→ باب تكثيره عليه السلام الأطعمة | البداية والنهاية – الجزء السادس تكثيره عليه السلام السمن لأم سليم ابن كثير |
قصة أخرى في تكثير الطعام في بيت فاطمة ← |
قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا شيبان، ثنا محمد بن زيادة البرجمي عن أبي طلال، عن أنس، عن أمه قال: كانت لها شاة فجمعت من سمنها في عكة فملأت العكة ثم بعثت بها مع ربيبة فقالت: يا ربيبة أبلغي هذه العكة رسول الله ﷺ يأتدم بها.
فانطلقت بها ربيبة حتى أتت رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله هذه عكة سمن بعثت بها إليك أم سليم، قال: « أفرغوا لها عكتها » ففرغت العكة فدفعت إليها، فانطلقت بها وجاءت وأم سليم ليست في البيت، فعلقت العكة على وتد، فجاءت أم سليم فرأت العكة ممتلئة تقطر فقالت أم سليم: يا ربيبة أليس أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله؟
فقالت: قد فعلت فإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله - ﷺ -، فانطلقت ومعها ربيبة فقالت: يا رسول الله إني بعثت معها إليك بعكة فيها سمن.
قال: « قد فعلت، قد جاءت ».
قالت: والذي بعثك بالحق، ودين الحق، إنها لممتلئة تقطر سمنا.
قال: فقال لها رسول الله ﷺ: « يا أم سليم أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه؟ كلي وأطعمي ».
قالت: فجئت إلى البيت فقسمت في قعب لنا وكذا وكذا، تركت فيها ما ائتدمنا به شهرا أو شهرين.
حديث آخر في ذلك:
قال البيهقي: أنا الحاكم، أنا الأصم، ثنا عباس الدوري، ثنا علي بن بحر القطان، ثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرماني، عن يوسف بن خالد، عن أوس بن خالد، عن أم أوس البهزية قالت: سليت سمنا لي فجعلته في عكة فأهديته لرسول الله فقبله، وترك في العكة قليلا ونفخ فيها، ودعا بالبركة ثم قال: « ردوا عليها عكتها » فردوها عليها وهي مملوءة سمنا.
قالت: فظننت أن رسول الله لم يقبلها، فجاءت ولها صراخ فقالت: يا رسول الله إنما سليته لك لتأكله، فعلم أنه قد استجيب له.
فقال: « إذهبوا فقولوا لها: فلتأكل سمنها، وتدعو بالبركة ».
فأكلت بقية عمر النبي ﷺ وولاية أبي بكر وولاية عمر، وولاية عثمان حتى كان من أمر علي ومعاوية ما كان.
حديث آخر:
روى البيهقي عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن عبد الأعلى بن المسور القرشي، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي هريرة قال: كانت امرأة من دوس يقال لها: أم شريك أسلمت في رمضان، فذكر الحديث في هجرتها وصحبة ذلك اليهودي لها، وأنها عطشت فأبى أن يسقيها حتى تهود، فنامت فرأت في النوم من يسقيها فاستيقظت وهي ريانة، فلما جاءت رسول الله قصت عليه القصة، فخطبها إلى نفسها فرأت نفسها أقل من ذلك وقالت: بل زوجني من شئت.
فزوجها زيدا وأمر لها بثلاثين صاعا وقال: « كلوا ولا تكيلوا » وكانت معها عكة سمن هدية لرسول الله فأمرت جاريتها أن تحملها إلى رسول الله ففرغت، وأمرها رسول الله إذا ردتها أن تعلقها ولا توكئها، فدخلت أم شريك فوجدتها ملآى فقالت للجارية: ألم آمرك أن تذهبي بها إلى رسول الله؟
فقالت: قد فعلت، فذكروا ذلك لرسول الله فأمرهم أن لا يوكئوها، فلم تزل حتى أوكتها أم شريك، ثم كالوا الشعير فوجدوه ثلاثين صاعا لم ينقص منه شيء.
