الرئيسيةبحث

العقد الفريد/الجزء الخامس/11

صفة المرأة السوء

قال النبي ﷺ: " إياكم وخضراء الدمن ". يريد الجارية الحسناء في المنبت السوء. وفي حكمة داود: المرأة السوء مثل شرك الصياد. لا ينجو منها إلا من رضي الله عنه. الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: قال عمر بن الخطاب النساء ثلاثة: هينة عفيفة مسلمة تعين أهلها على العيش ولا تعين العيش على أهلها وأخرى وعاء للولد وثالثة غل قمل يلقيه الله في عنق من يشاء من عباده. وقيل لأعرابي عالم بالنساء: صف لنا شر النساء. قال: شرهن النحيفة الجسم القليلة اللحم الطويلة السقم المحياض الصفراء المشؤومة العسراء السليطة الذفراء السريعة الوثبة كأن لسانها حربة تضحك من غير عجب وتقول الكذب وتدعو على زوجها بالحرب. أنف في السماء وآست في الماء. وفي رواية محمد بن عبد السلام الخشني قال: إياك وكل امرأة مذكرة منكرة حديدة العرقوب بادية الظنبوب منتفخة الوريد كلاهما وعيد وصوتها شديد تدفن الحسنات وتفشي السيئات تعين الزمان على بعلها ولا تعين بعلها على الزمان ليس في قلبها له رأفة ولا عليها منه مخافة إن دخل خرجت وإن خرج دخلت وإن ضحك بكت وإن بكى ضحكت وإن طلقها كان حريبته وإن أمسكها كانت مصيبته سعفاء ورهاء كثيرة الدعاء قليلة الإرعاء تأكل لما وتوسع ذما صخوب غضوب بذية دنية ليس تطفأ نارها ولا يهدأ إعصارها ضيقة الباع مهتوكة القناع صبيها مهزول وبيتها مزبول إذا حدثت تشير بالأصابع وتبكي في المجامع باديةٌ من حجابها نباحة على بابها تبكي وهي ظالمة وتشهد وهي غائبة قد ذل لسانها بالزور وسال دمعها بالفجور. نافرت امرأة فضالة زوجها إلى سلم بن قتيبة وهو والي خراسان فقالت: أبضغه والله لخلال فيه. قال: وما هي قالت: هو والله قليل الغيرة سريع الطيرة شديد العتاب كثير الحساب قد أقبل بخره وأدبر ذفره وهجمت عيناه واضطربت رجلاه يفيق سريعاً وينطق رجيعاً يصبح جبسا ويمسي رجسا إن جاع جزع وإن شبع جشع. ومن صفة المرأة السوء يقال: امرأة سمعنة نظرنة. وهي التي إذا تسمعت أو تبصرت فلم تر شيئاً تظننت تظنناً. قال أعرابي: مفنة معنة كالذئب وسط العنه إلا تره تظنه وقال يزيد بنعمر بن هبيرة: لا تنكحن برشاء ولا عمشاء ولا وقصاء ولا لثغاء فتجيئك بولد ألثغ. فوالله لولد أعمى أحب إلي من ولد ألثغ. وقالوا: آخر عمر الرجل خير من أوله يثوب حلمه وتثقل حصاته وتخمد شرارته وتكمل تجارته. وآخر عمر المرأة شر من أوله يذهب جمالها ويذوب لسانها ويعقم رحمها ويسوء خلقها. وعن جعفر بن محمد عليهما السلام: إذا قال لك أحد: تزوجت نصفا فاعلم أن شر النصفين ما بقي في يده وأنشد: وإن أتوك وقالوا إنها نصف فإن أطيب نصفيها الذي ذهبا وقال الحطيئة في امرأته: أطوف ما أطوف ثم آوي إلى بيت قعيدته لكاع وقال في أمه: تنحي فاجلسي مني بعيداً أراح الله منك العالمينا حياتك ما علمت حياة سوء وموتك قد يسر الصالحينا وقال زيد بن عمير في أمته: أعاتبها حتى إذا قلت أقلعت أبى الله إلا خزيها فتعود فإن طمثت قادت وإن طهرت زنت فهي أبداً يزنى بها وتقود ويقال إن المرأة إذا كانت مبغضة لزوجها فعلامة ذلك أن تكون عند قربه منها مرتدة الطرف عنه كأنها تنظر إلى إنسان غيره وإذا كانت محبة له لا تقلع عن النظر إليه. وقال آخر يصف امرأة لثغاء: أول ما أسمع منها في السحر تذكيرها الأنثى وتأنيث الذكر والسوأة السوآء في ذكر القمر ولآخر في زوجته: لقد كنت محتاجاً إلى موت زوجتي ولكن قرين السوء باق معمر فيا ليتها صارت إلى القبر عاجلاً وعذبها فيه نكير ومنكر وكان روح بن زنباع أثيراً عند عبد الملك فقال له يوماً: أرأيت امرأتي العبسية قال: نعم قال: فيم شبهتها قال بمشجب بال وقد أسيئت صنعته. قال: صدقت. وما وضعت يدي عليها قط إلا كأني أضعها على الشكاعي وأنا أحب أن تقول ذلك لابنيها الوليد وسليمان. فقام إليه فزعاً فقبل يده ورجله وقال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن لا تعرضني لهما. قال: ما من ذلك بد وبعث من يدعوهما. فاعتزل روح وجلس ناحيةً من البيت كأنه حلس وجاء الوليد وسليمان فقال لهما: أتدريان لم بعثت إليكما إنما بعثت لتعرفا لهذا الشيخ حقه وحرمته. ثم سكت. أبو الحسن المدائني: كان عند روح بن زنباع هند بنت النعمان بن بشير وكان شديد الغيرة فأشرفت يوماً تنظر إلى