→ الفهرس | إعراب القرآن للسيوطي
الأول ما ورد في التنزيل من إضمار الجمل |
الثاني ما جاء من حذف المضاف في التنزيل ← |
الأول ما ورد في التنزيل من إضمار الجمل
ولا شك أنك قد عرفت الجمل ألا ترى أنهم زعموا أن الجمل اثنتان: فعلية واسمية وقد ورد القبيلان في التنزيل.
وذكر إضمار الجمل سيبويه في مواضع: من ذلك قوله: العباد مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر أي إن عملوا خيراً فالمجزى به خير.
ومثله: هذا ولا زعماتك أي ولا أتوهم.
أو: فرقاً خير من حب أي: أفرق.
قال: وحدثنا أبو الخطاب أنه سمع بعض العرب وقيل له: لم أفسدتم مكانكم هذا قال: الصبيان يا أبي.
فنصب كأنه حذر أن يلام فقال: لم الصبيان.
ومن ذلك قوله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم.
قال: التقدير: أبدأ باسم الله، أو: بدأت باسم الله أو: ابدأ باسم الله.
وأضمر قوم فيها اسماً مفرداً على تقدير: ابتدائى باسم الله: فيكون الظرف خبراً للمبتدأ.
فإذا قدرت أبدأ أو ابدأ يكون باسم الله.
في موضع النصب مفعولاً به.
وإذا قدرت: ابتدائى باسم الله يكون التقدير: ابتدائى كائن باسم الله ويكون في باسم الله ضمير انتقل إليه من الفاعل المحذوف الذي هو الخبر حقيقة.
ومنه قوله تعالى: " وإذ قال ربك " أي واذكر إذ قال ربك.
وإن شئت قدرت: وابتداء خلقكم إذ قال ربك.
وكذلك قوله تعالى: " وإذ قلنا للملائكة " أي: واذكر إذ قلنا للملائكة.
وجميع إذ في التنزيل أكثره على هذا.
ومن حذف الجملة قوله تعالى: " فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت " أي: فضرب فانفجرت
نظيره في الأعراف والشعراء: فضرب فانبجست فضرب " فانْفَلَقَ ".
ومن ذلك قوله تعالى: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد ".
أي: فمن اضطر فأكل وهو في صلة من و غير حال من قوله " اضطُرَّ " أو من الضمير في أكل.
وفيه كلام يأتيك في حذف المفعول.
ومثله: " فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام ".
أي: فأفطر فعدة من أيام موضعين جميعاً.
ومثله: " وعلى الذين يطيقونه فدية ".
أي: فيفطرون ففدية.
فهذه أفعال حذفت من الصلة.
ومثله: بل ملة إبراهيم حنيفاً أي: تتبع ملة إبراهيم حنيفاً.
والكسائي يقول: نكون أهل ملة إبراهيم حنيفاً.
ومثله: صبغة الله أي: الزموا صبغة الله.
فأما قوله تعالى: " ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا ".
فالتقدير: إذا حلفتم وحنثتم.
فحذف حنثتم و لابد من إضماره لأن الكفارة بالحنث تجب لا بذكر اسم الله.
وهذه من طرائف العربية لأن حنثتم معطوف على حلفتم و " حلفتم " مجرور بالإضافة فكأنه قال: وقت حلفكم وحنثكم والمتعارف حذف المضاف دون المضاف إليه.
وقد جاء ذلك أيضاً في التنزيل وله باب في هذا الكتاب.
ومن ذلك إضمار القول في قوله تعالى: " ورفعنا فوقكم الطور خذوا " في الموضعين في سورة البقرة.
وفي قوله تعالى: " وظنوا أنه واقع بهم خذوا " أي قلنا لهم: خذوا.
ومثله: " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسمعيل ربنا " أي: يقولان: ربنا.
ومن ذلك قوله تعالى: " الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ".
أي يقولون: ربنا.
عن الأخفش لأنه يبتديء بقوله: " الذين يذكرون الله قياماً " ويسند إليه " يقولون " المضمر.
مثله: " وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلاً لكل شئ فخذها بقوة أي فقلنا له: خذها بقوة.
ومنه قوله تعالى: " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم " أي: يقولون: سلام عليكم.
ومنه قوله تعالى في قول الخليل: " ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن ".
قال: التقدير: من يقال لهم: أيهم فحذف القول كقولهم: وكانت عقيل خامري أم عامر فيحمله على الحكاية دون " لَنَنْزِعَنَّ " على تعليق العلم عند الكوفيين.
و يجوز أن يكون تقديره: لننزعن كل شيعة.
وكذلك يجوز عندهم: لننزعنهم متشايعين ننظر أيهم أشد.
وسيبويه يجعله مبنياً على الضم.
ومن إضمار القول قوله تعالى: " واخر من شكله أزواج.
هذا فوج مقتحم ".
ومنه قوله تعالى: " والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم ".
أي: يقولون: ما نعبدهم " فيقولون " خبر المبتدأ.
ومنهم من جعل يقولون في موضع الحال وجعل الخبر قوله: " إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون ".
ومنه قوله تعالى: " إنما نطعمكم لوجه الله " أي: يقولون: " إنما نطعمكم " إذ الآيتان داخلتان في القول فلا وقف على قوله: " ولا شكوراً ".
ومنه قوله تعالى: " كلوا من رزق ربكم ".
ومن إضمار القول قوله تعالى: " واسجد واقترب " أي: قل للإنسان الطاغي: واقترب تر العجب.
ومثله: " قد جاءكم بصائر من ربكم " تقديره: قل لهم: قد جاءكم فأضمر قل.
يدل عليه قوله تعالى: " وما أنا عليكم بحفيظ ".
ومن إضمار الجملة قوله تعالى: " فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا بني إسرائيل قال: ألم نربك " أي: فأتياه وقالا له: أرسل معنا بني إسرائيل. فقال ألم نربك.
ومن ذلك قوله تعالى: " يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال " في قراءة ابن عامر مرتبا للمفعول ومن ذلك قوله تعالى: " واللائي يئسن من المحيض " إلى قوله: " واللائي لم يحضن " أي واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر فحذف المبتدأ والخبر.
ومن ذلك قوله تعالى: " ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة " والتقدير: أمة غير قائمة.
ومنه قوله تعالى: " وتؤمنون بالكتاب كله " أي: وهم لا يؤمنون به كله فحذف " وهم لا يؤمنون به كله ".
ومنه قوله تعالى: " ولتستبين سبيل المجرمين " أي: وسبيل المؤمنين فحذف.
وقيل في قوله تعالى: " وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون " إن التقدير: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون فحذف كقوله تعالى: " ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن ".
والتقدير إن أردن أو لم يردن.
ومنه قوله تعالى: " يغشي الليل النهار " أي: ويغشى النهار الليل فحذف.
ومنه قوله تعالى: " سرابيل تقيكم الحر " أي: وسرابيل تقيكم البرد فحذف.
وقال تعالى: " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا " أي: يقولون: ربنا.
وقال تعالى: " فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم " أي: بعثناهم ليسوءوا.
وقال تعالى: " فآمنوا خيراً لكم " أي: فآمنوا وأتوا خيراً لكم.
وقال تعالى: " وانفقوا خيراً لأنفسكم " أي: وأتوا خيراً لأنفسكم ".
وأنشدوا: فواعديه سرحتي مالك أو الربا بينهما أسهلا أي: ائتي مكاناً أسهل.
ومن إضمار الجملة قوله تعالى: " فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى " أي: فضربوه ببعضها فحيى وأخبر بقاتليه ثم خر ميتاً.
يدل على صحة الإضمار قوله: " ثم قست قلوبكم " ف قست: معطوف على " خَرَّ ".
ومن إضمار الجملة قوله تعالى: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ".
أي: فأكل غير باغ فلا إثم عليه.
ونظيره في المائدة: " فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم ".
أي: فأكل غير متجانف.
نظيره في سورة النحل: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ".
أي: فأكل.
وكذا في الأنعام: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم " أي: فأكل.
وفي الآى كلام تراه في حذف المفعول.
نظيره: " فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية ".
ولم يقل: فافعل.
وعلى هذا إضمار جواب لو في التنزيل كلها جمل حذفت.
قال الله تعالى: " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً ".
أي: لعلموا أن القوة.
ومنه قوله تعالى: " ولو أن قرآناً سيرت به الجبال " ولم يقل: لكان هذا القرآن.
فأما قوله تعالى: " لو تعلمون علم اليقين " فالتقدير عند الأخفش: ماألهاكم التكاثر فأضمر لجرى ذكره في أول السورة.
وعند غيره: لو تعلمون علم اليقين لعلمتم أنكم ستردون الجحيم في الآخرة.
دل على هذا الخلاف " لترون الجحيم ".
فأما قوله تعالى: " كلا سوف تعلمون " فالمعنى: كلا لا ينفعكم التكاثر فحذف.
وقوله: " كلا لو تعلمون ".
أي: كلا لا تؤمنون.
ومن ذلك قوله تعالى: " فتوبوا إلى بارئكم ".
ثم قال: تعالى: " فتاب عليكم " وأضمر " فتبتم ".
أي: تبتم فتاب عليكم.
ومنه قوله تعالى في حذف الجملة: " ويعقوب يا بنيَّ إن الله اصطفى لكم الدين ".
أي: ويعقوب وقال عثمان: في قوله تعالى: " فمن عفى له من أخيه شئ " يجوز أن يرتفع " شئ " ب " عفي " أو بفعل محذوف يدل عليه قوله " عُفي " لأن معناه: ترك له شئ من أخيه أي من حق أخيه ثم حذف المضاف وقدم الظرف الذي هو صفة للنكرة عليها فانتصب على الحال في الموضعين منها.
وهذه الآية تجاذبها باب الجملة وباب الإضافة وباب حذف حرف الجر وباب الحال وستراها هناك إن شاء الله وحده.
ومن ذلك قوله تعالى: " كتب عليكم الصيام.
أياماً معدودات " تقديره: صوموا أياماً معدودات فحذف صوموا لأن قوله: " كتب عليكم الصيام " يدل عليه.
ولا ينتصب ب " الصيام " لأن الصيام مصدر فلا يفصل بينه وبين أيام بالكاف المنصوبة ب " كتب " لأن التقدير: كتب عليكم الصيام كتابة مثل كتابته على الذين من قبلكم.
ومثل هذه الآية قوله تعالى: " لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً ".
والتقدير: وأحسنوا بالوالدين إحساناً فأضمر وأحسنوا لأن المصدر يدل عليه.
والدليل عليه قوله تعالى: " وقولوا للناس حسناً ".
ومنه قوله تعالى: " فإن خفتم فرجالاً ".
أي: فصلوا رجالاً.
والتقدير: لتستيقن ولنجعلك آية للناس.
نظيره قبله: " ولأتم نعمتي عليكم ".
تقديره: واشكروا ولأتم.
وقيل: هو معطوف على قوله: " لئلا يكون للناس عليكم حجة " ولأتم نعمتي عليكم ".
وأما قوله تعالى: " ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم " فهو معطوف على المعنى لأن قبله " قد جئتكم.
ومصدقا لما بين يدي " أي جئتكم لأصدق التوراة والإنجيل ولأحل لكم ولتكملوا العدة.
نظيره في أحد القولين في سورة مريم عليها السلام: " ولنجعله آية للناس ".
والتقدير: قال: كذلك قال ربك ويكون " علّي هّين " لأخلقه من غير أب ولنجعله آية للناس.
وقيل: هو معطوف على قوله تعالى: " لأهَبَ لَكِ ".
وقيل: الواو في الآي كلها مقحمة.
ومثله: " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث ".
والتقدير: ليستقيم أمره ولنعلمه.
مثله: " وكف أيدي الناس عنكم ".
أي: لتسلموا من أذاهم وشذاهم " ولتكون آية للمؤمنين ".
ومثله: " فبإذن الله وليخزي الفاسقين " أي: فبإذن الله ليظهر الحق.
قال أبو علي في قوله تعالى: " بوالديه إحساناً: في سورة الأحقاف في قراءة الكوفيين إحساناً منصوب بمضمر يدل عليه ما قبله وهو قوله " ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً " كأنه لما قال: " أخذنا ميثاق بني إسرائيل " قال: وقلنا لهم أحسنوا بالوالدين إحساناً.
كما قال: " وإذا أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة " فالجار يتعلق بالفعل المضمر ولا يجوز أن يتعلق بالمصدر لأن ما يتعلق بالمصدر لا يتقدم عليه.
