحر بمنى ذبح أو نحر ، أو لم يذبح ولا نحر إذا دخل يوم النحر والهدي بمنى أو بمكة فقد بلغ محله فحل الحلق ، ولم يقل - تعالى - : حتى تنحروا أو تذبحوا ، وبين رسول الله ﷺ أن كل ذلك مباح ولا حجة في قول أحد سواه عليه السلام . وأما المتأخرون عمن ذكرنا - : فإن أبا حنيفة قال : من حلق قبل أن يرمي فلا شيء عليه ، فإن حلق قبل أن ينحر أو يذبح فإن كان مفردا فعليه دم ، وإن كان قارنا فعليه دمان . وقال زفر صاحبه : إن حلق القارن قبل أن يذبح أو ينحر فعليه ثلاثة دماء ؛ فإن كان متمتعا فعليه دم واحد ؛ فإن كان مفردا فلا شيء عليه . وقال أبو يوسف : إن حلق قبل أن يذبح قارنا أو متمتعا فعليه دم واحد ، فإن كان مفردا فلا شيء عليه ، ثم رجع فقال هو ، ومحمد بن الحسن : لا شيء عليه في كل ذلك . وقال مالك : إن حلق قبل أن يذبح أو ينحر فلا شيء عليه ، فإن حلق قبل أن يرمي فعليه دم . وقال الشافعي : لا شيء عليه فيما أخر أو قدم إلا من طاف بين الصفا والمروة قبل الطواف بالبيت فعليه دم . قال أبو محمد : كل هذه أقوال في غاية الفساد ؛ لأنها كلها دعاوى بلا دليل لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من قول صاحب ، ولا من قياس ، ولا من رأي سديد فأما تفريق - أبي حنيفة بين حكم المفرد والقارن ، وإيجاب زفر ثلاثة دماء على القارن ، ودما على المتمتع ، وتفريق مالك بين تقديم الحلق على الرمي ، وتقديمه على النحر ، والذبح ، وتفريق الشافعي بين تقديم السعي على الطواف ، وبين سائر ما قدم وأخر - : فأقوال لا تحفظ عن أحد من أهل العلم قبل القائل بها ممن ذكرنا - وبالله - تعالى - التوفيق .
846 - مسألة : ومن لم يبت ليالي منى بمنى فقد أساء ولا شيء عليه إلا الرعاء وأهل سقاية العباس فلا نكره لهم المبيت في غير منى ؛ بل للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما . روينا من طريق أبي داود نا مسدد نا سفيان هو ابن عيينة - عن عبد الله ، ومحمد ابني أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيهما عن أبي البداح بن عدي عن أبيه { أن رسول الله ﷺ رخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما } . فصح بهذا الخبر أن الرمي في كل يوم من أيام منى ليس فرضا . ومن طريق مسلم نا ابن نمير هو محمد بن عبد الله - نا أبي نا عبيد الله هو ابن عمر حدثني نافع عن ابن عمر قال : { إن العباس بن عبد المطلب استأذن رسول الله ﷺ من أجل سقايته أن يبيت بمكة ليالي منى فأذن له } . قال أبو محمد : فأهل السقاية مأذون لهم من أجل السقاية ، وبات عليه السلام بمنى ولم يأمر بالمبيت بها ، فالمبيت بها سنة ، وليس فرضا ، لأن الفرض إنما هو أمره ﷺ فقط . فإن قيل : إن إذنه للرعاء وترخيصه لهم وإذنه للعباس دليل على أن غيرهم بخلافهم ؟ قلنا : لا وإنما كان يكون هذا لو تقدم منه عليه السلام أمر بالمبيت والرمي ، فكان يكون هؤلاء مستثنين من سائر من أمروا ، وأما إذا لم يتقدم منه أمر عليه السلام فنحن ندري أن هؤلاء مأذون لهم ، وليس غيرهم مأمورا بذلك ولا منهيا فهم على الإباحة - : روينا عن عمر بن الخطاب " لا يبيتن أحد من وراء العقبة أيام منى " وصح هذا عنه رضي الله عنه وعن ابن عباس مثل هذا ؛ وعن ابن عمر أنه كره المبيت بغير منى أيام منى ، ولم يجعل واحد منهم في ذلك فدية أصلا . ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : لا بأس لمن كان له متاع بمكة أن يبيت بها ليالي منى . ومن طريق ابن أبي شيبة نا زيد بن الحباب نا إبراهيم بن نافع أنا عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال : إذا رميت الجمار فبت حيث شئت . وبه إلى إبراهيم بن نافع نا ابن أبي نجيح عن عطاء قال : لا بأس أن يبيت بمكة ليالي منى في ضيعته . وعن مجاهد لا بأس بأن يكون أول الليل بمكة وآخره بمنى أو أول الليل بمنى وآخره بمكة - وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا أبو معاوية عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول : من بات ليالي منى بمكة تصدق بدرهم أو نحوه . وعن بكير بن مسمار عن سالم عن ابن جريج عن عطاء مثل هذا أيضا يتصدق بدرهم إذا لم يبت بمنى . ومن طريق أبي بكر بن عياش عن المغيرة عن إبراهيم قال : إذا بات دون العقبة أهرق دما . وقال أبو حنيفة : بمثل قولنا ، وقال سفيان : يطعم شيئا ، وقال مالك : من بات ليلة من ليالي منى بغير منى أو أكثر ليلته فعليه دم ، فإن بات الأقل من ليلته فلا شيء عليه . وقال الشافعي : من بات ليلة من ليالي التشريق في غير منى فليتصدق بمد فإن بات ليلتين ، فمدان فإن بات ثلاثا فدم - وروي عنه في ليلة ثلث دم ، وفي ليلتين ثلثا دم وفي ثلاث ليال دم قال أبو محمد : هذه الأقوال لا دليل على صحتها يعني الصدقة بدرهم أو بإطعام شيء أو بإيجاب دم ، أو بمد ، أو مدين ، أو ثلث دم ، أو ثلثي دم ، أو الفرق بين المبيت أكثر الليل ، أو أقله ، وما كان هكذا فالقول به لا يجوز ، وما نعلم لمالك ، ولا للشافعي في أقوالهم هذه سلفا أصلا ، لا من صاحب ، ولا من تابع .