حديث آخر في ذلك:
قال الإمام أحمد: ثنا حسن، ثنا ابن لهيعة، ثنا أبو الزبير عن جابر أن أم مالك البهزية كانت تهدي في عكة لها سمنا للنبي ﷺ، فبينما بنوها يسألونها الإدام وليس عندها شيء، فعمدت إلى عكتها التي كانت تهدي فيها إلى النبي ﷺ فقال: « أعصرتيه؟ »
فقلت: نعم.
قال: « لو تركتيه ما زال ذلك مقيما ».
ثم روى الإمام أحمد بهذا الإسناد عن جابر، عن النبي ﷺ أنه أتاه رجل يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه هو وامرأته وضيف لهم حتى كالوه فقال رسول الله ﷺ: « لو لم تكيلوه لأكلتم فيه، ولقام لكم ».
وقد روى هذين الحديثين مسلم من وجه آخر عن أبي الزبير، عن جابر.
ذكر ضيافة أبي طلحة الأنصاري رسول الله ﷺ
قال البخاري: ثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟
قالت: نعم، فأخرجت أقراصا من شعير، ثم أخرجت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت يدي ولاثتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله ﷺ.
قال: فذهبت به فوجدت رسول الله ﷺ في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم.
فقال لي رسول الله ﷺ: « أرسلك أبو طلحة؟ »
فقلت: نعم.
قال: « بطعام؟ »
قلت: نعم.
فقال رسول الله ﷺ لمن معه: « قوموا » فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته.
فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله ﷺ والناس، وليس عندنا ما نطعمهم.
فقلت: الله ورسوله أعلم، فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله ﷺ، فأقبل رسول الله ﷺ وأبو طلحة معه فقال رسول الله: « هلم يا أم سليم ما عندك؟ » فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله - ﷺ - ففت، وعصرت أم سليم عكة فآدمته، ثم قال رسول الله فيه ما شاء الله أن يقول ثم قال: « إئذن لعشرة » فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا.
ثم قال: « إئذن لعشرة » فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا.
ثم قال: « إئذن لعشرة » فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا.
ثم قال: « إئذن لعشرة » فأكل القوم كلهم، والقوم سبعون، أو ثمانون رجلا.
وقد رواه البخاري في مواضع أخر من صحيحه، ومسلم من غير وجه عن مالك.
طريق آخر عن أنس بن مالك رضي الله عنه:
قال أبو يعلى: ثنا هدبة بن خالد، ثنا مبارك بن فضالة، ثنا بكير وثابت البناني عن أنس أن أبا طلحة رأى رسول الله ﷺ طاويا، فجاء إلى أم سليم فقال: إني رأيت رسول الله ﷺ طاويا فهل عندك من شيء؟
قالت: ما عندنا إلا نحو من دقيق شعير.
قال: فاعجنيه وأصلحيه عسى أن ندعو رسول الله ﷺ فيأكل عندنا.
قال: فعجنته وخبزته فجاء قرصا فقال: يا أنس أدع رسول الله، فأتيت رسول الله ومعه أناس.
قال مبارك: أحسبه قال: بضعة وثمانون.
قال: فقلت: يا رسول الله أبو طلحة يدعوك.
فقال لأصحابه: « أجيبوا أبا طلحة ».
فجئت جزعا حتى أخبرته أنه قد جاء بأصحابه.
قال بكر: فعدى قدمه، وقال ثابت: قال أبو طلحة: رسول الله أعلم بما في بيتي مني.
وقالا جميعا عن أنس: فاستقبله أبو طلحة فقال: يا رسول الله ما عندنا شيء إلا قرص، رأيتك طاويا فأمرت أم سليم فجعلت لك قرصا.
قال: فدعا بالقرص، ودعا بجفنة فوضعه فيها وقال: « هل من سمن؟ »
قال أبو طلحة: قد كان في العكة شيء.
