→ كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | ابن حزم - المحلى كتاب الحج (مسألة 826 - 832) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الحج (مسألة 833) ← |
كتاب الحج
826 - مسألة : ثم يقولون : لبيك بعمرة ، أو ينويان ذلك في أنفسهما لقول رسول الله ﷺ { إنما الأعمال بالنيات } ونستحب أن يكون ذلك إثر صلاة فرض أو نافلة .
827 - مسألة : ثم يجتنبان تجديد قصد إلى الطيب فإن مسهما من طيب الكعبة شيء لم يضر ؛ أما اجتناب القصد إلى الطيب فلا نعلم فيه خلافا ، وأما إن مسه شيء من طيب الكعبة أو غيرها عن غير قصد ، فلأنه لم يأت فيه نهي . وقد روينا عن أنس كما ذكرنا أنه أصابه فلم يغسله ؛ وبه قال عطاء ، وسئل عن ذلك ؟ فقال : ليس عليه أن يغسله .
828 - مسألة : ولا بأس أن يغطي الرجل وجهه بما هو ملتحف به أو بغير ذلك ولا كراهة في ذلك ؛ ولا بأس أن تسدل المرأة الثوب من على رأسها على وجهها . أما أمر المرأة ، فلأن رسول الله ﷺ إنما نهاها عن النقاب ؛ ولا يسمى السدل نقابا فإن كان " البرقع " يسمى نقابا ، لم يحل لها لباسه ؛ وأما اللثام فإنه نقاب بلا شك ؛ فلا يحل لها . وقد قال الله تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } وقال رسول الله ﷺ : { إذا نهيتكم عن شيء فدعوه } . وقال تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } فصح أن ما لم يفصل لنا تحريمه فمباح ، وما لم ينه عنه فحلال - وبالله تعالى التوفيق ؛ وقد صح في ذلك خلاف - : روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عن محمد بن المنكدر قال : رأى ابن عمر امرأة قد سدلت ثوبها على وجهها - وهي محرمة - فقال لها : اكشفي وجهك فإنما حرمة المرأة في وجهها . وصح خلاف هذا عن غيره ، كما روينا عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء بنت أبي بكر الصديق كانت تغطي وجهها وهي محرمة . وعن وكيع عن شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة العدوية قالت : سألت عائشة أم المؤمنين ما تلبس المحرمة ؟ فقالت : لا تنتقب ، ولا تلثم ، وتسدل الثوب على وجهها - وعن عثمان أيضا ذلك ، فكان المرجوع في ذلك إلى ما منع منه رسول الله ﷺ فقط . وأما الرجل : فإننا روينا من طريق ابن أبي شيبة عن أبي معاوية عن ابن جريج عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن الفرافصة بن عمير قال : كان عثمان بن عفان ، وزيد بن ثابت ، وابن الزبير يخمرون وجوههم وهم محرمون . ومن طريق معمر ، وسفيان بن عيينة كليهما عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال : سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول : رأيت عثمان بن عفان مخمرا وجهه بقطيفة أرجوان بالعرج في يوم صائف وهو محرم - : نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي الزبير قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : المحرم يغطي من الغبار ويغطي وجهه إذا نام ويغتسل ويغسل ثيابه . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، وابن الزبير أنهما كانا يخمران وجوههما وهما محرمان . ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس أنه قال : المحرم يغطي ما دون الحاجب والمرأة تسدل ثوبها من قبل قفاها على هامتها . وعن عبد الرحمن بن عوف أيضا : إباحة تغطية المحرم وجهه وهو قول عطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وعلقمة ، وإبراهيم النخعي ، والقاسم بن محمد كلهم أفتى المحرم بتغطية وجهه وبين بعضهم من الشمس ، والغبار ، والذباب وغير ذلك . وهو قول سفيان الثوري ، والشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحابهم وروي عن ابن عمر : لا يغطي المحرم وجهه - وقال به مالك ، ولم ير على المحرم إن غطى وجهه شيئا لا فدية ، ولا صدقة ، ولا غير ذلك إلا أنه كرهه فقط ، بل قد روى عنه ما يدل على جواز ذلك . روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان هو ابن عيينة - عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : الذقن من الرأس فلا تغطه ، وقال : إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه - وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يغطي المحرم وجهه فإن فعل فعليه الفدية . قال أبو محمد : ما نعلم أحدا قال هذا قبل أبي حنيفة ، وهم يعظمون خلاف الجمهور ؛ وقد خالفوا هاهنا : عبد الرحمن بن عوف ، وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت ، وجابر بن عبد الله ، وابن عباس ، وابن الزبير ، وجمهور التابعين ؛ فإن تعلقوا بابن عمر فقد ذكرنا في هذا الباب عن ابن عمر نهي المرأة عن أن تسدل على وجهها وقد خالفوه ، وروينا عنه ما يدل على جواز تغطية المحرم وجهه كما ذكرنا آنفا ؛ فمرة هو حجة ، ومرة ليس هو حجة ، أف لهذا عملا ؟ قال أبو محمد : والعجب كل العجب أنهم قالوا : لما كانت المرأة إحرامها في وجهها كان الرجل بذلك أحق لأنه أغلظ حالا منها في الإحرام ؟ قال أبو محمد : والسنة قد فرقت بين الرجل والمرأة في الإحرام فوجب على الرجل في الإحرام كشف رأسه ولم يجب على المرأة ، واتفقا في أن لا يلبسا قفازين واختلفا في الثياب ، فمن أين وجب أن يقاس عليها في تغطية وجهه ؟ إن هذا القياس سخيف جدا ، وأيضا : فقد كذبوا وما نهيت المرأة عن تغطية وجهها ؛ بل هو مباح لها في الإحرام - وإن نهيت عن النقاب فقط - فظهر فساد قياسهم ؟ والعجب أنهم احتجوا في ذلك بالخبر الثابت عن رسول الله ﷺ في أمره في الذي مات محرما أن لا يخمر رأسه ، ولا وجهه رويناه من طرق جمة - : منها من طريق مسلم نا أبو كريب نا وكيع عن سفيان عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { أن رجلا أوقصته راحلته وهو محرم فمات ، فقال رسول الله ﷺ اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه ، ولا تخمروا وجهه ولا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا } . قال أبو محمد : إن الحياء لفضيلة ، وكما أخبر رسول الله ﷺ أنه من الإيمان ، وهم أول مخالف لهذا الحديث ، وأول عاص لرسول الله ﷺ فيه فلا يرون فيمن مات محرما أن يكشف رأسه ووجهه ؛ بل يغطون كل ذلك ثم يحتجون به في أن لا يغطي الحي المحرم وجهه ونعوذ بالله من الخذلان . ويقولون : إن الصاحب إذا روى خبرا وخالفه فهو دليل على نسخ ذلك الخبر عندهم هو ، وابن عباس روى هذا الخبر وهو رأي للمحرم الحي أن يخمر وجهه ؛ فأين لك ذلك الأصل الخبيث الذي تعلقوا به في رد السنن [ الثابتة ] . قال علي : ونحن نقول : إن الحي المحرم لا يلزمه كشف وجهه ، وإنما يلزمه كشف رأسه فقط ؛ فإذا مات أحدث الله تعالى له حكما زائدا وهو أن لا يخمر وجهه ولا رأسه { لا يسأل عما يفعل } تعالى ، والقياس ضلال ، وزيادة في الدين شرعا لم يأذن به الله تعالى . قال علي : لو كان تغطية المحرم وجهه مكروها أو محرما ، لبينه رسول الله ﷺ فإذا لم ينه عن ذلك فهو مباح - وبالله تعالى التوفيق .
