→ مزاحه عليه السلام | البداية والنهاية – الجزء السادس باب زهده عليه السلام وإعراضه عن هذه الدار ابن كثير |
حديث بلال في ذلك ← |
قال الله تعالى: { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى } [طه: 131] .
وقال تعالى: { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا } [الكهف: 28] .
وقال تعالى: { فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا * ذلك مبلغهم من العلم }. [النجم: 29-30] .
وقال: { ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم * لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين } [لحجر: 87-88] .
والآيات في هذا كثيرة.
وأما الأحاديث: فقال يعقوب بن سفيان: حدثني أبو العباس حيوة بن شريح، أنا بقية عن الزبيدي، عن الزهري، عن محمد بن عبد الله بن عباس قال: كان ابن عباس يحدث: أن الله أرسل إلى نبيه ملكا من الملائكة معه جبريل.
فقال الملك لرسوله: إن الله يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا، وبين أن تكون ملكا نبيا، فالتفت رسول الله إلى جبريل كالمستشير له، فأشار جبريل إلى رسول الله أن تواضع.
فقال رسول الله ﷺ: « بل أكون عبدا نبيا ».
قال: فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا حتى لقي الله - عز وجل.
وهكذا رواه البخاري فيالتاريخ: عن حيوة بن شريح.
وأخرجه النسائي عن عمرو بن عثمان، كلاهما عن بقية بن الوليد به.
وأصل هذا الحديث في الصحيح بنحو من هذا اللفظ.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل عن عمارة، عن أبي زرعة - ولا أعلمه إلا عن أبي هريرة - قال: جلس جبريل إلى رسول الله ﷺ فنظر إلى السماء فإذا ملك ينزل.
فقال جبريل: إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق قبل الساعة.
فلما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربك أفملكا نبيا يجعلك، أو عبدا رسولا؟.
هكذا وجدته بالنسخة التي عندي بالمسند مقتصرا، وهو من أفراده من هذا الوجه.
وثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب في حديث إيلاء رسول الله ﷺ من أزواجه، أن لا يدخل عليهن شهرا، واعتزل عنهن في علية، فلما دخل عليه عمر في تلك العلية فإذا ليس فيها سوى صبرة من قرظ، وأهبة معلقة، وصبرة من شعير، وإذا هو مضطجع على رمال حصير، قد أثر في جنبه، فهملت عينا عمر فقال: « مالك؟ ».
فقلت: يا رسول الله أنت صفوة الله من خلقه، وكسرى وقيصر فيما هما فيه.
فجلس محمرا وجهه فقال: « أوفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ »
ثم قال: « أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ».
وفي رواية لمسلم: « أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ».
فقلت: بلى يا رسول الله.
قال: « فأحمد الله عز وجل ».
ثم لما انقضى الشهر أمره الله - عز وجل - أن يخير أزواجه، وأنزل عليه قوله: { ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما }. [الأحزاب: 28 -29] .
وقد ذكرنا هذا مبسوطا في كتابنا التفسير وأنه بدأ بعائشة فقال لها: « إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك » وتلا عليها هذه الآية.
قالت: فقلت: أفي هذا أستأمر أبواي؟ فإني أختار الله ورسوله، والدار الآخرة، وكذلك قال سائر أزواجه - عليه السلام -، ورضي عنهن.
وقال مبارك بن فضالة عن الحسن، عن أنس قال: دخلت على رسول الله وهو على سرير مزمول بالشريط، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، ودخل عليه عمر وناس من الصحابة فانحرف رسول الله إنحرافة فرأى عمر أثر الشريط في جنبه فبكى.
فقال له: « ما يبكيك يا عمر؟ »
قال: ومالي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا، وأنت على الحال الذي أرى؟
فقال: « يا عمر أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ »
قال: بلى.
قال: « هو كذلك ».
هكذا رواه البيهقي.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، ثنا مبارك عن الحسن، عن أنس بن مالك قال: دخلت على رسول الله وهو على سرير مضطجع مزمل بشريط، وتحت رأسه وسادة من أدم، حشوها ليف، فدخل عليه نفر من أصحابه، ودخل عمر فانحرف رسول الله إنحرافة، فلم ير عمر بين جنبه وبين الشريط ثوبا وقد أثر الشريط بجنب رسول الله، فبكى عمر.
