الرئيسيةبحث

العقد الفريد/الجزء الخامس/1


كتاب الجوهرة الثانية في أعاريض الشعر

فرش الكتاب قال أبو عمر أحمدُ بن محمد بن عبد ربّه: قد مضى قولُنا في فضائل الشعر ومقاطعه ومخارجه ونحن قائلون بعون الله وتوفيقه في أعاريضه وعِلله وما يَحسن ويقبح من زِحافه وما ينفكّ من الدوائر الخَمس من الشطور التي قالت عليها العرب والتي لم تقُل وَتلخيص جميع ذلك بمَنثور من الكلام يقرُب معناه من الفهم ومنظوم من الشعر يسهل حفظُه على الرواة. فأكملتُ جميعَ هذه العُروضِ في هذا الكتاب الذي هو جزآن فجزء للفرش وجزء للمثال مختصراً مبينّا مفسراً. فاختصرتُ للفرش أرجوزة وجمعت فيها كل ما يدخل العروضَ ويجوز في حشو الشعر من الزحاف. وبيّنت الأسباب والأوتاد والتعاقب والتراقب والخروم والزيادة على الأجزاء وفك الدوائر في هذا الجزء. واختصرتُ المثالَ في الجزء الثاني في ثلاث وستين قطعة على ثلاثة وستين ضرباً من ضروب العروض. وجعلت المقطعات رقيقة غَزِلة ليسهل حفظها على ألسنة الرواة. وضمّنت في آخر كُل مقطَّعة منها بيتاً قديماً متصلاً بها وداخلاً في معناها من الأبيات التي استشهد بها الخليل في مختصر الفرش اعلم أنّ أول ما ينبغي لصاحب العروض أن يبتدئ به معرفة الساكن والمتحرك فإن الكلام كُلَّه لا يعدو أن يكون ساكناً أو متحركاً. واعلم أن كل أَلِف خفيفة أو ألف ولام خفيفتين لا يظهران على اللسان ويثبتان في الكتابة فإنهما يسقطان في العروض وفي تقطيع الشعر نحو ألف: قال ابنك أو ألف ولام نحو: قال الرجل. وإنما يُعَدّ في العروض ما ظهر على اللسان. واعلم أنّ كل حرف مشدّد فإنه يعُد في العروض حرفين أولهما ساكن والثاني متحرك نحو ميم محمد ولام سلاّم. واعلم أن التنوين كله يعُد في العروض نوناً ساكنة ليست من أصل الكَلمة.

باب الأسباب والأوتاد

اعلم أنّ مدار الشعر وفواصل العروض على ثمانية أجزاء وهي: فاعلن فعولن مفاعيلن فاعلاتن مستفعلن مفاعلتن متفاعلن مفعولات. وإنما ألفت هذه الأجزاء من الأسباب والأوتاد. فالسبب سببان: خفيف وثقيل. فالسبب الخفيف حرفان: متحرك وساكن مثل: من وعن وما أشبههما. والسبب الثقيل حرفان متحركان مثل: بك ولك وما أشبههما. والوتد وتدان: مفروق ومجموع. فالوتد المجموع ثلاثة أحرف: متحركان وساكن مثل: على وإلى وما أشبههما. والوتد المفروق ثلاثة أحرف: ساكن بين متحركين مثل أين وكيف وما أشبههما. وإنما قيل للسبب سبب لأنه يضطرب فيثبت مرة ويسقط أخرى وإنما قيل للوتد وتد لأنه يثبت فلا يزول.

باب الزحاف

اعلم أنّ الزحاف زحافان فزحاف يُسقط ثاني السبب الخفيف وزحاف يُسكن ثاني السبب الثقيل وربما أسقطه. ولا يَدخل الزحافُ في شيء من الأوتاد وإنما يدخل في الأسباب خاصة. وإنما يدخل من الجزء في ثاني الجزء ورابعه وخامسه وسابعه. فإذا أردت أن تعرف موضع الزحاف من الجزء فانظُر إلى جزء من الأجزاء الثمانية التي سُميّت لك. فإن رأيت الوتد في أول الجزء فإنما يزحف خامسه وسابعه. وإن كان الوتد في آخر الجزء فإنما يُزحف ثانيه ورابعه. وإن كان الوتد في وسط الجزء فإنما يزحف ثانيه وسابعه. وللزحاف الذي يدخل في ثاني الجزء ثلاثةُ أسماء: الخَبن والإضمار والوقص. فالمخبون: ما ذهب ثانيه الساكن. والمضمر: ما سكن ثانيه المتحرك. والموقوص: ما ذهب ثانيه المتحرك. وللزحاف الذي يدخل في رابع الجزء اسم واحد: المطويّ وهو ما ذهب رابعه الساكن. وللخامس منها ثلاثة أسماء: القَبض والعَصْب والعَقل: فالمقبوض: ما ذهب خامسه الساكن. والمعصوب: ما سكن خامسه المتحرك. والمعقول: ما ذهب خامسه المتحرك. وللسابع اسم واحد: المكفوف وهو ما ذهب سابعه الساكن.

باب الزحاف المزدوج المخبول

هو ما ذهب ثانيه ورابعه الساكنان. والمخزول: هو ما سكن ثانيه وذهب رابعه الساكن. والمنقوص: هو ما سكن خامسه وذهب سابعه الساكن. والمشكول: هو ما ذهب ثانيه وسابعه الساكنان. علل الأعاريض والضروب المحذوف: هو ما ذهب من آخر الجزء بسبب خفيف. والمقطوف: هو ما ذهب من آخر الجزء سبب خفيف وسكن آخر ما بقي. والمقصور: ما ذهب آخر سواكنه وسكن آخر متحركاته من الجزء الذي في آخره سبب. والمقطوع: ما ذهب آخر سواكنه وسكن آخر متحركاته من الجزء الذي في آخره وتد. والأبتر: ما حُذف ثم قُطع فكان فاعل من فاعلاتن وفع من فعولن. والأخذ: ما ذهب من آخر الجزء وتد مجموع. والأصلم ما ذهب من آخر الجزء وتد مفروق. والموقوف: ما سكن سابعه المتحرك. والمكسوف: ما ذهب سابعه المتحرك. والمجزوء: ما ذهب من آخر الصدر جزء ومن آخر العجز جزء. والمشطور: ما ذهب منه أربعة أجزاء وبقي جزآن. والزيادة على الأجزاء ثلاثة أشياء: المُذال: وهو ما زاد على اعتدال جزئه حرف ساكن مما يكون في آخره وتد والمُسبّغ: ما زاد على اعتداله حرف ساكن مما يكون في آخره سبب والمُرفَل: ما زاد على اعتداله حرفان: متحرك وساكن مما يكون في آخره وتد: واعلم أن كل جزء من أجزاء العروض يكون مخالفاً لأجزاء حَشوه بزحاف أو سلامة فهو المعتل. وما كان معتلاً فإنما هو أربعة أشياء: ابتداء وفصل وغاية واعتماد. هذا قول الخليل. وأنا أقول: إن المعتل كله ثلاثة أشياء: ابتداء وفصل وغاية: وإن الاعتماد ليس علة لأنه غير مخالف لأجزاء الحشو إذ جاز فيه القبض والسلامة ولذلك يجوز في أجزاء الحشو كلها وإنما خالفها في الحسن والقبح وليس اختلاف الحسن والقبح عِله. ونحن نجد الاعتماد أقيموا بني النُّعمان عنا صُدورَكم وإلا تُقيموا صاغرين الرؤوسا ومنه قولُ امرئ القيس: أعنَي على بَرق أَراه وَميض يضئ حَبِيا في شَماريخَ بِيض وتَخرج منه لامعات كأنها أكفّ تَلَقَّى الفوزَ عند المفِيض وإنما زعم الخليلُ أن المُعتلّ ما كان مخالفاً لأجزاء حشوه بزحاف أو سلامة ولم يُقل بحُسن أو قُبح. ألا ترى أن القَبض في مفاعيلن في الطويل حَسن والكَفّ فيه قبيح. والقبض في مفاعيلن في الهزج قبيح والكف فيه حسن. والاعتماد في المتقارب على ضد ما هو في الطويل السالم فيه حسن والقبض فيه قبيح. فإذا اعتلّ أولُ البيت سُمي ابتداء وإذا اعتلّ وسطه وهو العروض سُمي فصلاً وإذا اعتل الطرف وهو في القافية سمي غاية. وإذا لم يعتل أوله ولا وسطه ولا آخره سُمي حشواً كُله: وما كان من الأنصاف مستوفياً لدائرته وآخرُ جزء منه بمنزلة الحَشو من الآخر فهو التام. وما كان من الأنصاف لم يذهب به الانتقاص بجزء من الأجزاء أجِمع فهو وافٍ وإذا ذهب به الانتقاص فهو مجزوء. وما كان من الأنصاف مُقفى فهو مُصرَّع: فإن كانت الكلمة كلها كذلك فهو مشطور. فإذا لم يبق منه إلا جزآن فهو المَنهوك. وإذا اختلفت القوافي واختلطت وكانت حيزاً حيزا من كلمة واحدة هو المُخمَس. وإذ كانت أنصاف على قواف تجمعها قافية واحدة ثم تعاد لمثل ذلك حتى تنقضي القصيدة فهو المُسمَّط.

باب الخرم

اعلم أن الخَرم لا يدخل إلا في كل جزء أوله وَتد. وذلك ثلاثة أجزاء: فعولن مفاعلتن مفاعيلن. وهو سقوط حركة من أول الجزء. وإنما منعه أن يدخل في السَّبب لأنك لو أسقطت من السبب حركة بقي ساكن. ولا يُبدأ بساكن أبدا. ولا يدخل الخرم إلا في أول البيت. فإذا أدخل الخرم فعولن قيل له أثلم. فإذا دخل القبض مع الخرم قيل له أثرم. فإذا دخل الخرم مفاعلتن قيل له أعصب. فإذا دخله العَصب مع الخرم قيل له أقصم. فإذا دخله القبض مع الخرم قيل له أعقص. فإذا دخله العقل مع الحزم قيل له أجمّ. فإذا دخل الخرم مفاعيلن قيل له أخرم. فإذا دخله الكفّ مع الخَرم قيل له أخرب. فإذا دخله القَبض مع الخرم قيل له أشتر. وكل ما لم يدخله الخرم فهو الموفور.

باب التعاقب والتراقب

اعلم أن التعاقب يدخل بين السببين المتقابلين في حشو الشعر حيثما كانا ولا يكونان من جميع العروض إلا في أربعة أشطار: في المديد والرمل والخفيف والمجتث. وقد بينّا جميع ذلك في موضعه. فما عاقبه ما قبله فهو صَدر. وما عاقبه ما بعده فهو عَجز. وما عاقبه ما قبله وما بعده فهو طرفان. وما لم يُعاقبه ما قبله ولا ما بعده فهو بريء. والتراقب بين السببين المُتقابلين مع فاصلة واحدة. ولا يدخل التراقب من جميع العروض إلا في المضارع والمُقتضب. وقد فسّرناه هنالك. وقد نظمنا جميع ما ذكرناه من هذه الأبواب في أرجوزة ليسهل حفظُها على المتعلم إذ كان حفظ المنظوم أسهلَ من حفظ المنثور وذكرنا فيها كُل الدوائر الخمس وما ينفكّ في كل دائرة من عدد الشُطور التي قالت عليها العرب والتي لم تقل عليها وموضع الزَحاف منها. واعلم أن الدائرة الأولى مؤلّفة من أربعة أجزاء سُباعيّين مع خُماسيين وهي: فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن. والدائرة الثانية من ثلاثة أجزاء سباعية وهي: مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن. والدائرة الثالثة مؤلفة من ثلاثة أجزاء سباعية وهي: مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن. والدائرة الرابعة مؤلفة من ثلاثة أجزاء سباعية وهي: مستفعلن مفعولات مستفعلن. والدائرة الخامسة مؤلفة من أربعة أجزاء خماسية وهي: فعولن فعولن فعولن فعولن. واعلم أنّ كل دائرة من هذه الدوائر ينفكّ من رأس كل سَبب وكل وتد فيها شطر. وقد بينّا جميع ذلك في الدوائر وأسماء الشطور التي تنفكّ عنها. بالله نبدا وبه التمامُ وباسمه يُفتتَح الكلامُ يا طالبَ العِلْم هو المِنهاجِ قد كثُرت من دونه الفِجاج وكُل عِلْم فله فُنونُ وكُل فَنّ فله عُيون أولها جوامعُ البيَانِ وأصلها معرفةُ اللِّسان فإنّ في المجَاز والتأويل ضلّت أساطيرُ ذوي العُقول حتى إذا عَرَفتَ تلك الأبنية واحدَها وجَمعها والتَّثنية طلبتَ ما شئتَ من العلوم ما بين مَنثور إلى مَنظوم فَداوِ بالأعراب والعَروض داءك في الأمْلال والقَريض كلاهما طِبّ لداء الشَعرِ واللّفظ من لَحن به وكَسْرِ ما فَلْسف النَّيطس جالينوسُ وصاحبُ القانون بَطْليْموس ولا الذي يَدْعونه بهرْمس وصاحب الأركند والإقليدس فَلسفَة الخَليل في العَروض وفي صَحيح الشِّعر والمَريض هذا اختصار الفَرش من مَقالي وبعدَه أقولُ في المِثال أوله والله أستعينُ أن يُعرف التحريكُ والسكُونُ من كُل ما يبدو على اللَسان لا كُل ما تَخُطه اليدانِ ويَظهر التَّضعيفُ في الثقيلِ تَعُدُّه حَرفين في التَّفصيل مُسكنَاً وبعدهُ مُحركاً كنون كُنّا وكراء سَركا