829 - مسألة : ونستحب أن يكثر من التلبية من حين الإحرام فما بعده دائما في حال الركوب ، والمشي ، والنزول ، وعلى كل حال ، ويرفع الرجل والمرأة صوتهما بها ولا بد ، وهو فرض - ولو مرة - وهي : لبيك ، اللهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك . نا أحمد بن محمد بن الجسور نا أحمد بن الفضل الدينوري نا محمد بن جرير الطبري حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي نا يعقوب بن محمد نا محمد بن موسى نا إسحاق بن سعيد بن جبير عن جعفر بن حمزة بن أبي داود المازني عن أبيه عن جده أبي داود - وهو بدري - قال { خرجنا مع رسول الله ﷺ في الحج ، فلما كان بذي الحليفة صلى في المسجد أربع ركعات ، ثم لبى دبر الصلاة ، ثم خرج إلى باب المسجد ، فإذا راحلته قائمة فلما انبعثت به أهل ثم مضى ، فلما علا البيداء أهل } . قال علي : ومن حيث أهل أجزأه لأنه فعل لا أمر - : نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج حدثني حرملة بن يحيى أنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال : إن سالم بن عبد الله بن عمر أخبرني عن أبيه قال : { سمعت رسول الله ﷺ يهل ملبيا يقول : لبيك ، اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك ، والملك لا شريك لك } لا يزيد على هؤلاء الكلمات " . قال أبو محمد : وقد روى غيره الزيادة ، ومن زاد ذكر الله تعالى فحسن ، ومن اختصر على هذه فحسن ، كل ذلك ذكر حسن - : نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا قتيبة بن سعيد نا حميد بن عبد الرحمن عن عبد العزيز بن أبي سلمة هو ابن الماجشون - عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة قال : { كان من تلبية رسول الله ﷺ لبيك إله الحق } . قال أحمد بن شعيب ما نعلم أحدا أسنده إلا عبد الله بن الفضل وهو ثقة - : نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن راهويه نا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن خلاد بن السائب عن أبيه عن رسول الله ﷺ قال : { جاءني جبريل فقال لي : يا محمد مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية } . قال أبو محمد : هذا أمر ، وقال بعض الناس : يكره رفع الصوت . قال علي : وهذا خلاف للسنة ؛ وقال بعضهم : لا ترفع المرأة . قال أبو محمد : هذا خطأ وتخصيص بلا دليل ، وقد كان الناس يسمعون كلام أمهات المؤمنين ولا حرج في ذلك ، وقد روي عنهن وهن في حدود العشرين سنة وفويق ذلك ؛ ولم يختلف أحد في جواز ذلك واستحبابه - : روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا حميد هو ابن عبد الرحمن - عن بكر بن عبد الله المزني قال : سمعت ابن عمر يرفع صوته بالتلبية حتى أني لأسمع دوي صوته بين الجبال - : وبه إلى هشيم أنا الفضل بن عطية نا أبو حازم قال : كان أصحاب رسول الله ﷺ إذا أحرموا لم يبلغوا الروحاء حتى تبح أصواتهم . ومن طريق وكيع نا إبراهيم بن نافع قال : قدمت امرأة أعجمية فخرجت مع الناس ولم تهل بشيء إلا أنها كانت تذكر الله تعالى ، فقال عطاء : لا يجزئها . ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه قال : خرج معاوية ليلة النفر فسمع صوت تلبية فقال : من هذا ؟ قيل : عائشة أم المؤمنين اعتمرت من التنعيم فذكر ذلك لعائشة فقالت عائشة : لو سألني لأخبرته ؛ فهذه أم المؤمنين ترفع صوتها حتى يسمعها معاوية في حاله التي كان فيها . فإن قيل : قد روي عن ابن عباس : لا ترفع المرأة صوتها بالتلبية - وعن ابن عمر : ليس على النساء أن يرفعن أصواتهن بالتلبية ؟ قلنا : رواية ابن عمر هي من طريق عيسى بن أبي عيسى الحناط وهو ضعيف ، ورواية ابن عباس هي من طريق إبراهيم بن أبي حبيبة وهو ضعيف ولو صحا لكانت رواية عائشة موافقة للنص .
830 - مسألة : فإذا قدم المعتمر ، أو المعتمرة مكة فليدخلا المسجد ولا يبدآ بشيء لا ركعتين ولا غير ذلك قبل القصد إلى الحجر الأسود فيقبلانه ، ثم يلقيان البيت على اليسار ولا بد ، ثم يطوفان بالبيت من الحجر الأسود إلى أن يرجعا إليه سبع مرات ، منها ثلاث مرات خببا وهو مشي فيه سرعة ، والأربع طوافات البواقي مشيا ، ومن شاء أن يخب في الثلاث الطوافات ، وهي الأشواط من الركن الأسود مارا على الحجر إلى الركن اليماني ، ثم يمشي رفقا من اليماني إلى الأسود في كل شوط من الثلاثة فذلك له وكلما مرا على الحجر الأسود قبلاه ، وكذلك الركن اليماني أيضا فقط ، فإذا تم الطواف المذكور أتيا إلى مقام إبراهيم عليه السلام فصليا هنالك ركعتين وليستا فرضا . ثم خرجا ولا بد إلى الصفا فصعدا عليه ، ثم هبطا فإذا صارا في بطن الوادي أسرع الرجل المشي حتى يخرج عنه ثم يمشي حتى يأتي المروة فيصعد عليها ثم ينحدر كذلك حتى يرجع إلى الصفا ثم يرجع كذلك إلى المروة هكذا حتى يتم سبع مرات : منها ثلاث خببا وأربع مشيا ، وليس الخبب بينهما فرضا . ثم يحلق الرجل رأسه ، أو يقصر من شعره - ولا تحلق المرأة لكن تقصر من شعرها ، وقد تمت العمرة وحل لهما كل ما كان حرم عليهما بالإحرام من لباس وغيره . قال أبو محمد : لا خلاف فيما ذكرنا إلا في أشياء نبينها إن شاء الله عز وجل ، وهي : وجوب الخبب في الطواف ، وجواز تنكيس الطواف بأن يلقى البيت على اليمين ، ووجوب السعي بين الصفا والمروة - : برهان صحة قولنا ما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن سليمان لوين عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال { لما قدم رسول الله ﷺ قال المشركون إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب ولقوا منها شرا فأطلع الله - عز وجل نبيه - عليه السلام على ذلك فأمر أصحابه أن يرملوا وأن يمشوا ما بين الركنين } فهذا أمر واجب - : وبه إلى أحمد بن شعيب أنا عبيد الله بن سعيد بن قدامة نا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن عبيد الله هو ابن عمر - عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يرمل الثلاث ويمشي الأربع ويزعم أن رسول الله ﷺ كان يفعل ذلك - فهذا بيان الرمل إنما هو في الثلاثة الأشواط الأول ، وأن الرمل في جميع تلك الأشواط جائز . فإن قيل : إن ابن عباس قال في الرمل : ليس سنة ، وهو راوي الحديث ؟ قلنا : لا حجة في أحد مع رسول الله ﷺ ونحن نسألكم ما قولكم ، وقول أهل الإسلام فيهم لو أنهم إذ أمرهم رسول الله ﷺ بأن يرملوا ؟ يقولون له : لا نفعل - وقد أعاذهم الله تعالى من ذلك - أعصاة كانوا يكونون أم مطيعين ؟ وأما وجوبه - : فقد روينا من طريق ابن عمر ، وعطاء ، وسليمان بن يسار ، ومكحول ، ليس على النساء رمل من طرق لو شئنا لتكلمنا في أكثرها لضعفها . وروينا عن ابن عباس ، وعطاء ، ليس على من ترك الرمل شيء - وعن إبراهيم عليه فدية . وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا الثقفي هو عبد الوهاب بن عبد المجيد - عن حبيب هو ابن أبي ثابت - عن عطاء : أنه سأل عن المجاور إذا أهل من مكة هل يسعى الأشواط الثلاثة ؟ قال : إنهم يسعون قال : فأما ابن عباس فإنه قال : إنما ذلك على أهل الآفاق . ومن طريق عبد الرزاق عن زكريا بن إسحاق عن إبراهيم بن ميسرة عن مجاهد قال : خرج ابن الزبير ، وابن عمر فاعتمرا من الجعرانة لما فرغ ابن الزبير من بناء الكعبة قال مجاهد : وكنت جالسا عند زمزم فلما دخل ابن الزبير ناداه ابن عمر أرمل الثلاث الأول ؟ فرمل ابن الزبير السبع كله . ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي أسامة عن هشام عن الحسن ، وعطاء قالا : ليس على أهل مكة رمل ، ولا على من أهل منها إلا أن يجيء أحد من أهل مكة من خارج . فهذه رواية عن ابن عباس بإيجاب الرمل على أهل الآفاق . وعن الحسن ، وعطاء مثل ذلك - وعن ابن عمر بإيجابه ذلك عن ابن الزبير وهو ساكن بمكة ، وأقل هذا أن يكون اختلافا من قولي ابن عباس وعطاء ، وقد ذكرنا ما تركوا فيه الجمهور وما انفردوا به بغير سنة لكن برأي ؛ وهم يعظمون ذلك ، ونحن لا ننكره إذا اتبعت السنة في خلافه . وأما تقبيل الركنين فسنة وليس فرضا ، لأنه لم يأت بذلك أمر ، وإنما هو عمل من رسول الله ﷺ فقط ، وقد طاف عليه السلام راكبا يشير بمحجن في يده إلى الركن . وأما تنكيس الطواف فإن أبا حنيفة أجاز تنكيس الوضوء ، وتنكيس الأذان ، وتنكيس الإقامة ، وتنكيس الطواف . قال أبو محمد : إذ أمر رسول الله ﷺ بالخبب في الأشواط المذكورة فقد علمهم من أين يبتدئون ؟ وكيف يمشون فصار ذلك أمرا ، وأمره عليه السلام فرض ، ولا أعجب ممن لا يرى العمرة ، أو الحج يبطلان بمخالفة ما أمر الله تعالى به ورسوله ﷺ ثم يراهما يبطلان بما لم يأت فيه أمر بذلك من الله تعالى ، ولا من رسوله ﷺ كتعمد الإمناء في مباشرة امرأته بغير جماع ونحو ذلك . وأما الطواف بين الصفا والمروة في العمرة فإن أنسا وغيره قالوا : ليس فرضا - : روينا من طريق عبد الرزاق نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال : كان ابن عباس يقرأ : " فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما . قال أبو محمد : هذا قول من ابن عباس لا إدخال منه في القرآن - وعن ابن عباس أيضا : العمرة الطواف بالبيت . ومن طريق شعبة عن عاصم الأحول قال : سمعت أنس بن مالك يقرأ فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما . ومن طريق عبد بن حميد عن الضحاك بن مخلد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن مسعود مثل ذلك . ومن طريق عبد بن حميد عن عبد الله بن يزيد المقري عن أبي حنيفة عن ميمون بن مهران عن أبي بن كعب مثل ذلك ، وهو قول عطاء ، ومجاهد ، وميمون بن مهران . ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن الزبير قال في الطواف بين الصفا والمروة : هما تطوع . واحتج من رأى هذا القول بقول الله تعالى : { إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } . وروينا عن عائشة رضي الله عنها إيجاب فرض السعي بينهما ، وقالت في هذه الآية : إنما نزلت في ناس كانوا لا يطوفون بينهما ؛ فلما كان الإسلام طاف رسول الله ﷺ . قال أبو محمد : لو لم تكن إلا هذه الآية لكانت غير فرض لكن الحجة في فرض ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر نا شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى الأشعري قال { قدمت على رسول الله ﷺ وهو منيخ بالبطحاء فقال لي : أحججت ؟ فقلت : نعم فقال : بم أهللت ؟ قال قلت : لبيت بإهلال كإهلال رسول الله ﷺ قال : فقد أحسنت طف بالبيت ، وبين الصفا والمروة وأحل } . قال علي : بهذا صار السعي بين الصفا والمروة في العمرة فرضا . وأما الرمل بينهما - : فحدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمود بن غيلان المروزي نا بشر بن السري نا سفيان هو الثوري - عن عطاء بن السائب عن كثير بن جمهان قال : رأيت ابن عمر يمشي بين الصفا والمروة فقال : إن أمش فقد رأيت رسول الله ﷺ يمشي ، وإن أسع فقد رأيت رسول الله ﷺ يسعى . قال علي : والخبر الذي فيه " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي " فإنما روته صفية بنت شيبة عن امرأة لم تسم ؛ وقد قيل : هي بنت أبي تجراة وهي مجهولة ، ولو صح لقلنا بوجوبه ، ومن عجز عن الخبب المذكور مشى ولا شيء عليه لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها }
831 - مسألة : ولا يحل للمحرم بالعمرة أو بالحج تصيد شيء مما يصاد ليؤكل ، ولا وطء كان له حلالا قبل إحرامه ، ولا لباس شيء مما ذكرنا قبل أن النبي ﷺ نهى عن لباس المحرم ، قال الله تعالى : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } . وقال تعالى : { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } وهذا أيضا لا خلاف فيه .
832 - مسألة : ومن أراد العمرة - وهو بمكة - إما من أهلها ، أو من غير أهلها ففرض عليه أن يخرج للإحرام بها إلى الحل ولا بد فيخرج إلى أي الحل شاء ، ويهل بها { فلأن رسول الله ﷺ أمر عبد الرحمن بن أبي بكر بالخروج من مكة إلى التنعيم ليعتمر منه } { واعتمر عليه السلام من الجعرانة } فوجب ذلك في العمرة خاصة - وبالله تعالى التوفيق . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا عمرو بن علي أنا أبو عاصم نا عثمان بن الأسود نا ابن أبي مليكة عن عائشة أم المؤمنين { أن رسول الله ﷺ أمر عبد الرحمن أخاها أن يعمرها من التنعيم وانتظرها عليه السلام بأعلى مكة حتى جاءت } .