وقد نهى رسول الله ﷺ عن قتل أربعة من الطير: الصرد والهدهد والذرة والنحلة. وقالوا: الطير ثلاثة أضرب: بهائم الطير وهو ما لقط الحبوب والبزور وسباع الطير وهي التي تتغذى باللحم ومشترك وهو مثل العصفور يشارك بهائم الطير فإنه ليس بذي مخلب ولا منسر. وإذا سقط الطير على عود قدم أصابعه الثلاثة وأخر الدابرة. وسباع الطير تقدم إصبعين وتؤخر إصبعين. ويشارك سباع الطير فإنه يلقم فراخه ولا يزقها وإنه يأكل اللحم ويصطاد الجراد والنمل. وقالوا: العصفور شديد الوطء والفيل خفيف الوطء. وقال صاحب الفلاحة: العقاب والحدأة يتبدلان فيصير العقاب حدأة والحدأة عقاباً والأرنب تتبدل فتصير الأنثى ذكراً والذكر أنثى. وذكر الغربان لا يحضن وكذلك ذكر الأوز وذكر الدجاج. وقال كعب الأحبار: ما ذهب طائر في السماء قط أكثر من اثني عشر ميلاً. ومن حديث سفيان الثوري عن أنس بن مالك قال: عمر الذباب أربعون يوماً والبعوضة ثلاثة قال: والحمام تعجب بالكمون وتألف الموضع الذي يكون فيه وكذلك العدس ولا سيما إذا نقع في عصير حلو. ومما يصلحن عليه ويكثرن أن تدخن بيوتهن بالعلك. وأيمن مواضعها وأصلحها أن يبني لها بيت على أساطين خشب ويجعل فيه ثلاث كوى: كوة في سمك البيت وكوة من قبل المغرب وباب من قبل الجنوب. قال: والسذاب إذا ألقي في اللبن تحامته السنانير البرية. هشام بن محمد قال: حدثني ابن الكلى قال: أسماء نساء بني نوح )إذا كتين في زوايا بيت البرج سلمت الفراخ ونمت وسلمت من الآفات. قال هشام: فجربته أنا وغيري فوجدناه كما قال واسم امرأة سام بن نوح محلت محم واسم امرأة حام نف نسا واسم امرأة يافث فالر. والطير الذي يخرج من وكره بالليل البومة والصدى والهامة والضوع والوطواط والخفاش وغراب الليل. قالوا: وإذا خرج فرخ الحمامة نفخ أبواه في حلقه لتتسع الحوصلة بعد التحامها وتنفتق فإذا اتسعت زقاه عند ذلك اللعاب ثم زقاه بعد ذلك الحب. قال المثنى بن زهير: لم أر قط في رجل أو امرأة إلا رأيته في الحمام رأيت حمامة لا تريد إلا ذكرها وذكراً لا يريد إلا أنثاه إلا أن يهلك أحدهما أو يفقد ورأيت حمامة لا تمنع شيئاً من الذكور ورأيت حمامة لا تقمط إلا بعد شدة الطلب ورأيت حمامة تزيف للذكر ساعة يريدها ورأيت حمامة تقمط الذكر ورأيت ذكراً يقمط ما لقي ولا يزاوج ورأيت ذكراً له أنثيان يحضن مع هذه وهذه. قالوا: ومن عجائب الخفاش أنه لا يبصر في الضوء الشديد ولا في الظلمة الشديدة وتحبل وتلد وتحيض وترضع وتطير بلا ريش وتحمل ولدها تحت جناحها وربما قبضت عليه بفيها وربما ولدت وهي تطير ولها أذنان وأسنان وجناحان متصلان برجليها. قالوا: والخطاف يتبع الربيع حيث كان وتقلع إحدى عينيه وترجع. البيض قالوا: والبيض يكون من أربعة أشياء: منه ما يتكون من السفاد ومنه ما يتكون من التراب ومنه ما يتكون من نسيم ريح يصل إلى أرحامها وهو شيء يعتري الحجل وما شاكلها في الطبيعة فربما كانت الأنثى على قبالة الريح التي تهب في بعض الزمان فتحتشي لذلك بيضاً. وكذلك النخلة التي تكون تحت الفحال وتحت ريحه فتلقح بتلك الريح وتكتفي بذلك. والدجاجة إذا هرمت لم يكن لبيضها مخ وإذا لم يكن لها مخ لم يكن لبيضها فرخ لأن الفرخ السباع يقال: إنه ليس في السباع أطيب أفواها من الكلاب ولا في الوحش أطيب أفواها من الظباء. ويقال: ليس أشد بخراً من الأسد والصقر ولا في السباع أسبح من كلب. وليس في الأرض فحل من سائر الحيوان لذكره حجم إلا الإنسان والكلب. والأسد لا يأكل الحار ولا الحامض ولا يدنو من النار وكذلك أكثر السباع. وتقول الروم: الأسد يذعر لصوت الذئب ولا يدنو من المرأة الطامث. والأسد إذا بال شغر كما يشغر الكلب وهو قليل الشرب ونجوه كنجو الكلب ودواء عضته كدواء عضة الكلب. قالوا: والعيون التي تضيء بالليل: عيون الأسد والنمور والأفاعي والسنانير. وقالوا: ثلاثة من الحيوان ترجع في قيئها: الأسد والكلب والسنور. وقالوا: أيام حمل الكلبة ستون يوماً فإن وضعت قبل ذلك لم تكد أولادها تعيش. وأناث الكلاب تحيض كل سبعة أيام يوماً وعلامة ذلك إن يرم ثفر الكلبة ولا تريد السفاد في ذلك الوقت. وذكور السلوقية تعيش عشرين سنة وتعيش أناثها اثنتي عشرة سنة. وليس يلقى الكلب من أسنانه إلا النابين. والذئاب تسفد الكلاب في أرض سلوقية فتكون منها الكلاب السلوقية. والكلب من الحيوان يحتلم كما يحتلم الإنسان. وقالوا: في طبع الذئب محبة الدم ويبلغ بطبعه أن يرى ذئباً مثله قد دمي فيثب عليه فيمزقه. قال الشاعر: وكنا كذئب السوء لما رأى دماً بصاحبه يوماً أحال على الدم ويقولون: ربما ينام الذئب بإحدى عينيه ويفتح الأخرى قال حميد بن ثور: ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى الأعادي فهو يقظان نائم قالوا: والذئب أشد السباع مطالبةً وإذا عجز عوى عواء استغاثة فتسامعت به الذئاب فأقبلت حتى تجتمع على الإنسان أو غيره فتأكله وليس في السباع من يفعل ذلك غيرها. وقضيب الذكر من الأرانب من عظم وكذلك قضيب الثعلب. والأرانب تنام مفتوحة العين وتحيض. وليس لشيء من ذكور الحيوان ثدي في صدره إلا الإنسان والفيل. ولسان الفيل مقلوب على طرفه داخل. وقال صاحب المنطق: ظهر فيل عاش أربعمائة سنة. وحدثني شيخ لنا عن الزيادي قال: رأيت فيلاً أيام أبي جعفر قيل إنه سجد لسابور ذي الأكتاف ولأبي جعفر. والفيلة تضع في سبع سنين. الحيوان الذي لا يصلح إلا بأمير الناس والفأرة والغرانيق والكراكي والنحل والحشرات. قتادة عن ابن عمر قال: الفأرة يهودية ولو سقيتها ألبان الإبل ما شربته. والفأر أصناف: منها الزباب وهو أصم لا يسمع والخلد وهو أعمى. وتقول العرب: هو أسود من زبابة وفأرة البش والبش سم قاتل يقال: هو قرون السنبل وله فأرة تغتذيه لا تأكل غيره. وفأرة المسك من غير هذا. وفأرة الإبل: أرواحها إذا عرقت. قالوا: والأفعى إذا نفثت في فيها الأتراج وأطبقت لحييها الأعلى على الأسفل لم تقتل بعضتها أياماً. قالوا: الثوم والملح وبعر الغنم نافع جداً إذا وضع على موضع لسعة الحية والحيات تقتل بريح وليس في الأرض حيوان أصبر على الجوع من الحية ثم الضب بعدها. وإذا هرمت الحية صغر بدنها وقنعت بالنسيم. قالوا: وكل شيء يأكل فهو يحرك فكه الأسفل ما عدا التمساح فإنه يحرك فكه الأعلى. وبمصر سمكة يقال لها الرعادة من اصطادها لم تزل يده ترعد ما دامت في شبكته. والجعل إذا دفنته في الورد سكنت حركته حتى تسحبه ميتاً فإذا أدنيته من الروث تحرك ورجعت نفسه. والبعير إذا ابتلع في علفه خنفساء قتلته إذا وصلت إلى جوفه حية. والضب يذبح ثم يمكث ليلة ثم يقرب من النار فيتحرك. والأفعى تذبح فتبقى أياماً تتحرك وإذا وطئها أحد نهشته ويقطع ثلثها الأسفل فتعيش وينبت ذلك المقطوع. قالوا: وللضب ذكران وللضبة حران. حكاه أبو حاتم عن الأصمعي. ويقال لذلك النزك. وأنشد: سبحل له نزكان كانا فضيلة على كل حافٍ في الأنام وناعل وسام أبرص لا يدخل بيتاً فيه زغفران. وخرطوم الذباب يده ومنه يغني وفيه يجري الصوت كما يجري الزامر الصوت في القصبة بالنفخ. والسلحفاة إذا أكلت أفعى أكلت سعتراً جبلياً. وابن عرس إذا قاتل الحية أكل السذاب. والكلاب إذا كان في أجوافها داء أكلت سنبل القمح. والإيل إذا مهشته الحية أكل السراطين. قال ابن ماسويه: فلذلك يظن أن السراطين صالحة لمن نهشته الحية. قال صاحب المنطق: الحية إذا اشتكت كبدها من رفع الأرانب والثعالب في الهواء تعالجت بأكل الأكباد حتى تبرأ. وبعض الناس يعملون من الأوزاغ سماً أنفذ من البيش ومن ريق الأفاعي. وإذا زرع في نواحي الزرع خردل تجنبته دبي الجراد وإذا أخذ المر داسنج وخلط بعجين الدقيق ثم طرح للفأر وأكل منه مات وكذلك برادة الحديد. وإذا أخذ الأفيون والشونيز والبازرند وقرن الإيل وبابونج وظلف من أظلاف العنز فخلط ذلك جميعاً ثم يدق وينخل نخلاً جيداً ويعجن بخل ثقيف ثم يقطع قطعاً فيدخن قطعة منه هربت الحيات والهوام والنمل والعقارب من ريحه. والبعوض تهرب من دخان الكبريت والعلك. وقالت الحكماء: لحم ابن عرس نافع من الصرع ولحم القنفذ نافع من الجذام والسل والشنج ووجع الكلى يجفف ويشوى ويطعمه العليل مطبوخاً ومشوياً ويضمد به الشنج. وعين الأفعى وعين الجراد لا تدوران. وليس ينسج من العناكب إلا الأنثى وهي الخدرنق وولد العنكب ينسج ساعة تولد. والقمل يتخلق في الرؤوس على لون الشعر إن كان أسود أو أبيض أو مخضوباً. وأم حبين لا تقيم بمكان تكون فيه السرقة وهي دويبة يضرب بها المثل في الصنعة فيقال: أصنع من سرفة. أبو حاتم: عن الأصمعي قال: قال أبو بكر المهجري: ما من شيء يضر إلا وفيه منفعة. وقيل لبعض الأطباء: إن فلاناً يقول إنما أنا مثل العقرب أضر ولا أنفع. فقال: ما أقل علمه بها إنها لتنفع إذا شق بطنها ووضعت على مكان اللسعة وقد تجعل في جوف فخار مسدود الرأس مطين الجوانب ثم يوضع الفخار في تنور. فإذا صارت العقرب رماداً سقي من ذلك الرماد مثل نصف دانق من به حصاة من غير أن يضر سائر الأعضاء. وقد تلسع من به حمى عتيقة فتقلع عنه وقد تلسع المفلوج فيذهب عنه الفالج. وقد تلقى العقرب في الدهن وتترك فيه حتى يأخذ الدهن منها ويجتذب قواها فيكون ذلك الذهن مفرقاً للأورام الغليظة. وقال المأمون: قلت لبختيشوع وسلمويه وابن ماسويه: إن الذباب إذا دلك على موضع لسعة الزنبور سكن ألمها فلسعني زنبور فحككت على موضع لسعته عشرين ذبابة فما سكن إلا في قدر الحين الذي يسكن فيه من غير علاج فلم يبق في يدي منهم إلا أن قالوا: كان هذا الزنبور حتفاً قاضياً ولولا هذا العلاج له لقتلك. وقال محمد بن الجهم: لا تتهاونوا بكثير مما ترون من علاج العجائز فإن كثيراً منه وقع إليهن من قدماء الأطباء كالذباب يلقي في الإثمد فيسحق معه ليزيد ذلك من نور البصر ويشد مراكز شعر الأجفان في حافات الجفون. قالوا: وللسع الأفاعي والحيات ينفع ورق الآس الرطب يعصر ويسقى من مائه قدر نصف رطل. مصايد الطير قال صاحب الفلاحة: من أراد أن يحتال للطير والدجاج حتى يتحيرن ويغشى عليهن فيصيدهن عمد إلى الحلتيت فدافه بالماء ثم جعل في ذلك شيئاً من عسل ثم نقع فيه برا يوماً وليلة ثم ألقى ذلك البر إلى الطير فإذا لقطه تحير وغشى عليه فلا يقدر على الطيران إلا أن يسقى لبناً قال: وإن عمد إلى طحين بر غير منخول فعجن بجير ثم طرح للطير والحجل فأكلا منه تحيرت وأخذت. ومما يصاد به الكراكي وغيرها من الطير أن يوضع لهن في مواقعهن إناء فيه خمر ويجعل فيه خريق أسود وينقع فيه شعير ثم يلقى لهن فإذا أكلن منه أخذهن الصائد كيف شاء. وقال غيره: تصاد العصافير بأيسر حيلة تؤخذ سلة في صورة المحبرة المنكوسة ويجعل في جوفها عصفور فتنقض عليه العصافير وتدخل عليه فما دخل لم يقدر على الخروج فيصيد الرجل منها من يومه ما شاء وهو وادع. وقال: ويصاد طير الماء الساكن بالقرعة وذلك أن تأخذ قرعة يابسة صحيحة فيرمي بها في الماء فإنها تتحرك بتحرك الماء فإذا أبصرها الطير تحرك وفزع فإذا كثر ذلك عليه أنس حتى ربما سقط عليها ثم تأخذ قرعة مثلها فتقطع رأسها ويفتق فيها موضع عينين ثم يدخل الصائد رأسه فيها ويدخل الماء ويمشي رويداً وكلما دنا من الطائر مد يده تحت الماء حتى يقبض على رجليه ويغمس يده به تحت الماء ويكسر جناحيه ويخليه فيبقى طافياً على الماء يسبح برجليه ولا يطيق الطيران وسائر الطير لا تنكر انغماسه في الماء فإذا فرغ من صيد ما أراد بالقرعة لقطها وحملها. السباع العادية تصاد بالزبى والمغويات وهي آبار تحفر في أنشاز الأرض ولذلك يقال: قد بلغ السيل الزبى. قال صاحب الفلاحة: ومما يصاد به السباع العادية أن يؤخذ سمك من سمك البحر الكبار السمان فيقطع قطعاً ثم تشدخ وتكتل كتلاً ثم تؤجج نار في غائط من الأرض تقرب من السباع ثم تقذف تلك الكتل فيها واحدة بعد أخرى حتى ينتشر دخان تلك النار وقتار تلك الكتل في تلك الأرض ثم يطرح حول تلك النار قطع من لحم قد جعل فيه الخربق الأسود والأفيون وتكون تلك النار في موضع لا ترى فيه حتى تقبل السباع لريح القتار وهي آمنة فتأكل من قطع ذلك اللحم ويخرج عليه فيصيدها الكامنون لها كيف شاءوا. تفاضل البلدان الأصمعي يرفعه إلى قتادة قال: الدنيا كلها أربعة وعشرون ألف فرسخ فبلد السودان منها اثنا عشر ألف فرسخ وبلد الروم ثمانية آلاف فرسخ وبلد الفرس ثلاثة آلاف فرسخ وبلد العرب ألف. الأصمعي قال: جزيرة العرب ما بين نجران إلى العذيب وقال غيره: أرض العرب ما بين بحر القلزم وبحر الهند. قالوا: وسواد البصرة: الأهواز وفارس. وسواد الكوفة: كسكر إلى الزاب إلى عمل حلوان إلى القادسية وهذه كلها من عمل العراق. وعمل العراق من هيث إلى الصين والهند والسند ثم كذلك إلى الري وخراسان كلها إلى بلد الديلم والجبال. وأصفهان سرة العراق وافتتحها أبو موسى الأشعري. والجزيرة ليست من عمل العراق. وهي ما بين الدجلة والفرات والموصل من الجزيرة. ومكة والمدينة ومصر ليست من عمل العراق. الأصمعي قال: البصرة كلها عثمانية والكوفة كلها علوية والشام كلها أموية والجزيرة خارجية والحجاز سنية. وإنما صارت البصرة عثمانية من يوم الجمل إذ قاموا مع عائشة وطلحة والزبير فقتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقيل لرجل من أهل البصرة: أتحب علياً قال: كيف أحب رجلاً قتل من قومي من لدن كانت الشمس هكذا إلى أن صارت هكذا ثلاثين ألفاً. والكوفة علوية لأنها وطن علي رضي الله عنه وداره. والشام أموية لأنها مركز ملك بني أمية وبيضتهم. والجزيرة خارجية لأنها مسكن ربيعة. وهي رأس كل فتنة وأكثرها نصارى وخوارج ومنازلهم الخابور وهو واد بالجزيرة. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لبني تغلب: يا خنازير العرب. والله لئن صار هذا الأمر إلي لأضعفن عليكم الجزية. وقال هارون الرشيد ليزيد بن مزيد: ما أكثر الخلفاء في ربيعة. قال: بلى ولكن منابرهم الجذوع. الأعمش عن سليم: قال: ذكر عمر بن الخطاب الكوفة فقال: جمجمة العرب وكنز الإيمان ورمح الله في الأرض ومادة الأمصار. علي بن محمد المديني قال: الكوفة جارية حسناء تصنع لزوجها فكلما رآها سرته. وقال محمد بن عمير بن عطارد: الكوفة سفلت عن الشام ورباها. وارتفعت عن البصرة وعمقها فهي مرية مريعة عذبة برية وإذا أتتها الشمال هبت على مسيرة شهر على مثل رضراض الكافور وإذا هبت الجنوب جاءتها بريح السواد وورده وياسمينه وأتراجه فماؤها عذب وعيشها خصب. قال ابن عياش الهمداني لأبي بكر الهذلي عن أبي العباس وذكرت عنده الكوفة والبصرة فقال: إنما مثل الكوفة مثل اللهاة من البدن يأتيها الماء ببرده وعذوبته ومثل البصرة مثل المثانة يأتيها الماء بعد تغير وفساد. وقال الحجاج: الكوفة بكر حسناء والبصرة عجوز بخراء أوتيت من كل حلى وزينة. وقال جعفر بن سليمان: العراق عين الدنيا والبصرة عين العراق والمربد عين البصرة وداري عين المربد. وقال الأصمعي: تذاكروا عند زياد الكوفة والبصرة. فقال زياد: لو أضللت البصرة لجعلت الكوفة لمن دلني عليها. وقال حذيفة: أهل البصرة لا يفتحون باب هدىً ولا يغلقون باب ضلالة وقد رفع الطاعون عن جميع أهل الأرض إلا عن أهل البصرة. ومما نقم على أهل الكوفة أنهم أغدر الناس. طعنوا الحسن بن علي وانتهبوا عسكره وخذلوا الحسين بن علي بعد أن استدعوه حتى قتل. وشكوا سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب وزعموا أنه لا يحسن أن يصلي فدعا عليهم أن لا يرضيهم الله عن والٍ ولا يرضي والياً عنهم. وقد دعا عليهم علي بن أبي طالب فقال: اللهم ارمهم بالغلام الثقفي. يعني الحجاج بن يوسف. وشكوا عمار بن ياسر والمغيرة بن شعبة وطردوا سعيد بن العاص وخذلوا زيد بن علي. وادعى النبوة منهم غير واحد منهم المختار بن أبي عبيد. وكتب إلى الأحنف: بلغني أنكم تكذبونني وتكذبوا رسلي وقد كذبت الأنبياء من قبلي ولست بخير من كثير منهم. وقيل لعبد الله بن عمر: إن المختار يزعم أنه يوحى إليه. قال: صدق الشياطين يوحون إلى أوليائهم. ولما أرادت سكينة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم الرحيل من الكوفة إلى المدينة بعد قتل زوجها المصعب حف بها أهل الكوفة وقالوا: أحسن الله صحابتك يا ابنة رسول الله ). فقالت: لا جزاكم الله خيراً من قوم ولا أحسن الخلافة عليكم قتلتم أبي وجدي وأخي وعمي وزوجي أيتمتموني صغيرة وأيمتموني كبيرة. ولما دخل عبد الملك بن مروان الكوفة بعد قتل المصعب أقبل إليه جماعة من هؤلاء قالوا: أمراؤك أهل الكوفة. قال: قتلة عثمان قالوا: نعم وقتلة علي! قال: هذه بهذه. قدم عبد الله بن الكواء على معاوية فقال: أخبرني عن أهل البصرة قال: يقبلون معاً ويدبرون شتى. قال: فأخبرني عن أهل الكوفة. قال: أنظر الناس في صغيرة وأوقفهم في كبيرة. قال: فأخبرني عن أهل المدينة. قال: أحرص الناس على الفتنة وأعجزهم عنها. قال: فأخبرني عن أهل مصر. قال: لقمة آكل. قال: فأخبرني عن أهل الجزيرة. قال: كناسة بين حشين. قال: فأخبرني عن أهل الشام قال: جند أمير المؤمنين ولا أقول فيهم شيئاً. قال: لتقولن. قال: أطوع خلق الله لمخلوق وأعصاهم للخالق ولا يخشون في السماء ساكناً. قتادة قال: قيست البصرة في زمن خالد بن عبد الله القسري فوجدوا طولها فرسخين وعرضها فرسخين. الأصمعي قال: قال ابن شهاب الزهري: من قدم أرضاً فأخذ من ترابها فجعله في مائها ثم شربه عوفي من وبائها. الأصمعي قال: دخلت الطائف فكأني كنت أبشر وكان قلبي ينضح بالسرور وما أجد لذلك علةً إلا انفساح جوها وطيب نسيمها. ودخل سليمان بن عبد الملك الطائف فنظر إلى بيادر الزبيب فقال: ما تلك الجرار السود قيل له: ليست بجرار يا أمير المؤمنين ولكنها بيادر الزبيب. فقال: لله در قسي في أي عش أودع أفراخه يريد بقسي ثقيفاً. كذلك كان اسمه. الأصمعي قال: من أمثال العامة يقولون: حمى خيبر وطحال البحرين ودماميل الجزيرة وطواعين الشام. الأصمعي قال: ذكروا أن في باب سمرقند مكتوباً: بين هذه المدينة وبين صنعاء ألف فرسخ. قال الأصمعي: وبين بغداد وأفريقية ألف فرسخ وبين الكوفة والبصرة ثمانون فرسخاً وواسط بينهما متوسطة ولذلك سميت واسطاً. الشامات أول حد الشام من طريق مصر أمج ثم يليها غزة ثم الرملة رملة فلسطين ومدينتها العظمى فلسطين وعسقلان وبها بيت المقدس. وفلسطين هي الشام الأولى. ثم الشام الثانية هي الأردن ومدينتها العظمى طبرية وهي التي على شاطئ البحيرة والغور ثم الشام الثالثة الغوطة ومدينتها العظمى دمشق ومن سواحلها طرابلس. ثم الشام الرابعة وهي أرض حمص. ثم الشام الخامسة وهي قنسرين ومدينتها العظمى - حيث السلطان - حلب. وبين قنسرين وحلب أربعة فراسخ وساحلها أنطاكية مدينة عظيمة على شاطئ البحر في داخلها البساتين والأنهار والمزارع وهي مدينة حبيب النجار الذي جاء من أقصى المدينة يسعى. وبها مسجد ينسب إلى حبيب النجار. ومن ثغور الشام الخامسة: المصيصة وطرسوس ونهرا جيحان وسيحان. الجزيرة ثم الجزيرة وهي ما بين دجلة والفرات وبهما نهران يقال لهما الخابور والبليخ ومخرجهما من رأس العين مدينة عظيمة بالجزيرة في داخلها عين هي عنصر الخابور والبليخ. وعلى الخابور منازل ربيعة أكثرها نصارى وخوارج. ونصيين من الجزيرة وهي مدينة عظيمة مطلة على جبل الجودي. والموصل من الجزيرة أيضاً. والرقة وحران من الجزيرة أيضاً. ومن ثغور الجزيرة في جهة عمورية من أرض الروم بطرة وملطية. وفي جوف الفرات جزائر فيها مدن يقال لها عانة وعانات. وعلى شط الفرات مما يلي الجزيرة قرقيسيا ومما يلي الشام الرحبة رحبة مالك بن طوق. العراقان العراقان: هما البصرة والكوفة وقد تقدم ذكرهما واختلاف الناس فيهما. ومما أحدث الخلفاء بالعراق خلفاء بني هاشم من المدن الأنبار وهي مدينة أبي العباس أول من ولي الخلافة ابتناها واتخذها دار خلافته. ثم ولي أخوه أبو جعفر المنصور فانتقل إلى بغداد وابتنى بها الكرخ وهي مدينة السلام في جوف بغداد وهي دار خلافة بني هاشم. حتى قام المعتصم محمد بن هارون فانتقل منها إلى سامرا. وتفسير سامرا أن سام بن نوح عليه السلام بناها. وإنما هو بالسريانية وهي دار الخلافة إلى الآن. فارس منها الأهواز مدينة عظيمة وبلدها واسع جداً وهي من سواد البصرة. وتستر مدينة يعمل فيها التستري من الملاحف. ومدينة يقال لها جور وإليها ينسب ماء الورد الجوري. ومدينة يقال لها السوس بها تعمل الثياب السوسية من الخز وغيره. ومدينة يقال لها العسكر وإليها تنسب الثياب العسكرية ومدينة يقال لها الأفساسار وبها تعمل الأكسية الأفساسارية الجياد. ومدينة يقال لها دستوا وبها تعمل الثياب الدستوائية. ومدينة يقال لها ميسان وبها يعمل الوطاء الميساني. ومدينة يقال لها الدسكرة دسكرة الملك كانت لكسرى. ومدينة يقال لها حلوان وهي أول الجبال من خراسان وآخر العراق. خراسان أول مدنها الري وهي آخر الجبال من خراسان وإليها ينسب من الرجال الرازي ومن خراسان مرو وهي دار خلافة المأمون ومنها خرج أبو مسلم صاحب الدعوة. ومن ينسب إليها من الرجال يقال له مروزي ومن الثياب مروي. ومدينة يقال لها قومس وإليها تنسب الطيقان القومسية. ومدينة يقال لها سابور بها ملك بني طاهر. ومدينة يقال لها هراة إليها ينسب الهروي من الرجال والمتاع. ومدينة يقال لها بلخ وإليها ينسب البلخي وبها معادن البجادي العتيق وهو جنس من الفصوص تسميه العامة البزادي. ومدينة يقال لها خوارزم وإليها ينسب الخوارزمي وهي على شط البحر المحيط. وبلخ على شط النهر العظيم الذي يقال له جيحان بخراسان. ثم جرجان وهي مدينة عظيمة على شط البحر المحيط وإليها ينسب الوشي الجرجاني والمتاع. ثم قوهى وهي مدينة عظيمة إليها ينسب القوهي من الثياب. ثم كابل وهي مدينة يؤتى منها بالإهليلج الكابلي. ثم سمرقند وهي مدينة عظيمة إليها ينسب السمرقندي من الثياب. وبين بغداد وبينها مسيرة ستة أشهر ومما يليها كرمان وهي على بطائح السند وبلاد السند من آخر خراسان ما بين المغرب والمشرق من جهة القبلة. وآخر مدن خراسان مدينة يقال لها تبت وهي من أرض الترك وبها مجمع المسك وإليها ينسب المسك التبتي. ومدينة يقال لها فرغانة وأهلها جنس من العجم يقال لهم الصغد وهم الذين يقطعون آذانهم من الحزن إذا مات لهم كبير. ومن المدن التي في صدر خراسان مع الجبال مدينة يقال لها قرميسين. ثم الدينور وإليها ينسب الدينوري. ومدينة همدان مدينة عظيمة وطبرستان مدينة عظيمة فيها تعمل الأكسية الطبرية ثم قم وهي مدينة عظيمة منها يؤتى بالزعفران. ثم أصبهان وهي مدينة عظيمة ثم طوس وهي من ثغور الجبال. مصر من ناحية الشام الفسطاط وهي مدينة بها منبران ومسجدان يجمع فيهما العسكر حيث السلطان. وعين شمس بها منبر وهي كانت مدينة فرعون وفيها بنيانه قائم. والفرما لها منبر والعريش الذي يقال له عريش مصر له منبر وهي آخر مصر وأول الشام. ومن أسفل الأرض بوصير لها منبر. وتنيس لها منبر وإليها تنسب الثياب التنيسية وبها طراز للخليفة. وشطا لها منبر وإليها ينسب الشطوي وديبق لها منبر وإليها ينسب الدبيقي من الثياب. والإسكندرية لها منبر. من ناحية الحجاز. القلزم لها منبر. وأيلة لها منبر. ومن ناحية الصعيد القس وإليها ينسب القسي من الثياب. والصفن وإليها تنسب الأكسية الصفنية الحمر. ودلاص لها منبر وهي مجمع سحر مصر. والفيوم مدينة لها منبر تؤدي كل يوم ألف دينار وخلف ذلك بوق وبها تكون معادن الذهب والجواهر والزبرجد.
صفة المسجد الحرام
صحنه كبير واسع ذرعه طولاً من باب بني جمح إلى باب بني هاشم الذي يقابل دار العباس بن عبد المطلب أربعمائة ذراع وأربع أذرع. وذرعه عرضاً من باب الصفا إلى دار الندوة لاصقاً بوجه الكعبة الشرقي ثلثمائة ذراع وأربع أذرع. وله ثلاث بلاطات محدقة به من جهاته كلها منتظم بعضها ببعض. وهي داخلة في الذرع الذي ذكرت فوقها سماوتها مذهبة وحافاتها على عمد رخام بيض عددها في طوله من الشرق إلى الغرب مع وجه الصحن خمسون عموداً وفي عرضه ثلاثون عموداً طول كل عمود منها عشرة أذرع ودوره ثلاث أذرع. والمذهبة من رؤوس العمد ثلثمائة وعشرون رأساً. وسور المسجد كله من داخله مزخرف بالفسيفساء. وأبوابه على عمد رخام ما بين الأربعة إلى الثلاثة إلى الاثنين وهي ثلاثة وعشرون باباً لا غلق عليها يصعد عليها في عدة من درج.
صفة الكعبة وبيت الله الحرام
بوسط المسجد كان ارتفاعه في عهد إبراهيم عليه السلام فيما يقال والله أعلم تسع أذرع وطوله في الأرض ثلاثون ذراعاً وعرضه اثنتان وعشرون ذراعاً. وكان له ثلاثة سقوف ثم بنته قريش في الجاهلية فاقتصرت على قواعد إبراهيم ورفعته ثمان عشرة ذراعاً ونقصت من طوله في الأرض ست أذرع وشبراً تركته في الحجر فلما هدمه ابن الزبير رده على قواعد إبراهيم ورفعه سبعاً وعشرين ذراعاً وفتح له بابين: باباً إلى الشرق وباباً إلى الغرب يدخل من الشرقي ويخرج من الغربي. فكان كذلك حتى قتل. فلما تغلب الحجاج على مكة استأذن عبد الملك بن مروان في هدم ما كان ابن الزبير زاده من الحجر في الكعبة. فأذن له فرده فذرع وجهه القبلي اليوم من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرون ذراعاً ووجهه الجنوبي من الركن العراقي إلى الركن الشامي وهو الذي يلي الحجر إحدى وعشرون ذراعاً. ووجهه الشرقي من الركن الأسود إلى الركن العراقي خمس وعشرون ذراعاً. ووجهه الغربي من الركن اليماني إلى الركن الشامي خمس وعشرون ذراعاً. وحول البيت كله إلا موضع الركن الأسود درجة مجصصة يكون ارتفاعها عظم الذراع في عرض مثله وقاية للبيت من السيل. وباب البيت في وجهه الشرقي على قدر القامة من الأرض طوله ست أذرع وعشر أصابع وعرضه ثلاث أذرع وثمان عشرة إصبعاً. والبابان من ساج غلظ كل باب ثلاث أصابع ظاهرهما ملبس بالذهب وباطنهما بالفضة في كل باب ست عوارض ولها عروتان يضرب فيهما قفل من ذهب وحواجبه كلها مذهبة ما عدا الحاجب الأيمن فإن العلوي الثائر لما تغلب على مكة قلع ذهبه فترك على حاله. وتحت العتبة العليا عتبة مذهبة والبابان من ورائهما والعتبة السفلى مستورة بالديباج إلى الأرض. وبين الركن الأسود والباب خمس أذرع أو نحوها وهو الملتزم فيما يذكر عن ابن عباس. والحجر الأسود على رأس صخرتين من وجه الأرض قد نحت من الصخر مقدار ما أدخل فيه الحجر وشقت الصخرة الثالثة عليهما مثل إصبعين. والحجر أملس مجزع حالك السواد في قدر الكف المحنية قد لز من جوانبه بمسامير الفضة. وفيه صدوع وفي جانب منه صفيحة فضة تحسبها شظية منه شظيت فجبرت بها. وصخر الركن الأسود أحرش أكبر من صخرنا قليلاً. وللبيت سقفان سقف دون سقف وفيهما أربع روازن ينفذ بعضها إلى بعض للضوء وللسقف الأسفل ثلاث جوائز من ساج منقشة مذهبة. وفي داخل البيت في الحائط الغربي قبالة الباب الجزعة على ست أذرع من قاع البيت وهي سوداء مخططة ببياض طولها اثنتا عشرة إصبعاً في مثل ذلك وحولها طوق من ذهب عرضه ثلاث أصابع. ذكر أن النبي )جعلها على حاجبه الأيمن حين صلى في البيت. والحجر بجوفي البيت محجور من الركن العراقي إلى الركن الشامي تحجيراً محنياً غير مرتفع. قد انقطع طرفاه دون الركنين اللذين يليانه بمثل ذراعين للدخول والخروج يكون ما بين موسطة جنبي التحجير والبيت كما بين الركنين وارتفاع التحجير مثل نصف قامة. وهو ملبس بالرخام من داخله وخارجه وأعلاه وجعل بين كل رخامتين عمود من رصاص لزازاً لهما وقاع الحجر كله مفروش بالرخام ومصب الميزاب فيه وقبلتنا إليه. والميزاب موسطة أعلى جدار الكعبة خارجاً عنه مثل أربع أذرع في سعته وارتفاع حيطانه ثمان أصابع ملبس ظاهره وباطنه بصفائح الذهب. والصفائح مسمرة بمسامير مروسة من ذهب. والبيت كله مستور إلا الركن الأسود فإن الأستار تفرج عنه مثل القامة ونصف وإذا دنا وقت الموسم كسي القباطي وهو ديباج أبيض خراساني فيكون بتلك الكسوة ما كان للناس محرمين. فإذا حل الناس وذلك يوم النحر حل البيت فكسى الديباج الأحمر الخراساني. وفيه دارات مكتوبة فيها حمد الله وتسبيحه وتكبيره وتعظيمه فيكون كذلك إلى العام القابل. ثم يكسى أيضاً على حال ما وصفت. فإذا كثرت الكسوة فخشي على البيت من ثقلها خفف منها فأخذ ذلك سدنة البيت وهم بنو شيبة. وذكر بعض المصريين أنه حضر كشف البيت سنة خمس وستين فرأى بلاطه الزعفران واللوبان. وذكر أيضاً عن بعض المكيين حديثاً يرفعونه إلى مشايخهم أنهم نظروا إلى الحجر الأسود إذ هدم ابن الزبير البيت وزاد فيه فقدروا طوله ثلاث أذرع وهو ناصع البياض فيما ذكروا إلا وجهه الظاهر. واسوداده فيما ذكروا والله أعلم لاستلام أهل الجاهلية إياه ولطخه بالدم. والمقام بشرقي البيت على سبع وعشرين ذراعاً منه وجه المصلي خلفه مستقبل البيت إلى الغرب والركن العراقي على يمينه والباب والركن الأسود على يساره وهو فيما ذكر من رآه حجر غير مرفوع يكون ذراعاً في ذراع وفيه أثر قدم إبراهيم عليه السلام وطول القدم مثل عظم الذراع. والحجر موضوع على منبر لئلا يمر به السيل فإذا كان وقت الموسم وضع عليه تابوت حديد مثقب لئلا تناله الأيدي. وحول البيت كله سوارٍ ست غلاظ مربعة من حديد مذهبة ورؤوسها مذهبة أيضاً يوقد عليها بالليل للطائفين بين كل عمود منها والبيت نحو ما بين المقام والبيت. وزمزم بشرقي الركن الأسود بينهما مثل الثلاثين ذراعاً وهي بئر واسعة تنورها من حجر مطوق أعلاه بالخشب وسقفها قبو مزخرف بالفسيفساء على أربعة أركان تحت كل ركن منها عمودا رخام متلاصقان قد سد ما بين كل ركنين منها بشرجب خشب ورد إلى باب من جهة المشرق. وحول القبو كله رف مثل البرطلة وبشرقي زمزم بيت مقدر سقفه قبو مزخرف بالفسيفساء أيضاً مقفل عليه وشرقي هذا البيت بيت كبير مربع له ثلاثة أقباء وفي كل وجه منه باب. وحمام المسجد كثير أنيس يكاد الإنسان أن يطأه بقدمه لأنسه بالناس وهو في لون حمام الأبرجة عندنا إلا أنه أقدر منه وليس منها حمامة تجلس على البيت ولا تطير عليه. ولقد همني ذلك فرأيتها حين تكاد أن تحاذي البيت وهي مستعلية في طيرانها ذلك عكست حتى تصير دونه وأخذت عن يمينه أو يساره وذرقها ظاهر بارز على البيوت التي في المسجد إلا بيت الله الحرام فإنه نقي ليس فيه ولا عليه منه أثر فسبحان معظمه ومقدسه ومطهره وتعالى علواً كبيراً. وبين باب الصفا - وهو بقبلي البيت - والصفا الشارع وهو بطن الوادي وبعد الشارع فناء غير كبير فيه الباعة ثم الصفا في أصل جبل أبي قبيس قد أحدق بها البناء إلا من الوجه الذي يرقى إليها منه والرقي إليها على ثلاث درج مبنية بالصخر. والواقف على الصفا مستقبل الجوف بنظر إلى البيت من باب الصفا. والمروة بشرقي المسجد وهي من الصفا بين المشرق والمغرب قد أحدق بها البناء أيضاً إلا من وجه المصعد إليها وهو من أعلى القصور بينها وبين المسجد الحرام الزقاق الضيق فالواقف على المروة مستقبل البيت تجاه الفرجة يرى الميزاب وما اتصل به من البيت وبين الصفا والمروة شبيه بما بين السقاية والمسجد الجامع. والساعي بينهما إذا هبط من الصفا يريد المروة سلك في الشارع وهو مبطن الوادي عن يمينه القصور وعن يساره المسجد ثم يتعرضه بطن وادٍ إذ انصبت قدماه فيه أرقل حتى يخرج عن آخره وله علمان أخضران في جانبي الوادي أحدهما وهو الأول خلف باب الصفا لاصقاً بالسور والثاني أمامه بائن عن السور جعلا ليفهم بهما حد الوادي الذي يرمل فيه. ومنى قرية بشرقي مكة تنحو إلى القبلة قليلاً خارجة عن الحرم على نحو الفرسخ منها وفيها بنيان وسقايات وأول ما يلقى منها الخارج من مكة إليها جمرة العقبة ثم الجمرتين اللتين ترميان مع جمرة العقبة بعد يوم النحر أيام التشريق. وبها مسجد أكبر من جامع قرطبة وهو مسجد الخيف له مما يلي المحراب أربع بلاطات معترضة سقفها من جرائد النخل وعمدها مجصصة والمنبر عن يسار المحراب والباب الذي يخرج منه الإمام عن يمينه وفي موسطة صحن المسجد منارة وفي كل جانب منها سقيفة. والمزدلفة وهي المشعر الحرام بين منى وعرفة وهي من منى على نحو الميلين ولها مسجد مصحر لا بناء فيه إلا الحائط الذي فيه المحراب وليس بها ساكن. وعرفة بشرقي منى على نحو الفرسخين منها ليس بها ساكن ولا بناء إلا سقايات وقنوات يجري فيها الماء وليس بمسجدها بنيان إلا الحائط الذي فيه المحراب وموقف الناس يوم عرفة بعرفة في الجبل وما يليه مما تحته والجبل بين المشرق والجوف من مسجدها وفي الموضع الذي يقف فيه الإمام ماء جارٍ. ومحراب منة وعرفة والمزدلفة إلى نحو المغرب.