→ الثالث عشر ما جاء في التنزيل دالاً على جواز تقدم خبر المبتدأ | إعراب القرآن للسيوطي
(الرابع عشر) ما جاء في التنزيل وقد حُذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه |
الخامس عشر ما جاء في التنزيل من حذف الجار والمجرور ← |
(الرابع عشر) ما جاء في التنزيل وقد حُذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه
وهو جائز حسن في العربية يعد من جملة الفصاحة والبلاغة.
وقد ذكره سيبويه في غير موضع من كتابه.
فمن ذلك قوله: " وبالآخرة هم يوقنون " والتقدير: وبالدار الآخر ' هم يوقنون.
ومن ذلك قوله: " وإنه في الآخرة لمن الصالحين " أي: في الدار الآخرة.
كما أن قوله: " ولقد اصطفيناه في الدنيا " أي: في الدار الدنيا.
دليله قوله: " وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خيرٌ ".
وما جاء في التنزيل من قوله: " ولدار الآخرة خير " فهو على تقدير: ولدار الساعة الآخرة فتكون الآخرة صفة للساعة المضمرة.
وعليه قراءة ابن عامر في قوله: " ولدار الآخرة خير للذين اتقوا " في الأنعام.
وليست الدار مضافة إلى الآخرة لأن الشيء لا يضاف إلى صفته كما لا يضاف إلى نفسه.
وعلى هذا: مسجد الجامع أي الوقت الجامع وصلاة الأولى أي: صلاة الساعة الأولى و " دين القيمة " أي: الملة القيمة وكذلك " حب الحصيد " أي: حب الزرع الحصيد و " حق اليقين " أي: حق العلم اليقين.
فمن قال بخلاف ذا فقد أخطأ.
ومن ذلك قوله تعالى: " آمنوا كما آمن الناس " أي: آمنوا إيمانا مثل إيمان الناس " قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء " أي أنؤمن إيماناً كإيمان السفهاء.
فحذف الموصوف وأقيمت الكاف التي هي صفته بمقامه.
وعلى هذا جميع ما جاء في التنزيل من قوله: كما.
ومثله: كذلك في نحو قوله: " كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم " أي قولاً مثل ذلك قال الذين لا يعلمون.
ويكون مثل قولهم بدلاً من الأول وتفسيراً.
ومثله: " كذلك الله يفعل ما يشاء " و: " كذلك الله يخلق ما يشاء ".
ومثله: " كذلك قال ربك " أي: فعلا مثل ذلك وقولاً مثل ذلك.
وأما قوله: " كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم " إن شئت كان وصفاً لمصدر قوله: " ولأتم نعمتي عليكم " على تقدير: إتماما مثل إرسالنا الرسول.
وإن شئت كان من صلة قوله: " فاذكروني أذكركم " أي: ذكرا مثل إرسالنا الرسول.
وأما قوله: " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق " فإن شئت كان صفة لمصدر خبر مبتدأ تقدم ذكره على تقدير: " قل الأنفال لله والرسول " أي: الأنفال ثابتة لله ثبوتاً كثبوت إخراج ربك إياك وإن شئت: فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم إصلاحاً مثل إخراجك من بيتك.
وأما قوله تعالى: " كما بدأكم تعودون " أي: تودون عودا مثل بدئنا إياكم كقوله: " بدأنا أول خلق ".
وعلى هذا قياس كاف التشبيه في التنزيل وهذا نوع آخر من حذف الموصوف.
ومن ذلك " ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا " فريق " يود أحدهم " فحذف الموصوف وجعل يود وصفاً له.
وقدره آخرون: ولتجدنهم ومن الذين أشركوا أي: ولتجدنهم وطائفة من الذين أشركوا أحرص الناس فهو وصف لموصوف منصوب معطوف على مفعول لتجدنهم.
وقدره الفراء: من يود.
ومن إن كان موصولاً فلا يجوز إضماره وإن كان موصوفاً جاز إضماره كقول حسان: فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء أي: من يمدحه ومن ينصره.
ويكون من موصوفاً.
ومن لم يقف على حياة فإنما أدخل من على قوله: " ومن الذين أشركوا " حملاً على المعنى.
إذ المعنى: ولتجدنهم أحرص من الناس ومن الذين أشركوا.
ومن ذلك قوله تعالى: " من الذَّين هادوا يحرفون الكلم " قال أبو علي: ومن الذين هادوا فريق يحرف الكلم فحذف الموصوف كما قال: " ومن آياته يريكم البرق ".
أي: ومن آياته آية يريكم البرق.
دليله قوله: " ومن الذين هادوا سمّاعون للكذب سمّاعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه " أي: سماعون من أجل الكذب.
أي: يسمعون ليكذبوا عليك ويحرفوا ما سمعوا.
فقوله يحرفون صفة لقوله سماعون وليس بحال من الضمير الذي في يأتوك.
ألا ترى أنهم إذا لم يأتوا لم يسمعوا فيحرفوا وإنما التحريف ممن يشهد ويسمع ثم يحرف.
وإذا كان كذلك فالمحرفون من اليهود بعضهم وإذا كانوا بعضهم لا جميعهم كان حمل قوله: من الذين هادوا فريق يحرفون الكلم أشبه من حمله على ما أحببنا نحن به أحد شيوخنا لأنه لهذه الآية أوفق.
يعني بذلك حين سأله أحد شيوخه عن تعلق منْ في قوله: " من الذين هادوا " فأجابه بأنه يتعلق ب نصير من قوله " وكفى بالله نصيراً ".
كقوله " فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا " فإن قلت: فلم لا نجعل قوله " يحرفون " حالاً منها في " لم يأتوك " على حد " هدياً بالغ الكعبة " أي: مقدرا البلوغ فيه فإن الذي قدمناه أظهر إن شاء الله.
ومن حذف الموصوف قوله: " أو جاءوكم حصرت صدورهم " أي: قوماً حصرت صدورهم فحذف الموصوف وقدر قوم فيه.
أي: قد حصرت صدورهم ليكون نصباً على الحال.
وقال قوم: هو على الدعاء.
ومن حذف الموصوف قوله: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " أي: عشر حسنات أمثالها.
فحذف الموصوف.
وفيه وجهان آخران نخبرك عنهما في بابيهما إن شاء الله.
ومن حذف الموصوف قوله تعالى: " ولقد جاءك من نبإ المرسلين " أي: شيء من نبأ المرسلين.
لا بد من هذا التقدير لأنك لو لم تقدر هذا لوجب عليك تقدير زيادة من في الواجب وليس مذهب صاحب الكتاب.
ومثله قراءة من قرأ: " يرسل عليكما شواظ من نارٍ ونحاس " بالجر.
تقديره: وشيء من نحاس.
فحذف الموصوف إذ لا يجوز جر نحاس على النار لأن النحاس لا يكون منه شواظ.
ومن حذف الموصوف قوله: " وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء " أي: ما أنتم بمعجزين من في الأرض.
فمن موصوف وقد حذفه.
ومن حذف الموصوف: " ودانية عليهم ظلالها " أي: " وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا.
ودانية " أي: وجنة دانية فحذف الموصوف.
ومثله " وما منا إلا له مقام معلوم " أي ما منا أحد إلا ثابت له مقام فالظرف صفة ل أحد المضمر.
ولا بد من تقديره ليعود الهاء إليه وهذا يدل على قول الفقهاء حيث قالوا فيمن قال لعبده: إن كان في هذا البيت إلا رجل فأنت حر.
فإذا كان فيه رجل وصبي فإنه يحنث لأن التقدير: إن كان في هذا البيت أحد إلا رجل والصبي من جملة الأحد إلا أن يعني أحداً من الرجال فيدَّين إذ ذلك.
والذي يقوله النحويون في قولهم ما جاءني إلا زيد: زيد فاعل ل جاء وأحد غير مقدر وإن كان المعنى عليه لأن تقدير أحد يجوز نصب زيد ولم يرد عن العرب نصبه في شيء من كلامهم بتة.
وحذف أحد جاء في التنزيل وإن لم يكن موصوفاً كقوله " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به " والتقدير: وإن من أهل الكتاب أحد.
كذا: " وإن منكم إلا واردها " أي: إن منكم أحد.
وإن جعلت الظرفين في الآيتين وصفاً ل أحد على تقدير: وإن أحد ثابت من أهل الكتاب وإن أحد منكم إلا واردها كان وجها.
وإن طلبت شاهداً على حذف أحد من أشعارهم فقد أنشد سيبويه: أي: ما في قومها أحد يفضلها.
ولفظ سيبويه في ذلك: وسمعنا بعض العرب الموثوق به يقول: ما منهم مات حتى رأيته في حال كذا وكذا.
وإنما أراد: ما منهم أحد مات ومثل ذلك " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننَّ به قبل موته " ومثل ذلك في الشعر للنابغة: كأنك من جمال بنى أقيش يقعقع خلف رجليه بشن أي: كأنك جمل من جمال بني أقيش.
ومن ذلك قوله تعالى: " ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم " والتقدير: وقوم أخذنا ميثاقهم فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه.
وقيل: إن التقدير: وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم ففصل بين الواو والفعل.
وقيل: هو محمول على قوله: " ولقد أخذ الله ميثاق بَنِي إسرائيل " " ومن الذين قالوا " فحمل على المعنى.
ومن ذلك قوله: " وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق " أي: قوم مردوا " وآخرون " " والذين اتخذوا ".
والمعنى: ومنهم آخرون ومنهم الذين اتخذوا.
ومن ذلك قوله: " كبرت كلمة تخرج من أفواههم " أي: كبرت كلمة تخرج فحذف وأقام الجملة وقال أبو علي: يحتمل ضربين: أحدهما: أن يكون في كبرت ضمير مما جرى من اتخاذ الولد وأنث على المعنى لأن ذلك كلمة فعلى هذا لا يكون بمنزلة نِعْمَ لأن فاعل نعم لا يكون معهوداً.
وتكون كلمة على هذا منتصبة على الحال.
كما أن مقتاً في قوله " كبر مَقْتاً عند الله أن تقولوا " حال.
ويجوز أن تجعله بمنزلة نِعْمَ وتضمر فيها شائعا كما تضمر في: نِعْمَ رجلاً.
فإذا جعلته كذلك احتمل قوله: " تخرج من أفواههم " أمرين ولكن لا بد منها لتبيين الضمير.
والآخر: أن يكون صفة للمخصوص بالذم وقد حذف والتقدير: كبرت الكلمة كلمةً تخرج من أفواههم فحذف المخصوص بالذم لأنه إذا جاز أن يحذف بأسره في نحو: نعم العبد كان أن يحذف وتبقى صفتها أجود.
وإن جعلت قوله " تخرج من أفواههم " صلة ل كلمة المذكورة كان المخصوص بالذم مرادا ويكون ذلك قولهم " اتخذ الله ولداً " فحذف ولم يذكر لجرى ذكرها كما لم يذكر أيُّوب في قوله " نعم العبد " لجرى ذكره.
ومن ذلك قوله تعالى: " وقولوا للنّاس حسناً " أي: قولا ذا حسن فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه بعد حذف المضاف.
ومن قرأ حسناً فالتقدير: قولاً حسناً.
قال أبو علي: وحسُن ذلك في حَسَن لأنه ضارع الصفة التي تقوم مقام الأسماء نحو: الأبرق ومثل ذلك في حذف الموصوف قوله: " قال ومن كفر فأمتعه قليلاً " أي متاعاً قليلاً يدلك على ذلك قوله: " قل متاع الدنيا قليلٌ ".
وقوله: " لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل " يحسن هذا وإن كان قد جرى على الموصوف في قوله: " إن هؤلاء لشرذمة قليلون ".
وكذلك يحسن في قوله: " وقولوا للناس حسناً ".
وأما قوله: " ثم بدل حسنا بعد سوء " فينبغي أن يكون اسماً لأنه قد عودل به مالا يكون إلا اسما وهو السوء.
وأما قوله: " وإما أن تتخذ فيهم حسناً " فيمكن أن يكون: أمرا ذا حسن ويمكن أن يكون: الحسن مثل الحلو.
ومن ذلك قوله: " فقليلاً ما يؤمنون " أي: إيماناً قليلاً يؤمنون.
ف قليلا صفة إيمان وقد انتصب ب يؤمنون أعني: إيماناً.
وكذلك قوله: " قليلاً ما تذكرون " أي: تذكرا قليلا تذكرون.
و " قليلاً ما تشكرون " أي: شكراً قليلاً تشكرون.
ومعنى " فقليلاً ما يؤمنون " أي: الإيمان لهم لأن القلة يراد به النفي.
قال سيبويه: قَّل رجل يقول ذاك إلا زيد.
والمعنى: ما رجل يقول ذاك إلا زيد.
فزيد لا يجوز فيه إلا الرفع لأنه منفي وكذلك: قلما سرت حتى أدخلها بالنصب.
كما تقول: ما سرت حتى أدخلها.
وأما قوله: " فلا يؤمنون إلا قليلاً ".
فقد قال أبو علي: قلة إيمانهم قولهم: الله ربنا والجنة والنار حق.
وليس هذا بمدح إيمانهم إذ ليس القدر مما يستحق به الجنة ولا يكون التقدير إلا جماعة قليلاً لقوله: " لعنهم الله ".
فعمَّهم باللعن.
وإنما التقدير: إيماناً قليلاً.
وأما قوله: " كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون " أي: قليلاً في العدد من الليل لم يهجعوا عن الضحّاك وهو ضعيف.
لأنه قدم الجار على المنفى.
وقيل: كانوا قليلاً هجوعهم وما مصدرية فتكون بدلاً من الضمير في كانوا أي: يرتفع بالظرف.
و " قليلاً من الليل " خبره لأنه حدث والجملة في موضع خبر كان.
قال الشيخ: هذا سهو منه لأنه إذا ارتفع بالظرف لم يرتفع بالابتداء وإذا لم يرتفع بالابتداء لم يكن قليلاً خبراً لا سيما وقليلاً منصوب فكيف يكون خبر ما إنما نصبه لأنه خبر كان.
ولا يمتنع أن يكون قليلاً خبراً عن ما وصلته وإن لم يجز أن يكون خبراً عن المبدل منه لأن المقصود الآن هو البدل.
ولا يجوز أن يرتفع ما ب قليل وهو موصول بالظرف لأن القليل لما وصلت به من قول " من الليل وإن علقت من الليل بكانوا أو ب قليل ما نفي لم يجز ألا ترى أن قليلاً على هذا الخبر للضمير الذي في كانوا ولا يكون من الليل فلا يتعلق أيضاً ب كانوا على حد قولك: كانوا من الليل.
ولم يرض أبو علي أن يكون من الليل مثل قوله: " من الزاهدين " " وأنا على ذلكم من الشاهدين ".
قال أبو علي: في الآى التي تقدم ذكرها فصل نقلته لك وهو أنه قال في قوله " فقليلاً ما يؤمنون ".
أي: فلا يؤمنون إلا إيماناً قليلاً كما تقول ضربته يسيراً وهيناً.
وقال: " والذين يمكرون السيئات " أي: المكرات السيئات.
ويجوز أن يكون " فلا يؤمنون إلا قليلاً " أي: لا يؤمنون إلا نفراً قليلاً كقوله: " وما آمن معه إلا قليل ".
فهذا قلة في العدد ويكون حالاً.
ولا يراد به القلة التي هي الوضع والتي هي خلاف الكثرة في قوله: وأنت كثير يابن مروان طيب وما روى من قوله: المرء كثير بأخيه لأن ذلك لا يوصف به المؤمنون.
وعكسه: " فأبى أكثر الناس إلا كفوراً ".
فأما قوله: " ولا يأتون البأس إلا قليلاً " فيكون العدد من الذل لأنهم لكفرهم لا يكثرون عند البأس فهم خلاف الأنصار الذين قال فيهم: إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع.
وقوله تعالى: " عما قليل ليصبحن نادمين " ليس هو من قلة العدد كأنه: عن زمان قليل يندمون.
و " عَمَّا " متعلق بمحذوف يدل عليه " ليصبحن نادمين ".
