كتاب الزبرجدة الثانية في بيان طبائع الإنسان وسائر الحيوان
" وتفاضل البلدان فرش الكتاب قال أحمد بن محمد بن عبد ربه رحمه الله: قد مضى قولنا في المتنبئين والممرورين والبخلاء والطفيليين والمحدودين. ونحن قائلون بعون الله وتوفيه في طبائع الإنسان وسائر الحيوان وتفاضل البلدان والنعمة والسرور إذ لم يكن مدار الدنيا إلا عليها ولا قوام الأبدان إلا بها وإذ هي ثمرة الفراسة وتركيب الغريزة واختلاف الهمم وطيب الشيم وتفاضل الطعوم. وقد تكلم الناس في النعمة والسرور على تباين أحوالهم واختلاف هممهم وتفاوت عقولهم وما يجانس كل رجل منهم في طبعه ويؤالفه في نفسه ويميل إليه في وهمه. وإنما اختلف الناس في هذا المذهب لاختلاف أنفسهم فمنهم من نفسه غضبية فإنما همه منافسة الأكفاء ومغالبة الأقران ومكاثرة العشيرة. ومنهم من نفسه ملكية فإنما همه التفنن في العلوم وإدراك الحقائق والنظر في العواقب. ومنهم من نفسه بهيمية فإنما همه طلب الراحة وإهمال النفس على الشهوة من الطعام والشراب والنكاح وعلى هذه الطبيعة البهيمية قسمت الفرس دهرها كله فقالوا: يوم المطر للشرب ويوم الريح للنوم ويوم الدجن للصيد ويوم الصحو للجلوس. وهي أغلب الطبائع على الإنسان لأخذها بمجامع هواه وإيثار الراحة وقلة العمل فمنه قولهم: الرأي نائم والهوى يقظان. وقولهم: الهوى إله معبود. وقولهم: ربيع القلب ما اشتهى. وقولهم: لا عيش كطيب نفس. النفس الملكية قيل لضرار بن عمرو: ما السرور قال: إقامة الحجة وإيضاح الشبهة. وقيل لآخر: ما السرور قال: إحياء السنة وإماتة البدعة. وقيل لآخر: ما السرور قال: إدراك الحقيقة واستنباط الدقيقة. وقال الحجاج بن يوسف لخريم الناعم: ما النعمة قال: الأمن فإني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش. قال له: زدني. قال: فالصحة فإني رأيت المريض لا ينتفع بعيش. قال له: زدني. قال له: الغنى فإني رأيت الفقير لا ينتفع بعيش. قال له: زدني. فالشباب فإني رأيت الشيخ لا ينتفع بعيش. قال له: زدني. قال: ما أجد مزيداً. وقيل لأعرابي: ما السرور قال: الأمن والعافية. قيل لحضين بن المنذر: ما السرور قال: لواء منشور والجلوس على السرير والسلام عليك أيها الأمير. وقيل للحسن بن سهل: ما السرور قال: توقيع جائز وأمر نافذ. وقيل لعبد الله بن الأهتم. ما السرور قال: رفع الأولياء ووضع الأعداء وطول البقاء مع الصحة والنماء. وقيل لزياد: ما السرور قال: من طال عمره ورأى في عدوه ما يسره. وقيل لأبي مسلم صاحب الدعوة: ما السرور قال: ركوب الهمالجة وقتل الجبابرة. وقيل له: م اللذة قال: إقبال الزمان وعز السلطان. النفس البهيمية قيل لامرئ القيس: ما السرور قال: بيضاء رعبوبة بالطيب مشبوبة باللحم مكروبة. وكان مفتوناً بالنساء. وقيل لأعشى بكر: ما السرور قال: صهباء صافية تمزجها ساقية من صوب غادية. وكان مغرماً بالشراب. وقيل لطرفة: ما السرور فقال: مطعم هني ومشرب روي وملبس دفي ومركب وطي. وكان يؤثر الخفض والدعة. وقال طرفة: فلولا ثلاث هن من عيشة الفتى وجدك لم أحفل متى قام عودي فمنهن سبق العاذلات بشربة كميت متى ما تعل بالماء تزبد وكري إذا نادى المضاف محنباً كسيد الغضا في الطخية المتورد وتقصير يوم الدجن والدجن معجب ببهكنة تحت الخباء الممدد وسمع بهذه الأبيات عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقال: وأنا والله لولا ثلاث لم أحفل متى قام عودي: لولا أن أعدل في الرعية وأقسم بالسوية وأنفر في السرية. وقال عبد الله بن نهيك على مذهب طرفة: فلولا ثلاثٌ هن من عيشة الفتى وربك لم أحفل متى قام رامس فمنهن سبق العاذلات بشربة كأن أخاها مطلع الشمس ناعس ومنهن تقريط الجواد عنانه إذ ابتدر الشخص الكمي الفوارس ومنهن تجريد الكواكب كالدمى إذا ابتز عن أكفالهن الملابس وقيل لحرقة بنت النعمان: ما كانت لذة أبيك قالت: شرب الجريال ومحادثة الرجال. وقيل لحضين بن المنذر: ما السرور قال: دار قوراء وجارية حوراء وفرس مرتبط بالفناء. وقيل للحسن بن هانئ: ما السرور قال: مجالسة الفتيان في بيوت القيان ومنادمة الإخوان على قضب الريحان وأنشأ يقول: قلت بالقفص لموسى ونداماي نيام يا رضيعي ثدي أم ليس لي عنه فطام إنما العيش سماع ومدام وندام فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام وقال معاوية لعبد الله بن جعفر: ما أطيب العيش قال: ليس هذا من مسائلك يا أمير المؤمنين. قال: عزمت عليك لتقولن. قال: هتك الحيا واتباع الهوى. وقال معاوية لعمرو بن العاص: ما العيش قال: ليخرج من ها هنا من الأحداث فخرجوا. فقال: العيش كله في إسقاط المروءة. وقال هشام بن عبد الملك: الذ الأشياء كلها جليس مساعد يسقط عني مؤونة التحفظ. وقيل لأعرابي: ما السرور قال: لبس البالي في الصيف والجديد في الشتاء. البنيان قال النبي ﷺ: من بني بنيانا فليتقنه. وقالت الحكماء: لذة الطعام والشراب ساعة ولذة الثوب يوم ولذة المرأة شهر ولذة البنيان دهر. كلما نظرت إليه تجددت لذته في قلبك وحسنه في عينك. وقالوا: دار الرجل جنته في الدنيا. وقالوا: ينبغي للدار أن تكون أول ما تبتاع وآخر ما يباع. وقال يحيى بن خالد لابنه جعفر بن يحيى حين اختط داره ليبنيها: هي قميصك إن شئت فضيق وإن شئت فوسع. وقال هارون الرشيد لعبد الملك بن صالح: كيف منزلك بمنبج قال: دون منازل أهلي وفوق منازل أهلها. قال: وكيف ذلك وقدرك فوق أقدارهم قال: ذلك خلق أمير المؤمنين أحتذي مثاله. ولما دخل هارون منبجاً قال لعبد الملك بن صالح: هذا منزلك قال: هو لأمير المؤمنين ولي به. قال: كيف ماؤه قال: أطيب ماء. قال: كيف هواؤه قال: أفسح هواء. وذكر عند جعفر بن يحيى الدار الفسيحة الجو الطيبة النسيم فقال رجل عنده: لقد دخلت الطائف فكأني كنت أبشر وكأن قلبن ينضح بالسرور ولا أجد لذلك علة إلا طيب نسيمها وانفساح هوائها. وقيل للحسن بن سهل: كيف نزلت الأطراف قال: لأنها منازل الأشراف ينالون فيها ما أرادوا بالقدرة وينالهم فيها من أرادهم بالحاجة. قولهم في الدار الضيقة ما هي إلا قوارة حافر وما هي إلا وجارضبع وما هي إلا قبرة قانص وما هي إلا مفحص قطاة. وقالوا: ما هي إلا محلة يعسوب برأس سنان. ومن مات في دار ضيقة قيل فيه: خرج من قبر إلى قبر. من كره البنيان كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في بناء بيته فقال: ابن ما يكنك عن الهواجر وأذى المطر. وكتب عامل لعمر بن عبد العزيز يستأذنه في بناء مدينة فكتب إليه: ابنها بالعدل ونق طرقها من الظلم. ومر عمر بن الخطاب ببناء يبني بآجر وجص فقال: لمن هذا فقيل: لعامل من عمالك. فقال: أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها. وأرسل إليه من يشاطره ماله. وقيل ليزيد بن المهلب: ما لك لا تبني قال: منزلي دار الإمارة أو الحبس. ومر رجل من الخوارج بدار تبنى فقال: من هذا الذي يقيم كفيلاً والخوارج تقول: كل مال لا يخرج بخروجك ويرجع برجوعك فإنما هو كفيل بك. ولما بنى أبو جعفر داره بالأنبار دخلها مع عبد الله بن الحسن فجعل يريه بنيانه فيها وما شيد من المصانع والقصور فتمثل عبد الله بن السحن بهذه الأبيات: ألم تر حوشباً أضحى يبني قصوراً نفعها لبني بقيله يؤمل أن يعمر عمر نوح وأمر الله يحدث كل ليلة وقالوا في الحجاج بن يوسف إذ بنى مدينة واسط: بناها في غير بلده وأورثها غير ولده. اللباس إسماعيل بن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال: رأيت النبي ﷺ وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران: رداء وعمامة. علي بن عاصم عن أبي إسحاق الشيباني قال: مررت بمحمد بن الحنفية واقفاً بعرفات وعليه برد ومطرف خز أصفر. الشيباني عن ابن جريج أن ابن عباس كان يرتدي رداء بألف. أبو حاتم عن الأصمعي أن ابن عون اشترى برنسا فمرت عليه معادة العدوية فقالت: مثلك يلبس هذا قال: فذكرت ذلك لابن سيرين فقال: ألا أخبرتها أن تميماً الداري اشترى حلة بألف يصلي فيها. وقال معمر: رأيت قميص أيوب السختياني كاديمس الأرض فسألته عن ذلك فقال: إن الشهرة كانت فيما مضى في تذييل القميص وإنها اليوم في تشميره. وفي موطأ مالك بن أنس رضي الله عنه أن جابر بن عبد الله قال: خرجت مع رسول الله ﷺ في غزوة بني أنمار فبينا أنا نازل تحت شجرة إذا رسول الله فقلت: هلم يا رسول الله إلى الظل. فنزل رسول الله ﷺ قال جابر: وعندنا صاحب له نجهزه يذهب يرعى ظهرنا. قال: فجهزته ثم أدبر يذهب في الظهر وعليه ثوبان. قد أخلقا فنظر إليه رسول الله ﷺ فقال: ما له ثوبان غير هذين قلت: بلى يا رسول الله له ثوبان في العيبة كسوته إياهما. قال: فادعه فمره يلبسهما. قال: فدعوته فلبسهما ثم ولى. فقال رسول الله ﷺ: ماله ضرب الله عنقه أليس خيراً له فسمعه الرجل فقال: في سبيل الله يا رسول الله قال رسول الله ﷺ: في سبيل الله. فقتل الرجل في سبيل الله. العتبي قال: أصابت الربيع بن زياد الحارثي نشابة على جبينه فكانت تنتقض عليه في كل عام فأتاه علي بن أبي طالب عائداً فقال: كيف تجدك يا أبا عبد الرحمن قال: أجدني لو كان لا يذهب ما بي إلا ذهاب بصري لتمنيت ذهابه. قال له: وما قيمة بصرك عندك قال: لو كانت لي الدنيا فديته بها قال: لا جرم ليعطيك الله على قدر ذلك إن شاء الله إن الله يعطي على قدر الألم والمصيبة وعنده تعالى تضعيف كثير. قال له الربيع: يا أمير المؤمنين ألا أشكو إليك عاصم بن زياد قال: وماله قال: لبس العباء وترك الملاء وغم أهله وأحزن ولده. فقال: علي عاصماً فلما أتاه عبس في وجهه وقال: ويلك يا عاصم أترى الله أباح لي اللذات وهو يكره أخذك منها لأنت أهون على الله من ذلك أو ما سمعته يقول: " مرج البحرين يلتقيان. بينهما برزخ لا يبغيان " ثم قال: " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " وقوله: " ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حلية تلبسونها ". أما والله إن ابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال. وقد سمعته عز وجل يقول: " وأما بنعمة ربك فحدث ". وإن الله عز وجل خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين فقال: " يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم " وقال: " يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم ". فقال عصام: فعلام اقتصرت أنت يا أمير المؤمنين قال: على لبس الخشن وأكل الخشن. قال: إن الله افترض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بالعوام لئلا يتسع على الفقير فقره. قال: فما برج حتى لبس الملاء ونبذ العباء. لباس الصوف قدم حماد بن سلمة البصرة فجاء فرقد السبخي وعليه ثياب صوف فقال له حماد: ضع عنك نصرانيتك هذه فلقد رأيتنا ننتظر إبراهيم فخرج علينا معصفرة ونحن نرى أن الميتة قد حلت له. قال أبو الحسن المدائني: دخل محمد بن واسع على قتيبة بن مسلم وإلى خراسان وعليه مدرعة صوف فقال له قتيبة: ما يدعوك إلى لباس هذه فسكت عنه فقال له قتيبة: أكلمك فلا تجيبني قال: أكره أن أقول زهداً فأزكي نفسي أو أقول فقراً فأشكو ربي. وقال ابن السماك لأصحاب الصوف: والله لئن كان لباسكم وفقاً لسرائركم لقد أحببتم أن يطلع الناس عليها ولئن كان مخالفاً لها لقد هلكتم. وكان القاسم بن محمد يلبس الخز وسالم بن عبد الله يلبس الصوف ومقعدهما واحد في مسجد المدينة فلا ينكر بعضهما على بعض شيئاً. وقال محمود الوراق في أصحاب الصوف: تصوف كي يقال له أمينٌ وما يعني التصوف والأمانة ولم يرد الإله به ولكن أراد به الطريق إلى الخيانة التزين والتطيب دخل رجل على محمد بن المنكدر يسأله عن التزين والتطيب فوجده قاعداً على فرش حشايا مصبغة وجارية تغلفه بالغالية فقال له: يرحمك الله جئت أسألك عن شيء فوجدتك فيه. قال: على هذا أدركت الناس. وفي حديث أن النبي ﷺ قال: إياكم والشعث حتى لو لم يجد أحدكم إلا زيتونة فليعصرها وليدهن بها. وقال عليه الصلاة والسلام لعائشة: ما لي أراك شعثاء مرهاء سلتاء قالت: يا رسول الله أو لسنا من العرب قال: بلى وربما أنسيت العرب الكلمة فيعلمنيها جبريل. الشعثاء: التي لا تدهن. والمرهاء: التي لا تكتحل. والسلتاء: التي لا تختضب. وقال صلى الله عليه و سلم ما نلت من دنياكم إلا النساء والطيب. وروى مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا قتادة الأنصاري قال: يا رسول الله إن لي جمة أفأرجلها يا رسول الله قال: نعم وأكرمها. قال: فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين. وروى مالك عن زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره قال: كان رسول الله ﷺ في المسجد فدخل رجل ثائر الرأس واللحية فأشار إليه رسول الله ﷺ: أن اخرج فأصلح رأسك ولحيتك. ففعل ثم رجع. فقال رسول الله ﷺ أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان وقد تمادحت العرب بحسن الهيئة وطيب الرائحة فقال النابغة: رقاق النعال طيبٌ حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب يصونون أجساداً قديماً نعيمها بخالصة الأردان خضر المناكب وقال الفرزدق: بنو دارم قومي ترى حجزاتهم عتاقاً حواشيها رقاقاً نعالها يجرون هداب اليماني كأنهم سيوف جلا الأطباع عنها صقالها وقال طرفة: أسد غيل فإذا ما فزعوا غير أنكاس ولا هوج هذر فإذا ما شربوا وانتشوا وهبوا كل أمون وطمر ثم راحو عبق المسك بهم يلحفون الأرض هداب الأزر وقال كثير عزة: أشم من الغادين في كل حلة يميسون في صبغ من العصب متقن لهم أزر حمر الحواشي يطونها بأقدامهم في الحضرمي الملسن وقال آخر: من النفر الشم الذين إذا اعتزوا وهاب الرجال حلقة الباب قعقعوا وقال آخر: يشبهون ملوكاً في مجلتهم وطول أنضية الأعناق واللمم إذا غدا المسك يجري في مفارقهم راحو كأنهم مرضى من الكرم وقال آخر في علي بن داود الهاشمي: أما أبوك فذاك الجود نعرفه وأنت أشبه خلق الله بالجود كأن ديباجتي خديه من ذهب إذا تعصب في أثوابه السود الرحلة والركوب سمع عمرو بن العاص رجلاً يقول: الرجلة قطعة من العذاب. فقال له: لم تحسن بل العذاب قطعة من الرجلة. ولما مشي هارون إلى مكة ومشت معه زبيدة كانت تبسط الدرانك أمامهم وتطوي خلفهم فلما أعيا دعا بخادم له فألقي ذراعه عليه وتأوه وقال: والله لركوب حمار شموس خير من المشي على الدرانك. قال الشاعر: وما عن رضاً صار الحمار مطيتي ولكن من يمشي سيرضى بما ركب وقال أعرابي: يا ليت لي نعلين من جلد الضبع كل الحذاء يحتذي الحافي الوقع الخيل قد مضى من قولنا في وصف الخيل وفضائلها في كتاب الحروب ما كفى عن إعادتها هنا. البغال قال مسلمة بن عبد الملك: ما ركب الناس مثل بغلة طويلة العنان قصيرة العذار سفواء العرف حصاء الذنب سوطها عنانها وهمها أمامها. وعاتب الفضل بن الربيع بعض الهاشميين في ركوب بغلة فقال: هذا مركب تطامن عن خيلا الفرس وارتفع عن ذلة الحمار وخير الأمور أوسطها. الحمير قيل للفضل الرقاشي: إنك لتؤثر الحمير على سائر الدواب. قال: لأنها أرفق وأوفق. قيل: ولم ذلك قال: لا تستبدل بالمكان على طول الزمان ثم هي أقل داء وأيسر دواء وأخفض مهوى وأسلم صريعا وأقل جماحا وأشهر فارها وأقل نظيراً يزهي راكبه وقد تواضع بركوبه ويعد مقتصداً وقد أسرف في ثمنه. وقال جرير بن عبد الله: لا تركب حماراً إن كان حديداً أتعب يديك وإن كان بليداً أتعب رجليك. طبائع الإنسان وسائر الحيوان زعم علماء الطب أن في الجسد من الطبائع الأربع اثني عشر رطلاً: فللدم منها ستة أرطال وللمرة الصفراء والسوداء والبلغم ستة أرطال. فإن غلب الدم الثلاث الطبائع تغير منه الوجه وورم ويخرج ذلك إلى الجذام. وإن غلبت الثلاث الطبائع الدم أحدث المد فإذا خاف الإنسان غلبة هذه الطبائع بعضها على بعض فليعدل جسده بالاقتصاد وينقيه بالمشي فإن لم يفعل اعتراه ما وصفنا: إما جذام وإما مد. أسأل الله العافية ولا بأس بعلاج الجسد في جميع الأزمان إلا من النصف من تموز إلى النصف من آب فذلك ثلاثون يوماً لا يصلح فيها علاج إلا أن ينزل مرض لا بد من مداواته. جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم قال: الغلام كل سنة مقدار أربع أصابع من أصابعه. حدثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه أنه قرأ في التوراة: إن الله عز وجل حين خلق آدم ركب جسده من أربعة أشياء ثم جعلها وراثة في ولده تنمو في أجسادهم وينمون عليها إلى يوم القيامة: رطب ويابس وسخن وبارد. قال: وذلك أني خلقته من تراب وماء وجعلت فيه يبساً فيبوسة كل جسد من قبل التراب ورطوبته من قبل الماء وحرارته من قبل النفس وبرودته من قبل الروح. ثم خلقت للجسد بعد هذا الخلق الأول أربعة أنواع أخر وهي ملاك الجسد وقوامه لا يقوم الجسد إلا بهن ولا تقوم واحدة إلا بالأخرى: المرة السوداء والمرة الصفراء والدم الرطب الحار والبلغم البارد. ثم أسكنت بعض هذا الخلق في بعض فجعلت مسكن اليبوسة في المرة السوداء ومسكن الرطوبة في الدم ومسكن البرودة في البلغم ومسكن الحرارة في المرة الصفراء فأيما جسد اعتدلت فيه هذه الفطر الأربع وكانت كل واحدة فيها وفقاً لا تزيد ولا تنقص كملت صحته واعتدل نباته. وإن زادت بقدر ما زادت. وإن كانت ناقصةً عنهن ملن بها وعلونها وأدخلن عليها السقم من نواحيهنلقلتها عنهن حتى تضعف عن طاقتهن وتعجز عن مقارنتهن. قال وهب بم منبه: وجعل عقله في دماغه وشرهه في كليته وغضبه في كبده وصرامته في قلبه ورعبه في رئته وضحكه في طحاله وحزنه وفرحه في وجهه وجعل فيه ثلثمائة وستين مفصلاً. الأصمعي: من لم يخف شعره قبل الثلاثين لم يصلع أبداً ومن لم يحمل اللحم قبل الثلاثين لم يحمله أبداً. حدث زيد بن أخزم قال: حدثني بشر بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب. وقالت الحكماء: الخنث يعتري الأعراب والأكراد والزنج والمجانين وكل صنف إلا الخصيان فإنه لا يكون خصي مخنثاً. وقالوا: كل ذي ريح منتنة وذفر كالتيس وما أشبهه إذا خصي نقص ريحه وذهب صنانه غير الإنسان فإنه إذا خصي زاد نتنه واشتد صنانه وخبث عرقه وريحه. وقالوا: وكل شيء من الحيوان يخصى فإن عظمه يرق وإذا رق عظمه استرخى لحمه إلا الإنسان فإنه إذا خصي طال عظمه وعرض. وقالوا: الخصي والمرأة لا يصلعان أبداً والخصي تطول قدمه وتعظم. وبلغني أنه كان لمحمد بن الجهم برذون رقيق الحافر فخصاه فجاد حافره وحسن. قالوا: والخصي تلين معاقد عصبه وتسترخي ويعتريه الاعوجاج والفدع في أصابعه وتسرع دمعته ويجود جلده ويسرع غضبه ورضاه ويضيق صدره عن كتمان السر. وزعم قوم أن أعمارهم تطول لترك الجماع كما تطول أعمار البغال. وقالوا: إن على قصر أعمار العصافير من كثرة الجماع. وقالوا: في الغلمان من لا يحتلم أبداً وفي النساء من لا تحيض أبداً وذلك عيب. ومن الناس من لا يسقط شعره ولا يتبدل سنه فمنهم عبد الصمد بن علي ذكروا أنه دخل قبره برواضعه. وقالت الحكماء: إن الجنين يغتذي بدم الحيض يقبل إليه من قبل السرة ولذلك لا تحيض الحوامل إلا القليل. وقد رأينا من الحوامل من تحيض. وذلك لكثرة الدم. وتقول العرب: حملت المرأة سهواً إذا حاضت عليه. وقال الهذلي: ومبرأ من كل غبر حيضة وفساد مرضعة وداء مغيل يعني أنها لم تر عليه دم حيض في حملها به. وقالوا: فإذا خرج الولد من الرحم دفعت الطبيعة ذلك الدم الذي كان الجنين يغتذيه إلى الثديين وهما عضوان باردان عصبيان يغيرانه لبناً خالصاً سائغاً للشاربين. وقالوا: يعيش الإنسان حيث تعيش النار ويتلف حيث لا تبقى النار. وأصحاب المعادن والحفائر إذا هجموا على فتق في بطن الأرض أو مغارة قدموا شمعة في طرف قناة فإن عاشت بالنار وثبتت دخلوا في طلبها وإلا أمسكوا. والعرب تتشاءم ببكر ولد الرجل إذا كان ذكراً. وكان قيس بن زهير أزرق بكراً ابن بكرين. وحدث محمد بن عائشة عن حماد عن قتادة عن عبد الله بن حارث بن نوفل قال: بكر البكرين شيطان مخلد لا يموت إلى يوم القيامة. يعني من الشياطين. قالوا: وابن المذكرة من النساء والمؤنث من الرجال أخبث ما يكون لأنه يأخذ بأخبث خصال أبيه وخصال أمه. والعرب تذكر أن الغيرى لا تنجب. وقال عمرو بن معد يكرب: ألست تصير إذا ما نسب ت بين المغارة والأحمق قالت الحكماء: كل امرأة أو دابة تبطئ عن الحمل إن واقعها الفحل في الأيام التي يجري فيها الماء في العود فإنها تحمل بإذن الله. وقالت الحكماء: الزنج شرار الخلق وأردؤهم تركيباً لأن بلادهم سخنت جداً فأحرقتهم في الأرحام. وكذلك من بردت بلاده فلم تنضجه الرحم. وإنما فضل أهل بابل لعلة الاعتدال. وقالوا: الشمس هي التي شيطت شعر الزنج وقبضته والشعر إن أدنيته من النار تقبض فإذا زدته شيئاً تفلفل فإن زدته احترق. وقالوا: أطيب الأمم أفواها الزنج وإن لم تستن وذلك لرطوبة أفواهها وكثرة الريق فيها وكذلك الكلاب من سائر الحيوان أطيبها أفواها لكثرة الماء فيها وخلوف فم الصائم يكون لقلة الريق وكذلك الخلوف في آخر الليل. وقالت الحكماء أيضاً: كل الحيوان إذا ألقي في الماء سبح. إلا الإنسان والقرد والفرس الأعسر قالوا: وليس في الأرض هارب من حرب أو غيرها يستعمل الحضر إلا إذا أخذ على يساره ولذلك قالوا: فمال على وحشية وأنحى على شؤمي يديه. وقالوا: كل ذي عين ذوات الأربع: السباع والبهائم الوحشية والإنسية فإنما الأشفار منها بجفنها الأعلى إلا الإنسان فإن الأشفار يعني الهدب بجفنيه معاً الأعلى والأسفل. وقالوا: كل جلد ينسلخ إلا الإنسان فإن جلده لا ينسلخ. وحدث أبو حاتم عن الأصمعي قال: اختصم رجلان إلى عمر رضي الله عنه في غلام كلاهما يدعيه فسأل عمر أمه فقالت: غشيني أحدهما ثم أهرقت دماً ثم غشيني الآخر. فدعا عمر بالرجلين فسألهما فقال أحدهما: أعلن أم سر قال: أسر. قال: اشتركنا فيه. فضربه عمر حتى اضطجع. ثم سأل الآخر فقال مثل ذلك. فقال عمر: ما كنت أرى مثل هذا يكون ولقد علمت أن الكلبة يسفدها الكلاب فتؤدي إلى كل كلب نجله. وركب الناس في أرجلهم وركب ذات الأربع في أيديها وكل طائر كفه رجله. الليث بن سعد عن ابن عجلان أن امرأة حملت فأقامت حاملاً خمس سنين ثم ولدت وحملت مرة أخرى فأقامت حاملاً ثلاث سنين ثم ولدت. وولد الضحاك بن مزاحم وهو ابن ثلاثة عشر شهراً. وقال جرير: ولد الضحاك لسنتين ما نقص من خلقة الحيوان حدث أبو حاتم عن أبي عبيدة والأصمعي وأبو زيد قالوا: الفرس لا طحال له. والبعير لا مرارة له والظليم لا مخ له. وقال زهير: من الظلمان جؤجؤه هواء وكذلك طير الماء. والحيتان لا ألسنة لها ولا أدمغة لها وصفن البعير لا بيضة فيه والسكة لا رئة لها ولا تنفس وكل ذي رئة يتنفس. المشتركات من الحيوان الراعبي بين الورشان والحمامة. والجوامز من الإبل بين العراب والفوالج. والحمير الأخدرية من الأخدر فرس كان لأردشير كسرى. توحش وحمى عانات حمير فضرب بها. وأعمارها كأعمار الخيل. والزرافة بين الناقة من نوق الحبش وبين البقرة الوحشية وبين الضبعان واسمها " اشتركا وبلناك " وذلك أن الضبعان ببلاد الحبشة يسفد الناقة فتجيء بولد خلقه بين خلق الناقة والضبعان فإن كان ولد تلك الناقة ذكراً عرض للمهاة فألقحها زرافة. وسميت زرافة لأنها جماعة وهي واحدة كأنها جمل وبقرة وضبع. والزرافة في كلام العرب: الجماعة. وقال صاحب المنطق: الكلاب تسفدها الذئاب في أرض سلوقية فتكون منها الكلاب السلوقية. الأنعام حديث يزيد بن عمرو عن عبد العزيز الباهلي عن الأسود بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ﷺ: ما خلق الله دابة أكرم من النعجة وذلك أنه ستر حياها دون حيا غيرها. وحدث أبو حاتم عن الأصمعي عن إهاب بن عمير قال: كان لنا جمل يعرف فسج الحامل قبل أن يشمها. وقيل لأبنة الخس: ما تقولين في مائة من المعز قالت: قنى. قيل: فمائة من الضأن قال: غنى. قيل: فمائة من الإبل قالت: منى. والعرب تضرب المثل في الصرد بالمعز فتقول: أصرد من عنز جرباء. سئل دغفل العلامة عن بني مخزوم فقال: معزى مطيرة عليها قشعريرة إلا بني المغيرة فإن فيهم تشادق الكلام ومصاهرة الكرام. ومما تقول الأعراب على ألسنة البهائم تقول المعزى: الاست جهوى والذنب ألوى والجلد زقاق والشعر رفاق. والضأن تضع مرة في السنة وتفرد ولا تتئم والمعز قد تلد مرتين في السنة وتضع الثلاثة وأكثر وأقل والنماء والعدد والبركة في الضأن. ونحو هذا الخنازير ربما تضع الأنثى عشرين خنزيراً لا نماة فيها ولا بركة. ويقال: الجواميس ضأن البقر والبخت ضأن الإبل والبراذين ضأن الخيل والحرذان ضأن الفأر والدلدل ضأن القنافذ والنمل ضأن الذر. وتقول الأطباء: في لحم المعز: إنه يورث الهم ويحرك السوداء ويورث النسيان ويخبل الأولاد ويفسد الدم. ولحم الضأن يضر بمن يصرع من المرة إضراراً شديداً حتى يصرعهم في غير أوان الصرع: الأهلة وأنصاف الشهور. وهذان الوقتان هما وقت مد البحر وزيادة الماء ولزيادة القمر إلى أن يصير بدراً بين في زيادة الدماغ والدم وجميع الرطوبات. قال الشاعر: كأن القوم عشوا لحم ضأن فهم نعجون قد مالت طلاهم وفي الماعز أيضاً أنها ترضع من خلفها وهي محفلة حتى تأتي على كل ما في ضرعها. وقال ابن أحمر: وإذا رعت الماعزة في فضل نبت ما تأكله الضائنة ولم ينبت ما تأكله الماعزة لأن الضائنة تقرض بأسنانها والماعزة تقلعه وتجذبه من أصله. وإذا حملت الماعزة أنزلت اللبن في أول الحمل إلى الضرع والضائنة لا تنزل اللبن إلا عند الولادة ولذلك تقول العرب: رمدت المعزى فربق ربق ورمدت الضأن فربق ربق. وذكور كل شيء أحسن من إناثه إلا التيوس فإن الصفايا أحسن منها وأصوات ذكور كل شيء أجهر وأغلظ إلا إناث البقر فإنها أجهر أصواتاً من ذكورها. وقرأت في كتاب للروم: إذا أردت أن تعرف ما لون جنين النعجة فانظر إلى لسانها فإن الجنين يكون على لونه. وقرأت فيه: إن الإبل تتحامى أمهاتها فلا تسفدها. وقالوا: كل ثور أفطس وكل بعير أعلم وكل ذباب أقرح. وقالوا: البعير إذا صعب وخافوه استعانوا عليه حتى يبرك ويعقل ثم يكومه فحل آخر فيذل وقد يفعل ذلك بالثور. وقال بعض القصاص: مما فضل الله به الكبش أن جعله مستور العورة من قبل ومن دبر ومما أهان به التيس أن جعله مهتوك الستر مكشوف القبل والدبر. وفي مناجاة عزير: اللهم إنك اخترت من الأنعام الضائنة ومن الطير الحمامة ومن النبات الحبة وفي الحديث " إن الغنم إذا أقبلت وإذا أدبرت أقبلت والإبل إذا أدبرت أدبرت وإذا أقبلت أدبرت ولا يأتي نفعها إلا من جانبها الأشأم ". والأقط قد يكون من المعزى. قال امرؤ القيس: لنا غنم نسوقها غزار كأن قرون جلتها عصي فتملأ بيتنا أقطا وسمنا وحسبك من غنى شبع وري النعام قالوا في الظليم: إن الصيف إذا أقبل وابتدأ البسر بالحمرة ابتدأ لون وظيفيه بالحمرة فلا يزالان يتلونان ويزدادان حمرة إلى أن تنتهي حمرة البسرة. لذلك قيل له خاضب وللنعام خواضب. وفي الظليم أن كل ذي رجلين إذا انكسرت إحدى رجليه نهض على الأخرى والظليم إذا انكسرت إحدى رجليه جثم ولذا قال الشاعر في نفسه وأخيه: إذا انكسرت رجل النعامة لم تجد على أختها نهضا ولا دونها صبرا قالوا: وعلة ذلك أنه لا مخ في عظمه. وكل عظم كسر يجبر إلا عظما لا مخ فيه. والظليم يغتذي المدر والصخر فتذيبه قانصته بطبعها حتى يصير كالماء. وفي النعامة أنها أخذت من البعير المنسم والوظيف والعنق والخدامة ومن الطير الريش والجناحين والمناقير فهي لا بعير ولا طائر. وقال الأحيمر السعدي: كنت ممن خلعني قومي وأطل السلطان دمي وهربت وترددت في البوادي حتى ظننت أني قد جزت نخل وبار أو قريباً من ذلك وإني كنت أرى النوى في رجيع الذئاب وكنت أغشى الذئاب وغيرها من بهائم الوحش ولا تنفر مني لأنها لم تر أحداً قبلي وكنت أمشي إلى الظبي السمين فآخذه إلا النعام فإني لم أره قط إلا نافراً فزعاً. الطير بلغني عن مكحول أنه قال: كان من دعاء داود النبي عليه السلام: يا رازق النعاب في عشه. وذلك أن الغراب إذا فقس عن فراخه خرجت بيضاء فإذا رآها كذلك نفر عنها وتفتح أفواهها فيرسل الله ذباباً يدخل في أفواهها فيكون ذلك غذاءها حتى تسود فإذا اسودت عاد الغراب فغذاها ودفع الله الذباب عنها. قال الرياشي: ليس شيء تغيب أذناه من جميع الحيوان إلا وهو يبيض وليس شيء تظهر أذناه قال: هذا يروى عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.