→ خبر دومة الجندل | البداية والنهاية – الجزء السادس خبر وقعتي الحصيد والمضيح ابن كثير |
وقعة الفراض ← |
قال سيف: عن محمد وطلحة والمهلب قالوا: وكان خالد أقام بدومة الجندل فظن الأعاجم به وكاتبوا عرب الجزيرة فاجتمعوا لحربه، وقصدوا الأنبار يريدون انتزاعها من الزبرقان وهو نائب خالد عليها، فلما بلغ ذلك الزبرقان كتب إلى القعقاع بن عمرو نائب خالد على الحيرة، فبعث القعقاع أعبد ابن فدكي السعدي وأمره بالحصيد، وبعث عروة ابن أبي الجعد البارقي وأمره بالخنافس، ورجع خالد من دومة إلى الحيرة وهو عازم على مصادمة أهل المدائن محلة كسرى، لكنه يكره أن يفعل ذلك بغير إذن أبي بكر الصديق، وشغله ما قد اجتمع من جيوش الأعاجم مع نصارى الأعراب يريدون حربه، فبعث القعقاع بن عمرو أميرا على الناس فالتقوا بمكان يقال له: الحصيد وعلى العجم رجل منهم يقال له: روزبه، وأمده أمير آخر يقال له: زرمهر فاقتتلوا قتالا شديدا وهزم المشركون، فقتل منهم المسلمون خلقا كثيرا، وقتل القعقاع بيده زرمهر، وقتل رجل يقال له: عصمة بن عبد الله الضبي رزوبه، وغنم المسلمون شيئا كثيرا وهرب من هرب من العجم، فلجأوا إلى مكان يقال له: خنافس فسار إليهم أبو ليلى ابن فدكي السعدي، فلما أحسوا بذلك ساروا إلى المضيح، فلما استقروا بها بمن معهم من الأعاجم والأعارب قصدهم خالد بن الوليد بمن معه من الجنود، وقسم الجيش ثلاث فرق وأغار عليهم ليلا وهم نائمون، فأنامهم ولم يفلت منهم إلا اليسير، فما شبهوا إلا بغنم مصرعة.
وقد روى ابن جرير عن عدي بن حاتم قال: انتهينا في هذه الغارة إلى رجل يقال له: حرقوص بن النعمان النمري وحوله بنوه وبناته وامرأته وقد وضع لهم جفنة من خمر وهم يقولون: أحد يشرب هذه الساعة وهذه جيوش خالد قد أقبلت؟
فقال لهم: إشربوا شرب وداع، فما أرى أن تشربوا خمرا بعدها، فشربوا وجعل يقول:
ألا يا اسقياني قبل نائرة الفجر * لعل منايانا قريب ولا ندري
القصيدة إلى آخرها.
قال: فهجم الناس عليه فضرب رجل رأسه فإذا هو في جفنته، وأخذت بنوه وبناته وامرأته، وقد قتل في هذه المعركة رجلان كانا قد أسلما ومعهما كتاب من الصديق بالأمان، ولم يعلم بذلك المسلمون، وهما: عبد العزى ابن أبي رهم بن قرواش قتله جرير بن عبد الله البجلي، والآخر لبيد بن جرير قتله بعض المسلمين، فلما بلغ خبرهما الصديق وداهما، وبعث بالوصاة بأولادهما، وتكلم عمر بن الخطاب في خالد بسببهما، كما تكلم فيه بسبب مالك بن نويرة.
فقال له الصديق: كذلك يلقى من يساكن أهل الحرب في ديارهم، أي الذنب لهما في مجاورتهما المشركين.
وهذا كما في الحديث « أنا بريء من كل من ساكن المشرك في داره ».
وفي الحديث الآخر « لا ترى نارهما » أي لا يجمتع المسلمون والمشركون في محلة واحدة.
ثم كانت وقعة الثنى، والزميل، وقد بيتوهم فقتلوا من كان هنالك من الأعراب والأعاجم فلم يفلت منهم أحد ولا انبعث بخبر، ثم بعث خالد بالخمس من الأموال والسبي إلى الصديق، وقد اشترى علي ابن أبي طالب من هذا السبي جارية من العرب وهي ابنة ربيعة بن بجير التغلبي فاستولدها عمر، ورقية - رضي الله عنهم أجمعين -.