→ الثاني عشر ما جاء في التنزيل ويكون الجار والمجرور في موضع الحال محتملاً ضميراً من صاحب الحال | إعراب القرآن للسيوطي
الثالث عشر ما جاء في التنزيل دالاً على جواز تقدم خبر المبتدأ |
(الرابع عشر) ما جاء في التنزيل وقد حُذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه ← |
الثالث عشر ما جاء في التنزيل دالاً على جواز تقدم خبر المبتدأ
وإنما ذكرنا هذا الباب لأن أبا علي خيل إلى عضد الدولة أنه استنبط من الشعر ما يدل على جواز ذلك فقال: ومما يدل على جواز تقديم خبر المبتدأ على المبتدأ قول الشماخ: كلا يومي طوالة وصل أروى ظنون آن مطرح الظنون قال: ف وصل أروى مبتدأ وظنون خبره.
وكلا ظرف لظنون.
والتقدير فيه: كلا يومي مشهد طوالة كأنها رباب بها في اليومين كقول جرير: كلا يومي أمامة يوم صدٍ وإنْ لم تأتها إلاَّ لماما المعنى: كلا يومي زيارة أمامة يوم صد.
أي: إن زرناها لماما أو دراكا صدت عنا كلا يومي ولو كان أبو الحسن حاضراً لم يستدل بقول الشماخ وإنما يتبرك بقوله عزّ من قائل: " وبالآخرة هم يوقنون " ألا ترى أن هم مبتدأ ويوقنون في موضع خبره والجار من صلة يوقنون وقدمه على المبتدأ.
ومثله: " وفي النار هم خالدون " أي: هم خالدون في النار.
وأما قوله تعالى " وهم بالآخرة كافرون " فليس من هذا الباب لأن هم مبتدأ.
وكافرون خبره.
والجار من صلة الخبر.
وكذلك في هود ويوسف قوله: " وهم بالآخرة هم كافرون " هم مبتدأ: وكافرون الخبر والجار من صلة الخبر فكرر هم تأكيداً.
وسأعدُّه في جملة المكررات.
ومثله قوله: " ومن قبل ما فرطتم في يوسف ".
ما فرطتم في موضع ابتداء ولا يكون مرتفعاً بالظرف لأن قبل لما بُني خرج من أن يكون خبراً.
ألا ترى أنه قال: لا يبنى عليه شيء ولا يبنى على شيء.
فإذا لم يجز أن يكون مستقراً علمت أن قوله: في يوسف وأن قوله: من قبل معمول هذا الظرف.
الذي هو في يوسف وإن تقدم عليه لأن الظرف يتقدم على ما يعمل فيه وإن كان العامل معنى والتقدير: وتفريطكم في يوسف من قبل فوقع الفصل بين حرف العطف والمبتدأ بالظرف.
وإذا كان كذلك فالفصل فيه لا يقبح في الرفع والنصب كما قبح في الجر.
ويجوز ألا يكون ذلك فصلاً ولكن الحرف يعطف جملة على ما قبل.
وكما استدل أبو الحسن بجواز تقديم الخبر على المبتدأ بالبيت استدل بجواز تقديم خبر كان على كان بقوله: " قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ".
والتقدير: أكنتم تستهزئون بالله.
وقد جاء تقديم خبر كان على كان في قوله: " وهو معكم أين ما كنتم ".
وقوله: " وهو معهم أينما كانوا ".
ف أينما في الآيتين خبر كان.
وكذلك في قصة عيسى: " وجعلني مباركاً أينما كنت ".
فأما قوله: " حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله " ف ما موصولة بمعنى: الذي والفعل بعده صلة له والعائد إليه محذوف أي: كنتم تدعونه أو تدعونهم لقوله ضلُّوا.
والموصول مرفوع بالابتداء وأين خبر مقدم عليه.
بخلاف ما في الآيتين المتقدمتين لأنها صلة زائدة والتقدير: أين كنتم وكما استدل بهذين فيما ذكرنا استدل بتقديم خبر ليس على ليس بقوله تعالى: " ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم ".
فقال: التقدير: ألا ليس العذاب مصروفاً عنهم يوم يأتيهم.
ف يوم منصوب بمصروف وقدمه على ليس فدل على جواز: قائماً ليس زيد.
فزعم عثمان أن الآية تحتمل وجهين غير ما قاله.
أحدهما: أن يوماً ظرف والظرف يعمل فيه الوهم فيجوز تقديم الظرف الذي عمل فيه خبر ليس على ليس ولا يدل على جواز قائماً ليس زيد.
والوجه الثاني: أن يوماً منصوب بمعنى ألا لأن معنى ألا تنبيه.
قال سيبويه: ألا تنبيه تقول: ألا إنه ذاهب.
وألا حرف واحد وليست لا التي للنفي دخل عليها الهمزة.
ألا ترى وقوع إنَّ بعدها في قوله: " ألا إنهم يثنون صدورهم " " ألا إنهم هم السفهاء " " ألا إنهم هم المفسدون " " ألا إنهم من إفكهم ".
ولو كانت تلك لم تخل من أن يقع بعدها اسم أو فعل نحو: ألا رجل وألا أمرأة وألا يقوم زيد ففي وقوع إن بعدها دليل على ما ذكرنا.
فإن قلت: إذا كان حرف تنبيه فكيف جاز أن يدخل على التنبيه في مثل قوله: ألا يا اسلمى و " ألا يسجدوا ".
فإنما جاز ذلك: لأن يا لما استعمل استعمال الجمل سد مسدهه في النداء جاز دخول هذا الحرف عليه كما جاز دخولها على الجمل.
ويدلك على أنها ليست للنفي قوله تعالى: " ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم " ولو كان نفياً لم يدخل على ليس إذ تقلب المعنى إلى الإيجاب وليس الأمر كذلك لأن معنى النفي بلا قائم صحيح في ليس هذا فهذا يدلك على أنها ليست لا التي للنفي.
ويدلك على ذلك أيضاً أن لا النافية لم تدخل على ليس في موضع فحملها على النافية هنا لا يصح لأنه لم يوجد له نظير ف ألا بمعنى: انتبه.
وقد عمل في يوم يأتيهم فلا يدل على جواز: قائماً ليس زيدٌ.
وإنما يدل عليه: " أينما كانوا " " أينما كنتم " لأن ليس من أخوات كان.
وقد جاء ألا في التنزيل يراد ب لا فيه معنى النفي في موضعين في ابتداء الكلام: أحدهما: قوله: " ألا يعلم من خلق ".
والموضوع الآخر: " ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ".
لأنه لا يجوز أن يكون " من قبل " خبراً لما نقلناه عن سيبويه يقودك إليه في قول الشاعر: وما صحب زهرٍ في السنين التي مضت وما بعد لا يدعون إلا الأشائما ألا ترى أن شارحكم زعم أن ما موصولة وبعد صلته ولو يكن له حسّ ولا علم بقول صاحب الكتاب من أن قبل و بعد في حالتي البناء لا يخبر عنهما ولا بهما ولا توصل بهما الموصولات.
ف ما في البيت زيادة غير موصولة كقوله: " فبما نقضهم ميثاقهم " فأما تقدم خبر كان على اسمها فقد شاع عنهم وجاء في التنزيل في مواضع منها: قوله " ليس البر أن تولوا وجوهكم " فيمن نصب البر وقوله: " وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا " وهي قراءة أهل الأمصار أعني قولهم " ثم لن تكن فتنتهم إلا أن قالوا " فيمن نصب.
وقوله: " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ".
وقوله " أو لم يكن لهم آية أن يعلمه ".
فإن يعلمه اسم يكن وآية خبر مقدم على الاسم وهي قراءة الناس سوى ابن عامر فإنه قرأ أو لم تكن بالتاء وآية رفعا.
فحمله الفارسي على إضمار القصة وأن يعلمه مبتدأ وآية خبره والجملة خبر تكن كقوله: " أو لم تك تأتيكم رسلكم ".
ومثل قوله: " وما كان جواب قومه " قوله: " ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا ".
ومثل قوله: " وبالآخرة هم يوقنون " قوله: " كل يوم هو في شأن ".
فهو مبتدأ.
وفي شأن خبره.
أي: هو كائن في شأن كل يوم.
ف كل يوم ظرف لقوله في شأن ف في شأن ضمير انتقل إليه من اسم الفاعل وليس في كل يوم ضمير لتعلقه بالظرف دون المضمر.
وهذا على قول من وقف على قوله " كُلَّ يَوٍْم " فهو منصوب يسأله.
وقوله هو في شأن مبتدأ وخبر.
ومثل الأول ما حكاه سيبويه من قولهم: أكل يوم لك ثوب.
وأما جعل أن بصلته اسم كان وليس في الآى التي تلوناها فإنما كان لأن أن وصلتها أولى وأحسن لشبهها بالمضمر في أنها لا يوصف بها المضمر وكأنه اجتمع مضمر ومظهر.
والأولى إذا اجتمع مضمر ومظهر لأن يكون الاسم من حيث كان أذهب في الاختصاص من المظهر فكذلك إذا اجتمع مع مظهر غيره كان أن يكون اسم كان المضمر والمظهر الخبر أولى.
فلهذا المعنى قال قوم: إذا قلت: في الدار إنك قائم ونحو قوله: " ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة " " ومن آياته أن تقوم السماء والأرض " " ومن آياته أن خلقكم من تراب ".
إنما رفع بالظرف لأنه يشبه المضمر.
و غداً الرحيل هو أن مع الفعل فيشبه المضمر.
ويلزم على تشبيه أن بالمضمر أن تكون أن الناصبة للفعل مرتفعة في قوله بالظرف لاجتماعها مع وليس الأمر في أن كذلك لارتفاعها بالابتداء وإن لم يجز تقديمه في قوله: " وأن تصوموا خيرٌ لكم " و " أن يستعففن خير لهن ".
ولا يستقيم أن يفعل بينهما ب أن يقال: إنّ " أنْ " الخفيفة قد ابتدئت والثقيلة لم تبتدأ.
لأنه يقال له: ارفعه بالابتداء وإن لم يجز تقديمه كما رفعت زيدا ونحوه بالابتداء وإن لم يجز أن يبتدأ بها في أول الكلام.
وأما قوله تعالى: " من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم " فمذهب سيبويه أن في كاد ضمير القصة والحديث وفسر بالجملة من الفعل والفاعل.
وجاز ذلك فيها وإن لم تكن مثل كان وبابها من الأفعال المجردة من الدلالة على الحدث لمشابهتها لها في لزوم الخبر إياها.
ألا ترى أنها لا تخلو من الخبر كما أن تلك الأفعال كذلك.
وقد أجاز أبو الحسن في قوله: " من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم " أن يكون في كاد ضمير ممن تقدم ويرفع قلوب فريق تزيغ.
قال: وإن شئت رفعتها يعني القلوب ب كاد وجعلت تزيغ حالاً.
فأما احتماله الضمير مما جرى فوجهه: أنه لما تقدم قوله: " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة ".
وكانوا قبيلا ومن عاندهم من الكفار والمنافقين قبيلا أضمر في كاد قبيلا.
فأما كون يزيغ حالاً فيدل على صحته قول العجاج: إذا سمعت صوتها الخرَّارا أصم يهوى وقعها الصوارا ألا ترى أنه قد تقدم يهوى على وقعها في موضع هاويا وهذا يدل على جواز تقديم الحال من المضمر.
ومن تقديم خبر كان قوله: " ولم يكن له كفواً أحدٌ " فالظرف حشو وأحد اسم كان وكفوا خبره وأجاز أن يكون له وصفا للنكرة فلما تقدم انتصب على الحال.
وحمله الكوفي على إضمار المجهول في يكن وفي يكن ضمير القصة وكفوا حال.
وهذا إنما جاز عندهم للحاق النفي الكلام وإلا كان كفرا لأنك إذا قلت: لم يكن الأمر له كفواً أحد كان إيجاباً تعالى الله عن ذلك وتقدس.
فهو كقولهم: ليس الطيب إلا المسك على إضمارٍ في ليس وإدخال إلا بين المبتدأ والخبر لأنه يؤول إلى النفي.
والعامل في الظرف إذا كان حالاً هو يكن.
وعلى قول البغداديين في كفوا المنتصب على الحال وكانَّ له إنما قدمت وإن لم يكن مستقراً لأن فيه تبييناً وتخصيصاً ل كفو.
فلهذا قدم وحسن التقديم وإن لم يكن مستقراً.
فهذا كله في تقديم ما في حيز المبتدأ.
فأما الظرف إذا كان خبراً ل كان فتقديمه على اسم كان كثير كقوله: " ومن تكون له عاقبة الدار " وقوله: " وتكون لكما الكبرياء ".
وقوله: " قد كان لكم آية " وكقوله: " ولم تكن له فئة ".
فأما قوله: " وكان حقاً علينا نصر المؤمنين " فقيل: نصر يرتفع ب كان وحقاً خبر مقدم.
وقيل: بل اسم كان مضمر والتقدير: كان الانتقام حقاً فتقف على هذا وتبتدئ " علينا نصر المؤمنين ".
ومن هذا الباب قوله تعالى: " كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون " ف هم مبتدأ ويستغفرون الخبر والجار في صلة يستغفرون وقدمه على المبتدأ كما قدم " وبالآخرة هم يوقنون ".
ومثله: " أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ".
ف أنتم مبتدأ ومدهنون خبره والجار من صلة مدهنون.
وأما قوله قليلاً فستراه في باب آخر إن شاء الله.