وفد من جذام كانوا عنده فزجرها. فقالت: والله لأبغض الحلال من جذام فكيف تخافني على الحرام فيهم. وقالت له يوماً: عجباً منك كيف يسودك قومك وفيك ثلاث خلال: أنت من جذام وأنت جبان وأنت غيور فقال لها: أما جذام فإني في أرومتها وحسب الرجل أن يكون في أرومة قومه. وأما الجبن فإنما لي نفس واحدة فأنا أحوطها فلو كانت لي نفس أخرى جدت بها. وأما الغيرة فأمر لا أريد أن أشارك فيه وحقيق بالغيرة من كانت عنده حمقاء مثلك مخافة أن تأتيه بولد من غيره فتقذف به في حجره. فقالت: وهل هند إلا مهرة عربية سليلة أفراس تجللها بعل فإن أنجبت مهرا عريقاً فبالحري وإن يك إقراف فما أنجب الفحل أقول لها لما أتتني تدلني على امرأة موصوفة بجمال أصبت لها والله زوجاً كما اشتهت إن احتملت منه ثلاث خصال فمنهن عجز لا ينادي وليده ورقة إسلام وقلة مال صفة الحسن عن أبي الحسن المدائني قال: الحسن أحمر وقد تضرب فيه الصفرة مع طول المكث في الكن والتضمخ بالطيب كما تضرب في بيضة الأدحى واللؤلؤة المكنونة. وقد شبه الله عز وجل بها في كتابه فقال: " كأنهن بيض مكنون " وقال: " كأنهم لؤلؤ مكنون ". وقال الشاعر: كأن بيض نعام في ملاحفها إذا اجتلاهن قيظ ليله ومد وقال آخر: مروزي الأديم تغمره الصف رة حيناً لا يستحق اصفرارا وجرى من دم الطبيعة فيه لون ورد كسا البياض احمرارا وقالت امرأة خالد بن صفوان له: لقد أصبحت جميلاً. فقال لها: وما رأيت من جمالي! وما في في رداء الحسن ولا عموده ولا برنسه قالت: وكيف ذلك قال: عمود الحسن الشطاط وقالوا: إن الوجه الرقيق البشرة الصافي الأديم إذا خجل يحمر. وإذا فرق يصفر. ومنه قولهم: ديباج الوجه. يريدون تلونه من رقته. وقال عدي بن زيد يصف لون الوجه: حمرة خلط صفرة في بياضٍ مثل ما حاكٌ حائك ديباجاً وقالوا: إن الجارية الحسناء تتلون بلون الشمس فهي بالضحى بيضاء وبالعشي صفراء. وقال الشاعر: بيضاء ضحوتها وصفراء العشية كالعراره وقال ذو الرمة: بيضاء صفراء قد تنازعها لونان من فضة ومن ذهب ومن قولنا في هذا المعنى: بيضاء يحمر خداها إذا خجلت كما جرى ذهب في صفحتي ورق ومن قولنا أيضاً: يا لؤلؤاً يسبي العقول أنيقاً ورشاً بتقطيع القلوب رفيقا ما إن رأيت ولا سمعت بمثله دراً يعود من الحياء عقيقا عطابيل كالآرام أما وجوهها فدر ولكن الخدود عقيق قولهم في الجارية جميلة من بعيد مليحة من قريب. فالجميلة التي تأخذ بصرك جملة على بعد فإذا دنت لم تكن كذلك. والمليحة التي كلما كررت فيها بصرك زادتك حسنا. وقال بعضهم: السمينة الجميلة من الجميل وهو الشحم. والمليحة أيضاً من الملحة وهو البياض. والصبيحة مثل ذلك يشبهونها بالصبح في بياضه. المنجبات من النساء قالوا: أنجب النساء الفروك. وذلك أن الرجل يغلبها على الشبق لزهذها في الرجل. أبو حاتم عن الأصمعي قال: النجيبة التي تنزع بالولد إلى أكرم العرقين. وقال عمر بن الخطاب: يا بني السائب إنكم قد أضويتم فانكحوا في النزائع. وقالت العرب: بنات العم أصبر والغرائب أنجب. والعرب تقول: اغتربوا لا تضووا. أي انكحوا في الغرائب فإن القرائب يضوين البنين. وقالوا: إذا أرادت أن يصلب ولد المرأة فأغضبها ثم قع عليها وكذلك الفزعة. وقال الشاعر: حملت به في ليلة مزؤودةٍ كرها وعقد نطاقها لم يحلل قالت أم تأبط شراً: والله ما حملته تضعا ولا وضعا ولا وضعته يتنا ولا أرضعته غيلا ولا أنمته مئقا. حملته وضعا وتضعاً وهي أن تحمله في مقبل الحيض. ووضعته يتناً وضعته منكساً تخرج رجلاه قبل رأسه وأرضعته غيلاً أرضعته لبنا فاسدا وذلك أن ترضعه وهي حامل وأنمته مئقا أي مغضبا مغتاظا. ومن أمثال العرب قولهم: أنا مئق وأنت تئق فلا نتفق. المئق: المغضب المغتاظ. والتئق: الذي ر يحتمل شيئا. من أخبار النساء لما قتل مصعب بن الزبير بنت النعمان بن بشير الأنصارية زوجة المختار ابن أبي عبيد أنكر الناس ذلك عليه وأعظموه لأنه أتى بما نهى رسول الله )عنه في نساء المشركين فقال عمر بن أبي ربيعة: إن من أعظم الكبائر عندي قتل حسناء غادة عطبول قتلت باطلاً على غير ذنب إن الله درها من قتيل كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول ولما خرجت الخوارج بالأهواز أخذوا امرأة فهموا بقتلها فقالت لهم: أتقتلون من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين فأمسكوا عنها.

باب الطلاق

محمد بن الفار قال: حدثني عبد الرحمن بن محمد بن أخي الأصمعي قال: سمعت عمي يقول: توصلت بالملح وأدركت بالغريب. وقال عمي للرشيد في بعض حديثه: بلغني يا أمير المؤمنين أن رجلا من العرب طلق في يوم خمس نسوة. قال: إنما يجوز ملك الرجل على أربع نسوة فكيف طلق خمسا قال: كان لرجل أربع نسوة فدخل عليهن يوما فوجدهن متلاحيات متنازعات وكان شنظيرا. فقال: إلى متى هذا التنازع ما إخال هذا الأمر إلا من قبلك يقول ذلك لامرأة منهن اذهبي فأنت طالق. فقالت له صاحبتها: عجلت عليها الطلاق ولو أدبتها بغير ذلك لكنت حقيقا. فقال لها: وأنت أيضا طالق. فقالت الثالثة: قبحك الله فوالله لقد كانتا إليك محسنتين وعليك مفضلتين. فقال: وأنت أيتها المعددة أياديهما طالق أيضا. فقالت له الرابعة وكانت هلالية وفيها أناة شديدة: ضاق صدرك عن أن تؤدب نساءك إلا بالطلاق. فقال لها: وأنت طالق أيضا. وكان ذلك بمسمع جارة له فأشرفت عليه وقد سمعت كلامه فقالت: والله ما شهدت العرب عليك وعلى قومك بالضعف إلا لما بلوه منكم ووجدوه فيكم أبيت إلا طلاق نسائك في ساعة واحدة. قال: وأنت أيضا أيتها المؤنبة المتكلفة طالق إن أجاز زوجك. فأجابه من داخل بيته: هيه قد أجزت قد أجزت. ودخل المغيرة بن شعبة على زوجته فارعة الثقفية وهي تتخلل حين انفتلت من صلاة الغداة فقال لها: إن كنت تتخللين من طعام اليوم إنك لجشعة وإن كنت تتخللين من طعام البارحة إنك لبشعة كنت فبنت. فقالت: والله ما اغتبطنا إذا كنا ولا أسفنا إذ بنا وما هو لشيء مما ذكرت ولكني استكت فتخللت للسواك. فخرج المغيرة نادما على ما كان منه. فلقيه يوسف بن أبي عقيل فقال له: إني نزلت الآن عن سيدة نساء ثقيف فتزوجها فإنها ستنجب فتزوجها. فولدت له الحجاج. وقال الحسن بن علي بن الحسن لامرأته عائشة بنت طلحة: أمرك بيدك. فقالت: قد كان عشرين سنة بيدك فأحسنت حفظه فلن أضيعه إذ صار بيدي ساعة واحدة وقد صرفته إليك. فأعجبه ذلك منها وأمسكها. وقال أبو عبيدة: طلق رجل امرأته وقال في ذلك: لقد طلقت أخت بني غلاب طلاقاً ما أظن له ارتدادا ولم أك كالمعدل أو أويس إذا ما طلقا ندما فعادا قال أبو عبيدة: وطلاق المعدل وأويس يضرب به المثل. ونكح رجل امرأة من العرب فلما اهتداها رأت ريع داره أحسن ريع وشمل عياله أجمع شمل فقالت: أما والله لئن بقيت لهم لأشتتن أمرهم وقالت في ذلك: أرى ناراً سأجعلها إرينا وأترك أهلها شتى عزينا فلما انتهى ذلك إلى زوجها طلقها وقال في ذلك: فبيني قبل أن تلحي عصانا ويصبح أهلنا شتى عزينا وقيل لابن عباس: ما تقول في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء فقال: يكفيه من ذلك عدد كوكب الجوزاء. وقيل لأعرابي: هل لك في النكاح قال: لو قدرت أن أطلق نفسي لطلقتها. وعن الزهري قال: قال أبو الدرداء لامرأته: إذا رأيتني غضبت ترضيني وإن رأيتك غضبت ترضيتك وإلا لم نصطحب. قال الزهري: وهكذا يكون الإخوان. قال الأصمعي: كنت أختلف إلى أعرابي أقتبس منه الغريب فكنت إذا استأذنت عليه يقول: يا أمامة ائذني له. فتقول: ادخل. فاستأذنت عليه مراراً فلم أسمعه يذكر أمامة فقلت: يرحمك الله ما أسمعك تذكر أمامة قال: فوجم وجمة. فندمت على ما كان مني ثم أنشأ يقول: ظعنت أمامة بالطلاق ونجوت من غل الوثاق بانت فلم يألم لها قلبي ولم تبك المآقي ودواء ما لا تشتهيه النفس تعجيل الفراق والعيش ليس يطيب من إلفين من غير اتفاق وعن الشيباني قال: طلق أبو موسى امرأته وقال فيها: ما أنت بالحنة الولود ولا عندك نفعٌ يرجى لملتمس لليلتي حين بنت طالقةً ألذ عندي من ليلة العرس بت لديها بشر منزلة لا أنا في لذة ولا أنس تلك على الخسف لا نظير لها وإنني ما يسوغ لي نفسي أقبل منظور بن زبان بن سيار الفزاري إلى الزبير فقال: إنما زوجناك ولم نزوج عبد الله. قال: مالك قال: إنها تشكوه. قال: يا عبد الله طلقها. قال عبد الله: هي طالق. قال منظور: أنا ابن قهدم. قال الزبير: أنا ابن صفية. أتريد أن يطلق المنذر أختها قال: لا تلك راضية بموضعها. وتزوج محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان خديجة بنت عروة بن الزبير فذكر لها جماله وكان يقال له المذهب من حسنه وكان رجلاً مطلاقاً. فقالت: محمد هو الدنيا لا يدوم نعيمها. فلما طلقها خطبها إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي فكتب إليها: أعيذك بالرحمن من عيش شقوةٍ وأن تطعمي يوماً إلى غير مطمع إذا ما ابن مظعون تحدر وسقه عليك فبوئي بعد ذلك أو دعي فردته ولم تتزوجه. وعن العتبي عن أبيه قال: أمهر الحجاج ابنة عبد الله بن جعفر تسعين ألف دينار فبلغ ذلك خالد بن يزيد بن معاوية فأمهل عبد الملك حتى إذا أطبق الليل دق عليه الباب فأذن له عبد الملك. فدخل عليه. فقال له: ما هذا الطروق أبا يزيد قال: أمرٌ والله لم ينتظر له الصبح هل علمت أن أحدا كان بينه وبين من عادى ما كان بين آل أبي سفيان وآل الزبير بن العوام فإني تزوجت إليهم فما في الأرض قبيلة من قريش أحب إليهم منهم فكيف تركت الحجاج وهو سهم من سهامك يتزوج إلى بني هاشم وقد علمت ما يقال فيهم في آخر الزمان. قال: وصلتك رحم. وكتب إلى الحجاج يأمره بطلاقها ولا يراجعه في ذلك. فطلقها. فأتاه الناس يعزونه وفيهم عمرو بن عتبة. فجعل الحجاج يقع بخالد وينتقصه ويقول: إنه صير الأمر إلى من هو أولى به منه وإنه لم يكن لذلك أهلاً. فقال له عمرو بن عتبة: إن خالداً أدرك من قبله وأتعب من بعده وعلم علماً فسلم الأمر أهله ولو طلب بقديم لم يغلب عليه أو بحديث لم يسبق إليه. فلما سمعه الحجاج استحى فقال: يا بن عتبة إنا نسترضيكم بأن نعتب عليكم ونستعطفكم بأن ننال منكم وقد غلبتم على الحلم فوثقنا لكم به وعلمنا أنكم تحبون أن تحلموا فتعرضنا للذي تحبون. من طلق امرأته ثم تبعتها نفسه الهيثم بن عدي قال: كانت تحت العربان بن الهيثم بن الأسود بنت عم له فطلقها فتبعتها نفسه فكتب إليها يعرض لها بالرجوع فكتبت إليه: إن كنت ذا حاجة فاطلب لها بدلاً إن الغزال الذي ضيعت مشغول فكتب إليها: من كان ذا شغل فالله يكلؤه وقد لهونا به والحبل موصول وقد قضينا من استطرافه طرفا وفي الليالي وفي أيامها طول وطلق الوليد بن يزيد امرأته سعدى. فلما تزوجت اشتد ذلك عليه وندم على ما كان منه. فدخل عليه أشعب فقال له: أبلغ سعدى عني رسالةً ولك مني خمسة آلاف درهم. فقال: عجلها. فأمر له بها. فلما قبضها قال: هات رسالتك فأنشدها: أسعدى ما إليك لنا سبيلٌ ولا حتى القيامة من تلاق بلى ولعل دهراً أن يواتي بموت من خليلك أو فراق فأتاها فاستأذن فدخل عليها. فقالت له: ما بدا لك من زيارتنا يا أشعب فقال: يا سيدتي. أرسلني إليك الوليد برسالة وأنشدها الشعر. فقالت لجواريها: خذن هذا الخبيث. فقال: يا سيدتي إنه جعل لي خمسة آلاف درهم. قالت: والله لأعاقبنك أو لتبلغن إليه ما أقول لك. قال: سيدتي اجعلي لي شيئاً. قالت لك بساطي هذا. قال: قومي عنه. فقامت عنه وألقاه على ظهره. وقال: هاتي رسالتك فقالت: أنشده: أتبكي على سعدى وأنت تركتها فقد ذهبت سعدى فما أنت صانع فلما بلغه وأنشده الشعر سقط في يده وأخذته كظمة ثم سرى عنه فقال: اختر واحدة ًمن ثلاث: إما أن نقتلك وإما أن نطرحك من هذا القصر وإما أن نلقيك إلى