→ كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | ابن حزم - المحلى كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) ← |
كتاب الحج
وأما قولنا : بالجمع بين صلاتي الظهر ، والعصر بعرفة بأذان واحد وإقامتين وبمزدلفة بين المغرب والعتمة كذلك أيضا فلما صح عن رسول الله ﷺ في الخبر المذكور ؛ وقد اختلف الناس في هذا ؛ فقال أبو حنيفة ، والشافعي ؛ في الصلاة بعرفة كما قلنا . وقال مالك : بأذانين وإقامتين لكل صلاة أذان وإقامة ، وما نعلم لهذا القول حجة أصلا لا من سنة صحيحة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من عمل صاحب ، ولا تابع ، فإن قالوا : قسنا ذلك على الجمع بمزدلفة ؟ قلنا : هذا قياس للخطأ على الخطأ ، وقولكم هذا في مزدلفة خطأ على ما نبينه إن شاء الله - تعالى . فإن قالوا : قسنا ذلك على الصلوات الفائتات ؟ قلنا : القياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان [ هذا ] منه عين الباطل ؛ لأن صلاة الظهر ، والعصر ، بعرفة ليستا فائتتين ، ومن الباطل قياس صلاة تصلى في وقتها على صلاة فائتة لا سيما وأنتم لا تقولون بهذا العمل في الفائتات ، وقال سفيان ، وإسحاق : يجمع بين الظهر ، والعصر ، بعرفة بإقامتين فقط بلا أذان . واحتج أهل هذا القول بخبر رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء { أن رسول الله ﷺ صلى بمكة وبمنى كل صلاة بأذان وإقامة ، وصلى - بعرفة ، وبجمع - كل صلاة بإقامة } . قال أبو محمد : هذا لا تقوم به حجة ، ثم لو صح لما كانت فيه حجة ، لأن خبر جابر ورد بزيادة ذكر الأذان ، وزيادة العدل واجب قبولها ، ولا بد ، وأما الجمع بمزدلفة كما ذكرنا فللخبر المذكور أيضا . وفي هذا خلاف من السلف - : روينا من طريق حماد بن زيد ، وحماد بن سلمة ، قال ابن زيد : عن نافع قال : لم أحفظ عن ابن عمر أذانا ولا إقامة بجمع - يعني مزدلفة . وقال ابن سلمة عن أنس عن ابن سيرين قال : صليت مع ابن عمر بجمع المغرب بلا أذان ولا إقامة ، ثم العشاء بلا أذان ولا إقامة . وقول ثان - : وهو أننا روينا عنه أيضا أنه جمع بينهما بإقامة واحدة بلا أذان - وروينا ذلك عن شعبة عن الحكم بن عتيبة ، وسلمة بن كهيل ، كلاهما عن سعيد بن جبير : أنه صلى المغرب والعشاء بجمع بإقامة واحدة - وذكر أن ابن عمر فعل مثل ذلك ، وأن ابن عمر ذكر أن رسول الله ﷺ فعل ذلك . ورويناه أيضا من طريق مجاهد ، وغيره عن ابن عمر : أنه فعل ذلك - وهو قول سفيان ، وأحمد بن حنبل في أحد قوليهما - وبه أخذ أبو بكر بن داود . واحتج أهل هذه المقالة بما رويناه من طريق سفيان الثوري ، ويحيى بن سعيد القطان ، قال سفيان : عن مسلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ؛ وقال القطان : عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه ؛ ثم اتفق ابن عباس ، وابن عمر : على أن رسول الله ﷺ جمع بمزدلفة بين المغرب والعشاء بإقامة واحدة ، وهذا خبر صحيح . وقول ثالث - : وهو الجمع بينهما بإقامتين - لكل صلاة إقامة دون أذان - : روينا عن حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن يزيد أن عمر بن الخطاب جمع بينهما بإقامتين - يعني بمزدلفة - ومن طريق عبد الرزاق عن بعض أصحابه عن شريك عن أبي إسحاق عن أبي جعفر : أن علي بن أبي طالب جمع بين المغرب والعشاء ، كل واحدة منهما بإقامة - يعني بمزدلفة . ومن طريق حماد بن سلمة أنا عبد الكريم أنه كان مع سالم بن