→ ذكر الإخبار عن خلفاء بني أمية | البداية والنهاية – الجزء السادس الإخبار عن دولة بني العباس ابن كثير |
الإخبار عن الأئمة الاثني عشر الذين كلهم من قريش ← |
وكان ظهورهم من خراسان في سنة اثنتين وثلاثين ومائة.
قال يعقوب بن سفيان: حدثني محمد بن خالد بن العباس، ثنا الوليد بن مسلم، حدثني أبو عبد الله عن الوليد بن هشام المعيطي، عن أبان بن الوليد بن عقبة ابن أبي معيط قال: قدم عبد الله بن عباس على معاوية وأنا حاضر فأجازه، فأحسن جائزته ثم قال: يا أبا العباس هل لكم في دولة؟
فقال: إعفني يا أمير المؤمنين.
فقال: لتخبرني.
قال: نعم فأخبره.
قال: فمن أنصاركم؟
قال: أهل خراسان، ولبني أمية من بني هاشم بطحات رواه البيهقي.
وقال ابن عدي: سمعت ابن حماد، أنا محمد بن عبده ابن حرب، ثنا سويد بن سعيد، أنا حجاج بن تميم عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس قال: مررت بالنبي ﷺ وإذا معه جبريل - وأنا أظنه دحية الكلبي - فقال جبريل للنبي ﷺ: إنه لوسخ الثياب، وسيلبس ولده من بعده السواد، وذكر تمام الحديث في ذهاب بصره ثم عوده إليه قبل موته.
قال البيهقي: تفرد به حجاج بن تميم وليس بالقوي.
وقال البيهقي: أنا الحاكم، ثنا أبو بكر بن إسحاق وأبو بكر بن بالونة في آخرين قالوا: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا يحيى بن معين، ثنا عبيد الله ابن أبي قرة، ثنا الليث بن سعيد، عن أبي فضيل، عن أبي ميسرة مولى العباس قال: سمعت العباس قال: كنت عند النبي ﷺ ذات ليلة فقال: « إنظر هل ترى في السماء من شيء؟ »
قلت: نعم.
قال: « ما ترى؟ »
قلت: الثريا.
قال: « إما إنه سيملك هذه الأمة بعددها من صلبك ».
قال البخاري: عبيد ابن أبي قرة بغدادي سمع الليث لا يتابع على حديثه في قصة العباس.
وروى البيهقي من حديث محمد بن عبد الرحمن العامري - وهو ضعيف - عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال للعباس: « فيكم النبوة وفيكم الملك ».
وقال أبو بكر ابن خيثمة: ثنا يحيى بن معين، ثنا سفيان عن عمرو ابن دينار، عن أبي معبد قال: قال ابن عباس: كما فتح الله بأولنا فأرجو أن يختمه بنا، هذا إسناد جيد وهو موقوف على ابن عباس من كلامه.
وقال يعقوب بن سفيان: حدثني إبراهيم بن أيوب، ثنا الوليد، ثنا عبد الملك بن حميد عن أبي عتبة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير قال: سمعت ابن عباس ونحن نقول: اثنا عشر أميرا واثنا عشر، ثم هي الساعة، فقال ابن عباس: ما أحمقكم إن منا أهل البيت بعد ذلك المنصور، والسفاح، والمهدي يرفعها إلى عيسى بن مريم وهذا أيضا موقوف.
وقد رواه البيهقي من طريق الأعمش عن الضحاك، عن ابن عباس مرفوعا: منا السفاح، والمنصور، المهدي، وهذا إسناد ضعيف، والضحاك لم يسمع من ابن عباس شيئا على الصحيح فهو منقطع والله أعلم.
وقد قال عبد الرزاق: عن الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة ابن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول الله ﷺ: « يقتتل عند كيركم هذه ثلاثة كلهم ولد خليفة لا يصير إلى واحد منهم ثم تقبل الرايات السود من خراسان، فيقتلونهم مقتلة لم يروا مثلها ثم يجيء خليفة الله المهدي فإذا سمعتم فأتوه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي ».
أخرجه ابن ماجه عن أحمد بن يوسف السلمي ومحمد بن يحيى الذهلي، كلاهما عن عبد الرزاق به.
ورواه البيهقي من طرق عن عبد الرزاق ثم قال: تفرد به عبد الرزاق.
قال البيهقي: ورواه عبد الوهاب بن عطاء عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أسماء موقوفا.
ثم قال البيهقي: أنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا محمد بن غالب، ثنا كثير بن يحيى، ثنا شريك عن علي بن زيد، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول الله ﷺ: « إذا أقبلت الرايات السود من عقب خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي ».
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا الفضل بن سهل، ثنا عبد الله بن داهر الرازي، ثنا أبي عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن إبراهيم، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ﷺ ذكر فتية من بني هاشم فاغرورقت عيناه وذكر الرايات، قال: « فمن أدركها فليأتها ولو حبوا على الثلج ».
ثم قال: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الحكم إلا ابن أبي ليلى، ولا نعلم يروى إلا من حديث داهر بن يحيى - وهو من أهل الرأي صالح الحديث - وإنما يعرف من حديث يزيد ابن أبي زياد عن إبراهيم.