847 - مسألة : ومن رمى يومين ، ثم نفر ، ولم يرم الثالث فلا بأس به ، ومن رمى الثالث فهو أحسن . برهان ذلك - : قول الله - تعالى - : { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه } وقال أبو حنيفة : إن نفر اليوم الثاني إلى الليل لزمه أن يرمي الثالث - : قال علي : وهذا خطأ ، وحكم بلا دليل وخلاف للقرآن .
848 - مسألة : والمرأة المتمتعة بعمرة إن حاضت قبل الطواف بالبيت ففرضها أن تضيف حجا إلى عمرتها إن كانت تريد الحج من عامها وتعمل عمل الحج حاشا الطواف بالبيت ، فإذا طهرت طافت ، وهذا لأمر رسول الله ﷺ عائشة بذلك قد ذكرناه قبل .
849 مسألة - ولا يلزم الغسل في الحج فرضا إلا المرأة تهل بعمرة تريد التمتع فتحيض قبل الطواف بالبيت فهذه تغتسل ولا بد وتقرن حجا إلى عمرتها ؛ والمرأة تلد قبل أن تهل بالعمرة ، أو بالقران : ففرض عليها أن تغتسل ، ولتهل بالحج - : لما روينا من طريق مسلم نا قتيبة نا الليث عن أبي الزبير عن جابر قال { أقبلت عائشة بعمرة فذكر الحديث وفيه أنها قالت لرسول الله ﷺ قد حضت وقد حل الناس ولم أحل ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى الحج الآن فقال لها رسول الله : ﷺ إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي وأهلي بالحج } . { ولأمره عليه السلام ، أسماء بنت عميس إذ ولدت محمد بن أبي بكر بالشجرة أن تغتسل وتهل } ؛ ونحن قاطعون بائتمارها له عليه السلام ، وأنهما لو لم يغتسلا لكانتا عاصيتين ، وقد أعاذهما الله - عز وجل - من ذلك .
850 مسألة : وكل من تعمد معصية أي معصية كانت - وهو ذاكر لحجه مذ يحرم إلى أن يتم طوافه بالبيت للإفاضة ويرمي الجمرة - فقد بطل حجه ؛ فإن أتاها ناسيا لها ، أو ناسيا لإحرامه ودخوله في الحج أو العمرة : فلا شيء عليه في نسيانها ، وحجه وعمرته تامان في نسيانه كونه فيهما ، وذلك لقول الله - تعالى - : { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } فكان من شرط الله - تعالى - في الحج براءته من الرفث والفسوق ، فمن لم يتبرأ منهما فلم يحج كما أمر ، ومن لم يحج كما أمر فلا حج له وقال رسول الله ﷺ : { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } ومن عجائب الدنيا إبطالهم الحج بتقبيله امرأته المباحة له فيمني ولم ينهه الله - تعالى - قط عن هذا ؛ ثم لا يبطلونه بالفسوق من قتل النفس المحرمة ، وترك الصلاة ، وسائر الفسوق إن هذا لعجب وأعجب من ذلك إبطال أبي حنيفة الحج بوطء الرجل امرأته ناسيا لإحرامه وقد صح أن الله - تعالى - لا يؤاخذ بالنسيان ، قال - تعالى - : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } ثم لا يبطل الحج بتعمد القصد إلى أن يلوط في إحرامه أو يلاط به ، فهل في الفضائح والقبائح أكثر من هذه المصيبة ؟ وأعجب شيء دعواهم الإجماع على هذا ولا سبيل إلى أن يأتوا برواية عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم في أن تعمد الفسوق لا يبطل بل الروايات عن السلف تشهد لقولنا . وروي عن مجاهد أنه قال : إنا لنحرم من الميقات وأخشى أن لا أخرج منه حتى أخرج إحرامي ، أو كلاما هذا معناه - وإن شريحا كان إذا أحرم فكأنه حية صماء .