عبد الله بن عمر بمزدلفة فجمع بين المغرب والعشاء بإقامتين ، وهو قول سفيان ، والشافعي ، وأحمد - في أحد أقوالهم . واحتجوا بما رويناه من طريق مالك عن موسى بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد { أن رسول الله ﷺ أتى مزدلفة فتوضأ ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى ، ولم يصل بينهما شيئا } . ومن طريق البخاري نا عاصم عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر [ رضي الله عنهما ] قال { جمع رسول الله ﷺ بين المغرب والعشاء بجمع كل واحدة منهما بإقامة ، ولم يسبح بينهما ، ولا على إثر كل واحدة منهما } وهذان خبران صحيحان . وقول رابع - : وهو أن الجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة - : روينا من طريق سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن النعمان بن حميد أن عمر جمع بين الصلاتين بمزدلفة بأذان وإقامة . ومن طريق أبي داود السجستاني نا مسدد نا أبو الأحوص نا أشعث بن سليم عن أبيه " أنه كان مع ابن عمر بمزدلفة فأذن وأقام ، أو أمر بذلك ثم صلى المغرب ثلاث ركعات ، ثم التفت إلينا فقال : الصلاة ، فصلى العشاء ركعتين . قال أشعث : وأخبرني علاج بن عمرو { عن ابن عمر بهذا قال : فقيل لابن عمر في ذلك ؟ فقال : صليت مع رسول الله ﷺ هكذا } . وبه يأخذ أبو حنيفة إلا أنه قال : فإن تطوع بينهما أقام للعشاء إقامة أخرى . وقول خامس - : وهو الجمع بينهما بأذانين وإقامتين صح ذلك عن عمر بن الخطاب من طريق هشيم عن إبراهيم عن الأسود كنت مع عمر فأتى المزدلفة فصلى المغرب والعشاء ، كل صلاة بأذان وإقامة - : نا حمام نا الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو الأحوص عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن يزيد قال : صليت مع ابن مسعود المغرب بجمع بأذان وإقامة ، ثم أتينا بعشائنا فتعشينا ، ثم صلى بنا العشاء بأذان وإقامة . وبه نصا إلى أبي إسحاق السبيعي عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين : أن علي بن أبي طالب كان يجمع بين الصلاتين بمزدلفة كل صلاة بأذان وإقامة - وهو قول محمد بن علي بن الحسين ، وذكره عن أهل بيته ؛ وبه يقول مالك . ولا حجة في هذا القول من خبر عن النبي ﷺ . ولا حجة في قول عمر ، وابن مسعود ، وعلي في ذلك ؛ لأنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة ، واختلف عن عمر أيضا كما أوردنا ، فالمرجوع إليه عند التنازع هو القرآن والسنة . ولا حجة لأبي حنيفة في دعواه أن إعادة الأذان للعشاء هو من أجل أن عمر ، وابن مسعود تعشيا بين الصلاتين ؛ لأنهما لم يذكرا ذلك ، ولا أخبرا : أن إعادتهما الأذان إنما هو من أجل العشاء ، فهي دعوى فاسدة ؟ فإن قيل : قسنا ذلك على الجمع بين سائر الصلوات إذا صليت الأولى في آخر وقتها ، والأخرى في أول وقتها ، فلا بد من أذان وإقامة لكل صلاة ؟ قلنا : القياس باطل ، ولا يجوز أن يعارض ما صح عن النبي ﷺ بقياس فاسد قال أبو محمد : وقد روي مثل قولنا عن ابن عمر ، وسالم ابنه ، وعطاء ، كما روينا من طريق ابن أبي شيبة عن الفضل بن دكين عن مسعر بن كدام عن عبد الكريم قال : صليت خلف سالم : المغرب ، والعشاء بجمع بأذان وإقامتين ، فلقيت نافعا فقلت له : هكذا كان يصنع عبد الله ؟ قال : نعم ، فلقيت عطاء فقلت له ؟ فقال : قد كنت أقول لهم : لا صلاة إلا بإقامة - وهو قول الشافعي من رواية أبي ثور عنه ، فهي ستة أقوال - : أحدهما : الجمع بينهما بلا أذان ولا إقامة ، وصح عن ابن عمر . والثاني : الجمع بينهما بإقامة واحدة فقط - وصح أيضا : عن ابن عمر - : وهو قول سفيان ، وأحمد ، وأبي بكر بن داود - وصح به خبر عن رسول الله ﷺ . والثالث : الجمع بينهما بإقامتين فقط ؛ روي عن عمر ، وعلي ، وصح عن سالم بن عبد الله - وهو أحد قولي سفيان ، وأحمد ، والشافعي ؛ وصح به خبر عن رسول الله ﷺ . والرابع : الجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة - روي عن عمر ؛ وصح عن ابنه عبد الله - وهو قول أبي حنيفة - وصح به خبر عن رسول الله ﷺ . والخامس : الجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين صح عن ابن عمر ، وسالم ابنه ، وعطاء ، وهو أحد قولي الشافعي ، وبه نأخذ - وصح بذلك خبر عن رسول الله ﷺ . والسادس : الجمع بينهما بأذانين وإقامتين صح عن عمر ، وابن مسعود ، وروي عن علي ، وعن محمد بن علي بن الحسين وأهل بيته - وهو قول مالك . فأما الأخبار في ذلك فبعضها بإقامة واحدة من طريق ابن عمر ، وابن عباس ، وبعضها بإقامتين من طريق ابن عمر ، وأسامة بن زيد - وبعضها بأذان واحد ، وإقامة واحدة من طريق ابن عمر - وبعضها بأذان واحد وإقامتين من طريق جابر ؛ فاضطربت الرواية عن ابن عمر إلا أن إحدى الروايات عنه ، وعن أسامة بن زيد ، وعن جابر بن عبد الله : زادت على الأخرى ؛ وعلى رواية ابن عباس إقامة فوجب الأخذ بالزيادة ، وإحدى الروايات عنه ، وعن جابر تزيد على الأخرى ، وعلى رواية أسامة أذانا ، فوجب الأخذ بالزيادة لأنها رواية قائمة بنفسها صحيحة فلا يجوز خلافها ، فإذا جمعت رواية سالم ، وعلاج عن ابن عمر صح منهما أذان ، وإقامتان كما جاء بينا في حديث جابر ، وهذا هو الذي لا يجوز خلافه ؛ ولا حجة لمن خالف ذلك - وبالله - تعالى - التوفيق . وأما قولنا : لا تجزئ صلاة المغرب تلك الليلة إلا بمزدلفة ولا بد ، وبعد غروب الشفق ولا بد ، فلما رويناه من طريق البخاري نا ابن سلام نا يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن موسى بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد قال { لما أفاض رسول الله ﷺ من عرفات عدل إلى الشعب فقضى حاجته فجعلت أصب عليه ويتوضأ فقلت : يا رسول الله أتصلي ؟ قال : المصلى أمامك } وذكر باقي الحديث . ومن طريق مسلم نا يحيى بن أيوب ، وقتيبة بن سعيد ، وابن حجر قالوا : نا إسماعيل نا يحيى بن يحيى - واللفظ له - نا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة عن كريب مولى ابن عباس { عن أسامة بن زيد أنه كان ردف رسول الله ﷺ من عرفات فلما بلغ رسول الله ﷺ الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال ؛ ثم جاء فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوءا خفيفا ، ثم قلت : الصلاة يا رسول الله فقال : الصلاة أمامك } وذكر الحديث . قال أبو محمد : فإذ قد قصد عليه السلام ترك صلاة المغرب وأخبر بأن المصلى من أمام ، وأن الصلاة من أمام ، فالمصلى هو موضع الصلاة فقد أخبر بأن موضع الصلاة ووقت الصلاة من أمام ، فصح يقينا أن ما قبل ذلك الوقت ، وما قبل ذلك المكان ليس مصلى ، ولا الصلاة فيه صلاة . روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : لا صلاة إلا بجمع - وروينا من طريق حجاج بن المنهال نا يزيد بن إبراهيم هو التستري - نا عبد الله بن أبي مليكة قال : كان ابن الزبير يخطبنا فيقول : ألا لا صلاة إلا بجمع ؟ يرددها ثلاثا . ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن ليث عن مجاهد قال : لا صلاة إلا بجمع ، ولو إلى نصف الليل - وروي عن ابن عمر وابن عباس : صلاة المغرب دون جمع ، ولا حجة إلا في قول رسول الله ﷺ .
وأما بطلان حج من لم يدرك مع الإمام صلاة الصبح بمزدلفة من الرجال ، فلما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن قدامة المصيصي نا جرير بن حازم عن مطرف بن طريف عن الشعبي عن عروة بن مضرس قال : قال رسول الله ﷺ { من أدرك جمعا مع الإمام والناس حتى يفيضوا منها فقد أدرك الحج ، ومن لم يدرك مع الإمام والناس فلم يدرك } . وبه إلى أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي نا يحيى بن سعيد القطان نا إسماعيل بن أبي خالد أخبرني عامر الشعبي أخبرني { عروة بن مضرس الطائي قال : قلت : يا رسول الله أتيتك من جبلي طيئ أكللت مطيتي وأتعبت نفسي ، والله ما بقي من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله ﷺ : من صلى الغداة هاهنا ، ثم أقام معنا ، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه } . وقال تعالى : { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام } فوجب الوقوف بمزدلفة - وهي المشعر الحرام - وذكر الله - تعالى - عندها فرض يعصي من خالفه ولا حج له ، لأنه لم يأت بما أمر ؛ إلا أن إدراك صلاة الفجر فيها مع الإمام هو الذكر المفترض ببيان رسول الله ﷺ المذكور ، ومن أدرك شيئا من صلاة الإمام فقد أدرك الصلاة لقول رسول الله ﷺ : { فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا } . قال أبو محمد : والعجب ممن يقول : إن قول رسول الله ﷺ في سائمة الإبل { في كل خمس شاة } دليل على أن غير السائمة بخلاف السائمة . وممن يقول : إن قوله عليه السلام { وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد } دليل أن الإمام لا يقول : ربنا ولك الحمد ، وأن المأموم لا يقول : سمع الله لمن حمده ثم لا يرى قوله عليه السلام : { من صلى الغداة هاهنا معنا ، وقد أتى عرفة قبل ذلك فقد تم حجه } دليلا على أن من لم يصل الغداة هنالك مع الإمام لم يتم حجه ؛ فكيف وقد غنينا [ عن ذلك كله ] بنصه عليه السلام ؟ على أنه إن لم يدرك ذلك فلم يدرك الحج . واحتج بعضهم بقول النبي ﷺ : { الحج عرفة } ؟ قال علي : وهم أول مبطل لهذا الاحتجاج لأن عندهم فرائض يبطل الحج بتركها سوى عرفة كترك الإحرام وترك طواف الإفاضة . وترك الصفا والمروة . فكم هذا التناقض ؟ وليس قوله عليه السلام : { والحج عرفة } بمانع من أن يكون غير عرفة الحج أيضا إذا جاء بذلك نص ، وقد قال تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } والبيت غير عرفة بلا شك . وسوى - تعالى - بين الأمر بعرفة ، والأمر بمزدلفة في القرآن ، وقد قال - تعالى - : { وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر } . وأخبر رسول الله ﷺ أن يوم الحج الأكبر - هو يوم النحر - ولا يكون يوم الحج الأكبر إلا وغيره يوم الحج الأصغر ، ومحال ممتنع أن يكون - هو يوم الحج الأكبر - ولا يكون فيه من فرائض الحج شيء ويكون فرض الحج في غيره . فصح أن جملة فرائض الحج في يوم الحج الأكبر ، وهي الوقوف بمزدلفة الذي لا يكون في غيره ، ورمي الجمرة ، والإفاضة ؛ وقد يكونان فيما بعده كما عرفة فيما قبله - : روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس قال " من أفاض من عرفة فلا حج له " . وقد ذكرنا عن ابن الزبير أنه كان يقول في خطبته : ألا لا صلاة إلا بجمع ؛ فإذا أبطل الصلاة إلا بمزدلفة فقد جعلها من فرائض الحج . ومن طريق شعبة عن داود بن يزيد الأزدي عن أبي الضحى قال : سألت علقمة عمن لم يدرك عرفات ، أو جمعا ، أو وقع بأهله يوم النحر قبل أن يزور ؟ فقال : عليه الحج . ومن طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال : كان يقال : من فاته جمع أو عرفة فقد فاته الحج . ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال : من فاته عرفة ، أو جمع ، أو جامع قبل أن يزور فقد فسد حجه . ومن طريق سفيان الثوري أيضا عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي أنه قال : من فاته جمع جعلها عمرة . وعن الحسن البصري من لم يقف بجمع فلا حج له . وعن حماد بن أبي سليمان قال : من فاته الإفاضة من جمع فقد فاته الحج فليحل بعمرة ثم ليحج من قابل - ومن طريق شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال : يوم الحج الأكبر - هو يوم النحر - ألا ترى أنه إذا فاته عرفة لم يفته الحج وإذا فاته يوم النحر فاته الحج ؟ قال أبو محمد : صدق سعيد ؛ لأن من فاتته عرفة يوم عرفة لم يفته الحج لأنه يقف بعرفة ليلة يوم النحر ؛ وأما يوم النحر فإنما سماه الله - تعالى - : { يوم الحج الأكبر } لأن فيه فرائض ثلاثا من فرائض الحج ، وهو الوقوف بمزدلفة لا يكون جازئا إلا غداة يوم النحر ، وجمرة العقبة ، وطواف الإفاضة ، ويجوز تأخيره ؛ فصح أن مزدلفة أشد فروض الحج تأكيدا وأضيقها وقتا ؛ وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا . وأما قولنا : إن النساء ، والصبيان ، والضعفاء بخلاف هذا ؛ فلما روينا من طريق مسلم نا محمد بن أبي بكر المقدمي نا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن ابن جريج حدثني { عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر الصديق أن أسماء قالت له بمزدلفة : هل غاب القمر ؟ قلت : لا ، فصلت ساعة ثم قالت يا بني هل غاب القمر ؟ قلت : نعم ، قالت : ارحل بي فارتحلنا حتى رمت الجمرة ثم صلت في منزلها فقلت لها أي هنتاه لقد غلسنا ، قالت : كلا أي بني إن رسول الله ﷺ أذن للظعن } . ومن طريق ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله بن عمر أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بالليل فيذكرون الله - تعالى - ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام ويقول ابن عمر أرخص في أولئك رسول الله ﷺ . ومن طريق مسلم حدثني علي بن خشرم أنا عيسى بن يونس عن ابن جريج أخبرني عطاء : أن ابن شوال أخبره أنه دخل على أم حبيبة أم المؤمنين فأخبرته : { أن رسول الله ﷺ بعث بها من جمع بليل } . ومن طريق مسلم نا يحيى بن يحيى عن حماد بن يزيد عن عبيد الله بن أبي يزيد قال : سمعت { ابن عباس يقول : بعثني رسول الله ﷺ في الثقل وفي الضعفة من جمع بليل } . قال أبو محمد : كان ابن عباس حينئذ قد ناهز الاحتلام ولم يحتلم بعد ، هكذا ذكر عن نفسه في الخبر الذي فيه : أنه أتى منى على أتان ، ورسول الله ﷺ يصلي بالناس قال : وأنا غلام قد ناهزت الاحتلام فخرج هؤلاء عن وجوب حضور صلاة الصبح بمزدلفة مع الإمام عليهم وبقي عليهم فرض الوقوف بمزدلفة ، وذكر الله - تعالى - هنالك ليلة النحر ولا بد لعموم قوله تعالى : { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام } .