→ إخباره صلى الله عليه وسلم لما وقع من الفتن من بني هاشم | البداية والنهاية – الجزء السادس الإخبار بمقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما ابن كثير |
الإخبار عن وقعة الحرة التي كانت في زمن يزيد ← |
وقد ورد في الحديث بمقتل الحسين فقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد بن حسان، ثنا عمارة - يعني: ابن زاذان - عن ثابت، عن أنس قال: استأذن ملك المطر أن يأتي النبي ﷺ فأذن له.
فقال لأم سلمة: « إحفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد » فجاء الحسين بن علي فوثب حتى دخل فجعل يصعد على منكب النبي ﷺ فقال له الملك: أتحبه؟
فقال النبي - ﷺ -: « نعم ».
قال: فإن أمتك تقتله وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه.
قال: فضرب بيده فأراه ترابا أحمر فأخذت أم سلمة ذلك التراب فصرته في طرف ثوبها.
قال: فكنا نسمع يقتل بكربلاء.
ورواه البيهقي من حديث بشر بن موسى عن عبد الصمد، عن عمارة فذكره، ثم قال: وكذلك رواه سفيان بن فروخ عن عمارة وعمارة بن زاذان هذا هو الصيدلاني أبو سلمة البصري اختلفوا فيه وقد قال فيه أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بالمتين.
وضعفه أحمد مرة ووثقه أخرى وحديثه هذا قد روي عن غيره من وجه آخر.
فرواه الحافظ البيهقي من طريق عمارة بن عرفة عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها نحو هذا.
وقد قال البيهقي: أنا الحاكم في آخرين قالوا: أنا الأصم، أنا عباس الدوري، ثنا محمد بن خالد بن مخلد، ثنا موسى بن يعقوب عن هاشم بن هاشم، عن عتبة ابن أبي وقاص، عن عبد الله بن وهب بن زمعة، أخبرتني أم سلمة أن رسول الله ﷺ اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو حائر ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت منه في المرة الأولى، ثم اضطجع واستيقظ وفي يده تربة حمراء وهو يقلبها.
فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟
فقال: « أخبرني جبريل أن هذا يقتل بأرض العراق - للحسين - قلت له: يا جبريل أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها ».
ثم قال البيهقي: تابعه أبو موسى الجهني عن صالح بن يزيد النخعي، عن أم سلمة وأبان، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة.
وقال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: ثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي، ثنا الحسين بن عيسى، ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان الحسين جالسا في حجر النبي ﷺ.
فقال جبريل: أتحبه؟
فقال: « وكيف لا أحبه وهو ثمرة فؤادي؟ »
فقال: أما إن أمتك ستقتله ألا أريك من موضع قبره؟ فقبض قبضة فإذا تربة حمراء.
ثم قال البزار: لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد، والحسين بن عيسى قد حدث عن الحكم بن أبان بأحاديث لا نعلمها عند غيره.
قلت: هو الحسين بن عيسى بن مسلم الحنفي أبو عبد الرحمن الكوفي أخو سليم القاري.
قال البخاري: مجهول - يعني: مجهول الحال - وإلا فقد روى عنه سبعة نفر.
وقال أبو زرعة: منكر الحديث.
وقال أبو حاتم: ليس بالقوي روي عن الحاكم بن أبان أحاديث منكرة، وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال ابن عدي: قليل الحديث وعامة حديثه غرائب وفي بعض أحاديثه منكرات.
وروى البيهقي عن الحكم وغيره، عن أبي الأحوص، عن محمد بن الهيثم القاضي، ثنا محمد بن مصعب، ثنا الأوزاعي، عن أبي عمار شداد بن عبد الله، عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول الله - ﷺ فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة.
قال: « وما هو؟ »
قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري.
قال: « رأيت خيرا تلك فاطمة إن شاء الله تلد غلاما فيكون في حجرك » فولدت فاطمة الحسين، فكان في حجري كما قال رسول الله ﷺ فوضعته في حجره ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله ﷺ تهريقان الدموع، قالت: قلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي مالك؟
قال: « أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا ».
فقلت: هذا؟
قال: « نعم وأتاني بتربة من ترتبه حمراء ».
