→ فتح ماسبذان من أرض العراق | البداية والنهاية – الجزء السابع فتح قرقيسيا وهيت في هذه السنة ابن كثير |
ثم دخلت سنة سبع عشرة ← |
قال ابن جرير وغيره: لما رجع هاشم من جلولاء إلى المدائن، وكان أهل الجزيرة قد أمدوا أهل حمص على قتال أبي عبيدة وخالد - لما كان هرقل بقنسرين - واجتمع أهل الجزيرة في مدينة هيت.
كتب سعد إلى عمر في ذلك، فكتب إليه: أن يبعث إليهم جيشا، وأن يؤمر عليهم عمر بن مالك بن عتبة بن نوفل بن عبد مناف، فسار فيمن معه من المسلمين إلى هيت، فوجدهم قد خندقوا عليهم، فحاصرهم حينا، فلم يظفر بهم.
فسار في طائفة من أصحابه، واستخلف على محاصرة هيت الحارث بن يزيد، فراح عمر بن مالك إلى قرقيسيا فأخذها عنوة، وأنابوا إلى بذل الجزية، وكتب إلى نائبه على هيت: إن لم يصالحوا أن يحفر من وراء خندقهم خندقا، ويجعل له أبوابا من ناحيته.
فلما بلغهم ذلك أنابوا إلى المصالحة.
قال شيخنا أبو عبد الله الحافظ الذهبي: وفي هذه السنة بعث أبو عبيدة عمرو بن العاص بعد فراغه من اليرموك إلى قنسرين، فصالح أهل حلب، ومنبج، وأنطاكية، على الجزية، وفتح سائر بلاد قنسرين عنوة، قال:
وفيها افتتحت سروج والرها على يدي عياض بن غنم.
قال: وفيها فيما ذكر ابن الكلبي: سار أبو عبيدة وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فحاصر إيليا فسألوا الصلح على أن يقدم عمر فيصالحهم على ذلك، فكتب أبو عبيدة إلى عمر فقدم حتى صالحهم، وأقام أياما ثم رجع إلى المدينة.
قلت: قد تقدم هذا فيما قبل هذه السنة والله أعلم.
قال الواقدي: وفي هذه السنة حمى عمر الربذة بخيل المسلمين.
وفيها: غرب عمر أبا محجن الثقفي إلى باضع.
وفيها: تزوج عبد الله بن عمر صفية بنت أبي عبيد.
قلت: الذي قتل يوم الجسر، وكان أمير السرية، وهي: أخت المختار بن أبي عبيد، أمير العراق فيما بعد، وكانت امرأة صالحة، وكان أخوها فاجرا وكافرا أيضا.
قال الواقدي: وفيها حج عمر بالناس، واستخلف على المدينة زيد بن ثابت.
قال: وكان نائبه على مكة عتاب، وعلى الشام أبو عبيدة، وعلى العراق سعد، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص، وعلى اليمن يعلى بن أمية، وعلى اليمامة والبحرين العلاء بن الحضرمي، وعلى عُمان حذيفة بن محصن، وعلى البصرة المغيرة بن شعبة، وعلى الموصل ربعي الأفكل، وعلى الجزيرة عياض بن غنم الأشعري.
قال الواقدي: وفي ربيع الأول من هذه السنة - أعني: سنة ست عشرة - كتب عمر بن الخطاب التاريخ، وهو أول من كتبه.
قلت: قد ذكرنا سببه في سيرة عمر، وذلك: أنه رفع إلى عمر صك مكتوب لرجل على آخر بدين يحل عليه في شعبان، فقال: أي شعبان؟ أَمِنْ هذه السنة أم التي قبلها أم التي بعدها؟.
ثم جمع الناس فقال: ضعوا للناس شيئا يعرفون فيه حلول ديونهم.
فيقال: أنهم أراد بعضهم أن يؤرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكهم، كلما هلك ملك أرخوا من تاريخ ولاية الذي بعده، فكرهوا ذلك.
ومنهم من قال: أرخوا بتاريخ الروم من زمان إسكندر، فكرهوا ذلك، ولطوله أيضا.
وقال قائلون: أرخوا من مولد رسول الله ﷺ.
وقال آخرون: من مبعثه عليه السلام.
وأشار علي بن أبي طالب وآخرون: أن يؤرخ من هجرته من مكة إلى المدينة لظهوره لكل أحد، فإنه أظهر من المولد والمبعث.
فاستحسن ذلك عمر والصحابة، فأمر عمر أن يؤرخ من هجرة رسول الله ﷺ، وأرخوا من أول تلك السنة من محرمها.
وعند مالك رحمه الله فيما حكاه عن السهيلي وغيره: أن أول السنة من ربيع الأول لقدومه عليه السلام إلى المدينة.
والجمهور: على أن أول السنة من المحرم، لأنه أضبط لئلا تختلف الشهور، فإن المحرم أول السنة الهلالية العربية.
وفي هذه السنة - أعني: سنة ست عشرة - توفيت مارية أم إبراهيم ابن رسول الله ﷺ، وذلك في المحرم منها، فيما ذكره الواقدي وابن جرير وغير واحد.
وصلى عليها عمر بن الخطاب، وكان يجمع الناس لشهود جنازتها، ودفنت بالبقيع رضي الله عنها وأرضاها، وهي: مارية القبطية أهداها صاحب الإسكندرية، -وهو جريج بن مينا - في جملة تحف وهدايا لرسول الله ﷺ، فقبل ذلك منه، وكان معها أختها شيرين التي وهبها رسول الله ﷺ لحسان بن ثابت، فولدت له ابنه عبد الرحمن بن حسان.
ويقال: أهدى المقوقس معهما جاريتين أخرتين، فيحتمل أنهما كانتا خادمتين لمارية وشيرين.
وأهدى معهن غلاما خصيا اسمه: مابور، وأهدى مع ذلك بغلة شهباء اسمها: الدلدل، وأهدى حلة حرير من عمل الإسكندرية.
وكان قدوم هذه الهدية في سنة ثمان.
فحملت مارية من رسول الله ﷺ بإبراهيم عليه السلام، فعاش عشرين شهرا، ومات قبل أبيه رسول الله ﷺ بسنة سواء.
وقد حزن عليه رسول الله ﷺ، وبكى عليه، وقال: « تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ». وقد تقدم ذلك في سنة عشر.
وكانت مارية هذه من الصالحات الخيرات الحسان، وقد حظيت عند رسول الله ﷺ وأعجب بها، وكانت جميلة ملاحة أي: حلوة، وهي تشابه هاجر سرية الخليل، فإن كلا منهما من ديار مصر، وتسراها نبي كريم، وخليل جليل عليهما السلام.