وقال الحافظ أبو يعلى: ثنا أبو هشام بن يزيد بن رفاعة، ثنا أبو بكر ابن عياش، ثنا يزيد ابن أبي زياد عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال: قال رسول الله ﷺ: « تجيء رايات سود من قبل المشرق تخوض الخيل الدم إلى أن يظهروا العدل ويطلبون العدل فلا يعطونه، فيظهرون فيطلب منهم العدل فلا يعطونه » وهذا إسناد حسن.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن غيلان وقتيبة بن سعيد قالا: ثنا رشد بن سعد، قال يحيى بن غيلان: في حديثه، قال: حدثني يونس بن يزيد عن ابن شهاب، عن قبيصة - هو ابن ذؤيب الخزاعي - عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ أنه قال: « يخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء حتى تنصب بأيليا ».
وقد رواه الترمذي عن قتيبة به، وقال: غريب.
ورواه البيهقي والحاكم من حديث عبد الله ابن مسعود عن رشدين بن سعد.
وقال البيهقي: تفرد به رشدين بن سعد، وقد روي قريب من هذا عن كعب الأحبار ولعله أشبه والله أعلم.
ثم روى من طريق يعقوب بن سفيان حدثنا محمد عن أبي المغيرة عبد القدوس، عن إسماعيل بن عياش، عمن حدثه، عن كعب الأحبار قال: تظهر رايات سود لبني العباس حتى ينزلوا بالشام ويقتل الله على أيديهم كل جبار وكل عدو لهم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عثمان ابن أبي شيبة، ثنا جرير عن الأعمش، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: « يخرج عند انقطاع من الزمان وظهور زمن الفتن رجل يقال له: السفاح فيكون إعطاؤه المال حثوا ».
ورواه البيهقي عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الصمد، عن أبي عوانة، عن الأعمش به، وقال فيه: « يخرج رجل من أهل بيتي يقال له: السفاح » فذكره وهذا الإسناد على شرط أهل السنن ولم يخرجوه، فهذه الأخبار في خروج الرايات السود من خراسان وفي ولاية السفاح وهو أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، وقد وقعت ولايته في حدود سنة ثلاثين ومائة، ثم ظهر بأعوانه ومعهم الرايات السود وشعارهم السواد.
كما دخل رسول الله ﷺ مكة يوم الفتح وعلى رأسه المعفر وفوقه عمامة سوداء ثم بعث عمه عبد الله لقتال بني أمية فكسرهم في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وهرب من المعركة آخر خلفائهم وهو مروان بن محمد بن مروان ويلقب بمروان الحمار، ويقال له: مروان الجعدي لاشتغاله على الجعد بن درهم فيما قيل ودخل عمه دمشق واستحوذ على ما كان لبني أمية من الملك، والأملاك، والأموال، وجرت خطوب كثيرة سنوردها مفصلة في موضعها إن شاء الله تعالى.
وقد ورد عن جماعة من السلف في ذكر الرايات السود التي تخرج من خراسان بما يطول ذكره وقد استقصى ذلك نعيم بن حماد في كتابه، وفي بعض الروايات ما يدل على أنه لم يقع أمرها بعد وأن ذلك يكون في آخر الزمان كما سنورده في موضعه إن شاء الله تعالى وبه الثقة وعليه التكلان.
وقد روى عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري قال: قال رسول الله ﷺ: « لا تقوم الساعة حتى تكون الدنيا للكع بن لكع ».
قال أبو معمر: هو أبو مسلم الخراساني - يعني: الذي أقام دولة بني العباس - والمقصود أنه تحولت الدولة من بني أمية إلى بني العباس في هذه السنة وكان أول قائم منهم أبو العباس السفاح، ثم أخوه أبو جعفر عبد الله المنصور باني مدينة السلام ثم من بعده ابنه المهدي محمد بن عبد الله ثم من بعده ابنه الهادي، ثم ابنه الآخر هارون الرشيد، ثم انتشرت الخلافة في ذريته على ما سنفصله إذا وصلنا إلى تلك الأيام، وقد نطقت هذه الأحاديث التي أوردناها آنفا بالسفاح، والمنصور، والمهدي، ولا شك أن المهدي الذي هو ابن المنصور ثالث خلفاء بني العباس ليس هو المهدي الذي وردت الأحاديث المستفيضة بذكره وأنه يكون في آخر الزمان، يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.
وقد أفردنا للأحاديث الواردة فيه جزءا على حدة كما أفرد له أبو داود كتابا في سننه، وقد تقدم في بعض هذه الأحاديث آنفا، أنه يسلم الخلافة إلى عيسى بن مريم إذا نزل إلى الأرض والله أعلم.
وأما السفاح فقد تقدم أنه يكون في آخر الزمان فيبعد أن يكون هو الذي بويع أول خلفاء بني العباس، فقد يكون خليفة آخر وهذا هو الظاهر فإنه قد روى نعيم بن حماد عن ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن عمرو المعافري من قدوم الحميري سمع نفيع بن عامر يقول: يعيش السفاح أربعين سنة اسمه في التوراة طائر السماء.
قلت: وقد تكون صفة للمهدي الذي يظهر في آخر الزمان لكثرة ما يسفح أي يريق من الدماء لإقامة العدل، ونشر القسط، وتكون الرايات السود المذكورة في هذه الأحاديث إن صحت هي التي تكون مع المهدي ويكون أول ظهور بيعته بمكة، ثم تكون أنصاره من خراسان كما وقع قديما للسفاح والله تعالى أعلم.
هذا كله تفريع على صحة هذه الأحاديث، وإلا فلا يخلو سند منها عن كلام والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.