الرئيسيةبحث

العقد الفريد/الجزء الخامس/9

كتاب المرجانة الثانية في النساء وصفاتهن

كتاب المرجانة الثانية قال أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه رحمه الله: قد مضى في قولنا فيالغناء واختلاف الناس فيه ونحن قائلون بعون الله وتوفيقه في النساء وصفاتهن وما يحمد ويذم من عشرتهن إذ كان العيش كله مقصوراً على الحليلة الصالحة والزوجة الموافقة والبلاء كله موكلاً بالقرينة السوء التي لا تسكن النفس إلى كريم عشرتها ولا تقر العين برؤيتها. قال الأصمعي: حدثني ابن أبي الزناد عن عروة بن الزبير قال: ما رفع أحد نفسه بعد الإيمان بالله بمثل منكح صدق ولا وضع أحدٌ نفسه بعد الكفر بالله بمثل منكح سوء. ثم قال: لعن الله فلانة ألفت بني فلان بيضا طوالاً فقلبتهم سوداً قصاراً. وفي حكمة سليمان بن داود عليهما السلام: المرأة العاقلة تبني بيتها والسفيهة تهدمه. وقال: الجمال كاذب والحسن مختلف وإنما تستحق المدح المرأة الموافقة. مكحول عن عطية بن بشر عن عكاف بن وداعة الهلالي أن رسول الله ﷺ قال له: يا عكاف ألك امرأة قال: لا. قال: فأنت إذاً من إخوان الشياطين إن كنت من وقالت عائشة: النكاح رق فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته. وقال ﷺ: " أوصيكم بالنساء فإنهن عندكم عوان " يعني أسيرات. قولهم في المناكح خطب صعصعة بن معاوية إلى عامر بن الظرب حكيم العرب ابنته عمرة وهي أم عامر بن صعصعة فقال: يا صعصعة إنك أتيتني تشتري مني كبدي فارحم ولدي قبلتك أو رددتك. والحسيب كفء الحسيب والزوج الصالح أب بعد أب. وقد أنكحتك خشية أن لا أجد مثلك أفر من السر إلى العلانية. يا معشر عدوان خرجت من بين أظهركم كريمتكم من غير رغبة ولا رهبة أقسم لولا قسم الحظوظ على الجدود ما ترك الأول للآخر ما يعيش به. العباس بن خالد السهمي قال: خطب عمرو بن حجر إلى عوف بن محلم الشيباني ابنته أم إياس فقال: نعم أزوجها على أن أسمي بنيها وأزوج بناتها. فقال عمرو بن حجر: أما بنونا فنسميهم بأسمائنا وأسماء آبائنا وعمومتنا وأما بناتنا فينكحهن أكفاؤهن من الملوك ولكني أصدقها عقاراً في كندة وأمنحها حاجات قومها لا ترد لأحد منهم حاجة. فقبل ذلك منه أبوها وأنكحه إياها. فلما كان بناؤه بها خلت بها أمها فقالت: أي بنية إنك فارقت بيتك الذي منه خرجت وعشك الذي فيه درجت إلى رجل لم تعرفيه وقرين لم تألفيه فكوني له أمة يكن لك عبدا واحفظي له خصالاً عشراً يكن لك ذخرا. أما الأولى والثانية: فالخشوع له بالقناعة وحسن السمع له والطاعة. وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لموضع عينه وأنفه فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلا الطيب ريح. وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه فإن تواتر الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة. وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله والإرعاء على حشمه وعاليه وملاك الأمر في المال حسن التقدير وفي العيال حسن التدبير. وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمرا ولا تفشين له سراً فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره وإن أفشيت سره لم تأمني غدره. ثم إياك والفرح بين يديه إذا كان مهتماً