وقد قال الشافعي: العلم علمان: علم الأديان وعلم الأبدان. ولم نجد بداً - إذ كانت جملة هذه المطاعم التي بها نمو الغراسة وعليها مدار الأغذية تضر في حالة وتنفع في أخرى - من ذكر ما ينفع منها ومقدار نفعه وما يضر منها ومبلغ ضره وأن نحكم على كل ضرب منها بالأغلب عليه من طباعه وقلما نجد شيئاً ينفع في حالة إلا وهو يضر في الأخرى ألا ترى أن الغيث الذي جعله الله رحمة لخلقه وحياة لأرضه قد يكون منه السيول المهلكة والخراب المجحف وأن الرياح التي سخرها الله مبشرات بين يدي رحمته قد أهلك باه قوماً وانتقم بها من قوم وفي هذا المعنى قال حبيب الطائي: ولم تر نفعاً عند من ليس ضائراً ولم تر ضراً عند من ليس ينفع قال خالد بن صفوان لخادمه: أطعمينا جبناً فإنه يشهي الطعام ويهيج المعدة وهو حمض العرب. قال: ما عندنا منه شيء. فقال: لا عليك فإنه يقدح الأسنان ويشد البطن. ولما كانت أبدان الناس دائمة التحلل لما فيها من الحرارة الغريزية من داخل وحرارة الهواء المحيط بها من خارج احتاجت إلى أن يخلف عليها ما تحلل واضطرت بذلك إلى الأطعمة والأشربة وجعلت فيها قوة الشهوة ليعلم بها وقت الحاجة منها إليها ومقدار ما يتناول منها والنوع الذي يحتاج إليه ولأنه لا يخلف الشيء الذي يتحلل ولا يقوم مقامه إلا مثله وليس تستطيع القوة التي تحيل الطعام والشراب في بدن الإنسان أن تحيل إلا ما شاكل البدن وقاربه. فإذا كان هذا هكذا فلا بد لمن أراد حفظ الصحة أن يقصد لوجهين: أحدهما أن يدخل على البد الأغذية الموافقة لما يتحلل منه والآخر أن ينفي عنه ما يتولد فيه من فضول الأغذية. ما يصلح لكل طبيعة من الأغذية وينبغي لك أن تعرف اختلاف طبائع الأبدان وحالاتها لتعرف بذلك موافقة كل نوع من الأطعمة لكل صنف الناس. وذلك أن الأغذية مختلفة فمنها معتدلة كالتي يتولد منها الدم الخالص النقي ومنها غير معتدلة كالتي يتولد منها البلغم والمرة الصفراء والسوداء والرياح الغليظة ومنها لطيفة ومنها غليظة ومنها ما يتولد منه كيموس لزج وكيموس غير لزج ومنها ما له خاصة منفعة أو مضرة في بعض الأعضاء دون بعض. فقد يجب متى كان المستولي على البدن الدم النقي أن تكون أغذيته قصداً في قدرها معتدلة في طبائعها. ومتى كان الغالب عليه البلغم فيجب أن تكون مسخنة أو يغتذي بما يزيد في الحرارة ويقمع الرطوبة. ومتى كان الغالب عليه المرة السوداء فينبغي له أن يغتذي بالأغذية الحارة الرطبة. ومتى كان الغالب عليه المرة الصفراء فيغتذى بالأغذية الباردة الرطبة ومتى كان البدن مستحصفاً عسر التحلل فينبغي أن يغتذى بأغذية يسيرة لطيفة جافة ومتى كان متخلخلاً فينبغي له أن يتعذى بأغذية لزجة لكثرة ما يتحلل من البدن. فهذا التدبير ينبغي أن يلتزم ما لم يكن في بعض أعضاء البدن ألم فينبغي أن يستعمل النظر في الأغذية الموافقة للعضو الألم لأنا ربما اضطررنا إلى استعمال ما يوافق العضو الآلم إن كان مخالفاً لسائر البدن كما أنه لو كانت الكبد باردة ضيقة المجاري احتجنا إلى استعمال الأغذية اللطيفة وتجنب الأغذية الغليظة وإن كان سائر البدن غير محتاج إليها لضعف أو نحافة لئلا تحدث الطبيعة في الكبد سدداً وربما كانت الكبد حارة فتحذره الأغذية الحلوة وإن احتاج إليها لسرعة استحالتها إلى المرة الصفراء. وربما كانت المعدة ضعيفة فتحتاج إلى ما يقويها من الأغذية وربما كان يولد الطعام فيها بلغماً فتحتاج إلى ما يقمع الصفراء وإلى تجنب الأشياء المولد لها. وربما كان الطعام يبقى على رأس المعدة طافياً فيستعمل الأغذية الغليظة الراسية ليتثقل بثقلها إلى أسفل المعدة وتأمره بحركة يسيرة بعد الطعام لينحط الطعام عن رأس المعدة. وربما كان رأس المعدة حاراً قابلاً للحار فيتجنب الأغذية الحارة وإن احتاج إليها سائر البدن. وينبغي ألا يقتصر على ما ذكرنا دون النظر في مقدار الحركة قبل الطعام والنوع بعده فمتى كانت الحركة قبل الطعام كثيرة غذيناه بأغذية كثيرة غليظة لزجة إلى اليبس ما هي بطيئة التحلل ولم نأمره بالحمية لقلة الحاجة إليها. ومتى لم تكن قبل الطعام حركة أو كانت يسيرة فينبغي ألا يقتصر على الحمية بقلة الطعام ولطافته دون أن يستعين على تخفيف ما يتولد في البدن من الفضول باستفراغ الأدوية المسهلة وبالحمام وبإخراج الدم. ومتى كانت الحركة كافية استعملنا الأغذية المعتدلة في كثرتها وقد لطافتها وغلظها. ومت كان النوم بعد الطعام كثيراً احتجنا إلى استعمال أغذية كثيرة غزيرة الغذاء لطول الليل وكثرة النوم ومتى كان النوم قليلاً احتجنا إلى الطعام القليل الخفيف اللطيف كالذي يغتذي به في الصيف لقصر الليل وقلة النوم. تقدير الطعام وما يقدر منه وما يؤخر ويجب في الطعام أن يقدر فيه اربعة أنحاء: أولها ملاءمة الطعام لبدن المغتذي به في الوقت الذي يعتذي به فيه كما ذكرنا آنفاً: أنه متى كان الغالب على البدن الحرارة احتاج إلى الأغذية البادرة. ومتى كان الغالب عليه البرد احتاج إلى الأغذية الحارة ومتى كان معتدلاً احتاج إلى الأغذية المعتدلة المشاكلة له. والنحو الثاني: تقدير الطعام بأن يكون على مقدار قوة الهضم لأنه وإن كان في نفسه محموداً وكان ملائماً للبدن وكان أكثر من قد احتمال قوة الهضم ولم يستحكم هضمه تولد منه غذاء رديء. والنحو الثالث: تقديم ما ينبغي أن يقدم من الطعام وتأخير ما ينبغي أن يؤخر منه ومثل ذلك أنه ربما جمع الإنسان في أكلة واحدة طعاماً يلين البطن وطعماً يحبسه. فإن هو قدم الملين وأتبعه الآخر سهل انحدار الطعام منه ومتى قدم الطعام الحابس وأتبعه الملين لم ينحدر وفسدا جميعاً. وذلك أن الملين حال فيما بينه وبين النزول الطعام الحابس فبقي في المعدة بعد انهضامه ففسد به الطعام الآخر. ومتى كان الطعام الملين قبل الحابس انحدر الملين بعد انهضامه وسهل الطريق لانحدار الحابس. وكذلك أيضاً إن جمع أحد في أكلة واحدة طعاماً سريع الانهضام وآخر بطيء الانهضام فينبغي له أن يقدم البطيء الانهضام ويتبعه السريع الانهضام ليصير البطيء في قعر المعدة لأن قعر المعدة أسخن وهو أقوى على الهضم لكثرة ما فيه من أجزاء اللحم المخالطة له وأعلى المعدة عصبي بارد لطيف ضعيف الهضم. ولذلك إذا طفا الطعام على رأس المعدة لم ينهضم. والنحو الرابع: أن من يتناول الطعام الثاني بعد انحدار الأول وقد قدم قبله حركة كافية وأتبعه بنوم كاف استمرأه. ومن أخذ وقد بقي في معدته أو أمعائه بقية من الطعام الأول غير منهضمة فسد الطعام الثاني ببقية الأول.
باب الحركة والنوم
مع الطعام ومن أكل الطعام بعد حركة كافية وأخذه على حاجة من البدن إليه وافى الطعام الحرارة الغريزية بمنزلة النار إذا اشتعلت. ومن تناول طعاماً من غير حركة وأخذه على غير حاجة من البدن إليه وافى الطعام الحرارة الغريزية خامدة بمنزلة النار الكامنة في الزناد. ومن اتبع الطعام بنوم بطنت الحرارة الغريزية فيه فاجتمعت في باطن البطن فهضمت طعامه. ومن اتبع الطعام بحركة انحدر عن معدته غير منهضم وابنث في العروق غير مستحكم فأحدث سدداً وعللاً في الكبد والكلى وسائر الأعضاء. وربما كانت الأطعمة لضعف المعدة تطفو فيها وتصير في أعلاها فلا نأمره بالنوم حتى ينحدر الطعام على المعدة بعض الانحدار حتى يصير في قعر المعدة. وربما أمرنا بحركة يسيرة كما ذكرنا آنفاً لانحدار الطعام عن المعدة بعض الانحدار. وإن أكثر الشراب منع الطعام من الانهضام لأنه يحول فيما بين جرم المعدة وبين الطعام وإذا لم تلق المعدة الطعام لم تحله إلى مشاكلة البدن وموافقته فيبقى فيها غير منهضم فيجب لذلك على من أخذ الطعام أن يتناول معه من الشراب ما يسكن به جل العطش ويصبر على قدر احتماله من العطش ويصبر حتى ينهضم ثم يتناول بعد ذلك من الشراب ما أحب فإنه عند ذلك يعين على انحدار الطعام وترقيقه لتنفيذه في المجاري الدقاق. ويجب أيضاً أن يكون أخذه للطعام في وقت حركة الشهوة. وذلك أنه إذا تحركت الشهوة ولم يبادر بأخذ الطعام اجتذبت المعدة من فضول البدن ما صار في المعدة أبطل الشهوة وأفسد الطعام إذا خالطه. الأوقات التي يصلح فيها الطعام أجود الأوقات كلها الطعام: الأوقات الباردة لجمعها الحرارة في باطن البدن فأما الأوقات الحارة فينبغي أن يتجنب أخذ الطعام فيها لأن حرارة الهواء تجذب الحرارة الباطنة الغريزية إلى ظاهر البدن ويخلو منها باطنه فتضعف الحرارة في باطن البدن عن هضمه فلذلك كانت القدماء تفضل العشاء على الغداء لما يلحق العشاء من اجتماع الحرارة في باطن البدن لبرد الليل والنوم ولأن الحرارة في النوم تبطن وتسخن باطن البدن ويبرد ظاهره واليقظة على خلاف ذلك لأن الحرارة تنتشر في ظاهر البدن وتضعف في باطنه. والذي يحتاج إلى كثرة الغذاء من الناس من كان الغالب على بدنه الحرارة وكانت كبده لحرارتها سريعة التوليد للمرة الصفراء فلذلك يحتاج إلى الأطعمة الغليظة البطيئة الانهضام ويستمرئها ويستمرئ لحم البقر ولا يستمرئ لحم الدجاج وما أشبهه من الأطعمة الخفيفة. ولا يصلح شيء من هذه إلا في وقت تحرك الشهوة فإنه أفضل وقت يؤخذ فيه الطعام. وللعادة في هذا حظ عظيم ألا ترى أنه من اعتاد الغداء فتركه واقتصر على العشاء عظم ضرر ذلك عليه ومن كانت عادته أكلة واحدة فجعلها أكلتين لم يستمرئ طعامه ومن كانت عادته أن يجعل طعامه في وقت من الأوقات فنقله إلى غير ذلك الوقت أضر ذلك به وإن كان قد نقله إلى وقت محمود. فيجب لذلك أن يتبع العادة إذا تقادمت فطالت وإن كانت ليست بصواب إذا لم يحدث شيء اضطره إلى نقلها لأن العادة طبيعة ثانية كما ذكر الحكيم أبقراط. فإن حدث شيء يدعوه إلى الانتقال عنها فأوفق الأمور في ذلك أن ينتقل عنها قليلاً قليلاً. وللشهوة أيضاً في استمراء الطعام أعظم الحظ لأنها دليل على الموافقة والملاءمة فمتى كان طعامان مستويان في الجودة وكانت شهوة المحتاج إليهما أميل إلى أردئهما اخترناه على الأجود إذا لم نخف منه ضرراً أكثر مما ينال منه من المنفعة لحسن قبول المعدة له واستمرائها إياه. فقد بان أنه يحتاج في حسن استعمال الأغذية وجودة تخير الأطعمة إلى معرفة اختلاف الطبائع وحالاتها. فقد بينت اختلاف طبائع الأبدان وحالاتها وما يجب على كل واحد منها من أنواع الأطعمة والأشربة. وبقي أن نبقي اختلاف قوى الأطعمة والأشربة وأن أصف أنواع الأغذية وأسمي ما في كل صنف منها إن شاء الله تعالى. أنواع الأطعمة الأطعمة اللطيفة هي التي يتولد منها دم لطيف. فمنها لباب خبز الحنطة والحب المقشور ولحم الفراريج ولحم الدراج والطيهوج والحجل وأجنحة جميع الطيور وما لان لحمه من صغار السمك ولم تكن فيه لزوجة والقرع والماش وما أشبهه. وهذا الجنس من الأطعمة نافع لمن ليست له حركة وكانت الحرارة الغريزية في بدنه ضعيفة ولم يأمن أن يتولد في بدنه كيموس غليظ ويتولد في كبده أو طحاله سدد أو في كلاه أو في صدره أو في دماغه أو في شيء من مفاصله من البلغم. الأطعمة اللطيفة في نفسها الملطفة لغيرها هي التي يكون ما يتولد منها لطيفاً وتلطف ما تلقاه من الكيموس اللزج الغليظ في البدن. وهذا الجنس من الأطعمة أربعة أصناف: صنف منها حلو لطيف لما فيه من قوة الجلاء مثل ماء الشعير والبطيخ والتين اليابس والجوز والقسطل والعسل ما يعمل منه من الناطف. وهذا الجنس في منفعته من جنس الأول من الأطعمة اللطيفة إلا أنه أبلغ في تلطيف البدن. والصنف الثاني حار حريف: كالحرف والثوم والكراث والكرفس والكرنب والجرجير وهذا كله نافع لمن احتاج إلى فتح السدد التي في الكبد والطحال والصدر والدماغ وتقطيع البلغم وترقيقه. ولا ينبغي لأحد أن يكثر استعماله لأنه يرقق الدم أولاً ويصيره مائياً فيقل لذلك غذاء البدن. ويضعف ثم إنه يسخن البدن سخونة مفطرة فيصير أكثره مرة صفراء ثم إنه بعد ذلك إذا تمادى مستعمله في استعماله حلل لطيف الدم وترك غليظه فصار أكثر مرة سوداء وربما تولد من ذلك حجارة في الكلى. ومضرة هذا الصنف أشد ما تكون على من كانت المرة الصفراء غالبة عليه. والصنف الثالث: يذيب ويلطف بملوحته كالمري وما لان لحمه وقل شحمه من السمك إذا ملح والسلق وماء الجبن وكل ما جعل فيه من الأطعمة الملح والمري والبورق. ومنافع هذا النصف ومضاره قريبة من منافع الأشياء الحريفة ومضارها إلا أن هذا الصنف في تنقية المعدة والأمعاء وتليين الطبيعة أبلغ. والصنف الرابع: يقطع ويلطف بحموضته كالخل والسكنجبين وحماض الأترج وماء الرمان الحامض وكل ما يتخذ بها من الأطعمة. وهذا الصنف نافع لمن كان معدته وسائر بدنه حاراً إذا تولد فيها البلغم من غلظ ما يتناول من الأغذية ومن كثرتها. منها البصل والجزر والفجل والسلجم وما أشبه ذلك. فهذه الأطعمة في نفسها غليظة وتلطف ما تلقى من الشيء الغليظ بما فيها من الحدة والحرافة وهي تولد كيموساً غليظاً. ومتى ما طبخ شيء منها أو شوي ذهب عنه قوة الحرافة والتقطيع وبقي جرمه غليظاً رديئاً وقد يتناول للمنفعة بتقطيع هذه الأطعمة وتلطيفها ويسلم من غلظ جرمها على إحدى ثلاث جهات: إما أن تطبخ فتلطف كالذي يفعل بالبصل وإما أن تعصر أو تطبخ ثم يستعمل ماؤها وإما أن تؤكل نيئة فتقطع البلغم كالذي يفعل بها جميعاً. الأطعمة الغليظة الغالب على الأطعمة الغليظة كلها اليبس واللزوجة. فمنها شيء يكون اليبس واللزوجة من طبعه. ومنها ما يكتسب اليبس من غيره. فالذي يكون اليبس من طبعه العدس ولحم الأرانب والبلوط والشاه بلوط والكمأة والباقلي المقلو. هذه كلها غليظة لأن اليبس في طبائعها. وأما الذي يكتسب اليبس من غيره فالكبود والبيض المسلوق والمشوي وما قلي منه واللبن المطبوخ طبخاً كثيراً والضروع وعصير العنب المطبوخ لا سيما إن كان العصير غليظاً. فهذه كلها غليظة لأن الحرارة بالطبخ أحدثت لها يبساً وانعقاداً. وأما لحوم الإبل ولحوم التيوس ولحوم البقر والكروش والأمعاء فإنها غليظة بصلابتها. وكذلك الترمس وثمر الصنوبر والسلجم واللوبيا وما خبز على الفرن فإن ظاهره غليظ لما أحدثت له النار من اليبس وباطنه غليظ لما فيه من اللزوجة. وكذلك كل ما لم يجود عجنه أو خبزه أو إنضاجه من خبز التنور وكل ما خبز على الطابق بدهن أو غيره والسمن والفطر والشهد واللبن والأدمغة فإنها كلها غليظة للزوجة فيها طبيعية. وأما الفالوذج فإنه غليظ للزوجته والانعقاد الحادث له من الطبخ. وأما الباذنجان فإنه غليظ لليبس وللزوجة في طبعه. وأما الخبز فإنه غليظ لاجتماع الحالات الثلاث فيه. فأما السمك الصلب اللزج فإنهغليظ لاجتماع الصلابة واللزوجة فيه. وأما الآذان والشفاه وأطراف العضل فإنها تولد كيموساً لزجاً ليس بالغليظ وقد تولد ما يعرض من الأغذية الباردة عن هضمها وتلطيفها كالذي يعرض من أكل الفاكهة قبل نضجها ومن أكل الخيار والقثاء وشحم الأترج واللبن الحامض. فهذه الأطعمة الغليظة كلها إن صادفت بدناً حاراً كثير التعب قليل الطعام كثير النوم بعد الطعام انهضمت وغذت البدن غذاء كثيراً نافعاً وقوته تقوية كثيرة. وأحمد ما تستعمل هذه الأغذية في الشتاء لاجتماع الحرارة في باطن البدن وطول النوم ومتى أحس أحد في بدنه نقصاناً بيناً. وإن أكلها من يجد الحرارة في بدنه قليلة ولا سيما في معدته وتعبه قليل ونومه بعد الطعام قليل لم يستحكم انهضامها وتولد منها في البدن كيموس غليظ حار يابس يتولد منه سدد في الكبد والطحال. فلذلك ينبغي لمن أكل طعاماً غليظاً من غير حاجة إليه لعلة أو شهوة أن يقل منه ولا يفرده ولا يدمنه. وما كان من الأطعمة الغليظة له مع غلظه لزوجة فهو أغذاها للبدن فإن لم تنهضم فهو أكثرها توليداً للسدد. الأطعمة المتوسطة المتوسطة بين الغلظة واللطيفة تصلح لمن كان بدنه معتدلاً صحيحاً ولم يكن تعبه كثيراً. وأجود الأغذية له المتوسط لأنها لا تنهكه ولا تضعفه كاللطيفة ولا تولد خاماً ولا سدداً كالغليظة وهي كل ما أحكم صنعه من الخبز ولحوم البقر والدجاج والجداء والحولية من الماعز. وأما لحوم الخرفان والضأن كلها فرطبة لزجة. وأما لحم فراخ الحمام والقطا فهي تولد دماً سخناً وأغلظ من الدم المعتدل. وأما فراخ الوراشين فإنها مثل فراخ الحمام والقطا والإوز فأجنحتها معتدلة وسائر البدن كثير الفضول. وكل ما كثرت حركته من الطير وكان مرعاه في موضع جيد الغذاء صافي الهواء كان أجود غذاء وألطف. وكل ما كان على خلاف ذلك فهو أردأ غذاء وأوسخ. وكل ما لم يستحكم نضجه من البيض وخاصة ما ألقي على الماء الحر وأخذ من قبل أن يشتد فهو معتدل. وكل ما كان من لحم السمك ليس بصلب ولا كثير اللزوجة والزهومة وكان مرعاه ماء نقياً من الأوساخ والحمأة فهو معتدل جيد الغذاء. ومن الفواكه التين والعنب إذا استحكم نضجهما على الشجر وأسرعت الانحدار إلى الجوف كان ما يتولد منها معتدلاً فإن لم تسرع الانحدار فلا خير فيها. ومن البقول الهندبا والخس والهليون. ومن الأشربة ما كان لونه ياقوتياً صافياً ولم يكن عتيقاً جداً. الأطعمة الحارة يحتاج إليها من كان الغالب عليه البرودة وفي الأوقات الباردة والبلاد الباردة. وينبغي أن يجتنبها من كان حار البدن وفي الأوقات الحارة وفي البلاد الحارة. منها الحنطة المطبوخة والخبز المتخذ من الحنطة والحمص والحلبة والسمسم والشهدانج والعنب الحلو والكرفس والجرجير والفجل والسلجم والخردل والثوم والبصل والكراث والخمر العتيق. وأسخن الأشربة الحارة العتيق الأصفر. الأطعمة الباردة ينبغي أن يستعملها من كان حار البدن وفي الأوقات الحارة والبلد الحار. وهي الشعير وكل ما يتخذ منه والجاورس والدخن والقرع والبطيخ والخيار والقثاء والإجاص والخوخ والجمار وما بين الحموضة والعفوصة من العنب والزبيب والطلع والبلح والخس والهندبا والبقلة الحمقاء والخشخاش والتفاح والكمثرى والرمان. فما كان من الرمان عفصا فهو بارد غليظ وما كان حامضاً فهو بارد لطيف. فأما الخل فهو بارد لطيف وهو ضار بالعصب. وما كان أيضاً من الشراب عفصا هو أقل حرارة وما كان من ذلك حديثاً غليظاً فهو بارد. الأطعمة اليابسة يحتاج إلى الأطعمة اليابسة من كان الغالب على بدنه الرطوبة وفي الأوقات الرطبة وللبلد الرطب. منها العدس والكرنب والسويق وكل ما يشوى ويطبخ ويقلى وكل ما أكثر فيه السذاب والمري والخل والأبزار والخردل ولحم المسن من جميع الحيوان. الأطعمة الرطبة يحتاج إلى الأطعمة الرطبة من أفرط عليه اليبس وفي الأوقات اليابسة والبلد اليابس. وهي: الشعير والقرع والبطيخ والقثاء والخيار والجوز الرطب والعنب والنبق والإجاص والتوت والجمار والخس والبقلة اليمانية والقطف والباقلاء الرطب والحمص الرطب واللوبيا الرطبة وكل ما يطبخ بالماء ويسلق به وثقل فيه الأبزار والخل والمري والسذاب وجيمع لحوم صغار الحيوان. الأطعمة القليلة الفضول أجنحة الطيور وأكارع المواشي ورقابها وما يربى في البر من الحيوان في المواضع الجافة. الأطعمة الكثيرة الفضول منها لحم الأوز خلا الأجنحة والأكباد كلها من جميع الحيوان والنخاع والدماغ والطيور التي في الفيافي والآجام والحمص الطري والباقلاء الطري ولحم الضأن ولحم المراضع من كل الحيوان ولحم كل ساكنٍ غير سريع النهوض وما كان من السمك على ما ذكرنا صلباً لرجاً. الأطعمة التي غذاؤها كثير كل ما غلظ من الأطعمة إذا نهضم غذى غذاءً كثيراً. وكل ما كان له فضول كان غذاؤه كثيراً. وقد يحتاج إلى الأطعمة الكثيرة الغذاء من احتاج إلى أن يأخذ طعاماً قليلاً يغذي غذاءً كثيراً كالناقة والمسافر وكالذي يثقل معدته الكثير من الطعام وبدنه يحتاج إلى عذاء كثير. فمن ذلك لحم البقر والأدمغة والأفئدة وحواصل الطير كلها والسمك الغليظ اللوح والسميد والباقلاء والحمص واللوبيا والترمس والعدس والتمر والبلوط والشاه بلوط والسلجم تغذو غذاءً كثيراً لغلظها. واللبن الحليب والشراب الأحمر. وغذاء اللبن كله أغلظه وأرقه ٌل غذاء. وأغلظ اللبن لبن البقر ولبن النعاج وأرقه لبن الأتن وألبان اللقاح. وألبان الماعز متوسطة بين ذلك. وأغذى الأشربة النبيذ الغليظ الحلو ثم الغليظ الأسود الحلو ثم الغليظ الأبيض الحلو ثم من بعد هذه الأشربة العفصة الحلوة. وكلما مال إلى الحمرة والحلاوة كان أغذى. والأبيض أقلها غذاء. الأطعمة التي غذاؤها قليل كل ما كان من الأطعمة لطيفاً كان غذاؤه قليلاً وكل ما أفرط فيه اليبس أو الرطوبة أو كثرة الفضل قل غذاؤه كالأكارع والكروش والمصارين والشحم والآذان والرئة ولحم الطير كله. وما ملح من الحيوان قليل الغذاء لليبس الذي فيه. وكذلك الزيتون والفستق والجوز واللوز والبندق والغبيرا والزعرور والخروب والبطم والكمثرى العفص والزبيب العفص فإنما قل غذاؤه للعفوصة. وأما السمك والقرع والرمان والتوت والإجاص والمشمش فإنما قل غذاؤها لكثرة رطوبيتها. وغذؤها غير باقٍ سريع التحلل. وأما خبز الشعير والخشكار والباقلاء الرطب وجميع البقول مثل الكرنب والسلق والحماض والبقلة الحمقاء والفجل والخردل والحرف والجزر فقليلة الغذاء لكثرة الفضل فيها. وأما البصل والثوم والكراث فإنها إذا أكلت نيئة لم تغذ. وإذا طبخت غذت غذاءً يسيراً. وأما التين والعنب فإنهما بين ما قل غذاؤه وما كثر غذاؤه. الأطعمة التي تولد كيموسا جيداً كل ما كان معتدلاً من الأطعمة لم تفرط فيه قوة ولا تجاوزت القدرة فيه ولد دماً خالصاً نقياً صحيحاً. وكل ما كان كذلك فهو موافق لجميع الأبدان وفي جميع الأوقات وهو لجميع الأبدان المعتدلة في الأوقات المعتدلة أوفق لأن ما تجاوز الاعتدال من الأبدان يحتاج من الأطعمة إلى ما فيه قوة تجاوز الاعتدال وكذلك الأبدان المعتدلة التي ليست بمعتدلة. وفي الأطعمة المعتدلة ما هو غليظ وما هو لطيف وما هو بين ذلك. وأجودها لجميع الناس ما كان معتدلاً منها بين الغليظ واللطيف. وقد وصفنا الأطعمة الغليظة واللطيفة والمتوسطة ومتى يصلح كل صنف منها. فبقي علينا أن نخبر بجملة الأطعمة المولدة الكيموس الجيد وقسمتها على ما قسمناها. فمن ذلك: خبز الحنطة النقي المحكم الصنعة إن كان من يومه ولحم الدجاج والجداء وحولية الماعز وما كان من السمك ليس بصلب ولا كثير اللزوجة وما لم يكن له زهومة وما لم يكن له سمن كثير وما كان مرعاه في ماء ليس فيه أوساخ ولا حمأة ولم يكن سريع العفونة وكل ما اشتد واستحكم نضجه من البيض وكل شراب طيب الريح ياقوتي اللون ليس فيه حلاوة وكل ذلك يولد كيموساً معتدلاً بين اللطيف والغليظ. وأما الدراج والفراريج وأجنحة جميع الطير وما صغر من السمك وكان مرعاه على ما وصفنا وما ألقى عليه من السمك الملح فصار رخصا وذهبت لزوجته وأما كشك الشعير والشراب الطيب الرائحة الأحمر. فكل ذلك جيد الكيموس لطيف. وأما اللبن الحليب فإنه جيد الكيموس إلا أن فيه غلظاً. ولذلك ربما تجبن في المعدة. فلهذه العلة يخلط به العسل والملح ويرق بالماء. وأجود اللبن وأعدله لبن الماعز لأنه ألطف من لبن الضأن والبقر وأغلظ من لبن الأتن واللقاح. وينبغي للبن أن يؤخذ من حيوانٍ صحيح شاب جيد الغذاء. ولا يستحب في وقت ما يضع الحيوان ولا بعد ذلك بزمان طويل لأن اللبن من الحيوان في وقت ما يضع غليظ ثم يرق بعد ذلك قليلاً قليلاً حتى يصير مائياً فلذلك كان أوله وآخره ردئياً. وأجود ما يؤخذ اللبن ساعة يحلب قبل أن يغيره الهواء لأنه سريع الاستحالة. وأما الخشكار من الخبز الرطب وكل ما لم تحكم صنعته من خبز السميد وخبز الفرن ولحم العجل ومن أجزاء الغنم: الضرع والكبد والفؤاد ومن الحبوب الباقلاء ومن الشراب ما كان طيب الرائحة حلواً فكل ذلك يولد كيموساً غليظاً جداً. الأطعمة التي تولد كيموساً رديئاً كل ما لم يكن معتدلاً من الأغذية لم يولد دماً خالصاً صافياً. والأطعمة الرديئة الكيموس ثلاثة أصناف: منها ما يزيد في البلغم ومنها ما يزيد في الصفراء ومنها ما يزيد في السوداء. وينبغي لجميع الناس أن يتجنبوا الإكثار منها وإدمان استعمالها وإن كانوا لها مستمرئين لأنها وإن لم يتبين لها ضرر في عاجل الأمر يجتمع منها في بدن مدمن استعمالها مع طول الزمان كيموس رديء يولد أمراضاً رديئة. وأولى الناس بتجنب كل صنف من أصنافها من كان الغالب على فأقول: إن كل ما يتخذ من الخبز من دقيق كثير النخالة أو ما عتق من الحنطة رديء الكيموس يزيد في السوداء. ولحم الضأن كله يزيد في البلغم ولحم الماعز المسن كله يزيد في السوداء وأردؤه لحم التيوس. ولحم البقر والجزور والأرانب والظباء والأيايل كل هذا يزيد في السوداء وشر هذه اللحوم لحم الجزور وبعده لحم التيوس لا سيما ما لم يخص منها وبعده لحم المسن من الضأن وبعده لحم البقر. وكل ما خصي من هذه كان أجود غذاء. وأما لحوم الأرانب والظباء والأيايل فهو دون جميع ما ذكرنا في الرداءة. ومن أعضاء جميع الحيوان الكلى رديئة الكيموس لزهومتها وما استفادت من رداءة البول. والدماغ يزيد في البلغم وكل البطون تزيد في البلغم لكثرة الفضول فيها. والبيض المطجن يولد غذاء غليظاً فاسداً وكذلك الجبن ولا سيما ما عتق منه. والعدس يزيد في السوداء. والدخن والجاورس يولدان دماً غليظاً. وما صلب لحمه من السمك وغلبت عليه اللزوجة يولد البلغم فإن ملح وعتق ولد السوداء. والتين اليابس إن أكثر أكله ولد فضلاً عفناً يكثر منه القمل. والكمثرى والتفاح إن أكلا غير نضيجين ولدا كيموساً رديئاً بارداً. كذلك القثاء والخيار. فأما البطيخ والقرع فربما انهضما ولم يحدثا في البدن حدثاً رديئاً وربما فسدا في المعدة فولدا كيموساً ردئياً ولا سيما إن صادفا في المعدة فضلاً رديئاً فلذلك تعرض الهيضة كثيراً لمن أكل البطيخ. والبقول كلها رديئة الكيموس لكثرة الفضل فيها وقلة الغذاء. وأما البصل والثوم والكراث والفجل والجزر والسلجم فرديئة لما فيها من الحرارة والحرافة وربما زادت في الصفراء وربما زادت في السوداء أيضاً كما ذكرت آنفاً إلا أنها أن طبخت وصب ماؤها وطبخت بماءٍ ثان ذهبت الحرافة والرداءة عنها. والباذروج يسخن الدم ويجففه تجفيفاً شديداً. والكرنب يولد السوداء وكذلك جميع البقول الرديئة. الأطعمة المتوسطة الكيموس وهي بين ما يولد الكيموس الجيد وما يولد الكيموس الردي فمنها خبز الخشكار ولحم الخصيان من المعز والضأن. ومن الأعضاء: اللسان والأمعاء والذنب. ومن الفاكهة: العنب والبطيخ والمعلق من العنب أجود والتين اليابس مع الجوز والشاهبلوط ومن البقول الخس وبعده الهندبا وبعده الخبازى وبعده القطف والبقلة الحمقاء اليمانية والحماض وما لم يكن الأطعمة السريعة الانهضام وإنما يسرع الانهضام لأحد وجهين: فالوجه الأول منهما إذا كانت الأطعمة غير يابسة كالعدس ولا صلبة كالترمس ولا لزجة كالحنطة ولا خشنة كالسمسم ولا كريهة كالسذاب ولا كثيرة الفضول كالأرز ولا يغلب عليها برد شديد كاللبن الحامض ولا حر شديد كالعسل. والوجه الثاني: لطبيعة البطن المستمرئ لها وذلك لأحد وجهين: الأول موافقة الأغذية ومشاكلة الأبدان الطبيعية كالأطعمة التي يشتهيها ويلذها الإنسان فقد تجد الناس يختلفون في شهواتهم ويستمرئ كل واحدٍ منهم ما شهوته إليه أميل وإن كان الذي لا يشتهيه أحمد من الذي يشتهيه. والوجه الثاني: لمزاج عارض يصادف من الطعام مضادة كالذي ترى أن من غلب عليه الحر لعلةٍ من العلل كان للأطعمة الباردة أسد استمراء لما تطفئ من حرارة البدن وتعدله. ومن غلب عليه البرد استمرأ الحار ولم يستمرئ البارد. ومن رطب بدنه أو معدته استمرأ الأطعمة الجافة ولم يستمرئ الرطبة ومن عرض له اليبس خلاف ذلك. فقد بان بما ذكرناه أن الأطعمة اللطيفة والمتوسطة في نفسها سريعة الانهضام. وقد يجوز أن تكون الأطعمة الغليظة أسرع انهضاماً في بعض الأبدان أيضاً. فقشر الخبز المحكم ولحم الدجاج والفراريج والدراج والحجل وكبود الإوز وأجنحتها سريعة الانهضام. وفي الجملة: الجناح من كل طائر أسرع انهضاماً من سائره. وليس الطير كله بأسرع انهضاماً من المواشي. وكل ما كان من الحيوان يابساً فصغيره أسرع انهضاماً. وكذلك لحم العجاجيل أسرع انهضاماً من لحم البقر ولحم الجدي الحولي أسرع انهضاماً من لحم المسن من الماعز. وكل ما كان من الحيوان أرطب فكبيره من قبل أن يشتد أسرع انهضاماً من صغيره. ألا ترى أن الحولي من الضأن أسرع انهضاماً من الخروف وكل ما كان مرعاه في المواضع اليابسة أسرع انهضاماً مما كان مرعاه في المواضع الرطبة. وكل ما كان جرمه متخلخلاً فهو أسرع انهضاماً مما كان جرمه متلززاً. ولذلك كان الجوز أسرع انهضاماً من البندق. والبيض الحار امرأ من البيض البارد. والشراب الحلو أمرأ من العفص. الأطعمة البطيئة الانهضام وإنما يعسر الانهضام من الطبيعة في الطعام إذا كان يابساً أو صلباً أو لزجاً أو ملتززاً أو كثير الدسم أو كثير الفضول أو كريه الطعم أو الحرافة فيه مفرطة أو البرد أو الحر أو مخالفاً للمزاج الطبيعي إذا لم يشته. فلحم البقر ولحم الإبل والكروش والأمعاء والأوز والآذان من جميع الحيوان والجبن والبيض البارد عسرة الانهضام ليبسها وصلابتها. وكذلك من الطير الوراشين والفواخت والطواويس. والقوانص من جميع الطير عسرة الانهضام. ومن الحبوب: الأرز والترمس والعدس والدخن والجاورس والبلوط والشاهبلوط. وأما لحم التيوس وأكارع البقر فعسرة الانهضام لزهومتها وكراهتها. وأما لحم الضأن والكبود من جميع الحيوان والإوز فلكثرة الفضول فيها وأما الجبن الحامض فلبرده. وأما الحنطة المسلوقة فللزوجتها وتلززها. وأما الباقلاء واللوبياء - كثرة النفخ فيها. وأما السمسم فلكثرة دهنه. وأما العنب والتين وسائر الفواكه إذا لم يستحكم نضجها والأتراج والباذروج والسلجم والجوز والشراب الحديث الغليظ فلكثرة الفضول فيه. الأطعمة الضارة للمعدة السلق رديء للذعه أياها ولما فيه من الحدة البورقية والباذروج والسلجم ما لم يستقص طبخهما للذع فيهما. والبقلة اليمانية والقطف للزوجتهما فلذلك ينبغي أن يؤكلا بالخل والمري. والحلبة رديئة للمعدة للذعها إياها والسمسم رديء للمعدة للزوجته وكثرة دهنه واللبن لسرعة استحالته في المعدة والعسل ما أكثر منه لذع المعدة وأغثاها. والبطيخ أيضاً يغثي وإذا لم ينضج في المعدة ولد كيموساً رديئاً فينبغي بعد أكل البطيخ أن يأكل طعاماً كثيراً جيد الكيموس. والأدمغة أيضاً كلها رديئة للمعدة فلذلك ينبغي أن تؤكل بالصعتر والفودنج البري والخردل والملح. وكذلك أيضاً المخاخ. والنبيذ الحديث الغليظ الأسود العفض يسرع الحموضة في المعدة ويغثي. الأطعمة التي تفسد في المعدة المشمش والسمسم والنون والبطيخ إذا لم يسرع انحدارها عن المعدة وصادفت فيها كيموساً رديئاً أسرع إليها الفساد. فيجب أن تؤكل قبل الطعام والمعدة نقية ليسرع انحدارها عنها ويسهل الطريق لما يؤكل بعدها من الطعام فإن أكلت بعد الطعام فسدت لبقائها في المعدة وأفسدت سائر الطعام بفسادها وربما بلغ الفساد بها إلى أن تصير بمنزلة السم القاتل. الأطعمة التي لا يسرع إليها الفساد في المعدة من كان يفسد طعامه في معدته فأجود الأطعمة له ما كان غليظاً بطئ الانحدار مثل لحم البقر الأطعمة الملينة المسهلة للبطن كل ما كان من الأطعمة فيه حلاوةٌ أو حدة أو لزوجة. فمن ذلك ماء العدس وماء الكرنب يلينان البطن وجرمهما يمسك البطن وكذلك مرقة الديوك العتيقة وخبز الخشكار وماء الحلبة مع العسل وزيتون الماء إذا كان قبل الطعام مع مريٍ لين البطن فإن كان أيضاً بعد الطعام بلا مري فإنه يقوي المعدة على دفع الطعام لعفوصته. وكذلك ما عمل منه بالخل. وكل طعام عفصٍ فإنه دابغ للمعدة مقوٍ لها. فأما اللبن وماء الجبن فيلينان البطن ولا سيما إذا خلط به الملح. ولحم الصغير من الحيوان والسلق والقطف والبقلة اليمانية والقرع والبطيخ والتين والزبيب الحلو والتوت الحلو والجوز الرطب والإجاص الرطب والسكنجبين والنبيذ الحلو ملين للبطن. الأطعمة التي تحبس البطن إذا كان الطعام ينحدر عن المعدة قبل انهضامه احتجنا إلى الأطعمة الممسكة الحابسة للبطن. وكل ما غلب عليه من الأطعمة اليبس أو العفوصة أو الغلظ كالسفرجل والكمثرى وحب الآس وثمر العوسج وجرم العدس والبلوط والشاهبلوط. والنبيذ العفص يمسك البطن لعفوصته وقبضه. والجاورس والدخن وسويق الشعير تمسك البطن بيبوستها. ولحم الأرانب والكرنب المطبوخ بعد صب مائه الأول عنه ثم يطبخ بماءٍ ثان فإنه يمسك البطن بيبسه. واللبن المطبوخ والجبن كلاهما يمسك البطن لغلظه. وذلك أن يطبخ اللبن حتى تفني مائيته ويبقي جرمه وربما ولد سدداً في الكبد وحجارة في الكلى. وأما الأشياء الحامضة كالتفاح الحامض والرمان الحامض فإن صادفت في المعدة كيموساً غليظاً قطعته وحدرته ولينت البطن وإن صادفت المعدة نقية أمسكت البطن. الأطعمة التي تولد السدد اللبن الغليظ والجبن ربما أحدثا سدداً في الكبد وحجارة في الكلى لمن أكثر استعمالها وكان كلاه وكبده مستعدة لقبول الآفات. وجميع الأطعمة الحلوة رديئة للكبد والطحال فإذا أكل معها الفوذنج الجبلي والصعتر والفلفل فتح سدد الكبد والطحال. والرطب والتمر وجميع ما يتخذ من الحنطة سوى الخبز الجيد الصنعة والأشربة الحلوة أيضاً تولد سدداً في الكبد وحجارة في الكلى وتغلظ الطحال. ماء الكشك كشك الشعير يجلو المعدة ويفتح السدد. والحلبة والبطيخ والزبيب الحلو والباقلاء والحمص الأسود ينقي الكلى ويفتت الحجارة المتولدة فيها. والكبر بالخل والعسل إذا أكل قبل الطعام فإنه يجلو وينقي المعدة والأمعاء ويفتح السدد. والسلق أيضاً يجلو ويفتح السدد في الكبد ولا سيما إذا أكل بالخردل. والبصل والثوم والكراث والفجل يقطع ويلطف الكيموس الغليظ. والتين رطبه ويابسه يجلو وينقي الكلى. واللوز كله ولا سيما المر منه فإنه يجلو ويلطف ويفتح سدد الكبد والطحال ويعين على نفث الرطوبة من الصدر والرئة. والفستق يقوي الكبد ويفتح سددها. وعسل النحل حارٌ يابس وماء العسل يلطف البصاق الغليظ ويعين على نفثه. والسكنجبين يلطف ويقطع الرطوبة الغليظة. ويفتح سدد الكبد والطحال وينقي الصدر والرئة. والنبيذ اللطيف إذا كانت له حدة وحرافة يصفي اللون وينقي العروق من الكيموس الغليظ وينتفع به من كان يجد في بدنه كيموساً غليظاًبارداً. وأما النبيذ الرقيق المائي فإنه يعين على نفث الرطوبة من الرئة بتقويته الأعضاء وتلطيفه لما بها من الفضل الغليظ وقد يفعل ذلك النبيذ الحلو. الأطعمة التي تنفخ الحمص والباقلاء ولا سيما إن طبخ بقشره فإن طبخ مقشراً أو مسحوقاً كان أقل نفخاً وإن قلي أيضاً كان أقل نفخاً. وبعد هذه اللوبياء والماش والعدس والشعير إذا لم ينعم طبخها. والنعناع والأنجذان والحلتيت والتين الرطب يولد نفخاً إلا أنه يتحلل سريعاً لسرعة انحداره. وما استحكم نضجه من التين والعنب كان أقل نفخاً. ويابس التين أقل نفخاً من رطبه. واللبن يولد رياحاً في المعدة. والعسل إذا طبخ ونزعت رغوته قل نفخه. والنبيذ الحلو العفص يولد نفخاً. ما يذهب النفخ من الأطعمة كل الطعام نافخٍ إذا أحكمت صنعته وأجيد طبخه وإنضاجه قل نفخه.