→ غزوة القادسية | البداية والنهاية – الجزء السابع فصل وقعة القادسية ابن كثير |
ذكرى من توفى في هذا العام من المشاهير ← |
كانت وقعة القادسية وقعة عظيمة لم يكن بالعراق أعجب منها، وذلك: أنه لما تواجه الصفان كان سعد رضي الله عنه قد أصابه عرق النسا، ودمامل في جسده فهو لا يستطيع الركوب، وإنما هو في قصر متكئ على صدره فوق وسادة وهو ينظر إلى الجيش ويدبر أمره، وقد جعل أمر الحرب إلى خالد بن عرفطة، وجعل على الميمنة جرير بن عبد الله البجلي، وعلى الميسرة قيس بن مكشوح، وكان قيس والمغيرة بن شعبة قد قدما على سعد مددا من عند أبو عبيدة من الشام بعدما شهدا وقعة اليرموك.
وزعم ابن إسحاق: أن المسلمين كانوا ما بين السبعة آلاف إلى الثمانية آلاف، وأن رستما كان في ستين ألفا، فصلى سعد بالناس الظهر، ثم خطب الناس فوعظهم وحثهم، وتلا قوله تعالى: { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } [الأنبياء: 105] وقرأ القراء آيات الجهاد وسوره.
ثم كبر سعدا أربعا، ثم حملوا بعد الرابعة فاقتتلوا حتى كان الليل فتحاجزوا، وقد قتل من الفرقين بشرٌ كثير، ثم أصبحوا إلى مواقفهم، فاقتتلوا يومهم ذلك وعامة ليلتهم، ثم أصبحوا كما أمسوا على مواقفهم، فاقتتلوا حتى أمسوا، ثم اقتتلوا في اليوم الثالث كذلك، وأمست هذه الليلة تسمى: ليلة الهرير.
فلما أصبح اليوم الرابع اقتتلوا قتالا شديدا، وقد قاسوا من الفيلة بالنسبة إلى الخيول العربية بسبب نفرتها منها أمرا بليغا، وقد أباد الصحابة الفيلة ومن عليها، وقلعوا عيونها، وأبلى جماعة من الشجعان في هذه الأيام مثل: طليحة الأسدي، وعمرو بن معدي كرب، والقعقاع بن عمرو، وجرير بن عبد الله البجلي، وضرار بن الخطاب، وخالد بن عرفطة، وأشكالهم وأضرابهم.
فلما كان وقت الزوال من هذا اليوم، ويسمى: يوم القادسية، وكان يوم الاثنين من المحرم سنة أربع عشرة كما قاله سيف بن عمر التميمي، هبت ريح شديدة فرفعت خيام الفرس عن أماكنها، وألقت سرير رستم الذي هو منصوب له، فبادر فركب بغلته وهرب فأدركه المسلمون فقتلوه، وقتلوا جالينوس مقدمة الطلائع القادسية، وانهزمت الفرس ولله الحمد والمنة عن بكرة أبيهم.
ولحقهم المسلمون في أقفائهم، فقتل يومئذ المسلسلون بكمالهم وكانوا ثلاثين ألفا، وقتل في المعركة عشرة آلاف، وقتلوا قبل ذلك قريبا من ذلك.
وقتل من المسلمين في هذا اليوم وما قبله من الأيام ألفان وخمسمائة رحمهم الله.
وساق المسلمون خلفهم المنهزمين حتى دخلوا وراءهم مدينة الملك، وهي المدائن التي فيها الإيوان الكسروي، وقد أذن لمن ذكرنا عليه فكان منهم إليه ما قدمنا، وقد غنم المسلمون من وقعة القادسية هذه من الأموال والسلاح ما لا يحد ولا يوصف كثره، فحصلت الغنائم بعد صرف الأسلاب وخمست، وبعث بالخمس والبشارة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وقد كان عمر رضي الله عنه يستخبر عن أمر القادسية كل من لقيه من الركبان، ويخرج من المدينة إلى ناحية العراق يستنشق الخبر، فينما هو ذات يوم من الأيام إذا هو براكب يلوح من بعد فاستقبله عمر فاستخبره.
فقال له: فتح الله على المسلمين بالقادسية، وغنموا غنائم كثيرة، وجعل يحدثه وهو لا يعرف عمر، وعمر ماش تحت راحلته، فلما اقتربا من المدينة جعل الناس يحيون عمر بالإمارة، فعرف الرجل عمر، فقال: يرحمك الله يا أمير المؤمنين هلا أعلمتني أنك الخليفة؟
فقال: لا حرج عليك يا أخي.
وقد تقدم أن سعدا رضي الله عنه كان به قروح وعرق النسا فمنعه من شهود القتال لكنه جالس في رأس القصر ينظر في مصالح الجيش، وكان مع ذلك لا يغلق عليه باب القصر لشجاعته، ولو فر الناس لأخذته الفرس قبضا باليد، لا يمتنع منهم، وعنده امرأته سلمى بنت حفص التي كانت قبله عند المثنى بن حارثة، فلما فر بعض الخيل يومئذ فزعت وقالت: وامثنياه، ولا مثنى لي اليوم. فغضب سعد من ذلك ولطم وجهها.
فقالت: أغيرة وجبنا؟ يعني: أنها تعيره بجلوسه في القصر يوم الحرب - وهذا عناد منها - فإنها أعلم الناس بعذره، وما هو فيه من المرض المانع من ذلك، وكان عنده في القصر رجل مسجون على الشراب كان قد حد فيه مرات متعددة، يقال: سبع مرات، فأمر به سعد فقيد وأودع في القصر فلما رأى الخيول تجول حول حمى القصر، وكان من الشجعان الأبطال، قال:
كفى حزنا أن تدحم الخيل بالفتى * واترك مشدودا علي وثاقيا
إذا قمت غناني الحديد وغلقت * مصاريع من دوني تصم المناديا
وقد كنت ذا مال كثير وأخوة * وقد تركوني مفردا لا أخاليا
ثم سأل من زبراء أم ولد سعد أن تطلقه وتعيره فرس سعد، وحلف لها أنه يرجع آخر النهار فيضع رجله في القيد فأطلقته، وركب فرس سعد، وخرج فقاتل قتالا شديدا، وجعل سعد ينظر إلى فرسه فيعرفها وينكرها ويشبهه بأبي محجن، ولكن يشك لظنه أنه في القصر موثق، فلما كان آخر النهار رجع فوضع رجله في قيدها، ونزل سعد فوجد فرسه يعرق، فقال: ما هذا؟
فذكروا له قصة أبو محجن فرضي عنه وأطلقه رضي الله عنهما.
وقد قال رجل من المسلمين في سعد رضي الله عنه:
نقاتل حتى أنزل الله نصره * وسعد بباب القادسية معصم
فأُبنا وقد آمت نساء كثيرة * ونسوة سعد ليس فيهم أيم
فيقال: أن سعدا نزل إلى الناس فاعتذر إليهم مما فيه من القروح في فخذيه وإليتيه، فعذره الناس.
ويذكر أنه دعا على قائل هذين البيتين وقال: اللهم إن كان كاذبا، أو قال: الذي قال رياءً وسمعةً وكذبا فاقطع لسانه ويده، فجاءه سهم وهو واقف بين الصفين، فوقع في لسانه فبطل شقه فلم يتكلم حتى مات.
رواه سيف: عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر فذكره.
وقال سيف: عن المقدام بن شريح الحارثي، عن أبيه قال: قال جرير بن عبد الله البجلي:
أنا جرير وكنيتي أبو عمرو * قد فتح الله وسعد في القصر
فأشرف سعد من قصره وقال * وما أرجو بجيلة غير أني أومل أجرها يوم الحساب
وقد لقيت خيولهم خيولا * وقد وقع الفوارس في الضراب
وقد دلفت بعرصتهم خيول * كان زهاءها إبل الجراب
فلولا جمع قعقاع بن عمرو * وحمال للجوا في الركاب
ولولا ذاك ألفيتم رعاعا * تسيل جموعكم مثل الذباب
وقد روى محمد بن إسحاق: عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم البجلي - وكان ممن شهد القادسية - قال: كان معنا رجل من ثقيف فلحق بالفرس مرتدا، فأخبرهم أن بأس الناس في الجانب الذي فيه بجيلة.
قال: وكنا ربع الناس، قال: فوجهوا إلينا ستة عشر فيلا، وجعلوا يلقون تحت أرجل خيولنا حسك الحديد، ويرشقوننا بالنشاب، فلكأنه المطر، وقربوا خيولهم بعضها إلى بعض لئلا ينفروا.
قال: وكان عمرو بن معد يكرب الزبيدي يمر بنا فيقول: يا معشر المهاجرين، كونوا أسودا فإنما الفارسي تيس.
قال: وكان فيهم أسوار لا تكاد تسقط له النشاب.
فقلنا له: يا أبا ثور، اتق ذاك الفارس فإنه لا يسقط له نشابة فوجه إليه الفارس، ورماه بنشابة فأصاب ترسه، وحمل عليه عمرو فاعتنقه فذبحه فاستلبه سوارين من ذهب ومنطقة من ذهب، ويلمقا من ديباج.
قال: وكان المسلمون ستة آلاف أو سبعة آلاف، فقتل الله رستما، وكان الذي قتله رجل يقال له: هلال بن علقمة التميمي، رماه رستم بنشابه فأصاب قدمه، وحمل عليه هلال فقتله واحتز رأسه.
وولت الفرس فاتبعهم المسلمون يقتلونهم فأدركوهم في مكان قد نزلوا فيه وأطمأنوا، فبينما هم سكارى قد شربوا ولعبوا إذ هجم عليهم المسلمون فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وقتل هنالك الجالينوس قتله زهرة بن حوية التميمي، ثم ساروا خلفهم، فكلما تواجه الفريقان نصر الله حزب الرحمن، وخذل حزب الشيطان وعبدة النيران، واحتاز المسلمون من الأموال ما يعجز عن حصره ميزان وقبان، حتى إن منهم من يقول: من يقايض بيضاء بصفراء لكثرة ما غنموا من الفرسان، ولم يزالوا يتبعونهم حتى جازوا الفرات وراءهم وفتحوا المدائن، وجلولاء على ما سيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله تعالى وبه الثقة.
وقال سيف بن عمرو: عن سليمان بن بشير، عن أم كثير امرأة همام بن الحارث النخعي قالت: شهدنا القادسية مع سعد مع أزواجنا، فلما أتانا أن قد فرغ من الناس شددنا علينا ثيابنا، وأخذنا الهراوي ثم أتينا القتلى، فمن كان من المسلمين سقيناه ورفعناه، ومن كان من المشركين أجهزنا عليه، ومعنا الصبيان فنوليهم ذلك - تعني استلابهم - لئلا يكشفن عن عورات الرجال.
وقال سيف بأسانيده: عن شيوخه قالوا: وكتب سعد إلى عمر يخبره بالفتح وبعدة من قتلوا من المشركين. وبعدة من قتل من المسلمين، بعث بالكتاب مع سعد بن عميلة الفزاري، وصورته:
أما بعد: فإن الله نصرنا على أهل فارس، ومنحناهم سنن من كان قبلهم من أهل دينهم بعد قتال طويل وزلزال شديد، وقد لقوا المسلمين بعدة لم ير الراؤن مثل زهائها، فلم ينفعهم الله بذلك بل سلبوه، ونقله عنهم إلى المسلمين، واتبعهم المسلمون على الأنهار، وصفوف الآجام، وفي الفجاج.
وأصيب من المسلمين سعد بن عبيد القاري وفلان وفلان، ورجال من المسلمين لا يعلمهم إلا الله فإنه بهم عالم، كانوا يدوون بالقرآن إذا جن عليهم الليل كدوي النحل، وهم آساد في النهار لا تشبههم الأسود، ولم يفضل من مضى منهم من بقي إلا بفضل الشهادة إذا لم تكتب لهم.
فيقال: أن عمر قرأ هذه البشارة على الناس فوق المنبر رضي الله عنهم.
ثم قال عمر للناس: إني حريص على أن لا أرى حاجة إلا سددتها، ما اتسع بعضنا لبعض، فإذا عجز ذلك عنا تأسينا في عيشنا حتى نستوى في الكفاف، ولوددت أنكم علمتم من نفسي مثل الذي وقع فيها لكم، ولست معلمكم إلا بالعمل إني والله لست بملك فأستعبدكم، ولكني عبد الله عرض علي الأمانة فإن أبيتها ورددتها عليكم، واتبعتكم حتى تشبعوا في بيوتكم وترووا سعدت بكم.
وإن أنا حملتها واستتبعتكم إلى بيتي شقيت بكم ففرحت قليلا وحزنت طويلا، فبقيت لا أقال ولا أرد فأستعتب.
وقال سيف عن شيوخه قالوا: وكانت العرب من العذيب إلى عدن أبين، يتربصون وقعة القادسية هذه يرون أن ثبات ملكهم وزواله بها، وقد بعث أهل كل بلدة قاصدا يكشف ما يكون من خبرهم، فلما كان ما كان من الفتح سبقت الجن بالبشارة إلى أقصى البلاد قبل رسل الإنس، فسمعت امرأة ليلا بصنعاء على رأس جبل وهي تقول:
فحييت عنا عكرمَ ابنة خالد * وما خير زاد بالقليل المصردِ
وحييت عني الشمس عند طلوعها * وحييت عني كل تاج مفردِ
وحيتك عني عصبة نخعية * حسان الوجوه آمنوا بمحمد
أقاموا لكسرى يضربون جنوده * بكل رقيق الشفرتين مهند
إذا ثوب الداعي أناخوا بكلكلٍ * من الموت مسود الغياطل أجرد
قالوا: وسمع أهل اليمامة مجتازا يغني بهذه الأبيات:
وجدنا الأكرمين بني تميم * غداة الروع أكثرهم رجالا
هموا ساروا بأرعن مكفهر * إلى لجب يرونهم رعالا
بحور للأكاسر من رجال * كأسد الغاب تحسبهم جبالا
تركن لهم بقادس عز فخر * وبالخيفين أياما طوالا
مقطعة أكفهم وسوق * بمرد حيث قابلت الرجالا
قالوا: وسمع ذلك في سائر بلاد العرب، وقد كانت بلاد العراق بكاملها التي فتحها خالد نقضت العهود والذمم والمواثيق التي كانوا أعطوها خالدا، سوى أهل بانقيا وبرسما، وأهل أُليس الآخرة، ثم عاد الجميع بعد هذه الواقعة التي أوردناها، وادعوا أن الفرس أجبروهم على نقض العهود، وأخذوا منهم الخراج، وغير ذلك.
فصدقوهم في ذلك تألفا لقلوبهم، وسنذكر حكم أهل السواد في كتابنا: (الأحكام الكبير) إن شاء الله تعالى.
وقد ذهب ابن إسحاق وغيره: إلى أن وقعة القادسية كانت في سنة خمس عشرة.
وزعم الواقدي: أنها كانت في سنة ستة عشرة.
وأما سيف بن عمرو وجماعة: فذكروها في سنة أربع عشرة، وفيها ذكرها ابن جرير. فالله أعلم.
قال ابن جرير والواقدي: في سنة أربع عشرة جمع عمر بن الخطاب الناس على أُبي بن كعب في التراويح، وذلك في شهر رمضان منها، وكتب إلى سائر الأمصار يأمرهم بالاجتماع في قيام شهر رمضان.
قال ابن جرير: وفيها: بعث عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان إلى البصرة، وأمره أن ينزل فيها بمن معه من المسلمين، وقطع مادة أهل فارس عن الذين بالمدائن ونواحيها، منهم في قول المدائني، وروايته.
قال: وزعم سيف أن البصرة إنما مصرت في ربيع من سنة ست عشرة، وأن عتبة بن غزوان إنما خرج إلى البصرة من المدائن بعد فراغ سعد من جلولاء وتكريت، وجهه إليها سعد بأمر من عمر رضي الله عنهم.
وقال أبو مخنف: عن مجالد، عن الشعبي رضي الله عنهم: أن عمر بعث عتبة بن غزوان إلى أرض البصرة في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، وسار إليه من الأعراب ما كمل معه خمسمائة، فنزلها في ربيع الأول سنة أربع عشرة، والبصرة يومئذ تدعى: أرض الهند، فيها حجارة بيض خشنة، وجعل يرتاد لهم منزلا حتى جاؤا حيال الجسر الصغير فإذا فيه حلفا وقصب نابت، فنزلوا.
فركب إليهم صاحب الفرات في أربعة آلاف أسوار، فالتقاه عتبة بعدما زالت الشمس، وأمر الصحابة فحملوا عليهم فقتلوا الفرس عن آخرهم، وأسروا صاحب الفرات، وقام عتبة خطيبا فقال في خطبته:
إن الدنيا قد آذنت بصرم، وولت حذاء، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وإنكم منتقلون منها إلى دار القرار، فانتقلوا عما بحضرتكم فقد ذكر لي لو أن صخرة ألقيت من شفير جهنم هوت سبعين خريفا ولتملأنه، أو عجبتم؟!
ولقد ذكر لي أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام، ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة، وأنا مع رسول الله ﷺ ما لنا طعام إلا ورق السمر، حتى تقرحت أشداقنا، والتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد فما منا من أولئك السبعة من أحد إلا هو أمير على مصر من الأمصار، وسيجربون الناس بعدنا.
وهذا الحديث في صحيح مسلم بنحو من هذا السياق.
وروى علي بن محمد المدائني: أن عمر كتب إلى عتبة بن غزوان حين وجهه إلى البصرة:
يا عتبة، إني استعملتك على أرض الهند وهي حومة من حومة العدو، وأرجو أن يكفيك الله ما حولها، وأن يعينك عليها، وقد كتبت إلى العلاء بن الحضرمي يمدك بعرفجة بن هرثمة.
فإذا قدم عليك فاستشره وقربه، وادع إلى الله، فمن أجابك فأقبل منه، ومن أبى فالجزية عن صغار وذلة، وإلا فالسيف في غير هوادة.
واتق الله فيما وليت، وإياك أن تنازعك نفسك إلى كبر فتفسد عليك آخرتك، وقد صحبت رسول الله ﷺ فعززت بعد الذلة، وقويت بعد الضعف، حتى صرت أميرا مسلطا، وملكا مطاعا، تقول فيسمع منك، وتأمر فيطاع أمرك، فيالها نعمة إذا لم ترق فوق قدرك وتبطر على من دونك.
احتفظ من النعمة احتفاظك من المعصية، وهي أخوفهما عندي عليك أن يستدرجك ويخدعك فتسقط سقط فتصير بها إلى جهنم، أعيذك بالله ونفسي من ذلك أن الناس أسرعوا إلى الله حتى رفعت لهم الدنيا فأرادوها، فأرد الله ولا ترد الدنيا واتق مصارع الظالمين.
وقد فتح عتبة الأبلة في رجب أو شعبان من هذه السنة.
ولما مات عتبة بن غزوان في هذه السنة استعمل عمر على البصرة المغيرة بن شعبة سنتين، فلما رمي بما رمي به عزله وولى عليها أبا موسى الأشعري رضي الله عنهم.
وفي هذه السنة: ضرب عمر بن الخطاب ابنه عبيد الله في الشراب هو وجماعة معه.
وفيها: ضرب أبا محجن الثقفي في الشراب أيضا سبع مرات، وضرب معه ربيعة بن أمية بن خلف.
وفيها: نزل سعد بن أبي وقاص الكوفة.
وحج بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب، قال: وكان بمكة: عتاب بن أسيد، وبالشام: أبو عبيدة، وبالبحرين: عثمان بن أبي العاص. وقيل: العلاء بن الحضرمي، وعلى العراق: سعد، وعلى عمان: حذيفة بن محصن.