→ كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | ابن حزم - المحلى كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) ← |
كتاب الحج
وأما قولنا : لا يجب الوقوف بالهدي بعرفة فإن وقف بها فحسن ، وإلا فحسن ؛ فإن مالكا ومن قلده قال : لا يجزئ من الهدي الذي يبتاع في الحرم إلا أن يوقف بعرفة ولا بد ؛ وإلا فلا يجزئ إن كان واجبا ؛ فإن كان تطوعا فلم يوقف بعرفة فإنه ينحر بمكة ولا بد ، ولا يجوز أن ينحر بمنى ، فإن ابتيع الهدي في الحل ثم أدخل الحرم أجزأ ، وإن لم يوقف بعرفة - والإبل ، والبقر ، والغنم عندهم سواء في كل ذلك . وقال الليث : لا يكون هديا إلا ما قلد وأشعر ووقف بعرفة - : وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وسفيان ، وأبو سليمان : لا معنى للتعريف بالهدي سواء ابتيع في الحرم أو في الحل ، إن عرف فجائز ، وإن لم يعرف فجائز . قال أبو محمد : أما قول مالك فما نعلمه عن أحد من العلماء لا قبله ولا معه ، ولا نعرف له وجها أصلا لا من سنة صحيحة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من قول سلف ، ولا من قياس ، ولا من رأي له معنى . وأما قول الليث فإنه يحتج له بما رويناه من طريق حجاج بن أرطاة ، وإسرائيل ، ويونس بن يونس ، قال حجاج : عن عطاء ؛ وقال إسرائيل : عن ثوير بن أبي فاختة عن طاوس " { أن رسول الله ﷺ عرف بالبدن } . قال علي : وهذان مرسلان ، ولا حجة في مرسل ، ثم إن الحجاج ، وإسرائيل ، وثويرا كلهم ضعفاء ؛ ثم لو صح لم يكن فيه حجة ، لأن هذا فعل لا أمر ، ولا حجة فيه لمالك لأنه شرط شروطا ليس في هذا الخبر شيء منها ، وهدي النبي ﷺ إنما سيق من المدينة بلا خلاف ؛ ومالك لا يوجب التوقيف بعرفة فيما أدخل من الحل . ويحتج لقول الليث أيضا بما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا عيسى بن يونس نا عبيد الله هو ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر قال : لا هدي إلا ما قلد ، وسيق ، ووقف بعرفة . ومن طريق سفيان بن عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : كل هدي لم يشعر ويقلد ويفض به من عرفة فليس بهدي إنما هي ضحايا . قال علي : مالك لا يحتج [ له ] بهذا ؛ لأنه لا يرى الترك للتقليد وللإشعار مانعا من أن يكون هديا . قال علي : لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ وقد خالف ابن عمر في هذا غيره - من الصحابة - : كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا عيسى بن يونس نا رباح بن أبي معروف عن عطاء عن ابن عباس قال : إن شئت فعرف الهدي ، وإن شئت فلا تعرف به إنما أحدث الناس السياق مخافة السراق . وعن سعيد بن منصور نا عيسى بن يونس نا الأعمش عن إبراهيم قال : دعا الأسود مولى له فأمره أن يخبرني بما قالت له عائشة ، فقال : نعم سألت عائشة أم المؤمنين ؟ فقلت : أعرف بالهدي ؟ فقالت : لا عليك أن لا تعرف به . وعن عطاء ، وطاوس : لا يضرك أن لا تعرف به . وعن ابن الحنفية أنه أمر بتعريف بدنة أدخلت من الحل . وعن سعيد بن جبير : أنه لم ير هديا إلا ما عرف به من الإبل والبقر خاصة . قال أبو محمد : لم يأت أمر بتعريف شيء من ذلك في قرآن ، ولا سنة ، ولا يجب إلا ما أوجبه الله - تعالى - في أحدهما ، ولا قياس يوجب ذلك أيضا ؛ لأن مناسك الحج إنما تلزم الناس لا الإبل - وبالله - تعالى - التوفيق . وأما قولنا : ولا هدي على القارن غير الهدي الذي ساق مع نفسه قبل أن يحرم ، وهو هدي تطوع سواء مكيا كان أو غير مكي فإن مالكا ، والشافعي قالا : على القارن هدي وحكمه كحكم المتمتع سواء سواء في تعويض الصوم منه إن لم يجد هديا ، وليس على المكي عندهما هدي ، ولا صوم إن قرن ، كما لا شيء عليه في التمتع . وقال مالك : لم أسمع قط أن مكيا قرن . وقال أبو حنيفة : إن تمتع المكي فلا شيء عليه - لا هدي ، ولا صوم - وإن قرن فعليه هدي ولا بد ؛ ولا يجوز أن يعوض منه صوم - وجد هديا أو لم يجد - ولا يجوز له أن يأكل منه شيئا . قال : والمكي عنده من كان ساكنا في أحد المواقيت فما دونها إلى مكة - قال : فإن تمتع من هو ساكن فيما وراء المواقيت أو قرن ؛ فعليه هدي - وله أن يأكل منه ، فإن لم يجد فصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة ففيه وجوه جمة من الخطأ - : أولها - أنه تقسيم لا يعرف عن أحد قبله . والثاني - تفريقه بين قران المكي وبين تمتعه ، وتسويته بين قران غير المكي وبين تمتعه بلا برهان . الثالث - تعويضه الصوم من هدي غير المكي ، ومنعه من تعويضه الصوم من هدي المكي ؛ كل ذلك رأي فاسد لا سلف له فيه ، ولا دليل أصلا . فقالوا : إن المكي إذا قرن فهو داخل في إساءة ؟ فقلنا : فكان ماذا ؟ وأين وجدتم أن من دخل في إساءة لم يجز له أن يعوض من هديه دم ؟ وهذا قاتل الصيد محرما داخل في أعظم الإساءة وأشد الإثم ، وقد عوض الله - تعالى - من هديه صوما وإطعاما وخيره في أي ذلك شاء ؟ وهذا المحصر غير داخل في إساءة بل مأجور معذور ولم يعوض الله - تعالى - من هديه صوما ولا إطعاما ؛ فكم هذا التخليط والخبط في دين الله - تعالى - بشرع الشرائع الفاسدة فيه ؟ وأيضا : فالمكي عندهم إذا تمتع فهو داخل في إساءة أو غير داخل في إساءة لا بد من أحدهما ، فإن كان داخلا في إساءة فلم لم يجعلوا عليه هديا كالذي جعلوا في القران عليه ؟ وإن كان ليس داخلا في إساءة فمن أين وجب أن يدخل إذا قرن في إساءة ؟ فهل فيما يأتي به الممرورون أكثر من هذا ؟ وأما نحن فليس المكي ولا غيره مسيئا في قرانه ولا في تمتعه بل هما محسنان في كل ذلك كسائر الناس ولا فرق ؛ فسقط قول أبي حنيفة لعظيم تناقضه وفساده ، وأما مالك ، والشافعي ، فإنهما قاسا القران على المتعة في المكي وغيره . قال أبو محمد : القياس كله خطأ ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الخطأ ؛ لأنه لا شبه بين القارن والمتمتع ؛ لأن المتمتع يجعل بين عمرته وحجه إحلالا ولا يجعل القارن بين عمرته وحجه إحلالا . وأيضا : فإن القارن عندهما وعندنا لا يطوف إلا طوافا واحدا ولا يسعى إلا سعيا واحدا والمتمتع يطوف طوافين ويسعى سعيين . وأيضا : فإن القارن لا بد له من عمل الحج مع عمرته والمتمتع إن لم يرد أن يحج لم يلزمه أن يحج ، والقياس عندهما لا يكون إلا على علة جامعة بين الحكمين ولا علة تجمع بين القارن والمتمتع . فإن قالوا : العلة في ذلك هي إسقاط أحد السفرين ؟ قلنا : هذه علة موضوعة لا دليل لكم على صحتها وقد أريناكم بطلانها مرارا ، وأقرب ذلك أن من أحرم وعمل عمرته في آخر يوم من رمضان ثم أهل هلال شوال إثر إحلاله منها ثم أقام بمكة ولم يبرح حتى حج من عامه ذلك فلا هدي عليه عندهما ولا صوم ؛ وقد أسقط أحد السفرين . وكذلك من قصد إلى ما دون التنعيم داخل العام لحاجة فلما صار هنالك - وهو لا يريد حجا ولا عمرة - بدا له في العمرة فاعتمر من التنعيم في آخر يوم من رمضان ؛ ثم أقام حتى حج من عامه فلا هدي عليه ولا صوم عندهما ؛ وهو قد أسقط السفرين جميعا سفر الحج وسفر العمرة . ثم يقولان فيمن حج بعده بساعة إثر ظهور هلال شوال فاعتمر ، ثم خرج إلى البيداء على أقل من بريد من المدينة عند الشافعي ، أو إلى مدينة الفسطاط ، وهو من أهل الإسكندرية عند مالك ثم حج من عامه : فعليه الهدي أو الصوم ، وهو لم يسقط سفرا أصلا ؛ فظهر فساد هذه العلة التي لا علة أفسد منها ، ولا أبطل - وبالله - تعالى - التوفيق . واحتج بعض أهل المعرفة ممن يرى الهدي في القران بأن قال : قد صح عن سعد بن أبي وقاص ، وعلي بن أبي طالب ، وعائشة أم المؤمنين ، وعمران بن الحصين ، وعبد الله بن عمر أنهم سموا القران : تمتعا ، وهم الحجة في اللغة ؛ فإذ القران تمتع فالهدي فيه ، أو الصوم بنص القرآن في إيجاب ذلك على المتمتع . قال أبو محمد : لا يختلف هؤلاء رضي الله عنهم ولا غيرهم في أن عمل المهل بحج وعمرة معا هو عمل غير عمل المهل بعمرة فقط ، ثم يحج من عامه بإهلال آخر مبتدأ ؛ فإذ ذلك كذلك فالمرجوع إليه هو بيان رسول الله ﷺ وهبك أن كليهما يسمى تمتعا إلا أنهما عملان متغايران . فنظرنا في ذلك فوجدنا الحديث الذي ذكرنا قبل من رواية البخاري عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل بن خالد عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه { أن رسول الله ﷺ أهل بالعمرة ثم أهل بالحج فتمتع الناس معه عليه السلام بالعمرة إلى الحج ، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ومنهم من لم يهد ، فلما قدم رسول الله ﷺ مكة قال للناس : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة ويقصر ويحل ؛ ثم ليهل بالحج فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله } . وقد ذكرنا قبل من طريق مالك ومعمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين { أن رسول الله ﷺ أمر من معه الهدي بأن يجعل مع عمرته حجا ، فصح أمر النبي ﷺ من تمتع بالعمرة إلى الحج بالهدي ، أو الصوم ولم يأمر القارن بشيء من ذلك } . ووجدنا ما روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت { خرجنا مع رسول الله ﷺ في حجة الوداع موافين لهلال ذي الحجة فكنت فيمن أهل بعمرة فقدمنا مكة فأدركني يوم عرفة وأنا حائض لم أحل من عمرتي فشكوت ذلك إلى النبي ﷺ فقال : دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج قالت : ففعلت فلما كانت ليلة الحصبة وقد قضى الله حجنا أرسل معي عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني ، وخرج بي إلى التنعيم فأهللت بعمرة ، وقضى الله حجنا وعمرتنا ولم يكن في ذلك هدي ، ولا صدقة ، ولا صوم } . ومن طريق أبي داود نا الربيع بن سليمان المؤذن أنا محمد بن إدريس الشافعي عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عطاء { عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله ﷺ قال لها : طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك } فصح أنها كانت قارنة ، ولم يجعل عليه السلام في ذلك هديا ولا صوما . فإن قيل : إنها رضي الله عنها : رفضت عمرتها . قلنا : إن كنتم تريدون أنها حلت منها فقد كذب من قال ذلك ؛ لأن رسول الله ﷺ أخبرها أن طوافها وسعيها يكفيها لحجتها وعمرتها ، ومن الباطل أن يكفيها عن عمرة قد أحلت منها ؛ وإن كنتم تريدون أنها رفضتها وتركتها بمعنى أخرت عمل العمرة من الطواف والسعي حتى أفاضت يوم النحر فطافت وسعت لحجتها وعمرتها معا فنعم ، وهذا قولنا . فإن قيل : فإن وكيعا روى هذا الخبر فجعل قولها ، ولم يكن في ذلك هدي ولا صوم من قول هشام ؟ قلنا : فإن عبد الله بن نمير ، وعبدة جعلاه من كلام عائشة ، وما ابن نمير دون وكيع في الحفظ ، والثقة ، وكذلك عبدة ؛ وكلا الروايتين حق قالته هي ، وقاله هشام ، ونحن أيضا نقوله . فإن قيل : قد صح أنه عليه السلام أهدى عن نسائه البقر ؟ قلنا : نعم ، وقد بين معنى ذلك الإهداء سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنه كان أضاحي ، لا هدي متعة ، ولا هديا عن قران . قال أبو محمد : وقالوا : قد روي عن عمر ، وجابر وجوب الهدي على القارن ؟ قلنا : أما الرواية عن عمر فإنها من طريق عبد السلام بن حرب عن سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم عن عمر ، فعبد السلام ضعيف ، وأبو معشر مثله ، وإبراهيم لم يولد إلا بعد موت عمر رضي الله عنه . وأما الرواية عن جابر فرويناها من طريق موسى بن عبيدة عن بعض أصحابه أنه سأل جابر بن عبد الله أن يقرن بين حج وعمرة بغير هدي ؟ فقال : ما رأيت أحدا منا فعل مثل ذلك ، فموسى ضعيف ، وبعض أصحابه عجب ألبتة ؛ ثم لو صحت لكانت موافقة لقولنا ؛ لأن ظاهرها المنع من القران دون أن يسوق مع نفسه هديا ، وهكذا نقول . ثم لو صح ذلك عنهما لكان لا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ ولكان قد خالفهما غيرهما من الصحابة كما ذكرنا آنفا عن أم المؤمنين . وروينا عن سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن كثير بن جمهان أنه سأل ابن عمر مع قوم عن رجل أحرم بالقران ما كفارته ؟ فقال ابن عمر : كفارته أن يرجع بأجرين ، ويرجعون بأجر - فلو كان عليه هدي لأفتاهم به ؟ ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة أن الحسن بن علي بن أبي طالب قرن بين حج ، وعمرة ، ولم يهد قال الحكم : وقرن أيضا شريح بين الحج والعمرة ، ولم يهد . فإن قيل : فقد رويتم عن ابن أبي شيبة نا عبد الله بن نمير عن إسماعيل هو ابن أبي خالد - عن وبرة بن عبد الرحمن عن ابن عمر قال : إذا قرن الرجل بين الحج والعمرة فعليه بدنة فقيل له : إن ابن مسعود يقول : شاة ، فقال ابن عمر : الصيام أحب إلي من شاة ؟ قلنا : نعم ، وأنتم أول من خالف ابن عمر في هذا ؛ ومن التلاعب في الدين أن توجبوا قول الصاحب حجة [ لا يجوز خلافها ] إذا وافق قول أبي حنيفة ، أو مالك ، أو الشافعي ، وغير حجة إذا خالفهم - نبرأ إلى الله - تعالى - من هذا العمل .