و " أحسن " يوصل بالباء كما يوصل بإلى يدلك على ذلك قوله تعالى: " وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن " فعداه بالباء كما تعدى بإلى في قوله تعالى: " وأحسن كما أحسن الله إليك ".
والتقدير أنه لما قال: " ووصينا الإنسان " وكان هذا الكلام قولا صار كأنه: وقلنا: أحسن أيها الإنسان بالوالدين إحسانا.
ووجه من قرأ في الأحقاف: " بوالديه حسناً " أن يكون أراد بالحسن الإحسان فحذف المصدر ورده إلى الأصل كما قال الشاعر: فإن يبرأ فلم أنفث عليه وإن يهلك فذلك كان قدري أي: تقديري.
ويجوز أن يكون وضع الاسم موضع المصدر كما قال: والباء في هذين الوجهين متعلقة بالفعل المضمر كما تعلقت به في قول الكوفيين في قراءتهم إحساناً.
ومن إضمار الجملة قراءة ابن كثير في قوله تعالى: " أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم " بالاستفهام على تقدير: بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم تعترفون أو تقرون فأضمر لأن قوله: " ولا تؤمنوا " يدل عليه.
كما قال: " آلآن وقد عصيت قبل " والتقدير: الآن آمنت فأضمر آمنت لجرى ذكره في قوله " آمنت ".
ومن ذلك قوله تعالى: " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ".
والتقدير: ولو شهدتم على أنفسكم فحذف الفعل.
فأما قوله تعالى: " وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ".
أي: ولو كان المشهود عليه ذا قربى.
ومن ذلك قوله تعالى: " ولما جاءهم كتاب من عند الله " إلى قوله " يستفتحون على الذين كفروا " فحذف جواب " لمَّا ".
أي: كفروا.
ودل عليه قوله تعالى: " فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به " ولا يكون " لما " الثانية بجوابها جواب " لما " الأولى لأنا لا نعلم " لما " في موضع لما أجيب بالفاء كذا ذكره الفارسي.
فإذن نجئ بقول فلما رأيت الخيل زورا كأنها جداول زرع خليت فاسبطرت فجاشت إلى النفس أول مرة فردت على مكروهها فاستقرت فأجاب لما بقوله فجاشت.
فأما قوله تعالى: " فلما أسلما وتله للجبين " فإن الجواب محذوف أيضاً.
وقيل: بل الواو مقحمة.
وعلى هذا الخلاف قوله تعالى: " إذا السماء انشقت ".
قيل: جوابه محذوف أي: قامت القيامة.
وقيل: بل الواو في وأذنت مقحمة والجواب أذنت.
وقيل: بل الجواب قوله: " فأما من أوتي كتابه ".
وقيل: بل الفاء مضمرة أي: ف " يا أيها الإنسان إنك كادح ".
ونظير هذا قوله تعالى: " حتى إذا فتحت ياجوج ومأجوج " إلى قوله: " واقترب الوعد الحق ".
ومثله: " ولنحمل ".
أي: اتبعوا سبيلنا ولنحمل.
ومثله: " فلما ذهبوا به وأجمعوا " إلى قوله " وأوحينا " الواو مقحمة.
وقيل: بل الجواب مضمر.
فأما قوله تعالى: " إذا وقعت الواقعة " فقيل: الجواب: " ليس لوقعتها كاذبة ".
أي: إذا وقعت الواقعة لم يكن التكذيب بها.
وقيل: بل الجواب قوله: " خافضة رافعة ".
أي: فهي خافضة رافعة.
قال أبو علي: وإذا جاز " فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم " على تقدير: فيقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم فحذف الفاء مع القول وحذف الفاء وحده أجوز.
وقيل: جوابه " إذا رجت الأرض ".
أي: وقت وقوع القيامة وقت رج الأرض.
وقيل: بل العامل فيه: اذكر.
ومن حذف الجملة قوله تعالى: " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ".
وتقديره: وأنتم محدثون فاغسلوا.
وقدره قوم: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا من أجلها.
وكلاهما تحتمله العربية.
ومن حذف الجملة ما وقع في سورة الأعراف وفي سورة هود من قوله: " وإلى عاد أخاهم هوداً ".
" وإلى ثمود أخاهم صالحاً " " وإلى مدين أخاهم شعيباً ".
والتقدير في ذا كله: وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيباً.
هذا على قول من قال: إن العامل مع الواو في تقدير الثبات وله العمل دون الواو.
ومن قال: بل العامل هو الواو نفسه لم يكن معطوفاً على ما تقدم من قوله " ولقد أرسلنا نوحاً ".
وذلك كقوله تعالى: " فكيف إذا جمعناهم ".
" فكيف إذا أصابتهم مصيبة ".
" كيف وإن يظهروا عليكم ".
والتقدير: فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم.
يدل على صحته قوله تعالى: " كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ".
ف " عهد " اسم يكون وعند الله صفة له.
وكيف خبر عنه أعني: يكون.
وللمشركين: ظرف يكون.
ومن حذف الجملة قوله تعالى: " ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم ".
والتقدير: من يحادد الله ورسوله يعذب فحذف الجواب كحذفه فيما قدمناه.
وقوله تعالى: " فأن له نار جهنم " بدل من " أنه من يحادد الله ورسوله " والفاء زيادة على قوله سيبويه.
وقال غيره: إن " أنّ " مرتفع بالظرف أي: فله أن له وستراه في بابه.
ومن حذف الجملة قوله تعالى: " قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد " والتقدير: لالتجأت إليه.
فحذف الجواب.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: رحم الله أخي لوطاً قد وجد ركناً شديداً.
ومن ذلك الآية الواردة في صلاة الخوف وهو قوله عز من قائل: " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ".
اختصر وأوجز وأطنب وأسهب وأتى بالبلاغة والفصاحة بحيث لا يفوتها كلام ولا يبلغ كنهها بشر فتحقق قوله " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ".
فاعرف أيها الناظر كيفية صلاة الخوف ثم انظر في الآية يلح لك إيماؤنا إلى ما أومأنا إليه.
قال أبو حنيفة: إذا اشتد الخوف جعل الإمام الناس طائفتين في وجه العدو وطائفة خلفه فصلى بهذه الطائفة ركعة وسجدتين فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية مضت هذه الطائفة إلى وجه العدو وجاءت تلك الطائفة. فصلى بهم ركعة وسجدتين وتشهد وسلم ولم يسلم القوم وذهبوا إلى وجه العدو وجاءت طائفة أخرى فصلوا وحدانا ركعة وسجدتين بغير قراءة وتشهد ومضوا إلى وجه العدو وجاءت طائفة أخرى فصلوا ركعة وسجدتين بقراءة وتشهد وسلموا.
فإذا عرفت هذا فقوله تعالى: " فلتقم طائفة منهم معك " فمعناه: فلتصل طائفة منهم لم يصلوا معك أي: فلتقم طائفة بركعة فحذف.
ثم قال: " وليأخذوا أسلحتهم " أي: الذين انصرفوا إلى تجاه العدو ولم يصلوا معك وليأخذوا أسلحتهم.
ثم قال: " فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم " يعني الطائفة التي صلت تقوم بإزاء العدو حين فرغت من ركعة عقيب السجدة لأن الفاء للتعقيب.
فلا يجوز: إذا سجدت الثانية أن تقف لتتم الركعة الأولى فتضم إليها الركعة الثانية لأن الفاء يبطل معناها إذ ذاك فوجب أن يكونوا من وراء عقيب السجدة بإزاء العدو ولا تقف للركعة الباقية ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ركعة فحذف المفعول.
ولم يقل: فلتنصرف الأولى وتؤدي الركعة بغير قراءة وتسلم.
فحذف هذه الجملة وحذف المفعول من قوله " فليصلوا معك " وحذف الجار والمجرور من قوله " فلتقم طائفة منهم معك " وأضمر في قوله " وليأخذوا أسلحتهم " غير الطائفة المأمورين بالقيام معه.
فلا ينصرف الضمير من قوله " وليأخذوا " إلى الظاهر قبله وإنما التقدير: وليأخذ باقيهم أسلحتهم فحذف المضاف فاتصل المنفصل.
ونظير حذف الباقي قوله تعالى: " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين " أي: ليتفقه باقيهم.
ولما أضمر غير المقدم ذكرهم رجع إلى ذكرهم في قوله " فإذا سجدوا " فخالف بين الضميرين اللذين أحدهما بعد صاحبه.