هذه السباع. فتحير أشعب وأطرق حيناً ثم رفع رأسه فقال: يا سيدي ما كنت لتعذب عينين نظرتا إلى سعدى. فتبسم وخلى سبيله. وممن طلق امرأته فتبعتها نفسه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أمره أبوه بطلاقها ثم دخل عليه فسمعه يتمثل: فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها ولا مثلها في غير شيء تطلق وممن طلق امرأته فتبعتها نفسه: الفرزدق الشاعر. طلق النوار ثم ندم في طلاقها وقال: ندمت ندامة الكسعي لما غدت مني مطلقةً نوار وكانت جنتي فخرجت منها كآدم حين أخرجه الضرار فأصبحت الغداة ألوم نفسي بأمرٍ ليس لي فيه خيار وكانت النوار بنت عبد الله قد خطبها رجل رضيته وكان وليها غائباً وكان الفرزدق وليها إلا أنه كان أبعد من الغائب فجعلت أمرها إلى الفرزدق وأشهدت له بالتفويض إليه. فلما توثق منها بالشهود أشهدهم أنه قد زوجها من نفسه فأبت منه ونافرته إلى عبد الله بن الزبير وهي بنت منظور بن زبان. فكان كلما أصلح حمزة من شأن الفرزدق نهاراً أفسدته المرأة ليلاً حتى غلبت المرأة وقضى ابن الزبير على الفرزدق. فقال: أما البنون فلم تقبل شفاعتهم وشفعت بنت منظور بن زبانا ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرا مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا وقال الفرزدق في مجلس ابن الزبير: وما خاصم الأقوام من ذي خصومة كورهاء مشنوءٍ إليها خليلها فدونكها يا بن الزبير فإنها ملعنة يوهي الحجارة قيلها فقال ابن الزبير: إن هذا شاعر وسيهجوني فإن شئت ضربت عنقه وإن كرهت ذلك فاختاري نكاحه وقري. فقرت واختارت نكاحه ومكثت عنده زماناً ثم طلقها وندم في طلاقها. وعن الأصمعي عن المعتمر بن سليمان عن أبي مخزوم عن راوية الفرزدق قال: قال لي الفرزدق يوماً: امض بنا إلى حلقة الحسن فإني أريد أن أطلق النوار. فقلت له: إني أخاف أن تتبعها نفسك ويشهد عليك الحسن وأصحابه. قال: انهض بنا. فجئنا حتى وقفنا على الحسن فقال: كيف أصبحت أبا سعيد قال: بخير كيف أصبحت يا أبا فراس فقال: تعلمن أني طلقت النوار ثلاثاً. قال الحسن وأصحابه: قد سمعنا. فانطلقنا فقال لي الفرزدق: يا هذا إن في نفسي من النوار شيئاً. فقلت قد حذرتك فقال: ندمت ندامة الكسعى لما غدت مني مطلقةً نوار و كانت جنتي فخرجت منها كآدم حين أخرجه الضرار ولو أني ملكت بها يميني لكان علي للقدر الخيار وممن طلق امرأته وتبعتها نفسه قيس بن ذريح. وكان أبوه أمره بطلاقها فطلقها وندم فقال في ذلك: فوا كبدي على تسريح لبنى فكان فراق لبنى كالخداع تكنفني الوشاة فأزعجوني فيا للناس للواشي المطاع فأصبحت الغداة ألوم نفسي على أمر وليس بمستطاع كمغبون يعض على يديه تبين غبنه بعد البياع العتبي قال: جاء رجل بامرأة كأنها برج فضة إلى عبد الرحمن بن أم الحكم وهو على الكوفة فقال: إن امرأتي هذه شجتني. فقال لها: أنت فعلت به قالت: نعم غير متعمدة لذلك كنت أعالج طيباً فوقع الفهر من يدي على رأسه وليس عندي عقل و لا تقوى يدي على القصاص. فقال عبد الرحمن للرجل: يا هذا علام تحبسها وقد فعلت بك ما أرى قال: أصدقتها أربعة آلاف درهم ولا تطيب نفسي بفراقها. قال: فإن أعطيتها لك أتفارقها قال: نعم. قال: فهي لك. قال: هي طالق إذا فقال عبد الرحمن: احبسي علينا نفسك ثم أنشأ يقول: يا شيخ ويحك من دلاك بالغزل قد كنت يا شيخ عن هذا بمعتزل رضت الصعاب فلم تحسن رياضتها فاعمد بنفسك نحو الجلة الذلل مكر النساء وغدرهن في حكمة داود عليه السلام. وجدت من الرجال واحداً في ألف ولم أجد واحدة في النساء جميعا. قال الهيثم بن عدي: غزا ابن هبولة