ومن حذف الموصوف قوله: " نِعمَّا يعظكم به " أي: نعم شيئاً يعظكم به موعظته فحذف المخصوص بالمدح وكلاهما حسن.
ومنه قوله: " ولا تزال تطلع على خائنة " أي: فرقة خائنة.
وقيل: على خيانة.
وقيل: الهاء للمبالغة.
فأما قوله: " فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية " أي: بالصيحة الطاغية.
فحذف الموصوف.
وقيل: بفعل النفس الطاغية.
فحذف المضاف والموصوف وهو عاقر الناقة.
وقيل: بل الطاغية للطغيان أي: أهلكوا بطغيانهم كالكاذبة.
وقال: " كذبت ثمود بطغواها ".
وقيل: بالذنوب الطاغية أي: المطغية.
ولما قال: " وأما عاد فأهلكوا بريح صرصرٍ " فذكر العذاب اقتضى ذلك الوجه الأول كي يكون المعطوف كالمعطوف عليه.
واعلم أن فاعلة التي بمنزلة العافية والعاقبة أريتك في هذه الآى الثلاث الخائنة و الكاذبة و الطاغية.
وفي آيتين الخالصة في قوله: وقال: " إنا أخلصناهم بخالصة " أي: بإخلاصهم أو بالخلوص لهم ذكرى الدار.
فهذه خمسة مواضع حضرتنا الآن.
ومثله الكافة فهو كالعافية والعاقبة ونحوه.
ويدل عليه قوله: " ادخلوا في السلم كافة " فأوقع على الجماعة.
وقال: " وما أرسلناك إلا كافة ".
ومثله الفاحشة في قوله: " والذين إذا فعلوا فاحشة " وقوله: " إلا أن يأتين بفاحشة ".
هي فاعلة بمعنى المصدر عن أبي علي وعن غيره بل هي صفة موصوف محذوف أي: فعلوا خصلة فاحشة وإن يأتين بخصلة فاحشة.
ومثله " لا تسمع فيها لاغية " قيل: لغواً مثل العافية.
وقيل: كلمة لاغيةً.
وقيل: قائلُ لغوٍ.
ومثله قوله تعالى: " أئّنا لمردودون في الحافرة " " أئذا كنَّا عظاماً نخرة " أو ناخره نرد في الحافرة.
ف إذا في موضع نصب بهذا الفعل.
والحافرة مصدر كالعاقبة والعافية " ليس لوقعتها كاذبة " كأنه أراد نرد إلى الطريق الذي حفرناه بسلوكنا.
ومن حذف الموصوف جميع ما جاء في التنزيل من قوله: " وعملوا الصالحات " والتقدير: وعملوا الخصال الصالحات.
كما أن السيئات في قوله: " وكفِّر عنَّا سيَّئاتنا " و " نكفر عنكم سيئاتكم " أي: الخصال السيئات.
ومن ذلك قوله: " واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر " فحذف للدلالة عليه نحو قوله " ومن آياته يريكم البرق ".
وقال: " منهم الصالحون ومنهم دون ذلك " فحذف الموصوف.
وقال: " وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ".
أي: فريق دون ذلك.
وعلى قياس قول أبي الحسن يكون دون في موضع الرفع ولكنه جرى منصوباً في كلامهم.
وعلى محمل قراءة من قرأ " لقد تقطع بينكم " على أنه ظرف ووقع موقع الفاعل.
وكذا قوله: " يوم القيامة يفصل بينكم " فيمن قرأه مرتباً للمفعول بجعله قائماً مقام الفاعل لأنه جرى منصوباً.
ويجوز لقد تقطع بينكم على: ما بينكم فحذف الموصوف دون الموصول.
ومنه قوله: " ومن تاب وعمل صالحاً " أي: عملاً صالحاً لقوله قبله: " وعمل عملاً صالحاً " وقال: " يبدل الله سيئاتهم حسناتٍ " أي: الأعمال السيئات الأعمال الحسنات فلم أعده لك.
وصاحب الكتاب يقول: لو بمنزلة إن في هذا الموضع تبنى عليها الأفعال فلو قلت: ألا ماء ولو بارد لم يحسن إلا النصب لأن بارداً صفة.