قال: فجاء بها قال: فجعل رسول الله وأبو طلحة يعصرانها، حتى خرج شيء مسح رسول الله به سبابته، ثم مسح القرص فانتفخ وقال: « بسم الله » فانتفخ القرص، فلم يزل يصنع كذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة يميع فقال: « أدع عشرة من أصحابي » فدعوت له عشرة.
قال: فوضع رسول الله ﷺ يده وسط القرص وقال: « كلوا باسم الله » فأكلوا من حوالي القرص حتى شبعوا.
ثم قال: « أدع لي عشرة أخرى » فدعوت له عشرة أخرى فقال: « كلوا بسم الله » فأكلوا من حوالي القرص حتى شبعوا، فلم يزل يدعو عشرة عشرة يأكلون من ذلك القرص حتى أكل منه بضعة وثمانون من حوالي القرص حتى شبعوا، وإن وسط القرص حيث وضع رسول الله ﷺ يده كم هو.
وهذا إسناد حسن على شرط أصحاب السنن ولم يخرجوه، فالله أعلم.
طريق أخرى عن أنس بن مالك:
قال الإمام أحمد: ثنا عبد الله بن نمير، ثنا سعد - يعني: ابن سعيد بن قيس -، أخبرني أنس ابن مالك قال: بعثني أبو طلحة إلى رسول الله ﷺ لأدعوه وقد جعل له طعاما، فأقبلت ورسول الله ﷺ مع الناس.
قال: فنظر إلي فاستحييت فقلت: أجب أبا طلحة فقال للناس: « قوموا ».
فقال أبو طلحة: يا رسول الله إنما صنعت شيئا لك.
قال: فمسها رسول الله ودعا فيها بالبركة ثم قال: « أدخل نفرا من أصحابي عشرة ».
فقال: « كلوا » فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا وقال: « أدخل عشرة » فأكلوا حتى شبعوا، فما زال يدخل عشرة ويخرج عشرة، حتى لم يبق منهم أحد إلا دخل، فأكل حتى شبع، ثم هيأها فأخذه هي مثلها حين أكلوا منها.
وقد رواه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير كلاهما عن عبد الله بن نمير، وعن سعيد بن يحيى الأموي، عن أبيه، كلاهما عن سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري.
طريق أخرى:
رواه مسلم في الأطعمة عن عبد الله بن حميد، عن خالد بن مخلد، عن محمد بن موسى، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس فذكر نحو ما تقدم.
وقد رواه أبو يعلى الموصلي عن محمد بن عباد المكي، عن حاتم، عن معاوية ابن أبي مردد، عن عبد الله بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أبيه، عن أبي طلحة فذكره، والله أعلم.
طريق أخرى عن أنس:
قال الإمام أحمد: ثنا علي بن عاصم، ثنا حصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن أنس بن مالك قال: أتى أبو طلحة بمدين من شعير فأمر به فصنع به طعاما ثم قال لي: يا أنس انطلق إئت رسول الله ﷺ فادعه، وقد تعلم ما عندنا.
قال: فأتيت رسول الله ﷺ وأصحابه عنده فقلت: إن أبا طلحة يدعوك إلى طعامه.
فقام وقال للناس: « قوموا » فقاموا فجئت أمشي بين يديه حتى دخلت على أبي طلحة فأخبرته.
قال: فضحتنا.
قلت: إني لم أستطع أن أرد على رسول الله ﷺ أمره، فلما انتهى رسول الله ﷺ قال لهم: « اقعدوا » ودخل عاشر عشرة، فلما دخل أتى بالطعام، تناول فأكل وأكل معه القوم حتى شبعوا.
ثم قال لهم: « قوموا وليدخل عشرة مكانكم » حتى دخل القوم كلهم وأكلوا.
قال: قلت: كم كانوا؟
قال: كانوا نيفا وثمانين.
قال: وفضل لأهل البيت ما أشبعهم.
وقد رواه مسلم في الأطعمة عن عمرو الناقد، عن عبد الله بن جعفر الرقي، عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن أنس قال: أمر أبو طلحة أم سليم قال: اصنعي للنبي ﷺ لنفسه خاصة طعاما يأكل منه، فذكر نحو ما تقدم.
طريق أخرى عن أنس:
قال أبو يعلى: ثنا شجاع بن مخلد، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي سمعت جرير بن يزيد يحدث عن عمرو بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: رأى أبو طلحة رسول الله في المسجد مضطجعا يتقلب ظهرا لبطن، فأتى أم سليم فقال: رأيت رسول الله مضطجعا في المسجد يتقلب ظهرا لبطن فخبزت أم سليم قرصا ثم قال لي أبو طلحة: اذهب فادع رسول الله.
فأتيته وعنده أصحابه فقلت: يا رسول الله يدعوك أبو طلحة.
فقام وقال: « قوموا ».
قال: فجئت أسعى إلى أبي طلحة فأخبرته أن رسول الله قد تبعه أصحابه، فتلقاه أبو طلحة فقال: يا رسول الله إنما هو قرص.
فقال: « إن الله سيبارك فيه » فدخل رسول الله، وجيء بالقرص في قصعة، فقال: « هل من سمن؟ »
فجيء بشيء من سمن، فغور القرص بإصبعه هكذا ورفعها ثم صب وقال: « كلوا من بين أصابعي » فأكل القوم حتى شبعوا.
ثم قال: « أدخل علي عشرة » فأكلوا حتى شبعوا، حتى أكل القوم فشبعوا، وأكل رسول الله ﷺ وأبو طلحة وأم سليم وأنا حتى شبعنا، وفضلت فضلة أهديت لجيران لنا.
ورواه مسلم في الأطعمة من صحيحه: عن حسن الحلواني، وعن وهب بن جرير بن حازم، عن عمه جرير بن يزيد، عن عمرو بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أنس بن مالك فذكر نحو ما تقدم.
طريق أخرى عن أنس:
قال الإمام أحمد: ثنا يونس بن محمد، ثنا حماد - يعني ابن زيد - عن هشام، عن محمد - يعني ابن سيرين -، عن أنس قال حماد: والجعد قد ذكره قال: عمدت أم سليم إلى نصف مد شعير فطحنته، ثم عمدت إلى عكة كان فيها شيء من سمن فاتخذت منه خطيفة.
قال: ثم أرسلتني إلى رسول الله ﷺ قال: فأتيته وهو في أصحابه فقلت: إن أم سليم أرسلتني إليك تدعوك.
فقال: أنا ومن معي؟
قال: فجاء هو ومن معه قال: فدخلت.
فقلت لأبي طلحة: قد جاء رسول الله ﷺ ومن معه، فخرج أبو طلحة فمشى إلى جنب النبي ﷺ قال: يا رسول الله إنما هي خطيفة اتخذتها أم سليم من نصف مد شعير.
قال: فدخل فأتي به قال: فوضع يده فيها ثم قال: « أدخل عشرة ».
قال: فدخل عشرة فأكلوا حتى شبعوا، ثم دخل عشرة فأكلوا، ثم عشرة فأكلوا، حتى أكل منها أربعون كلهم أكلوا حتى شبعوا.
قال: وبقيت كما هي قال: فأكلنا.
وقد رواه البخاري في الأطعمة عن الصلت بن محمد، عن حماد بن زيد، عن الجعد أبي عثمان، عن أنس وعن هشام بن محمد، عن أنس، وعن سنان بن ربيعة، عن أبي ربيعة، عن أنس أن أم سليم عمدت إلى مد من شعير جشته وجعلت منه خطيفة، وعمدت إلى عكة فيها شيء من سمن فعصرته، ثم بعثتني إلى رسول الله وهو في أصحابه، الحديث بطوله.
ورواه أبو يعلى الموصلي: ثنا عمرو عن الضحاك، ثنا أبي سمعت أشعث الحراني قال: قال محمد بن سيرين: حدثني أنس بن مالك أن أبا طلحة بلغه أنه ليس عند رسول الله ﷺ طعام، فذهب فأجر نفسه بصاع من شعير، فعمل يومه ذلك فجاء به، وأمر أم سليم أن تعمله خطيفة، وذكر الحديث.
طريق آخر عن أنس:
قال الإمام أحمد: ثنا يونس بن محمد، ثنا حرب بن ميمون عن النصر بن أنس، عن أنس بن مالك قال: قالت أم سليم: إذهب إلى نبي الله ﷺ فقل: إن رأيت أن تغدي عندنا فافعل، فجئته فبلغته فقال: « ومن عندي؟ »
قلت: نعم.
قال: « انهضوا ».
قال: فجئته فدخلت على أم سليم وأنا لدهش لمن أقبل مع رسول الله ﷺ.
قال: فقالت أم سليم: ما صنعت يا أنس؟
فدخل رسول الله ﷺ على إثر ذلك فقال: « هل عندك سمن؟ »
قالت: نعم، قد كان منه عندي عكة فيها شيء من سمن.
قال: « فأت بها »
قالت: فجئت بها، ففتح رباطها ثم قال: « بسم الله، اللهم أعظم فيها البركة ».
قال: فقال: « اقلبيها » فقلبتها فعصرها نبي الله ﷺ وهو يسمي، فأخذت نقع قدر فأكل منها بضع وثمانون رجلا، وفضل فضلة فدفعها إلى أم سليم فقال: « كلي وأطعمي جيرانك ».
وقد رواه مسلم في الأطعمة عن حجاج بن الشاعر، عن يونس بن محمد المؤدب به.
طريق أخرى:
قال أبو القاسم البغوي: ثنا علي بن المديني، ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن يحيى بن عمارة المازني، عن أبيه، عن أنس بن مالك أن أمه أم سليم صنعت خزيرا فقال أبو طلحة: إذهب يا بني فادع رسول الله ﷺ.
قال: فجئته - وهو بين ظهراني الناس - فقلت: إن أبي يدعوك.
قال: فقام وقال للناس: « انطلقوا ».
قال: فلما رأيته قام بالناس تقدمت بين أيديهم، فجئت أبا طلحة فقلت: يا أبت قد جاءك رسول الله ﷺ بالناس.
قال: فقام أبو طلحة على الباب وقال: يا رسول الله إنما كان شيئا يسيرا.
فقال: « هلمه فإن الله سيجعل فيه البركة » فجاء به فجعل رسول الله يده فيه، ودعا الله بما شاء أن يدعو ثم قال: « أدخل عشرة عشرة » فجاءه منهم ثمانون فأكلوا وشبعوا.
ورواه مسلم في الأطعمة عن عبد بن حميد، عن القعنبي، عن الدراوردي، عن يحيى بن عمارة ابن أبي حسن الأنصاري المازني، عن أبيه، عن أنس بن مالك بنحو ما تقدم.
طريق أخرى:
ورواه مسلم في الأطعمة أيضا عن حرملة، عن ابن وهب، عن أسامة بن زيد الليثي، عن يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس كنحو ما تقدم.
قال البيهقي: وفي بعض حديث هؤلاء ثم أكل رسول الله ﷺ وأكل أهل البيت وأفضلوا ما بلغ جيرانهم.
فهذه طرق متواترة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه شاهد ذلك على ما فيه من اختلاف عنه في بعض حروفه، ولكن أصل القصة متواتر لا محالة كما ترى، ولله الحمد والمنة.
فقد رواه عن أنس بن مالك: إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، وبكر بن عبد الله المزني، وثابت بن أسلم البناني، والجعد بن عثمان، وسعد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد الأنصاري، وسنان بن ربيعة، وعبد الله بن عبد الله ابن أبي طلحة، وعبد الرحمن ابن أبي ليلى، وعمرو بن عبد الله ابن أبي طلحة، ومحمد بن سيرين، والنضر بن أنس، ويحيى بن عمارة ابن أبي حسن، ويعقوب بن عبد الله ابن أبي طلحة.
وقد تقدم في غزوة الخندق: حديث جابر في إضافته ﷺ على صاع من شعير وعناق، فعزم عليه السلام على أهل الخندق بكمالهم فكانوا ألفا أو قريبا من ألف، فأكلوا كلهم من تلك العناق وذلك الصاع حتى شبعوا وتركوه كما كان، وقد أسلفناه بسنده ومتنه وطرقه، ولله الحمد والمنة.
ومن العجب الغريب ما ذكره الحافظ أبو عبد الرحمن بن محمد بن المنذر الهروي - المعروف بشكر - في كتاب العجائب الغريبة في هذا الحديث فإنه أسنده وساقه بطوله، وذكر في آخره شيئا غريبا فقال: ثنا محمد بن علي بن طرخان، ثنا محمد بن مسرور، أنا هاشم بن هاشم، ويكنى: بأبي برزة بمكة في المسجد الحرام، ثنا أبو كعب البداح بن سهل الأنصاري من أهل المدينة من الناقلة الذين نقلهم هارون إلى بغداد سمعت منه بالمصيصة عن أبيه سهل بن عبد الرحمن، عن أبيه عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه كعب بن مالك قال: أتى جابر بن عبد الله إلى رسول الله ﷺ فعرف في وجهه الجوع، فذكر أنه رجع إلى منزله فذبح داجنا كانت عندهم وطبخها، وثرد تحتها في جفنة وحملها إلى رسول الله ﷺ، فأمره أن يدعو له الأنصار فأدخلهم عليه أرسالا فأكلوا كلهم، وبقي مثل ما كان، وكان رسول الله ﷺ يأمرهم أن يأكلوا ولا يكسروا عظما، ثم إنه جمع العظام في وسط الجفنة فوضع عليها يده، ثم تكلم بكلام لا أسمعه، إلا أني أرى شفتيه تتحرك، فإذا الشاة قد قامت تنفض أذنيها.
فقال: « خذ شاتك يا جابر، بارك الله لك فيها ».
قال: فأخذتها ومضيت وإنها لتنازعني أذنها، حتى أتيت بها البيت فقالت لي المرأة: ما هذا يا جابر؟
فقلت: هذه والله شاتنا التي ذبحناها لرسول الله، دعا الله فأحياها لنا.
فقالت: أنا أشهد أنه رسول الله، أشهد أنه رسول الله، أشهد أنه رسول الله.
حديث آخر عن أنس في معنى ما تقدم:
قال أبو يعلى الموصلي والباغندي: ثنا شيبان، ثنا محمد بن عيسى بصري - وهو صاحب الطعام -، ثنا ثابت البناني قلت لأنس بن مالك: يا أنس أخبرني بأعجب شيء رأيته؟
قال: نعم يا ثابت، خدمت رسول الله - ﷺ - عشر سنين، فلم يعب علي شيئا أسأت فيه، وإن نبي الله - ﷺ - لما تزوج زينب بنت جحش.
قالت لي أمي: يا أنس إن رسول الله - ﷺ - أصبح عروسا، ولا أدري أصبح له غداء فهلم تلك العكة، فأتيتها بالعكة وبتمر فجعلت له حيسا فقالت: يا أنس إذهب بهذا إلى نبي الله وامرأته، فلما أتيت رسول الله -ﷺ - بتور من حجارة فيه ذلك الحيس.
قال: « دعه ناحية البيت، وادع لي أبا بكر، وعمر، وعليا، وعثمان، ونفرا من أصحابه، ثم أدع لي أهل المسجد، ومن رأيت في الطريق ».
قال: فجعلت أتعجب من قلة الطعام، ومن كثرة ما يأمرني أن أدعو الناس، وكرهت أن أعصيه حتى امتلأ البيت والحجرة.
فقال: « يا أنس هل ترى من أحد؟ »
فقلت: لا يا رسول الله.
قال: « هات ذلك التور ».
فجئت بذلك التور فوضعته قدامه، فغمس ثلاث أصابع في التور، فجعل التمر يربو فجعلوا يتغدون ويخرجون، حتى إذا فرغوا أجمعون وبقي في التور نحو ما جئت به فقال: « ضعه قدام زينب » فخرجت، وأسقفت عليهم بابا من جريد.
قال ثابت: قلنا يا أبا حمزة: كم ترى كان الذين أكلوا من ذلك التور؟
فقال: أحسب واحدا وسبعين، أو اثنين وسبعين.
وهذا حديث غريب من هذا الوجه، ولم يخرجوه.
حديث آخر عن أبي هريرة في ذلك:
قال جعفر بن محمد الفرياني: ثنا عثمان ابن أبي شيبة، ثنا حاتم بن إسماعيل عن أنيس ابن أبي يحيى، عن إسحاق بن سالم، عن أبي هريرة قال: خرج علي رسول الله ﷺ فقال: « أدع لي أصحابك من أصحاب الصفة » فجعلت أنبههم رجلا رجلا فجمعتهم، فجئنا باب رسول الله ﷺ فاستأذنا فأذن لنا.
قال أبو هريرة: فوضعت بين أيدينا صحفة أظن أن فيها قدر مد من شعير، قال: فوضع رسول الله ﷺ عليها يده وقال: « كلوا بسم الله ».
قال: فأكلنا ما شئنا، ثم رفعنا أيدينا فقال رسول الله ﷺ حين وضعت الصحفة: « والذي نفسي بيده، ما أمسى في آل محمد طعام ليس ترونه ».
قيل لأبي هريرة: قدر كم كانت حين فرغتم منها؟
قال: مثلها حين وضعت إلا أن فيها أثر الأصابع.
وهذه قصة غير قصة أهل الصفة المتقدمة في شربهم اللبن كما قدمنا.
حديث آخر عن أبي أيوب في ذلك:
قال جعفر الفريابي: ثنا أبو سلمة يحيى بن خلف، ثنا عبد الأعلى عن سعيد الجريري، عن أبي الورد، عن أبي محمد الحضرمي، عن أبي أيوب الأنصاري قال: صنعت لرسول الله ﷺ ولأبي بكر طعاما قدر ما يكفيهما فأتيتهما به.
فقال رسول الله ﷺ: « إذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الأنصار ».
قال: فشق ذلك علي ما عندي شيء أزيده.
قال: فكأني تثاقلت.
فقال: « إذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الأنصار » فدعوتهم فجاءوا فقال: « أطعموا » فأكلوا حتى صدروا، ثم شهدوا أنه رسول الله ثم بايعوه قبل أن يخرجوا.
ثم قال: « إذهب فادع لي ستين من أشراف الأنصار ».
قال أبو أيوب: فوالله لأنا بالستين أجود مني بالثلاثين.
قال: فدعوتهم.
فقال رسول الله ﷺ: « تربعوا » فأكلوا حتى صدروا، ثم شهدوا أنه رسول الله، وبايعوه قبل أن يخرجوا.
قال: « فاذهب فادع لي تسعين من الأنصار ».
قال: فلأنا أجود بالتسعين والستين مني بالثلاثين.
قال: فدعوتهم، فأكلوا حتى صدروا، ثم شهدوا أنه رسول الله، وبايعوه قبل أن يخرجوا.
قال: فأكل من طعامي ذلك مائة وثمانون رجلا كلهم من الأنصار.
وهذا حديث غريب جدا إسنادا ومتنا.
وقد رواه البيهقي من حديث محمد بن أبي بكر المقدمي عن عبد الأعلى به.