→ التاسع والأربعون باب ما جاء في التنزيل منصوبا على المضاف إليه | إعراب القرآن للسيوطي
المتم الخمسين |
الحادي والخمسون باب ما جاء في التنزيل من المضاعف وقد أبدلت من لامه حرف لين ← |
المتم الخمسين
فمن ذلك قوله تعالى: " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ".
المعنى: أي لا تشركوا به شيئا ف لا ناهية جازمة و أن بمعنى أي.
وقيل: بل التقدير فيه: ذلك ألا تشركوا فيه فيكون خبر مبتدأ مضمر أي: المتلو ألا تشركوا وليس التقدير: المحرم ألا تشركوا لأن ترك الشرك ليس محرما كما ظنه الجاهل ولا أن لا زائدة.
وقيل: التقدير: حرم عليكم بألا تشركوا.
وقيل: التقدير: أتلو عليكم ما حرم أي: أتلوا المحرم لئلا تشركوا.
وقيل: التقدير: عليكم ألا تشركوا و أن هذه نابية عن القول وتأتي بعد فعل في معنى القول وليس بقول كقولك: كتبت إليك أن قم.
تأويله: قلت لك قم.
ولو قلت: قلت لك أن تقوم لم يجز لأن: القول يحكى ما بعده ويؤتى بعده باللفظ الذي يجوز وقوعه في الابتداء وما كان في معنى القول وليس بقول فهو يعمل وما بعده ليس كالكلام المبتدأ.
وهذا الوجه في أن لم يعرفه الكوفيون ولم يذكروه وعرفه البصريون وذكروه وسموه: أن التي للعبارة وحملوا عليه قوله: " وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا ".
وفي تقديره وجهان: أحدهما: انطلقوا فقالوا: قال بعضهم لبعضٍ: امشوا واصبروا وذلك أنهم انصرفوا من مجلسٍ دعاهم فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله إلى توحيد الله تعالى وذكره وترك الآلهة دونه وصار انطلق الملأ لما أضمر القول بعده لمعنى فعلٍ يتضمن القول نحو: كتبت وأشباهه.
والوجه الأخر: أن يكون انطلقوا بمعنى: تكلموا كما يقال: انطلق زيد في الحديث كأن خروجه عن السكوت إلى الكلام هو الانطلاق.
ويقال في " أن امشوا ": أن اكثروا وانموا.
وليس المشي ها هنا قطع الأماكن بل المعنى هو الذهاب في الكلام مثل: " والذين يسعون في آياتنا ".
ومعنى المشي هو الدؤوب والملازمة والمداومة على عبادتها مثل: " إلا ما دمت عليه قائماً " ليس يريد الانتصاب وإنما يريد الاقتضاء ومثل: " القيوم " أي: المديم حفظه خلقه.
فإن قيل: فإذا كان تأويل المشى على ما ذكرتم فغير ممتنع أن يكون التقدير: انطلقوا بالمشى لأنه يكون على هذا المعنى: أوصوهم بالملازمة لعبادتها قيل الوصية وإنما هي العبادة في الحقيقة لا بغيرها فلا يجوز تعليق الوصية بغير العبادة.
وأيضا ليس المعنى: ذهبوا في الكلام وخاضوا فيه بالمداومة والملازمة بالعبادة.
وأما قوله: " ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ".
أن بمعنى: أي وهي تفسير " أمرتني " لأن في الأمر معنى أي: ولو قلت: ما قلت لهم إلا ما قلت لي أن اعبدوا الله لم يجز لأنه قد ذكر أولها: أن يكون الفعل والذي يفسره أو يعبر عنه فيه معنى القول وليس بقولٍ وقد مضى هذا.
والثاني: ألا يتصل به شيء منه صار في جملته ولم يكن تفسيرا له كالذي قدره سيبويه: أوعزت إليه بأن افعل.
والثالث: أن يكون ما قبلها كلاما تاما لأنها وما بعدها جملة تفسر جملة قبلها ومن أجل ذلك كان قوله: " وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ": وآخر قولهم " دعواهم " مبتدأ و " آخر قولهم " مبتدأ لا خبر معه وهو غير تام فلا يكون بعده أن بمعنى أي.
وقوله تعالى: " وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدقت الرؤيا ".
ومعناه: بأنك قد صدقت الرؤيا.
وأجاز الخليل أيضاً أن يكون على أي لأن " ناديناه " كلام تام ومعناه: قلنا: يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.
ومن ذلك قوله: " ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك " يكون بمعنى أي ويكون بإضمار الباء كما حكى الخليل: أرسل إليه بأنك ما أنت وذا.
وأما قوله: " وجعلناه هدىً لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا " فيمن زعم وهو معمر " ألا تتخذوا من دوني " على إضمار القول كأنه يراد به: قلنا أن لا تتخذوا ولم يكن قوله هذا متجها وذلك أن القول لا يخلو من أن تقع بعده جملة على معنى: يحكى أو معنى جملة تعمل في لفظه.
القول الأول: كقولك: قال زيد عمرو لمنطلق فموضع الجملة نصب بالقول.
والآخر يجوز أن يقول القائل: لا إله إلا الله فتقول: قلت حقا أو يقول: الثلج حار فتقول: قلت باطلا فهذا معنى ما قاله وليس نفس القول.
وقوله " أن لا تتخذوا " خارج من هذين الوجهين ألا ترى أن " أن لا تتخذوا " ليس هو معنى القول كما أن قولك: حقا إذا سمعت كلمة الإخلاص معنى القول وليس قوله " أن لا تتخذوا " بجملة فيكون كقولك: قال زيد عمرو منطلق.
ويجوز أن يكون بمعنى أي أي التي للتفسير انصراف الكلام من الغيبة إلى الخطاب كما انصرف من الخطاب في قوله تعالى: " وانطلق الملأ منهم أن امشوا " إلى الأمر كذلك انصرف من الغيبة إلى النهي في قوله: " أن لا تتخذوا " وكذلك قوله: " أن اعبدوا الله ربي " في وقوع الأمر بعد الخطاب ويجوز أن تضمر القول وتخمل " تتخذوا " على القول المضمر إذا جعلت أن زائدة فيكون التقدير: وجعلناه هدى لبني إسرائيل فقلنا: لا تتخذوا من دوني وكيلا فيجوز إذا في قوله: " أن لا تتخذوا " ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون الناصبة للفعل فيكون المعنى: وجعلناه هدى كراهة أن تتخذوا من دوني والآخر: أن تكون بمعنى أي لأنه بعد كلام تام فيكون التقدير: أي لا تتخذوا.
والثالث: أن تكون أن زائدة وتضمر القول.
وأما قوله: " وقضى ربك ألا تعبدوا ".
قال أبو علي: يكون أن التفسير لأن " قضى ربك " كلام تام ولا " تعبدوا " نهى كأنه: قضى ربك هذا وأمر بهذا.
فعلى هذا يكون قوله: " وبالوالدين إحساناً " كأنه أمر بعد نهي كأنه: وأحسنوا بالوالدين إحسانا وتكون الناصبة للفعل أيضا فيكون الواو في " بالوالدين " عاطفة على أن كأنك قلت: قضى بأن لا تعبدوا وأن تحسنوا ويكون الفعل بعد الواو القائمة مقام أن محذوفا وما أقل ما يحذف الفعل في صلة أن وكذلك ينبغي ألا يحذف بعدما يقوم مقامها وقد قال: أما أنت منطلقا انطلقت إليك فحمله على أن كنت وما بدل من الفعلين وليس في الآية بل فلا تحمل على أن الناصبة