الغساني الحارث بن عمرو آكل المرار الكندي فلم يصبه في منزله فأخذ ما وجد له وآستاق امرأته. فلما أصابها أعجبت به فقالت له: انج فوالله لكأني وبلغ الحارث فأقبل يتبعه حتى لحقه فقتله وأخذ ما كان معه وأخذ امرأته فقال له: هل أصابك قالت: نعم والله ما اشتملت النساء على مثله قط. فأمر بها فأوثقت بين فرسين ثم استحضرهما حتى تقطعت. ثم قال: كل أنثى وأن بدا لك منها آية الود حبها خيتعور إن من غره النساء بود بعد هند لجاهلٌ مغرور وقالت الحكماء: لا تثق بامرأة ولا تغتر بمال وإن كثر. وقالوا: النساء حبائل الشيطان. وقال الشاعر: تمتع بها ما ساعفتك ولا تكن جزوعاً إذا بانت فسوف تبين وخنها وإن كانت تفي لك إنها على مدد الأيام سوف تخون وإن هي أعطتك الليان فإنها لآخر من طلابها ستلين وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها فليس لمخضوب البنان يمين وإن أسلبت يوم الفراق دموعها فليس لعمر الله ذاك يقين وقالت الحكماء: لم تنه امرأة قط عن شيء إلا فعلته. وقال طفيل الغنوي: إن النساء متى ينهين عن خلق فإنه واقعٌ لا بد مفعول وعن الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال: أرسل عبد الله بن همام السلولي شاباً إلى امرأة ليخطبها عليه فقالت له: فيما يمنعك أنت فقال لها: ولي طمع فيك قالت: ما عنك رغبة. فتزوجها ثم انصرف إلى ابن همام فقال له: ما صنعت فقال: والله ما تزوجتني إلا بعد شرط. فقال أو لهذا بعثتك فقال ابن همام في ذلك: رأت غلاماً علا شرب الطلاء به يعيا بإرقاص بردي الخلاخيل مبطناً بدخيس اللحم تحسبه مما يصور في تلك التماثيل أكفى من الكفء في عقد النكاح وما يعيا به حل هميان السراويل تركتها والأيامى غير واحدة فاحبسه عن بيها يا حابس الفيل وعن الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال: كان النساء يجلسن لخطابهن فكانت امرأة من بني سلول تخطب وكان عبد بن عاصم السلولي يخطبها فإذا دخل عليها بقول له: فداك أبي وأمي وتقبل عليه تحدثه وكان شاب من بني سلول يخطبها. فإذا دخل عليها الشاب وعندها عبد الله بن هند قالت للشاب: قم إلى النار وأقبلت بوجهها وحديثها على عبد الله ثم إن الشاب تزوجها فلما بلغ ذلك عبد الله بن هند قال: أودى بحب سليمى فاتكٌ لقن كحية برزت من بين أحجار وله فيها: ما تظن سليمى إن ألم بها مرجل الرأس ذو بردين مزاح حلوٌ فكاهته خزٌ عمامته في كفه من رقى الشيطان مفتاح السراري تسرر الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام هاجر فولدت له إسماعيل عليه السلام. وتسرر النبي عليه الصلاة والسلام مارية القبطية فولدت له إبراهيم. ولما صارت إليه صفية بنت حيي كان أزواجه يعيرنها باليهودية فشكت ذلك إليه. فقال لها: أما إنك لو شئت لقلت فصدقت وصدقت: أبي إسحاق وجدي إبراهيم وعمي إسماعيل وأخي يوسف. ودخل زيد بن علي على هشام بن عبد الملك فقال له: بلغني أنك تحدث نفسك بالخلافة ولا تصلح بها لأنك بن أمة فقال به: أما قولك إني أحدث نفسي بالخلافة فلا يعلم الغيب إلا الله وأما قولك إني ابن أمة فإسماعيل ابن أمة أخرج الله من صلبه خير البشر محمداً ﷺ إسحاق ابن حرة أخرج الله من صلبه القردة والخنازير. قال الأصمعي: وكان أكثر أهل المدينة يكرهون الإماء حتى نشأ منهم علي بن الحسين والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله ففاقوا أهل المدينة فقهاً وعلماً وورعاً. فرغب الناس في السراري. وتزوج علي بن الحسين جارية له وأعتقها فبلغ ذلك عبد الملك فكتب إليه يؤنبه. فكتب إليه علي: إن الله رفع بالإسلام الخسيسة وأتم به النقيصة