والكآبة بين يديه إذا كان فرحاً. فولدت له الحارث بن عمرو جد امرئ القيس الشاعر. الشيباني قال: حدثنا بعض أصحابنا أن زرارة بن عدس نظر إلى ابنه لقيط فقال: ما لي أراك مختالاً كأنك جئتني بابنة ذي الجدين أو مائة من هجائن النعمان فقال: والله لا يمس رأسي دهن حتى آتيك بهما أو ابلي عذراً. فانطلق حتى أتى ذا الجدين وهو قيس بن مسعود الشيباني فوجده جالساً في نادي قومه شيبان فخطب إليه بنته علانية فقال له: هلا ناجيتني قال: علمتي أني إن ناجيتك لم أخدعك وإن عالنتك لم أفضحك قال: ومن أنت قال: لقيط بن زرارة. قال: لا جرم ولا تبيتن فينا عزبا ولا محروما. فزوجه وساق عنه المهر وينى بها من ليلته تلك. ثم خرج إلى النعمان فجاء بمائتين من هجائنه وأقبل إلى أبيه وقد وفى نذره. فبعث إليه قيس بن مسعود بابنته مع ولده بسطام بن قيس فخرج لقيط يتلقاها في الطريق ومعه ابن عم له يقال له قراد فقال لقيط: هاجت عليك ديار الحي أشجانا واستقبلوا من نوى الجيران قربانا تامت فؤادك لم تقض التي وعدت إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا فانظر قراد وهل في نظرة جزع عرض الشقائق هل بينت أظعانا فيهن جارية نضح العبير بها تكسى ترائبها دراً ومرجانا كيف اهتديت ولا نجم ولا علم وكنت عندي نؤوم الليل وسنانا ولما رحل بها بسطام بن قيس قالت: مروا بي على أبي أودعه فلما ودعته قال لها: يا بنية كوني له أمةً يكن لك عبداً وليكن أطيب طيبك الماء ثم لا أذكرت ولا أيسرت فإنك تلدين الأعداء وتقربين البعداء إن زوجك فارس من فرسان مضر فإذا كان ذلك فلا تخمشي وجهاً ولا تحلقي شعراً. فلما قتل لقيط تحملت إلى أهلها ثم مالت إلى مجلس عبد الله بن دارم فقالت: نعم الأحماء كنتم يا بني دارم وأنا أوصيكم بالقرائب خيراً فلم أر مثل لقيط. ثم لحقت بقومها. فتزوجها ابن عم لها فكانت لا تسلو عن ذكر لقيط فقال لها زوجها: أي يوم رأيت فيه لقيطاً أحسن في عينك قالت: خرج يوماً يصطاد فطرد البقر فصرع منها ثم أتاني مختضباً بالدماء فضمني ضمة ولثمني لثمة فليتني مت ثمة. فخرج زوجها ففعل مثل ذلك ثم أتاها فضمها ولثمها ثم قال لها: من أحسن أنا أم لقيط عندك قالت: مرعى ولا كالسعدان. أبو الفضل: عن بعض رجاله قال: قدم قيس بن زهير بعدما قتل أهل الهباءة على النمر بن قاسط فقال: يا معشر النمر نزعت إليكم غريباً حزيناً فانظروا لي امرأة أتزوجها قد أذلها الفقر وأدبها الغنى لها حسب وجمال. فزوجوه على هيئة ما طلب. فقال: إني لا أقيم فيكم حتى أعلمكم أخلاقي: إني غيور فخور ضجور ولكني لا أغار حتى أرى ولا أفخر حتى أفعل ولا آنف حتى أظلم. فأقام فيهم حتى ولد له غلام سماه خليفة ثم بدا له أن يرتحل عنهم فجمعهم ثم قال: يا معشر النمر إن لكم علي حقاً وأنا أريد أن أوصيكم فآمركم بخصال وأنهاكما عن خصال: بالإبل فإن بها تنال الفرصة وسودوا من لا تعابون بسؤدده وعليكم بالوفاء فإن به عيش الناس وإعطاء ما تريدون إعطاءه قبل المسألة ومنع ما تريدون منعه قبل القسم وإجارة الجائر على الدهر وتنفيس المنازل. وأنهاكم عن الرهان فإن بها ثكلت مالكا وأنهاكم عن البغي فإنه صرع زهيراً وعن السرف في الدماء فإن يوم الهباءة أورثني الذل ولا تعطوا في الفضول فتعجزوا عن الحقوق ولا تردوا الأكفاء عن النساء