→ باب زهده عليه السلام وإعراضه عن هذه الدار | البداية والنهاية – الجزء السادس حديث بلال في ذلك ابن كثير |
ومن تواضعه عليه الصلاة والسلام ← |
قال البيهقي: ثنا أبو الحسين ابن بشران، أنا أبو محمد بن جعفر بن نصير، ثنا إبراهيم بن عبد الله البصري، ثنا بكار بن محمد، أنا عبد الله بن عون عن ابن سيرين، عن أبي هريرة أن رسول الله دخل على بلال فوجد عنده صبرا من تمر قال: « ما هذا يا بلال؟ »
قال: تمر أدخره.
قال: « ويحك يا بلال، أو ما تخاف أن تكون له بحار في النار! أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا ».
قال البيهقي بسنده عن أبي داود السجستاني، وأبي حاتم الرازي، كلاهما عن أبي ثوبة الربيع بن نافع، حدثني معاوية بن سلام عن زيد بن سلام، حدثني عبد الله الهوريني قال: لقيت بلالا مؤذن رسول الله ﷺ بحلب.
فقلت: يا بلال حدثني كيف كانت نفقة رسول الله -ﷺ -؟
فقال: ما كان له شيء إلا أنا الذي كنت ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفي، فكان إذا أتاه الإنسان المسلم فرآه عائلا يأمرني، فأنطلق فأستقرض فأشتري البردة والشيء فأكسوه وأطعمه، حتى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا بلال إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني ففعلت، فلما كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة فإذا المشرك في عصابة من التجار، فلما رآني قال: يا حبشي.
قال: قلت: يا لبيه، فتجهمني وقال قولا عظيما أو غليظا.
وقال: أتدري كم بينك وبين الشهر؟
قلت: قريب.
قال: إنما بينك وبينه أربع ليال فآخذك بالذي لي عليك، فإني لم أعطك الذي أعطيتك من كرامتك، ولا من كرامة صاحبك، وإنما أعطيتك لتصير لي عبدا، فأذرك ترعى في الغنم كما كنت قبل ذلك.
قال: فأخذني في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس، فانطلقت فناديت بالصلاة حتى إذا صليت العتمة، ورجع رسول الله ﷺ إلى أهله فاستأذنت عليه، فأذن لي.
فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إن المشرك الذي ذكرت لك أني كنت أتدين منه قد قال: كذا وكذا، وليس عندك ما يقضي عني ولا عندي، وهو فاضحي، فأذن لي أن آتي إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا حتى يرزق الله رسوله ﷺ ما يقضي عني، فخرجت حتى أتيت منزلي فجعلت سيفي وحرابي، ورمحي، ونعلي عند رأسي، فاستقبلت بوجهي الأفق فكلما نمت انتبهت، فإذا رأيت علي ليلا نمت، حتى انشق عمود الصبح الأول فأردت أن أنطلق فإذا إنسان يدعو يا بلال أجب رسول الله ﷺ، فانطلقت حتى آتيه فإذا أربع ركائب عليهم أحمالهن، فأتيت رسول الله فاستأذنت.
فقال لي رسول الله: « أبشر فقد جاءك الله بقضاء دينك ».
فحمدت الله.
وقال: « ألم تمر على الركائب المناخات الأربع؟ »
قال: قلت: بلى.
قال: « فإن لك رقابهن وما عليهن - فإذا عليهن كسوة، وطعام، أهداهن له عظيم فدك - فاقبضهن إليك، ثم إقض دينك ».
قال: ففعلت، فحططت عنهن أحمالهن، ثم علفتهن ثم عمدت إلى تأذين صلاة الصبح، حتى إذا صلى رسول الله ﷺ خرجت إلى البقيع، فجعلت إصبعي في أذني فقلت: من كان يطلب من رسول الله ﷺ دينا فليحضر، فما زلت أبيع وأقضي وأعرض حتى لم يبق على رسول الله ﷺ دين في الأرض، حتى فضل عندي أوقيتان، أو أوقية ونصف، ثم انطلقت إلى المسجد وقد ذهب عامة النهار فإذا رسول الله ﷺ قاعد في المسجد وحده فسلمت عليه.
فقال لي: « ما فعل ما قبلك؟ »
قلت: قد قضى الله كل شيء كان على رسول الله - ﷺ - فلم يبق شيء.
قال: « فضل شيء؟ »
قلت: نعم ديناران.
قال: « أنظر أن تريحني منهما، فلست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منهما »
فلم يأتينا أحد، فبات في المسجد حتى أصبح، وظل في المسجد اليوم الثاني، حتى إذا كان في آخر النهار، جاء راكبان فانطلقت بهما فكسوتهما وأطعمتهما، حتى إذا صلى العتمة دعاني.
فقال: « ما فعل الذي قبلك؟ »
قلت: قد أراحك الله منه، فكبر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثم اتبعته حتى جاء أزواجه فسلم على امرأة امرأة، حتى أتى مبيته، فهذا الذي سألتني عنه.
وقال الترمذي في الشمائل: حدثنا هارون بن موسى ابن أبي علقمة المديني، حدثني أبي عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب أن رجلا جاء إلى رسول الله ﷺ فسأله أن يعطيه.
فقال: « ما عندي ما أعطيك ». ولكن ابتع علي شيئا فإذا جاءني شيء قضيته.
فقال عمر: يا رسول الله قد أعطيته فما كلفك الله ما لا تقدر عليه.
فكره النبي ﷺ قول عمر.
فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا.
فتبسم رسول الله ﷺ وعرف التبسم في وجهه لقول الأنصاري.
وقال: « بهذا أمرت ».
وفي الحديث: « ألا إنهم ليسألوني ويأبى الله على البخل ».
وقال يوم حنين حين سألوه قسم الغنائم: « والله لو أن عندي عدد هذه العضاه نعما لقسمتها فيكم، ثم لا تجدوني بخيلا، ولا ضانا، ولا كذابا » ﷺ.
وقال الترمذي: ثنا علي بن حجر، ثنا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ بن عمر قالت: أتيت رسول الله بقناع من رطب، وأجرز عنب، فأعطاني ملء كفيه حليا أو ذهبا.
وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن مطرف، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي ﷺ قال: « كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر متى يؤمر ».
قال المسلمون: يا رسول الله فما نقول؟
قال: قولوا: { حسبنا الله ونعم الوكيل } [آل عمران: 173] ، { على الله توكلنا } [الأعراف: 89] .
ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة، عن مطرف ومن حديث خالد بن طهمان، كلاهما عن عطية، وأبي سعيد العوفي البجلي، وأبو الحسن الكوفي عن أبي سعيد الخدري.
وقال الترمذي: حسن.
قلت: وقد روي من وجه آخر عنه، ومن حديث ابن عباس كما سيأتي في موضعه.