ولو قلت: ائتنى ببارد كان قبيحاً.
ولو قلت: ائتنى بتمر كان حسنا ألا ترى كيف قبح أن تضع الصفة موضع الاسم.
ومن ذلك قوله تعالى: " ولا تكونوا أول كافر به " أي: فريق كافر به فحذف الفريق.
ومن ذلك قوله تعالى: " الخبيثات للخبيثين " أي: النساء الخبيثات للرجال الخبيثين.
وقيل: الكلمات الخبيثات للرجال الخبيثين وكذا التقدير فيما بعدها.
ومن ذلك قوله: " عن قولهم الإثم " أي: عن قولهم كلاماً ذا الإثم.
قال أبو علي: ويكون من باب: ضرب الأمير ونسج اليمن وتقديره: عن قولهم كلاماً مأثوماً فيه.
ومن ذلك قوله تعالى: " لا تغلوا في دينكم غير الحق ".
فقد قيل: هو موضعه مصدر محذوف وقيل: منتصب بفعل مضمر.
وعندي أنه على الاستثناء المنقطع وليس على: تغلوا غلوا غير الحق لأن غُلُوا نكرة وإن كان لا يتعرف في غير هذا الموضع بالإضافة فقد تعرف هنا إذ ليس إلا بالحق أو الباطل.
ومن ذلك قوله تعالى: " ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار " يجوز أن يكون من زيادة على قياس قول أبي الحسن.
ويجوز أن يكون على حذف الموصوف أي: وأوزارا من أوزار الذين يضلونهم.
ويؤكد هذا قوله: " وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم فكما أن مع صفة فكذلك الجار ها هنا.
ومن ذلك قوله تعالى: " ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً " أي: ما تتخذون ومن ذلك قوله تعالى: " وقل رب ارحمهما كما ربيانِي صغيراً " أي: ارحمهما رحمة مثل رحمة تربيتهما إياى صغيراً فحذف ذا الكلام.
ومعنى رحمة التربية: الرحمة التي كانت عنها التربية مثل ضرب التلف.
ويجوز أن يكون المعنى: على ما ربياني صغيراً.
وكذلك تأول أبو الحسن قوله: " فاستقم كما أمرت ".
أي: على ما اُمرت فكذلك ارحمهما على ذلك.
ونحو منه في أول السورة: " ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير ".
التقدير: دعاء مثل دعائه الخير.
ومن ذلك قوله تعالى: " فمكث غير بعيد " أي: زماناً غير بعيد من الزمان فيكون فاعل مكث سليمان.
وقيل الفاعل: الهدهد أي: بمكان غير بعيد.
ومن ذلك قوله: " وحب الحصيد " أي: وحبّ الزرع الحصيد.
" وحبل الوريد " أي: حبل عرق الوريد.
و " دين القيمة " و " حق اليقين " كل هذا على حذف المضاف الموصوف.
ومن ذلك قوله تعالى: " أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم " يحتمل موضع " الذين من الأول: أن يكون رفعاً بالعطف على قوم تبع تقديره: أهم خير أم هذا فإذا جعلته على هذا أمكن في صلة الذين أن تكون أهلكناهم ويكون من قبلهم متعلقاً به.
ويجوز أن يكون صلة الذين من قبلهم فيكون على هذا في الظرف عائد إلى الموصول.
فإذا كان كذلك كن أهلكناهم على أحد أمرين: إما أن يكون يريد فيه حرف العطف وقد يكون في موضع الحال أو يقدر حذف موصوف كأنه: قوما أهلكناهم.
وهذان على قول أبي الحسن.
والمعنى: أفلا تعتبرون أنا إذا قدرنا على إهلاك هؤلاء واستئصالهم قدرنا على إهلاك هؤلاء المشركين.
ويجوز أن يكون الذين مبتدأ وأهلكناهم الخبر أي: الذين من قبل هؤلاء أهلكناهم فلمَ لا تعتبرون.
والثاني يجوز أن يجعل الذين جراً بالعطف على تبَّع أي قوم تبع والمهلكين من قبلهم.
ومن ذلك ما قاله الفرّاء في قوله: " وإذا رأيت ثم " أي: ما ثم فحذف.
وقال أبو علي: قول الكسائي وإجازته: نعم الرجل يقوم وأنه منع في النصب: نعم رجلاً يقوم.
فأما منعه في النصب فبيِّن وذلك أن يقوم يصير صفة للنكرة فيخلو الكلام من مقصود بالذم أو المدح مخصوص به وإذا خلا منه لم يجز.
ولو زاد في الكلام مقصوداً بالمدح جازت المسألة.
وأما: نعم الرجل يقوم فإنه أجازه على أنه أقام الصفة مقام الموصوف كأنه: نعم الرجل رجل يقوم فحذف رجلا المقصود بالمدح أو الذمِ.
قال أبو بكر: هذا عندي لا يجوز لأن إقامة الصفة مقام الموصوف إذا كانت الصفة فعلاً غير مستحسن.
قال: فإذا كان كذلك وجب ألا يجوز إذا لم يكن اسماً إذ الاسم الموافق للمحذوف في أنه مثله اسم لذلك غير مستحسن فيه فإن هذا الذي ذكره حسن.
فإن قيل: قد جاء " وما منَّا إلا له مقام معلوم " " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننَّ به ".
وقول الشاعر: وما منهما قد مات حتى رأيته وقوله: وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغى العيش أكدح والتقدير: تارة منهما أموت وتارة منهما أكدح ونحو هذا.
فحذف الموصوف في هذه الأشياء.
قيل: إنما جاز الحذف في قوله: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننَّ به " لأنه مبتدأ غير موصوف إنما هو محذوف من قوله: وإنَّ من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به.
فهذا خبر محذوف على هذا التقدير والمبتدأ حذفه سائغ.
وكذلك: " وإن منكم إلا واردها " " وما منا إلا له ".
أي: ما منا أحد إلا مقام معلوم.
ويستدل متأول هذا على أن قوله أرجح بقوله تعالى: " فما منكم من أحد عنه حاجزين " ألا ترى أن منكم ليس صفة ل أحد فإذا كان كذلك لم يكن فيه دلالة.
وما جاء من نحو ذا في الشعر لا يحمل الكلام عليه لأنه حال سعة وليس حال ضرورة.
فإن قيل: منكم متعلقة بحاجزين ولا يصح أن يعلق منكم في قوله: " وإن منكم إلا واردها " " وما منا إلا له مقام معلوم " بما بعد إلاَّ ولا يصح أن يكون خبراً عن أحد لأن واردها خبر عنه.
وله مقام معلوم خبر عنه ولا يكونان خبرين كقولهم: هذا حلو حامض لأن إلا لا يفصل بينهما لأنهما بمنزلة اسم واحد في المعنى.
وأيضاً فإن المعنى يمنع من ذلك لأنه ليس يريد: إنه لا أحد منهم.
فهذا يمنع من أن يكون منكم خبراً ويمنع أن يكون واردها صفة ل أحد.
وكذلك له مقام معلوم.
ويمنع من ذلك أن إلا لا مدخل لها بين الاسم وصفته.
فأما: ما جاءني أحد إلا ظريف فإنه على إقامة الصفة مقام الموصوف كأنه: إلا رجل ظريف.
أو على البدل من الأول فكذلك " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به ".
وهذا يمنع فيه من تعلق من بقوله ليؤمنن أعني اللام من إلا.
وإذا كان كذلك فلا وجه ل مِنْ إلا الحمل على الصفة.
قيل: هي متعلقة بفعل مضمر يدل عليه قوله: " له مقام معلوم " و " واردها " و " ليؤمنن به " ومعناها البيان ل أحد.
فإن قياس قول الكسائي في: نعم الرجل يقوم أن يجوز في المنصوب: نعم رجلاً يقوم يذهب.
على أن يكون يذهب صفة محذوف كأنه: نعم رجلاً يقوم رجل يذهب.
كما كان التقدير في حذف الموصوف فمرة أجازوه مستحسناً ومرة منعوه ولم يستحسنوا.
وكثرة ذلك في التنزيل لا محيص عنه على ما عددته لك