فتحوجوهن إلى البلاء فإن لم تجدوا الأكفاء فخير أزواجهن القبور. واعلموا أني أصبحت ظالماً مظلوماً ظلمني بنو بدر بقتلهم مالكاً وظلمت بقتلي من لا ذنب له. كان الفاكه بن المغيرة المخزومي أحد فتيان قريش وكان قد تزوج هند بنت عتبة وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس فيه بلا إذن فقام يوماً في ذلك البيت وهند معه ثم خرج عنها وتركها نائمة فجاء بعض من كان يغشى البيت فلما وجد المرأة نائمة ًولى عنها. فاستقبله الفاكه بن المغيرة فدخل على هند وأنبهها وقال: من هذا الخارج من عندك قالت: والله ما انتبهت حتى أنبهتني وما رأيت أحداً قط. قال: الحقي بأبيك. وخاض الناس في أمرهم. فقال لها أبوها: يا بنية: أنبئيني شأنك فإن كان الرجل صادقاً دسست عليه من يقتله فينقطع عنك العار وإن كان كاذباً حاكمته إلى بعض كهان اليمن: قالت: والله يا أبت إنه لكاذب. فخرج عتبة فقال: إنك رميت ابنتي بشيء عظيم فإما أن تبين ما قلت وإلا فحاكمني إلى بعض كهان اليمن. قال: ذلك لك. فخرج الفاكه في جماعة من رجال قريش ونسوة من بني مخزوم وخرج عتبة في رجال ونسوة من بني عبد مناف فلما شارفوا بلاد الكاهن تغير وجه هند وكسف بالها. فقال لها أبوها: أي بنية ألا كان هذا قبل أن يشتهر في الناس خروجنا قالت: يا أبت والله ما ذلك لمكروه قبلي ولكنكم تأتون بشراً يخطئ ويصيب ولعله أن يسمني بسمة تبقى على ألسنة العرب. فقال لها أبوها: صدقت ولكني سأخبره لك. فصفر بفرسه فلما أدلى عمد إلى حبة بر فأدخلها في إحليله ثم أوكى عليها وسار. فلما نزلوا على الكاهن أكرمهم ونحر لهم. فقال له عتبة: إنا أتيناك في أمر قد خبأنا لك خبية فما هي قال: ثمرة في كمرة. قال: أريد أبين من هذا. قال: حبة بر في إحليل مهر. قال: صدقت فانتظر في أمر هؤلاء النسوة فجعل يمسح رأس كل واحدة منهن ويقول: قومي لشأنك حتى إذا بلغ إلى هند مسح يده على رأسها وقال: قومي غير رسحاء ولا زانية وستلدين ملكاً سمى معاوية. فلما خرجت أخذ الفاكه بيدها فنترت يده من يدها وقالت: والله لأحرصن أن يكون ذلك الولد من غيرك. فتزوجها أبو سفيان فولدت معاوية. وذكروا أن هند بنت عتبة بن ربيعة قالت لأبيها: يا أبت إنك زوجتني من هذا الرجل ولم تؤامرني في نفسي فعرض لي معه ما عرض فلا تزوجني من أحد حتى تعرض علي أمره وتبين لي خصاله. فخطبها سهيل بن عمرو وأبو سفيان بن حرب فدخل عليها أبوها وهو يقول: أتاك سهيل وابن حرب وفيهما رضاً لك يا هند الهنود ومقنع وما منهما إلا يعاش بفضله وما منهما إلا يضر وينفع فدونك فاختاري فأنت بصيرةٌ ولا تخدعي إن المخادع يخدع قالت: يا أبت والله ما أصنع بهذا شيئاً ولكن فسر لي أمرهما وبين لي خصالهما حتى أختار لنفسي أشدهما موافقة لي. فبدأ يذكر سهيل بن عمرو فقال: أما أحدهما ففي سطةٍ من العشيرة وثروة من العيش إن تابعته تابعك وإن ملت عنه حط عليك تحكمين عليه في أهله وماله. وأما الآخر فموسع عليه منظور إليه في الحسب والحسيب والرأي الأريب مدره أرومته وعز عشيرته شديد الغيرة كثير الطيرة لا ينام على ضعة ولا يرفع عصاه عن أهله. فقالت: يا أبت الأول سيد مضياع للحرة فما عست أن تلين بعد إبائها وتصنع تحت جناحه إذا تابعها بعلها فأشرت وخافها أهلها فأمنت فساءت عند ذلك حالها وقبح عند ذلك دلالها فإن جاءت بولد أحمقت وإن أنجبت فعن خطأ ما أنجبت فاطو ذكر هذا عني ولا تسمه لي. وأما الآخر فبعل الفتاة الخريدة الحرة العفيفة وإني للتي لا أريب له عشيرة فتغيره ولا تصيبه بذعر فتضيره وإني لأخلاق مثل هذا لموافقة فزوجنيه. فزوجها من أبي سفيان. فولدت له معاوية وقبله يزيد فقال في ذلك سهيل بن عمرو: نبئت هنداً تبر الله سعيها تأبت وقالت وصف أهوج مائق وما هوجي يا هند إلا سجية أجر لها ذيلي بحسن الخلائق ولكنني أكرمت نفسي تكرماً ورافعت عنها الذم عند الخلائق وإني إذا ما حرة ساء خلقها صبرت عليها صبر آخر عاشق فإن هي قالت خل عنها تركتها وأقلل بترك من حبيبٍ مفارق فإن سامحوني قلت أمري إليكم وإن أبعدوني كنت في رأس حالق فلم تنكحي يا هند مثلي وإنني لمن لم تمقني فاعلمي غير وامق فبلغ أبا سفيان فقال: والله لو أعلم شيئاً يرضي أبا زيد سوى طلاق هند لفعلته. وألح سهيل في تنقص أبي سفيان. فقال أبو سفيان: رأيت سهيلاً قد تفاوت شأوه وفرط في العلياء كل عنان وأصبح يسمو للمعالي وإنه لذو جفنةٍ مغشية وقيان وشربٍ كرام من لؤي بن غالب عراض المساعي عرضة الحدثان ولكنه يوماً إذا الحرب شمرت وأبرز فيها وجه كل حصان تطأطأ فيها ما استطاع بنفسه وقنع فيها رأسه ودعاني فأكفيه ما لا يستطاع دفاعه وألقيت فيها كلكلي وجراني ناقة ويقود شاة فقال لأبيه: يا أبت هذه ابنة هذه يريد الشاة ابنة الناقة فقال أبوه: يرحم الله هندا يعني ما كان من فراستها فيه. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله لو تزوجت أم هانئ بنت أبي طالب فقد جعل الله لها قرابةً فتكون صهراً أيضاً. فخطبها رسول الله ﷺ فقالت: والله لهو أحب إلي من سمعي وبصري ولكن حقه عظيم وأنا موتمةٌ فإن قمت بحقه خفت أن أضيع أيتامي وإن قمت بأمرهم قصرت عن حقه فقال النبي ﷺ: خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناها على ولد في صغره وأرعاها على بعل في ذات يده. لو علمت أن مريم بنت عمران ركبت جملا لاستثنيتها. ولما توفيت زينب بنت رسول الله ﷺ عن عثمان بن عفان عرض عليه عمر ابنته حفصة فسكت عنه عثمان. وقد كان بلغه أن رسول الله ﷺ يريد أن يزوجه ابنته الأخرى. فشكا عمر إلى رسول الله ﷺ سكوت عثمان عنه فقال له: سيزوج الله ابنتك خيراً من عثمان ويزوج عثمان خيراً من ابنتك. فتزوج رسول الله ﷺ حفصة وتزوج عثمان ابنته. ولما خطب رسول الله ﷺ خديجة بنت خويلد بن عبد العزى ذكرت ذلك زخطب عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت أبي بكر وهي صغيرة فأرسل إلى عائشة فقالت له: الأمر إليك. فلما ذكرت ذلك عائشة لأم كلثوم قالت: لا حاجة لي فيه. فقالت عائشة: أترغبين عن أمير المؤمنين قالت: نعم. إنه خشن العيش شديد على النساء فأرسلت عائشة إلى المغيرة بن شعبة فأخبرته فقال لها: أنا أكفيك. فأتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين بلغني عنك أمر أعيذك بالله منه. قال: ما هو قال: بلغني أنك خطبت أم كلثوم بنت أبي بكر. قال: نعم. أفرغبت بها عني أم رغبت بي عنها قال: لا واحدة منهما ولكنها حدثة نشأت تحت كنف خليفة رسول الله في لين ورفق وفيك غلظة ونحن نهابك وما نقدر أن نردك على خلق من أخلاقك فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوت بها كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك فقال: كيف لي بعائشة وقد كلمتها قال: أنا لك بها وأدلك على خير لك منها أم كلثوم بنت علي من فاطمة بنت رسول الله تتعلق منها بسبب من رسول الله ﷺ. وكان علي قد عزل بناته لولد جعفر بن أبي طالب. فلقيه عمر فقال: يا أبا الحسن أنكحني ابنتك أم كلثوم بنت فاطمة بنت رسول الله ﷺ. قال: قد حسبتها لابن جعفر. قال: إنه والله ما على الأرض أحد يرضيك من حسن صحبتها بما أرضيك به فأنكحني يا أبا الحسن. قال: قد أنكحتكها يا أمير المؤمنين. فأقبل عمر فجلس على الروضة بين القبر والمنبر واجتمع إليه المهاجرون والأنصار. فقال: زفوني. قالوا: بمن يا أمير المؤمنين قال: بأم كلثوم فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي " وقد تقدمت لي صحبة فأحببت أن يكون لي معها سبب. فولدت له أم كلثوم زيد بن عمر ورقية بنت عمر. وزيد بن عمر هو الذي لطم سمرة بن جندب عند معاوية إذا تنقص علياً فيما يقال. وخطب سليمان الفارسي إلى عمر ابنته فوعده بها فشق ذلك على عبد الله بن عمر فلقي عمرو بن العاص فشكا ذلك إليه. فقال له: سأكفيكه. فلقي سلمان فقال له: هنيئاً لك يا أبا عبد الله هذا أمير المؤمنين يتواضع لله عز وجل في تزويجك ابنته. فغضب سلمان وقال: لا والله لا تزوجت إليه أبداً. وخرج بلال بن رباح مؤذن رسول الله ﷺ مع أخيه إلى قوم من بني ليث يخطب إليهم لنفسه ولأخيه فقال: أنا بلال وهذا أخي كنا ضالين فهدانا الله وكنا عبدين فأعتقنا الله وكنا فقيرين فأغنانا الله فإن تزوجونا فالحمد لله وإن تردونا فالمستعان الله. قالوا: نعم وكرامة. فزوجوهما. قالت تماضر امرأة عبد الرحمن بن عوف لعثمان بن عفان: هل لك في ابنة عمٍ لي بكر جميلة ممتلئة الخلق أسيلة الخد أصيلة الرأي تتزوجها قال: نعم. فذكرت له نائلة بنت الفرافصة الكلبية فتزوجها وهي نصرانية فتحنفت وحملت إليه من بلاد كلب فلما دخلت عليه قال لها: لعلك تكرهين ما ترين من شيبي قالت: والله يا أمير المؤمنين إني من نسوة أحب أزواجهن إليهن الكهل. قال: إني قد جزت الكهول وأنا شيخ قالت: أذهبت شبابك مع رسول الله ﷺ في خير ما ذهبت فيه الأعمار. قال: أتقومين إلينا أم نقوم إليك قالت: ما قطعت إليك أرض السماوة وأريد أن أنثني إلى عرض البيت وقامت إليه. فقال لها: انزعي ثيابك فنزعتها. فقال: حلي مرطك. قالت: أنت وذاك. قال أبو الحسن: فلم تزل نائلة عند عثمان حتى قتل فلما دخل إليه وقته بيدها فجذمت أناملها فأرسل إليها معاوية بعد ذلك يخطبها فأرسلت إليه: ما ترجو من امرأة جذماء. وقيل: إنها قالت لما قتل عثمان: إني رأيت الحزن يبلى كما يبلى الثوب وقد خشيت أن يبلى حزن عثمان من قلبي فدعت بفهر فهتمت فاها وقالت: والله لا قعد أحدٌ مني مقعد عثمان أبداً. وكانت فاطمة بنت الحسين بن علي عند حسن بن حسن بن علي فلما احتضر قال لبعض أهله: كأني بعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان إذا سمع بموتي قد جاء يتهادى في إزار له مورد قد أسبله فيقول: جئت أشهد ابن عمي وليس يريد إلا النظر إلا فاطمة فإذا جاء فلا يدخلن. قال: فوالله ما هو إلا أن غمضوه. فجاء عبد الله بن عمرو في تلك الصفة التي وصفها فمنع ساعة فقال بعض القوم: لا يدخل وقال بعضهم: افتحوا له فإن