وأكرم به من اللؤم فلا عار على مسلم. وهذا رسول الله ﷺ قد تزوج أمته وامرأة عبده. فقال عبد الملك: إن علي بن الحسين يشرف من حيث يتضع الناس. وقال الشاعر: لا تشتمن امرأ من أن تكون له أم من الروم أو سوداء عجماء فإنا أمهات القوم أوعيةٌ مستودعات وللأحساب آباء وقال بعضهم: عجبت لمن لبس القصير كيف يلبس الطويل ولمن أحفى شعره كيف أعفاه وعجباً لمن عرف الإماء كيف يقدم على الحرائر وقالوا: الأمة تشترى بالعين وترد بالعيب والحرة غل في عنق من صارت إليه. الهجناء العرب تسمي العجمي إذا أسلم: المفرج وهو المسلماني. ومنه يقال: مسالمة السواد. والهجين عندهم الذي أبوه عربي وأمه أعجمية. والمذرع: الذي أمه عربية وأبوه أعجمي. وقال الفرزدق: والعجمي: النصراني ونحوه وإن كان فصيحاً. والأعجمي: الأخرس اللسان وإن كان مسلماً. ومنه قيل: زياد الأعجم وكان في لسانه لكنة. والفرس تسمى الهجين: واشن والعبد: واش ونجاش. ومن تزوج أمة: نغاش وهو الذي يكون العهد دونه وسمي أيضاً: بوركان والعرب تسمي العبد الذي لا يخدم إلا ما دامت عليه عين مولاه: عبد العين. وكانت العرب في الجاهلية لا تورث الهجين. وكانت الفرس تطرح الهجين ولا تعده ولو وجدوا أمًا أمةً على رأس ثلاثين أمًّا ما أفلح عندهم ولا كان آزاد مرد ولو كان بيده مزاد. والآزاد عندهم: الحر والمرد: الريحان. وقال ابن الزبير لعبد الرحمن بن أم الحكم: تبلغت لما أن أتيت بلادهم وفي أرضنا أنت الهمام القلمس ألست ببغل أمه عربيةٌ أبوه حمار أدبر الظهر ينخس وشبه المذرع بالبغل إذا قيل له: من أبوك قال: أمي الفرس. مما احتجت به الهجناء أن النبي ﷺ زوج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب من المقداد بن الأسود وزوج خالدة بنت أبي لهب من عثمان بن أبي العاص الثقفي. وبذلك احتج عبد الله بن جعفر إذ زوج ابنته زينب من الحجاج بن يوسف. فعيره الوليد بن عبد الملك فقال عبد الله بن جعفر: سيف أبيك زوجه. والله ما فديت بها إلا خيط رقبتي. وأخرى: أن النبي ﷺ قد زوج ضباعة من المقداد وخالدة من عثمان بن أبي العاص ففيه قدوة وأسوة. وزوج أبو سفيان ابنته أم الحكم بالطائف في ثقيف: وقال لهذم الكاتب في عبد الله بن الأهتم وسأله فحرمه: وما بنو الأهتم إلا كالرخم لا شيء إلا أنهم لحم ودم جاءت به حذلم ومن أرض العجم أهتم سلاح على ظهر القدم مقابل في اللؤم من خال وعم وكانت بنو أمية لا تستخلف بني الإماء. وقالوا: لا تصلح لهم العرب. زياد بن يحيى قال: حدثنا جبلة بن عبد الملك قال: سابق عبد الملك بين سليمان ومسلمة فسبق سليمان مسلمة فقال عبد الملك: ألم أنهكم أن تحملوا هجناءكم على خيلكم يوم الرهان فتدرك وتضعف عضده ويقصر سوطه وتقصر رجلاه فلا يتحرك وأدركنه خالاته فنزعنه ألا إن عرق السوء لا بد يدرك ثم أقبل عبد الملك على مصقلة بن هبيرة الشيباني فقال: أتدري من يقول هذا قال: لا أدري. قال: يقوله أخوك الشني. قال مسلمة: يا أمير المؤمنين. ما هكذا قال حاتم الطائي. قال عبد الملك: وماذا قال حاتم فقال مسلمة: قال حاتم: وما أنكحونا طائعين بناتهم ولكن خطبناهم بأسيافنا قسرا فما زادها فينا السباء مذلةً ولا كلفت خبزاً ولا طبخت قدرا ولكن خلطناها بخير نسائنا فجاءت بهم بيضاً وجوههم زهرا وكائن ترى فينا من ابن سبية إذا لقي الأبطال يطعنهم شزرا ويأخذ رايات الطعان بكفه فيوردها بيضا ويصدرها حمرا أغر إذا غبر اللئام رأيته إذا سرى ليل الدجى قمراً بدراً فقال عبد الملك كالمستحي: وما شر الثلاثة أم عمرو بصاحبك الذي لا تصبحينا بهم ولم يكن لذلك ولكن لما كانوا يرون أن زوال ملكهم على يد ابن أم ولد فلما ولى الناقص ظن الناس أنه الذي يذهب ملك بني أمية على يديه وكانت أمه بنت يزدجرد بن كسرى فلم يلبث إلا سبعة أشهر حتى مات ووثب مكانه مروان بن محمد وأمه كردية فكانت الرواية عليه. ولم يكن لعبد الملك بن مروان ابن أسد رأياً ولا أذكى عقلاً ولا أشجع قلباً ولا أسمح نفساً ولا أسخى كفاً من مسلمة وإنما تركوه لهذا المعنى. وكان يحيى بن أبي حفصة أخو مروان بن أبي حفصة يهودياً أسلم على يد عثمان بن عفان فكثر ماله فتزوج خولة بنت مقاتل بن قيس بن عاصم ونقدها خمسين ألفاً. وفيه يقول القلاخ: رأيت مقاتل الطلبات حلى نحور بناته كمر الموالي فلا تفخر بقيس إن قيساً خريتم فوق أعظمه البوالي وله فيه: نبتت خولة قالت حين أنكحها لطالما كنت منك العار أنتظر أنكحت عبدين ترجو فضل مالهما في فيك مما رجوت الترب والحجر لله در جياد أنت سائسها برذنتها وبها التحجيل والغرر فقال مقاتل يرد عليها: فإن قلتم زوجت مولىً فقد مضت به سنة قبلي وحب الدراهم ويقال إن غيره قال ذلك.

باب في الأدعياء

أول دعي كان في الإسلام واشتهر: زياد بن عبيد دعي معاوية. وكان من قصته أنه وجهه بعض عمال عمر بن الخطاب رضي الله عنه على العراق إلى عمر بفتح كان. فلما قدم وأخبر عمر بالفتح في أحسن بيان وأفصح لسان قال له عمر: أتقدر على مثل هذا الكلام في جماعة الناس على المنبر قال: نعم وعلى أحسن منه وأنا لك أهيب. فأمر عمر بالصلاة جامعةٌ فاجتمع الناس. ثم قال لزياد: قم فاخطب وقص على الناس ما فتح الله على إخوانهم المسلمين. ففعل وأحسن وجود. وعند أصل المنبر علي بن طالب وأبو سفيان بن حرب. فقال أبو سفيان لعلي: أيعجبك ما سمعت من هذا الفتى قال: نعم. قال: أما إنه ابن عمك! قال: فكيف ذلك قال: أنا قذفته في رحم أمه سمية. قال: فما يمنعك أن تدعيه قال: أخاف هذا الجالس على المنبر يعني عمر أن يفسد علي إهابي. فلما ولي معاوية استلحقه بهذا الحديث وأقام له شهودا عليه. فلما شهد الشهود قام زياد على أعقابهم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: هذا أمر لم أشهد أوله ولا علم لي بآخره وقد قال أمير المؤمنين ما بلغكم وشهد الشهود بما قد سمعتم والحمد لله الذي رفع منا ما وضع الناس وحفظ منا ما ضيعوا فأما عبيد فإنما ألا أبلغ معاوية بن حرب فقد ضاقت بما يأتي اليدان أتغضب أن يقال أبوك عفٌ وترضى أن يقال أبوك زان وأشهد أن قربك من زياد كقرب الفيل من ولد الأتان وقال زياد: ما هجيت ببيت قط أشد علي من قول يزيد بن مفرغ الحميري: فكرا ففي ذاك إن فكرت معتبر هل نلت مكرمة إلا بتأمير عاشت سمية ما عاشت وما علمت أن ابنها من قريش في الجماهير سبحان من ملك عباد بقدرته لا يدفع الناس محتوم المقادير وكان ولد سمية ثلاثا: زياداً وأبا بكرة ونافعا. فكان زياد ينسب في قريش وأبو بكرة في العرب ونافع في الموالي. فقال فيهم يزيد بن مفرغ: إن زياداً ونافعاً وأبا بكرة عندي من أعجب العجب إن رجالاً ثلاثةً خلقوا من رحم أنثى محالفي النسب ذا قرشي فيما يقول وذا مولىً وهذا ابن عمه عربي فدع عنك الكتابة لست منها ولو غرقت ثوبك بالمداد وقال آخر في دعي: لعينٌ يورث الأبناء لعناً ويلطخ كل ذي نسب صحيح ولما طالت خصومة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ونصر بن حجاج عند معاوية في عبد الله بن حجاج مولى خالد بن الوليد أمر معاوية حاجبه أن يؤخر أمرهما حتى يحتفل مجلسه. فجلس معاوية وقد تلفع بمطرف خزٍ أخضر وأمر بحجر فأدني منه وألقى عليه طرف المطرف ثم أذن لهما وقد احتفل المجلس. فقال نصر بن حجاج: أخي وابن أبي عهد إلي أنه منه.