فقال له رسول الله ﷺ: « ما يبكيك يا عمر؟ »
قال: والله ما أبكي ألا أكون أعلم أنك أكرم على الله من كسرى وقيصر، وهما يعيشان في الدنيا فيما يعيشان فيه؟ وأنت يا رسول الله في المكان الذي أرى.
فقال رسول الله: « أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة؟ »
قال: بلى.
قال: فإنه كذلك.
وقال أبو داود الطيالسي: ثنا المسعودي عن عمرو بن مرة، عن إبراهيم، عن علقمة بن مسعود قال: اضطجع رسول الله على حصير، فأثر الحصير بجلده، فجعلت أمسحه وأقول: بأبي أنت وأمي، ألا آذنتنا فنبسط لك شيئا يقيك منه تنام عليه.
فقال: « مالي وللدنيا، ما أنا والدنيا، إنما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها ».
ورواه ابن ماجه عن يحيى بن حكيم، عن أبي داود الطيالسي به.
وأخرجه الترمذي عن موسى بن عبد الرحمن الكندي، عن زيد بن الحباب، كلاهما عن المسعودي به.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقد رواه الإمام أحمد من حديث ابن عباس فقال: حدثنا عبد الصمد، وأبو سعيد وعفان قالوا: ثنا ثابت، ثنا هلال عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبه.
فقال: يا رسول الله لو اتخذت فراشا أوثر من هذا؟
فقال: « مالي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها ».
تفرد به أحمد.
وفي صحيح البخاري من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: « لو أن لي مثل أحد ذهبا ما سرني أن تأتي علي ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين ».
وفي الصحيحين من حديث عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: « اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا ».
فأما الحديث الذي رواه ابن ماجه من حديث يزيد بن سنان عن ابن المبارك، عن عطاء، عن أبي سعيد أن رسول الله ﷺ قال: « اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين ».
فإنه حديث ضعيف، لا يثبت من جهة إسناده، لأن فيه يزيد بن سنان أبا فروة الرهاوي وهو ضعيف جدا، والله أعلم.
وقد رواه الترمذي من وجه آخر فقال: حدثنا عبد الأعلى بن واصل الكوفي، ثنا ثابت بن محمد العابد الكوفي، حدثنا الحارث بن النعمان الليثي عن أنس أن رسول الله ﷺ قال: « اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة ».
فقالت عائشة: لم يا رسول الله؟
قال: « إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا، يا عائشة لا تردي المسكين ولو بشق تمرة، يا عائشة حبي المساكين وقربيهم، فإن الله يقربك يوم القيامة ».
ثم قال: هذا حديث غريب.
قلت: وفي إسناده ضعف، وفي متنه نكارة، والله أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد قال: حدثنا أبو عبد الرحمن - يعني: عبد الله بن دينار - عن أبي حازم، عن سعيد بن سعد أنه قيل له: هل رأى النبي بعينه - يعني: الحوارى-؟
فقال له: ما رأى رسول الله النقى بعينه حتى لقي الله - عز وجل -.
فقيل له: هل لكم مناخل على عهد رسول الله؟
فقال: ما كانت لنا مناخل.
فقيل له: فكيف كنتم تصنعون بالشعير؟
قال: ننفخه فيطير منه ما طار.
وهكذا رواه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار به، وزاد: ثم نذريه ونعجنه، ثم قال: حسن صحيح.
وقد رواه مالك عن أبي حازم.
قلت: وقد رواه البخاري عن سعيد ابن أبي مريم، عن محمد بن مطرف بن غسان المدني، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد به.
ورواه البخاري أيضا والنسائي عن شيبة، عن يعقوب بن عبد الرحمن القاري، عن أبي حازم، عن سهل به.
وقال الترمذي: حدثنا عباس بن محمد الدوري، ثنا يحيى ابن أبي بكير، ثنا جرير بن عثمان، عن سليم بن عامر سمعت أبا أمامة يقول: ما كان يفضل عن أهل بيت رسول الله ﷺ خبز الشعير.
ثم قال: حسن صحيح غريب.
وقال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن سعيد عن يزيد بن كيسان، حدثني أبو حازم قال: رأيت أبا هريرة يشير بإصبعه مرارا، والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع نبي الله وأهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا.
ورواه مسلم والترمذي، وابن ماجه من حديث يزيد بن كيسان.
وفي الصحيحين من حديث جرير بن عبد الحميد عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد ﷺ منذ قدموا المدينة ثلاثة أيام تباعا من خبز بر، حتى مضى لسبيله.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم، ثنا محمد بن طلحة عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد ثلاثا من خبز بر، حتى قبض وما رفع من مائدته كسرة قط حتى قبض.
وقال أحمد: ثنا محمد بن عبيد، ثنا مطيع الغزال عن كردوس، عن عائشة قالت: قد مضى رسول الله لسبيله وما شبع أهله ثلاثة أيام من طعام بر.
وقال الإمام أحمد: ثنا حسن، ثنا زويد عن أبي سهل، عن سليمان بن رومان مولى عروة عن عروة، عن عائشة أنها قالت: والذي بعث محمدا بالحق ما رأى منخلا، ولا أكل خبزا منخولا منذ بعثه الله - عز وجل - إلى أن قبض.
قلت: كيف كنتم تأكلون الشعير؟
قالت: كنا نقول: أف.
تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وروى البخاري عن محمد بن كثير، عن الثوري، عن عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة، عن أبيه، عن عائشة قالت: إن كنا لنخرج الكراع بعد خمسة عشر يوما فنأكله.
قلت: ولم تفعلون ذلك؟
فضحكت وقالت: ما شبع آل محمد - ﷺ - من خبز مأدوم حتى لحق بالله - عز وجل -.
وقال أحمد: ثنا يحيى، ثنا هشام، أخبرني أبي عن عائشة قالت: كان يأتي على آل محمد الشهر ما يوقدون فيه نارا، ليس إلا التمر والماء، إلا أن يؤتى باللحم.
وفي الصحيحين من حديث هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: إن كنا آل محمد ليمر بنا الهلال ما نوقد نارا، إنما هو الأسودان التمر والماء، إلا أنه كان حولنا أهل دور من الأنصار يبعثون إلى رسول الله بلبن منائحهم فيشرب، ويسقينا من ذلك اللبن.
ورواه أحمد عن بريدة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عنها بنحوه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا حسين، ثنا محمد بن مطرف عن أبي حازم، عن عروة بن الزبير أنه سمع عائشة تقول: كان يمر بنا هلال وهلال، ما يوقد في بيت من بيوت رسول الله ﷺ نارا.
قال: قلت: يا خالة على أي شيء كنتم تعيشون؟
قالت: على الأسودين التمر والماء.
تفرد به أحمد.
وقال أبو داود الطيالسي عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن الأسود، عن عائشة قالت: ما شبع رسول الله ﷺ من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض.
وقد رواه مسلم من حديث شعبة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا بهز، ثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال: قالت عائشة: أرسل إلينا آل أبي بكر بقائمة شاة ليلا فأمسكت، وقطع رسول الله ﷺ أو قالت: أمسك رسول الله ﷺ وقطعت - قالت: تقول للذي تحدثه: - هذا على غير مصباح.
وفي رواية: لو كان عندنا مصباح لأتدمنا به.
قال: قالت عائشة: إنه ليأتي على آل محمد الشهر ما يختبزون خبزا ولا يطبخون قدرا.
وقد رواه أيضا عن بهز بن أسد، عن سليمان بن المغيرة.
وفي رواية: شهرين، تفرد به أحمد.
وقال الإمام أحمد: ثنا خلف، ثنا أبو معشر عن سعيد - هو ابن أبي سعيد -، عن أبي هريرة قال: كان يمر بآل رسول الله هلال ثم هلال لا يوقدون في بيوتهم النار لا بخبز، ولا بطبخ.
قالوا: بأي شيء كانوا يعيشون يا أبا هريرة؟
قال: الأسودان التمر والماء، وكان لهم جيران من الأنصار جزاهم الله خيرا لهم منائح يرسلون إليهم شيئا من لبن.
تفرد به أحمد.
وفي صحيح مسلم من حديث منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن أمه، عن عائشة قالت: توفي رسول الله وقد شبع الناس من الأسودين التمر والماء.
وقال ابن ماجه: حدثنا سويد بن سعيد، ثنا علي بن مسهر عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: أتى رسول الله ﷺ يوما بطعام سخن فأكل، فلما فرغ قال: « الحمد لله ما دخل بطني طعام سخن منذ كذا وكذا ».
وقال الإمام أحمد: ثنا عبد الصمد، ثنا عمار أبو هاشم صاحب الزعفراني عن أنس بن مالك أن فاطمة ناولت رسول الله ﷺ كسرة من خبز الشعير فقال: « هذا أول طعام أكله أبوك منذ ثلاثة أيام ».
وروى الإمام أحمد عن عفان، والترمذي، وابن ماجه، جميعا عن عبد الله بن معاوية، كلاهما عن ثابت بن يزيد، عن هلال بن خباب العبدي الكوفي، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ كان يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء، وكان عامة خبزهم خبز الشعير، وهذا لفظ أحمد.
وقال الترمذي في الشمائل: ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ثنا عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن محمد ابن أبي يحيى الأسلمي، عن يزيد ابن أبي أمية الأعور، عن أبي يوسف ابن عبد الله بن سلام قال: رأيت رسول الله أخذ كسرة من خبز الشعير فوضع عليها تمرة وقال: « هذا إدام هذه، وأكل ».
وفي الصحيحين من حديث الزهري عن عروة، عن عائشة قالت: كان أحب الشراب إلى رسول الله الحلو البارد.
وروى البخاري من حديث قتادة عن أنس قال: ما أعلم رسول الله ﷺ رأى رغيفا مرققا حتى لحق بالله، ولا شاة سميطا بعينه قط.
وفي رواية له عنه أيضا: ما أكل رسول الله ﷺ على خوان، ولا في سكرجة، ولا خبز له مرقق.
فقلت لأنس: فعلى ما كانوا يأكلون؟
قال: على هذه السفر.
وله من حديث قتادة أيضا عن أنس أنه مشى إلى رسول ﷺ بخبز شعير، وإهالة سنخة، ولقد رهن درعه من يهودي، فأخذ لأهله شعيرا، ولقد سمعته ذات يوم يقول: « ما أمسى عند آل محمد صاع تمر، ولا صاع حب ».
وقال الإمام أحمد: ثنا عفان، ثنا أبان بن يزيد، ثنا قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ لم يجتمع له غداء، ولا عشاء من خبز ولحم، إلا على ضفف.
ورواه الترمذي في الشمائل عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن عفان، وهذا الإسناد على شرط الشيخين.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة عن سماك بن حرب، سمعت النعمان بن بشير يقول: سمعت عمر بن الخطاب يخطب، فذكر ما فتح الله على الناس، فقال: لقد رأيت رسول الله ﷺ يلتوي من الجوع، ما يجد من الدقل ما يملأ بطنه.
وأخرجه مسلم من حديث شعبة.
وفي الصحيح أن أبا طلحة قال: يا أم سليم لقد سمعت صوت رسول الله ﷺ أعرف فيه الجوع، وسيأتي الحديث في دلائل النبوة.
وفي قصة أبي الهيثم ابن التيهان أن أبا بكر وعمر خرجا من الجوع، فبينما هما كذلك إذ خرج رسول الله فقال: « ما أخرجكما؟ »
فقالا: الجوع.
فقال: « والذي نفسي بيده لقد أخرجني الذي أخرجكما » فذهبوا إلى حديقة الهيثم بن التيهان فأطعمهم رطبا، وذبح لهم شاة، فأكلوا وشربوا الماء البارد.
وقال رسول الله ﷺ: « هذا من النعيم الذي تسألون عنه ».
وقال الترمذي: ثنا عبد الله ابن أبي زياد، ثنا سيار، ثنا يزيد بن أسلم عن يزيد ابن أبي منصور، عن أنس، عن أبي طلحة قال: شكونا إلى رسول الله ﷺ الجوع، ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع رسول الله ﷺ عن بطنه عن حجرين.
ثم قال: غريب.
وثبت في الصحيحين من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها سئلت عن فراش رسول الله ﷺ.
فقالت: كان من أدم، حشوه ليف.
وقال الحسن بن عرفة: ثنا عباد بن عباد المهلبي، عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: دخلت علي امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله عباءة مثنية، فانطلقت فبعثت إلي بفراش حشوه الصوف، فدخل علي رسول الله فقال: « ما هذا يا عائشة؟ »
قالت: قلت: يا رسول الله فلانة الأنصارية دخلت علي فرأت فراشك فذهبت، فبعثت إلي بهذا.
فقال: رديه.
قالت: فلم أرده وأعجبني أن يكون في بيتي حتى قال ذلك ثلاث مرات.
قالت: فقال: « رديه يا عائشة، فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة ».
وقال الترمذي في الشمائل: حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى البصري، ثنا عبد الله بن مهدي، ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه قال: سئلت عائشة ما كان فراش رسول الله ﷺ في بيتك؟
قالت: من أدم حشوه ليف.
وسئلت حفصة: ما كان فراش رسول الله ﷺ قالت: مسحا نثنيه ثنيتين فينام عليه، فلما كان ذات ليلة قلت: لو ثنيته بأربع ثنيات كان أوطأ له فثنيناه له بأربع ثنيات، فلما أصبح قال: « ما فرشتم لي الليلة؟ »
قالت: قلنا: هو فراشك إلا أنا ثنيناه بأربع ثنيات قلنا هو أوطأ لك.
قال: « ردوه لحالته الأولى، فإنه منعتني وطأته صلاتي الليلة ».
وقال الطبراني: حدثنا محمد بن أبان الأصبهاني، حدثنا محمد بن عبادة الواسطي، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري، حدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة، عن حكيم بن حزام قال: خرجت إلى اليمن، فابتعت حلة ذي يزن فأهديتها إلى النبي ﷺ فردها، فبعتها فاشتراها فلبسها، ثم خرج على أصحابه وهي عليه، فما رأيت شيئا أحسن منه فيها، فما ملكت نفسي أن قلت:
ما ينظر الحكام بالفضل بعدما * بدا واضح من غرة وحجول
إذا قايسوه الجد أربى عليهم * بمستفرع ماض الذباب سجيل
فسمعها النبي ﷺ فالتفت إلي يتبسم، ثم دخل فكساها أسامة بن زيد.
وقال الإمام أحمد: حدثني حسين بن علي عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير قال: حدثني ربعي بن خراش عن أم سلمة قالت: دخل علي رسول الله ﷺ وهو ساهم الوجه قالت: فحسبت ذلك من وجع.
فقلت: يا رسول الله أراك ساهم الوجه أفمن وجع؟
فقال: « لا، ولكن الدنانير السبعة التي أتينا بها أمس أمسينا ولم ننفقها، نسيتها في خضم الفراش » تفرد به أحمد.
وقال الإمام أحمد: ثنا أبو سلمة قال: أنا بكر بن مضر، ثنا موسى بن جبير عن أبي أمامة ابن سهل قال: دخلت أنا وعروة ابن الزبير يوما على عائشة فقالت: لو رأيتما نبي الله ﷺ ذات يوم في مرض مرضه؟
قالت: وكان له عندي ستة دنانير - قال موسى: أو سبعة - قالت: فأمرني رسول الله - ﷺ - أن أفرقها.
قالت: فشغلني وجع نبي الله ﷺ حتى عافاه الله عز وجل.
قالت: ثم سألني عنها فقال: ما فعلت الستة - قال: أو السبعة -؟
قلت: لا والله لقد شغلني عنها وجعك.
قالت: فدعا بها ثم صفها في كفه.
فقال: « ما ظن نبي الله لو لقي الله وهذه عنده » تفرد به أحمد.
وقال قتيبة: ثنا جعفر بن سليمان عن ثابت، عن أنس قال: كان رسول الله ﷺ لا يدخر شيئا لغد.
وهذا الحديث في الصحيحين، والمراد أنه كان لا يدخر شيئا لغد مما يسرع إليه الفساد كالأطعمة ونحوها، لما ثبت في الصحيحين عن عمر أنه قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب، فكان يعزل نفقة أهله سنة، ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله - عز وجل -.
ومما يؤيد ما ذكرناه: ما رواه الإمام أحمد: حدثنا مروان بن معاوية قال: أخبرني هلال بن سويد أبو معلى قال: سمعت أنس بن مالك وهو يقول: أهديت لرسول الله ﷺ ثلاثة طوائر، فأطعم خادمه طائرا، فلما كان من الغد أتته به.
فقال لها رسول الله ﷺ: « ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد فإن الله عز وجل يأتي برزق كل غد ».