فلا يمكنك إنكاره بقولك: لم خالفت بينهما ولم تجعل قوله " وليأخذوا " راجعاً إلى الطائفة التي أمرت بالقيام معه حتى تأخذ السلاح معه في الصلاة لأن اختلاف الضميرين قد جاء في التنزيل.
قال عز من قائل: " فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها " فالهاء الأولى لصاحبه والثانية له صلى الله عليه وآله.
وقال: " إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون " فالهاء في به لله والمتقدمان للشيطان.
وقال: " وما بلغوا معشار ما آتيناهم " فالضمير في بلغوا لمشركي مكة والذي في آتيناهم للمتقدمين من المشركين.
وقال: " الشيطان سول لهم وأملى لهم " أي: أملي لهم الله فالذكر في أملى.
غير الذكر في " سَوَّلَ ".
وقال تعالى: " لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه " فالهاء الأخيرة لله والمتقدمان للنبي صلى الله عليه وعلى آله.
فكذا ها هنا " وليأخذوا أسلحتهم " لمن لم يقم معه ويكون الضمير في " فإذا سجدوا " لمن معه.
فتحقق قولنا إنه اختصر وأوجز.
فأما قولنا أطنب وأسهب فقوله عز من قائل: " ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا " ولو قال: ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك كان حسناً أيضاً لكنها وصفت بقوله " أخرى " إطنابا في الكلام كما قال: " لا تتخذوا إلهين اثنين " وقال: " ومناة الثالثة الأخرى " وقال: " فإذا نفخ في الصور وقال: " أولئك لهم عذاب من رجز أليم " فيمن رفع لأن المعنى: لهم عذاب أليم من عذاب لأن الرجز: العذاب بدلالة قوله: " فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء " وقوله تعالى: " لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك " وقال: " فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه " وفي موضوع آخر: " فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ".
قال أبو علي: ومن قال: لهم عذاب من رجز أليم فرفع أليماً كان المعنى: لهم عذاب أليم من عذاب.
وليست فائدته كذلك.
فالقول في ذلك أمران: أحدهما أن الصفة قد تجيء على وجه التأكيد كما أن الحال قد تجئ كذلك في قوله تعالى: " وهو الحق مصدقاً ".
وفي قوله: " نزاعة للشوى " وكذا الصفة فيما تلونا.
وفي بعض المصاحف: " ولي نعجة أنثى ".
والآخر أن الرجز: النجاسة فيحمل على البدل للمقاربة.
ومعنى النجاسة فيه قوله: " ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه " فكأن المعنى: عذاب من تجرع رجزاً ومن شربه فتكون من تبييتاً للعذاب: مما هو ومن أي شئ وقال الشافعي في صلاة الخوف: يفتتح الإمام الصلاة بالجميع ثم تذهب طائفة إلى وجه العدو ثم تذهب هذه الطائفة وتقف بإزاء العدو وتأتى الطائفة التي لم تصل شيئاً فيصلي الإمام بهم الركعة الثانية ثم يقومون ويقضون الركعة الأخيرة.
والدليل على ما قلنا قول الله تعالى: " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم ". الآية.
فالله تبارك وتعالى أثبت طائفة لم يؤدوا شيئاً من الصلاة مع الإمام وعنده لا يتصور هذا ها هنا لأن الطائفة الثانية افتتحوا الصلاة مع الإمام فقد أدوا جزءاً من الصلاة حال الافتتاح ولأنه قال: " ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك " وهذا يدل على خلاف قوله لأن الطائفة الثانية قد صلت عنده.
وقال: " فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم " والفاء للتعقيب فهذا يدل على أن الطائفة الأولى تنصرف عقيب السجود وعنده: تصلى ركعة ثم تنصرف.
ولأن ما يقوله الشافعي يؤدى إلى سبق المؤتم الإمام بالفراغ بالصلاة وإلى أن يقف الإمام ينتظر فراغ المؤتم من الصلاة وهذا لا يجوز في غير حال الخوف فكذلك فيها كسائر الأعمال.
وإنما قلنا: إن الطائفة الأولى تقضي ركعة بغير قراءة لأنها أدركت الصلاة فهي في حكم من هو خلف الإمام وأما الثانية فلم تدرك أول الصلاة والمسبوق فيها يقضى كالمنفرد في صلاته.
ومن ذلك قوله: " ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه " أي: لولا أن رأى برهان ربه وقال: " ولولا أن تصيبهم مصيبة " أي: لولا أن يحتجوا لو أصابتهم مصيبة بأن يقولوا: لولا أرسلت رسولاً فاتبعنا لما أرسلنا الرسل.
وقيل: عاجلناهم بالعقوبة.
وقيل: لكان فيما تقدم من الرسل المبعوثين قبلهم حجة عليهم.
ومن حذف الفعل: قوله تعالى: " إذا الشمس كورت " أي: إذا كورت الشمس.
و " وإن أحد من المشركين استجارك " أي: إن استجارك أحد.
و " إن امرؤ هلك " أي: هلك امرؤ.
و " إن امرأة خافت " أي: إن خافت امرأة.
و " إذا السماء انفطرت " إلى قوله " وإذا القبور بعثرت ".
أي: انفطرت السماء وانتثرت الكواكب وفجرت البحار وبعثرت القبور.
وقال: " إذا السماء انشقت " أي: إذا انشقت السماء.
وأما قوله: " وَالسَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ " فالتقدير: أحلف وأقسم فحذف الفعل مع الفاعل وفي الأول حذف الفعل فحسب.
ومن ذلك قوله تعالى: " كيف وإن يظهروا عليكم ".
أي: كيف لا يقاتلونكم فحذف الجملة.
أي: كيف أنتم إذا جئنا! فحذف المبتدأ بخلاف قوله " فكيف إذا جمعناهم " لأنه كالأول أي: كيف تكون حالهم! أي: وكيف يصنعون! ومن إضمار الجملة: قوله تعالى: " حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ": كذا وكذا صدقوا وعدهم وطابت نفوسهم.
والكوفي يحمله على زيادة الواو.
ومن ذلك قوله تعالى: " وآتاكم من كل ما سألتموه " والتقدير: وما لم تسألوه فحذف هذه الجملة وهي من موضع الجر أعنى الموصولة بالعطف على " ما " الأولى.
وقد حذف في الحقيقة اسما معطوفا على المضاف إليه وكأنه قال: من كل مسئولكم وغير مسئولكم ف ما يكون موصولا أو موصوفا وأن يكون موصوفا أحب إلينا لأن " كُلاًّ " يقنضى النكرة نظيره: " هذا ما لدى عتيد " أي: هذا شئ لدى عتيد ومن كل شئ سألتموه.
ومن ذلك قوله تعالى: " وإن تولوا فإنى أخاف عليكم " أي فقل لهم: إني أخاف.
ويجوز في " تولوا " تقديران: المضى والاستقبال لقوله " يمتعكم ".
ومن ذلك قوله تعالى: " ودخل معه السجن فتيان " أي: عزموا على سجنه فسجنوه ودخل معه السجن فتيان.
وقيل: التقدير: هذا لإبلاغ الناس ولينذروا به.
وقال أبو علي: اللام تتعلق بفعل محذوف كأنه قال: وأنزل لينذروا ويعلموا التوحيد من الدلالات التي فيه كما قال الله تعالى: " كتاب أنزل إليك "لتنذر".
وقال: " أنزل على عبده الكتاب.
لينذر بأساً شديداً ".
ومنه قوله تعالى: " أرسل معنا بني إسرائيل " أي: بأن أرسل معنا فحذف.
ومنه قوله تعالى: " قل اللهم مالك الملك " والتقدير: أعزنا ولا تذلنا.
وقال: " لو أنهم كانوا يهتدون " أي: لو أنهم كانوا ما رأوا العذاب.
ومنه قوله تعالى: " لكن الله يشهد " لما قال الله تعالى: " إنا أوحينا إليك " قال المشركون: نحن لا نشهد لك بذلك.
فقيل: " لكن الله يشهد ".
لا بد من ذا الحذف لأن " لكن " استدراك بعد النفي.
ومنه قوله تعالى: " فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يوارى سوأة أخيه ".
أراد: فبعث الله غراباً يبحث التراب على غراب ميت ليواريه أي ليريه كيف يواري سوأة أخيه.
ومن ذلك ما وقع في قصة شعيب: " أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقاً حسناً ".
لم يذكر للاستفهام جواباً والمعنى: أخبروني إن كنت على بينة من ربي ورزقني النبوة