مثله لا يرد. ففتحوا له ودخل. فلما صرنا إلى القبر قامت عليه فاطمة تبكي ثم اطلعت إلى القبر فجعلت تصك وجهها بيديها حاسرة. قال: فدعا عبد الله بن عمرو وصيفاً له فقال: انطلق إلى هذه المرأة وقل لها: يقرئك ابن عمك السلام ويقول لك: كفي عن وجهك فإن لنا به حاجة. فلما بلغها الرسالة أرسلت يديها فأدخلتهما في كميها حتى انصرف الناس. فتزوجها عبد الله بن عمرو بعد ذلك فولدت له محمد بن عبد الله وكان يسمى المذهب لجماله. وكانت ولدت من حسن بن حسن عبد الله بن حسن الذي حارب أبو جعفر ولديه إبراهيم ومحمداً ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن حتى قتلهما. وعن مسلمة بن محارب قال: ما رأيت قرشيا قط كان أكمل ولا أجمل من محمد بن عبد الله بن عمرو الذي ولدته فاطمة بنت الحسين وكانت له ابنة ولدها محمد وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير كانت أمها خديجة بنت عثمان بن عروة بن الزبير وأم عروة أسماء بنت أبي بكر الصديق وأم محمد فاطمة بنت الحسين بن فاطمة بنت رسول الله ﷺ وأم فاطمة بنت الحسين أم إسحاق بن طلحة بن عبد الله وأم عبد الله بن عمرو بن عثمان سودة بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب. وعن الهيثم بن عدي الطائي قال: حدثنا مجالد عن الشعبي قال: لقيني شريح فقال: يا شعبي عليك بنساء بني تميم فإني رأيت لهن عقولا. قال: وما رأيت من عقولهن قال: أقبلت من جنازة ظهرا فمررت بدورهم فإذا أنا بعجوز على باب دار وإلى جنبها جارية كأحسن ما رأيت من الجواري فعدلت فاستسقيت وما بي عطش. فقالت: أي الشراب أحب إليك فقلت: ما تيسر قال: ويحك يا جارية إيتيه بلبن فإني أظن الرجل غريباً قلت: من هذه الجارية قالت: هذه زينب بنت جرير إحدى نساء بني حنظلة قلت: فارغة هي أم مشغولة قالت: بل فارغة. قلت: زوجينيها. قالت: إن كنت لها كفواً وهي لغة تميم. فمضيت إلى المنزل فذهبت لأقيل. فامتنعت مني القائلة فلما صليت الظهر أخذت بأيدي إخواني من القراء الأشراف: علقمة والأسود والمسيب وموسى بن عرفطة ومضيت أريد عمها. فاستقبل فقال: يا أبا أمية حاجتك قلت: زينب بنت أخيك قال: ما بها رغبة عنك. فأنكحنيها. فلما صارت في حبالي ندمت وقلت: أي شيء صنعت بنساء بني تميم وذكرت غلظ قلوبهن فقلت: أطلقها ثم قلت: لا ولكن أضمها إلي فإن رأيت ما أحب وإلا كان ذلك. فلو رأيتني يا شعبي وقد أقبل نساؤهم يهدينها حتى أدخلت علي فقلت: إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم فيصلي ركعتين فيسأل الله من خيرها ويعوذ به من شرها فصليت وسلمت فإذا هي من خلفي تصلي بصلاتي فلما قضيت صلاتي أتتني جواريها فأخذن ثيابي وألبسنني ملحفة قد صبغت في عكر العصفر فلما خلا البيت دنوت منها فمددت يدي إلى ناصيتها فقالت: على رسلك أبا أمية كما أنت ثم قالت: الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلي على محمد وآله إني امرأةٌ غريبة لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب فآتيه وما تكره فأزدجر عنه. وقالت: إنه قد كان لك في قومك منكح. وفي قومي مثل ذلك ولكني إذا قضى الله أمراً كان وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله به: " إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك.