→ الإخبار عن الوليد بن يزيد بما فيه له من الوعيد الشديد | البداية والنهاية – الجزء السادس ذكر الإخبار عن خلفاء بني أمية ابن كثير |
الإخبار عن دولة بني العباس ← |
قال يعقوب بن سفيان: ثنا أحمد بن محمد أبو محمد الزرقي، ثنا الزنجي - يعني: مسلم بن خالد - عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: « رأيت في المنام بني الحكم أو بني أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة ».
قال: فما رآني رسول الله ﷺ مستجمعا ضاحكا حتى توفي.
وقال الثوري: عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب قال: رأى رسول الله ﷺ بني أمية على منابرهم فساءه ذلك، فأوحي إليه إنما هي دنيا أعطوها فقرت به عينه وهي قوله: { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } [الإسراء: 60] .
يعني: بلاء للناس، علي بن زيد بن جدعان ضعيف، والحديث مرسل أيضا.
وقال أبو داود الطيالسي: ثنا القاسم بن الفضل - هو الحدائي - ثنا يوسف بن مازن الراسبي قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال: يا مسود وجوه المؤمنين.
فقال الحسن: لا تؤنبني - رحمك الله - فإن رسول الله ﷺ رأى بني أمية يخطبون على منبره رجلا رجلا فساءه ذلك، فنزلت: « إنا أعطيناك الكوثر » - يعني: نهرا في الجنة ونزلت: « إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر » يملكه بنو أمية.
قال القاسم: فحسبنا ذلك فإذا هو ألف شهر لا يزيد يوما ولا ينقص يوما.
وقد رواه الترمذي وابن جرير الطبري والحاكم في مستدركه والبيهقي في دلائل النبوة كلهم من حديث القاسم بن الفضل الحذاء، وقد وثقه يحيى بن سعيد القطان، وابن مهدي عن يوسف بن سعد ويقال: يوسف بن مازن الراسبي.
وفي رواية ابن جرير عيسى بن مازن قال الترمذي: وهو رجل مجهول وهذا الحديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، فقوله: إن يوسف هذا مجهول مشكل، والظاهر أنه أراد أنه مجهول الحال فإنه قد روى عنه جماعة: منهم حماد بن سلمة، وخالد الحذاء، ويونس بن عبيد.
وقال يحيى بن معين: وهو مشهور وفي رواية عنه قال: هو ثقة فارتفعت الجهالة عنه مطلقا.
قلت: ولكن في شهوده قصة الحسن ومعاوية نظر وقد يكون أرسلها عمن لا يعتمد عليه والله أعلم.
وقد سألت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي رحمه الله عن هذا الحديث، فقال: هو حديث منكر وأما قول القاسم بن الفضل رحمه الله: إنه حسب دولة بني أمية فوجدها ألف شهر لا تزيد يوما ولا تنقصه فهو غريب جدا وفيه نظر وذلك لأنه لا يمكن إدخال دولة عثمان بن عفان رضي الله عنه وكانت اثنتا عشرة سنة في هذه المدة لا من حيث الصورة، ولا من حيث المعنى وذلك أنها ممدوحة لأنه أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين الذين قضوا بالحق، وبه كانوا يعدلون وهذا الحديث إنما سيق لذم دولتهم وفي دلالة الحديث على الذم نظر وذلك أنه دل على أن ليلة القدر خير من ألف شهر التي هي دولتهم، وليلة القدر ليلة خيرة عظيمة المقدار والبركة كما وصفها الله تعالى به فما يلزم من تفضيلها على دولتهم ذم دولتهم فليتأمل هذا فإنه دقيق يدل على أن الحديث في صحته نظر لأنه إنما سيق لذم أيامهم والله تعالى أعلم.
وأما إذا أراد أن ابتداء دولتهم منذ ولي معاوية حين تسلمها من الحسن بن علي فقد كان ذلك سنة أربعين، أو إحدى وأربعين، وكان يقال له: عام الجماعة لأن الناس كلهم اجتمعوا على إمام واحد وقد تقدم الحديث في صحيح البخاري عن أبي بكرة أنه سمع رسول الله ﷺ يقول للحسن بن علي: « إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين » فكان هذا في هذا العام، ولله الحمد والمنة.
واستمر الأمر في أيدي بني أمية من هذه السنة إلى سنة اثنتين وثلاثين ومائة حتى انتقل إلى بني العباس كما سنذكره، ومجموع ذلك اثنتان وتسعون سنة، وهذا لا يطابق ألف شهر لأن معدل ألف شهر ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، فإن قال: أنا أخرج منها ولاية ابن الزبير وكانت تسع سنين فحينئذ يبقى ثلاث وثمانون سنة، فالجواب أنه وإن خرجت ولاية ابن الزبير فإنه لا يكون ما بقي مطابقا لألف شهر تحديدا بحيث لا ينقص يوما ولا يزيده كما قاله بل يكون ذلك تقريبا هذا وجه الثاني أن ولاية ابن الزبير كانت بالحجاز والأهواز والعراق في بعض أيامه، وفي مصر في قول، ولم تنسلب يد بني أمية من الشام أصلا، ولا زالت دولتهم بالكلية في ذلك الحين الثالث أن هذا يقتضي دخول دولة عمر بن عبد العزيز في حساب بني أمية ومقتضى ما ذكره أن تكون دولته مذمومة، وهذا لا يقوله أحد من أئمة الإسلام وإنهم مصرحون بأنه أحد الخلفاء الراشدين، حتى قرنوا أيامه تابعة لأيام الأربعة وحتى اختلفوا في أيهما أفضل هو أو معاوية ابن أبي سفيان أحد الصحابة.
وقد قال أحمد بن حنبل: لا أرى قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز، فإذا علم هذا فإن أخرج أيامه من حسابه انخرم حسابه، وإن أدخلها فيه مذمومة خالف الأئمة، وهذا ما لا محيد عنه وكل هذا مما يدل على نكارة هذا الحديث والله أعلم.
وقال نعيم بن حماد: حدثنا سفيان عن العلاء ابن أبي العباس سمع أبا الطفيل سمع عليا يقول: لا يزال هذا الأمر في بني أمية ما لم يختلفوا بينهم.
حدثنا ابن وهب عن حرملة بن عمران، عن سعد بن سالم، عن أبي سالم الجيشاني سمع عليا يقول: الأمر لهم حتى يقتلوا قتيلهم ويتنافسوا بينهم فإذا كان ذلك بعث الله عليهم أقواما من المشرق يقتلوهم بددا ويحصروهم عددا، والله لا يملكون سنة إلا ملكنا سنتين ولا يملكون سنتين إلا ملكنا أربعا.
وقال نعيم بن حماد: حدثنا الوليد بن مسلم عن حصين بن الوليد، عن الزهري بن الوليد سمعت أم الدرداء سمعت أبا الدرداء يقول: إذا قتل الخليفة الشاب من بني أمية بين الشام والعراق مظلوما ما لم تزل طاعة يستخف بها ودم مسفوك بغير حق - يعني: الوليد ابن يزيد - ومثل هذه الأشياء إنما تقال عن توقيف.