وأما قولنا - : من أراد أن يخرج من مكة ، من معتمر ، أو قارن ، أو متمتع بالعمرة إلى الحج ؛ ففرض عليه أن يجعل آخر عمله الطواف بالبيت ، فإن تردد بمكة بعد ذلك أعاد الطواف ولا بد ، فإن خرج ولم يطف بالبيت ففرض عليه الرجوع ، ولو كان بلده بأقصى الدنيا حتى يطوف بالبيت ، فإن خرج عن منازل مكة فتردد خارجا ماشيا ، فليس عليه أن يعيد الطواف إلا التي تحيض بعد أن تطوف طواف الإفاضة فليس عليها أن تنتظر طهرها لتطوف لكن تخرج كما هي ؛ فإن حاضت قبل طواف الإفاضة فلا بد لها أن تنتظر حتى تطهر ، وتطوف ، وتحبس عليها الكرى والرفقة - : فلما رويناه من طريق مسلم قال : نا سعيد بن منصور نا سفيان عن سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس قال { كان الناس ينصرفون في كل وجه ، فقال رسول الله ﷺ : لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت } . ومن طريق مسلم نا محمد بن رمح نا الليث عن ابن شهاب عن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف - أن عائشة أم المؤمنين قالت { حاضت صفية بنت حيي بعدما أفاضت فذكرت حيضتها لرسول الله ﷺ فقال عليه السلام : أحابستنا هي ؟ فقلت : يا رسول الله إنها قد كانت أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة فقال رسول الله ﷺ : فلتنفر } . قال أبو محمد : فمن خرج ولم يودع من غير الحائض فقد ترك فرضا لازما فعليه أن يؤديه - : روينا من طريق وكيع عن إبراهيم بن يزيد عن أبي الزبير بن عبد الله أن قوما نفروا ولم يودعوا فردهم عمر بن الخطاب حتى ودعوا . قال علي : ولم يخص عمر موضعا من موضع . وقال مالك : بتحديد مكان إذا بلغه لم يرجع منه - وهذا قول لم يوجبه نص ، ولا إجماع ، ولا قياس ، ولا قول صاحب . ومن طريق عبد الرزاق نا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن نافع قال : رد عمر بن الخطاب نساء من ثنية هرشى كن أفضن يوم النحر ثم حضن فنفرن فردهن حتى يطهرن ويطفن بالبيت ، ثم بلغ عمر بعد ذلك حديث غير ما صنع فترك صنعه الأول . قال أبو محمد : هرشى هي نصف الطريق من المدينة إلى مكة بين الأبواء والجحفة على فرسخين من الأبواء وبها علمان مبنيان علامة ؛ لأنه نصف الطريق . وقد روي أثر من طريق أبي عوانة عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن الحارث بن عبد الله بن أوس " { أن رسول الله ﷺ وعمر بن الخطاب أفتياه في المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ، ثم تحيض أن يكون آخر عهدها بالبيت } " . قال أبو محمد : الوليد بن عبد الرحمن غير معروف ؛ ثم لو صح لكان داخلا في جملة أمره عليه السلام - أن لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت - وعمومه ، وكأن يكون أمره عليه السلام الحائض التي أفاضت بأن تنفر حكما زائدا مبنيا على النهي المذكور مستثنى منه ليستعمل الخبران معا ولا يخالف شيء منهما - وبالله - تعالى - التوفيق .