وقد روى الإمام أحمد عن عفان، عن وهيب، عن أيوب، عن صالح أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث، عن أم الفضل قالت: أتيت رسول الله ﷺ فقلت: إني رأيت في منامي أن في بيتي أو حجري عضوا من أعضائك؟
قال: « تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فتكفلينه » فولدت له فاطمة حسينا فدفعته إليها فأرضعته بلبن قثم، فأتيت به رسول الله ﷺ يوما أزوره فأخذه فوضعه على صدره فبال فأصاب البول إزاره، فزخخت بيدي على كتفيه.
فقال: « أوجعت ابني - أصلحك الله - » أو قال: « رحمك الله ».
فقلت: أعطني إزارك أغسله.
فقال: « إنما يغسل بول الجارية ويصب على بول الغلام ».
ورواه أحمد أيضا عن يحيى بن بكير، عن إسرائيل، عن سماك، عن قابوس بن مخارق، عن أم الفضل فذكر مثله سواء وليس فيه الإخبار بقتله فالله أعلم.
وقال الأمام أحمد: حدثنا عفان، ثنا حماد، أنا عمار ابن أبي عمارة عن ابن عباس قال: رأيت النبي ﷺ فيما يرى النائم بنصف النهار وهو قائل أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا؟
قال: « دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم ».
قال: فأحصينا ذلك اليوم فوجدوه قتل في ذلك اليوم رضي الله عنه.
قال قتادة: قتل الحسين يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وله أربع وخمسون سنة وستة أشهر ونصف الشهر.
وهكذا قال الليث وأبو بكر ابن عياش الواقدي والخليفة بن خياط وأبو معشر وغير واحد: إنه قتل يوم عاشوراء عام إحدى وستين، وزعم بعضهم أنه قتل يوم السبت والأول أصح.
وقد ذكروا في مقتله أشياء كثيرة أنها وقعت من كسوف الشمس يومئذ وهو ضعيف، وتغيير آفاق السماء ولم ينقلب حجر إلا وجد تحته دم، ومنهم من خصص ذلك بحجارة بيت المقدس، وأن الورس استحال رمادا، وأن اللحم صار مثل العلقم، وكان فيه النار إلى غير ذلك مما في بعضها نكارة وفي بعضها احتمال والله أعلم.
وقد مات رسول الله ﷺ وهو سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ولم يقع شيء من هذه الأشياء، وكذلك الصديق بعده مات ولم يكن شيء من هذا، وكذا عمر بن الخطاب قتل شهيدا وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر، وحصر عثمان في داره وقتل بعد ذلك شهيدا، وقتل علي ابن أبي طالب شهيدا بعد صلاة الفجر ولم يكن شيء من هذه الأشياء والله أعلم.
وقد روى حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمارة، عن أم سلمة أنها سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي وهذا صحيح.
وقال شهر بن حوشب: كنا عند أم سلمة فجاءها الخبر بقتل الحسين فخرت مغشيا عليها، وكان سبب قتل الحسين أنه كتب إليه أهل العراق يطلبون منه أن يقدم إليهم ليبايعوه بالخلافة وكثر تواتر الكتب عليه من العامة ومن ابن عمه مسلم بن عقيل، فلما ظهر على ذلك عبيد الله بن زياد نائب العراق ليزيد بن معاوية فبعث إلى مسلم بن عقيل يضرب عنقه ورماه من القصر إلى العامة فتفرق ملؤهم وتبددت كلمتهم، هذا وقد تجهز الحسين من الحجاز إلى العراق ولم يشعر بما وقع فتحتمل بأهله ومن أطاعه وكانوا قريبا من ثلاثمائة وقد نهاه عن ذلك جماعة من الصحابة منهم أبو سعيد وجابر، وابن عباس، وابن عمر فلم يطعهم، وما أحسن ما نهاه ابن عمر عن ذلك واستدل له على أنه لا يقع ما يريده فلم يقبل.
فروى الحافظ البيهقي من حديث يحيى بن سالم الأسدي، ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه قال: سمعت الشعبي يقول: كان ابن عمر قدم المدينة فأخبر أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة قال: أين تريد؟
قال: العراق - ومعه طوامير وكتب -.
فقال: لا تأتهم.
فقال: هذه كتبهم وبيعتهم.
فقال: إن الله خير نبيه ﷺ بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا وإنكم بضعة من رسول الله ﷺ والله لا يليها أحد منكم أبدا وما صرفها عنكم إلى الذي هو خير منكم، فارجعوا.
فأبى وقال: هذه كتبهم وبيعتهم.
قال: فاعتنقه ابن عمر وقال: أستودعك الله من قتيل.
وقد وقع ما فهمه عبد الله بن عمر من ذلك سواء من أنه لم يل أحد من أهل البيت الخلافة على سبيل الإستقلال ويتم له الأمر.
وقد قال ذلك: عثمان بن عفان، وعلي ابن أبي طالب، إنه لا يلي أحد من أهل البيت أبدا.
ورواه عنهما أبو صالح الخليل بن أحمد بن عيسى بن الشيخ في كتابه الفتن والملاحم.
قلت: وأما الخلفاء الفاطميون الذين كانوا بالديار المصرية فإن أكثر العلماء على أنهم أدعياء، وعلي ابن أبي طالب ليس من أهل البيت ومع هذا لم يتم له الأمر كما كان للخلفاء الثلاثة قبله، ولا اتسعت يده في البلاد كلها ثم تنكدت عليه الأمور، وأما ابنه الحسن رضي الله عنه فإنه لما جاء في جيوشه وتصافى هو وأهل الشام ورأى أن المصلحة في ترك الخلافة تركها لله عز وجل، وصيانة لدماء المسلمين أثابه الله رضي الله عنه وأما الحسين رضي الله عنه فإن ابن عمر لما أشار عليه بترك الذهاب إلى العراق وخالفه، اعتنقه مودعا وقال: أستودعك الله من قتيل، وقد وقع ما تفرسه ابن عمر، فإنه لما استقل ذاهبا بعث إليه عبيد الله بن زياد بكتيبة فيها أربعة آلاف يتقدمهم عمرو بن سعد ابن أبي وقاص، وذلك بعد ما استعفاه فلم يعفه، فالتقوا بمكان يقال له: كربلاء بالطف، فالتجأ الحسين ابن علي وأصحابه إلى مقصبة هنالك وجعلوها منهم بظهر، وواجهوا أولئك وطلب منهم الحسين إحدى ثلاث: إما أن يدعوه يرجع من حيث جاء، وإما أن يذهب إلى ثغر من الثغور فيقاتل فيه، أو يتركوه حتى يذهب إلى يزيد بن معاوية فيضع يده في يده فيحكم فيه بما شاء، فأبوا عليه واحدة منهن، وقالوا: لا بد من قدومك على عبيد الله بن زياد فيرى فيك رأيه، فأبى أن يقدم عليه أبدا، وقاتلهم دون ذلك فقتلوه رحمه الله وذهبوا برأسه إلى عبيد الله بن زياد فوضعوه بين يديه، فجعل ينكت بقضيب في يده على ثناياه وعنده أنس بن مالك جالس، فقال له: يا هذا إرفع قضيبك قد طال ما رأيت رسول الله يقبل هذه الثنايا.
ثم أمر عبيد الله بن زياد أن يسار بأهله ومن كان معه إلى الشام إلى يزيد بن معاوية، ويقال: أنه بعث معهم بالرأس حتى وضع بين يدي يزيد فأنشد حينئذ قول بعضهم:
نفلق هاما من رجال أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأظلما
ثم أمر بتجهيزهم إلى المدينة النبوية، فلما دخلوها تلقتهم امرأة من بنات عبد المطلب ناثرة شعرها، واضعة كفها على رأسها تبكي وهي تقول:
ماذا تقولون إن قال النبي لكم * ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي * منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم * أن تخلفوني بشر في ذوي رحمي
وسنورد هذا مفصلا في موضعه إذا انتهينا إليه إن شاء الله، وبه الثقة وعليه التكلان.
وقد رثاه الناس بمراث كثيرة ومن أحسن ذلك ما أورده الحاكم أبو عبد الله النيسابوري - وكان فيه تشيع -:
جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد * متزملا بدمائه تزميلا
فكأنما بك يا ابن بنت محمد * قتلوا جهارا عامدين رسولا
قتلوك عطشانا ولم يترقبوا * في قتلك التنزيل والتأويلا
ويكبرون بأن قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا