→ وقعة فحل | البداية والنهاية – الجزء السابع ما وقع بأرض العراق آنذاك من القتال ابن كثير |
وقعة النمارق ← |
وقد قدمنا أن المثنى بن حارثة لما سار خالد من العراق بمن صحبه إلى الشام، وقد قيل: أنه سار بتسعة آلاف، وقيل: بثلاثة آلاف، وقيل: بسبعمائة، وقيل: بأقل إلا أنهم صناديد جيش العراق.
فأقام المثنى بمن بقي فاستقل عددهم وخاف من سطوة الفرس لولا اشتغالهم بتبديل ملوكهم وملكاتهم، واستبطأ المثنى خبر الصديق فسار إلى المدينة فوجد الصديق في السياق، فأخبره بأمر العراق، فأوصى الصديق عمر أن يندب الناس لقتال أهل العراق.
فلما مات الصديق ودفن ليلة الثلاثاء أصبح عمر فندب الناس وحثهم على قتال أهل العراق، وحرضهم ورغبهم في الثواب على ذلك، فلم يقم أحد لأن الناس كانوا يكرهون قتال الفرس لقوة سطوتهم، وشدة قتالهم.
ثم ندبهم في اليوم الثاني والثالث فلم يقم أحد، وتكلم المثنى بن حارثة فأحسن، وأخبرهم بما فتح الله تعالى على يد خالد من معظم أرض العراق، ومالهم هنالك من الأموال، والأملاك، والأمتعة، والزاد، فلم يقم أحد في اليوم الثالث، فلما كان اليوم الرابع كان أول من انتدب من المسلمين أبو عبيدة بن مسعود الثقفي.
ثم تتابع الناس في الإجابة، أمر عمر طائفة من أهل المدينة وأمر على الجميع أبا عبيد، هذا ولم يكن صحابيا، فقيل لعمر: هلا أمرت عليهم رجلا من الصحابة؟
فقال: إنما أومر أول من استجاب، إنكم إنما سبقتم الناس بنصرة هذا الدين، وإن هذا هو الذي استجاب قبلكم.
ثم دعاه فوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا، وأمره أن يستشير أصحاب رسول الله ﷺ، وأن يستشير سليط بن قيس فإنه رجل باشر الحروب فسار المسلمون إلى أرض العراق، وهم سبعة آلاف رجل.
وكتب عمر إلى أبي عبيدة: أن يرسل من كان بالعراق ممن قدم مع خالد إلى العراق، فجهز عشرة آلاف عليهم هاشم بن عتبة، وأرسل عمر جرير بن عبد الله البجلي في أربعة آلاف إلى العراق، فقدم الكوفة، ثم خرج منها فواقع هرقران المدار فقتله، وانهزم جيشه، وغرق أكثرهم في دجلة.
فلما وصل الناس إلى العراق وجدوا الفرس مضطربين في ملكهم، وآخر ما استقر عليه أمرهم أن ملكوا عليهم بوران بنت كسرى بعد ما قتلوا التي كانت قبلها آزرميدخت وفوضت بوران أمر الملك عشر سنين إلى رجل منهم يقال له: رستم بن فرخزاذ على أن يقوم بأمر الحرب، ثم يصير الملك إلى آل كسرى، فقبل ذلك.
وكان رستم هذا منجما يعرف النجوم وعلمها جيدا، فقيل له: ما حملك على هذا؟ يعنون وأنت تعلم أن هذا الأمر لا يتم لك، فقال: الطمع، وحب الشرف.