→ الأول ما ورد في التنزيل من إضمار الجمل | إعراب القرآن للسيوطي
الثاني ما جاء من حذف المضاف في التنزيل |
الثالث ما جاء في التنزيل معطوفاً بالواو والفاء ← |
الثاني ما جاء من حذف المضاف في التنزيل
وليس من هذه الأبواب في التنزيل أكثر من هذا.
وقد ذكر سيبويه حذف المضاف في الكتاب في مواضع فمن ذلك قوله حكاية عن العرب: اجتمعت اليمامة أي أهل اليمامة وقوله: " صدنا قنوين " أي وحش قنوين.
فمما جاء في التنزيل: قوله تعالى " مالك يوم الدين " والتقدير: مالك أحكام يوم الدين.
وقدره الفارسي تقدير حذف المفعول أي: مالك يوم الدين الأحكام فتكون الأحكام المفعول فلا يكون على قوله من هذا الباب.
ومن ذلك قوله تعالى: " لا ريب فيه " أي: في صحته وتحقيقه.
ومنه قوله تعالى: " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم " أي: على مواضع سمعهم فحذف لأنه استغنى عن جمعه لإضافته إلى الجمع لأن سيبويه قال: وأما جلدها فصليب أكثره في الشعر.
وتبعه الفارسي فحمل " في مقعد صدق " على حذف المضاف أي ذي وخفيت الخافية عليهم في قوله تعالى: " لا يرتد إليهم طرفهم " فأضاف المفرد وليس هناك مضاف محذوف.
ومنه قوله تعالى: " ويمدهم في طغيانهم " أي: في عقوبة طغيانهم.
ومنه قوله تعالى: " أو كصيب من السماء " أي: كأصحاب صيب من السماء دليله قوله: يجعلون أصابعهم " ف يجعلون في موضع الجر وصف للأصحاب من الصواعق أي: من شدتها وأجلها وقوله تعالى: " فيه ظلمات " لأنه لا يخلو من أن يعود إلى " الصيب " أو إلى " السماء " فلا يعود إلى " الصيب " لأن الصيب لا ظلمات فيه.
ويدل على هذا الحذف قوله تعالى: " ورعد وبرق " فهما معطوفان على " الظلمات " ولا يجوز أن يكون الرعد والبرق مما ينزل وأنهما في السماء لاصطكاك بعض أجرامها ببعضها.
روى عن الحسن أن ذلك من ملك فقد يجوز أن يكون الملك في السحاب ويكون من هذا قراءة من قرأ: سحاب ظلمات بالإضافة لاستقلال السحاب وارتفاعه في وقت كون هذه الظلمات.
وقدره مرة أخرى أي سحاب وفيه الظلمات فكذلك فيه ظلمات أي في وقت نزوله ظلمات.
ومنه قوله تعالى: " جعل لكم الأرض فراشاً " أي: ذا فراش.
" والسماء بناء " أي: ذا بناء " يضل به كثيراً " أي بإنزاله " ويهدي به كثيراً أي بإنزاله: " خلق لكم وقوله تعالى: " جنات تجري من تحتها الأنهار " أي: من تحت أشجارها.
وقدره أبو علي: من تحت مجالسها.
ومنه قوله تعالى: " إني أعلم غيب السموات والأرض " أي ذا غيب السموات.
وقيل: غيب بمعنى غائب لأن ذا غيب صاحب غيب وهو يكون غائباً.
ومنه قوله تعالى: " ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً " أي: ذا ثمن لأن الثمن لا يشتري وإنما يشتري شئ ذو ثمن.
ومن ذلك قوله تعالى: " واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً " أي: عقاب يوم لا بد من هذا الإضمار لأنه مفعول اتقوا فحذف وأقيم اليوم مقامه.
فاليوم مفعول به وليس بظرف إذ ليس المعنى: ائتوا في يوم القيامة لأن يوم القيامة ليس بيوم التكليف.
ومن حذف المضاف قوله تعالى: " وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة " أي: انقضاء أربعين ليلة.
قال أبو علي: ليس يخلو تعلق الأربعين ب الوعد من أن يكون على أنه ظرف أو مفعول ثان فلا يجوز أن يكون ظرفاً لأن الوعد ليس فيها كلها فيكون جواب كم ولا في بعضها فيكون كما يكون جواباً ل متى لأن جواب كم يكون عن الكل لأنك إذا قلت: كم رجلاً لقيت فالجواب: عشرين فأجاب عن الكل.
وجواب متى جواب البعض.
لأنك إذا قلت: متى رأيت يقال في جوابه: يوم الجمعة وهو بعض الأيام التي يدل عليه متى فإذا لم يكن ظرفاً كان انتصابه بوقوعه موقع المفعول الثاني والتقدير: واعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة أو تتمة أربعين ليلة فحذف المضاف كما تقول: اليوم خمسة عشر من الشهر أي تمامه.
ونظيره في الأعراف: " وواعدنا موسى ثلاثين ليلة " أي: انقضاء ثلاثين.
" وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة " والميقات هو الأربعون وإنما هو ميقات ووعد لما روى أن القديم سبحانه وتعالى وعده أن يكلمه على الطور.
فأما انتصاب الأربعين في قوله: " فتم ميقات ربه أربعين ليلة " فذلك كقولك: تم القوم عشرين رجلاً.
والمعنى: تم القوم معدودين هذا العدد.
وتم الميقات معدوداً هذا العدد.
فيكون عشرين حالاً كما أن معدودين كذلك.
ونظيره قوله تعالى: " وواعدناكم جانب الطور الأيمن " أي إتيان جانب الطور الأيمن فحذف المضاف الذي هو مفعول ثان وقام مقامه جانب.
وليس جانب ظرفاً لأنه مخصوص كقوله: فواعديه سرحتى مالك أي إتيان سرحتى مالك.
ومن ذلك قوله تعالى: " ثم اتخذتم العجل " أو صورته لأنهم لم يعبدوا العجل حقيقة من بعده أي من بعد خروجه.
وكذلك " ثم اتخذتم العجل من بعده " في رأس التسعين فإنه لم يكن فيه حياة كما يكون في العجل حقيقة بل كان صورة مموهة وصنعوه صورة العجل.
وقيل: من بعد إنجائنا إياكم.
نظيره: " ما تعبدون من بعدي " أي: من بعد وفاتي " ثم عفونا عنكم " أي عن عبادتكم العجل.
ومثله: " أتتخذنا هزواً " أي ذوي هزو.
ومنه قوله: " وكلا منها رغداً " أي: من نعيمها.
نظيره: " فكلوا منها حيث شئتم " أي: من نعيمها.
ومثله في الأعراف.
ومن ذلك قوله: " وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ".
أي حب عبادة العجل فحذف حب أولا فصار: وأشربوا في قلوبهم عبادة العجل ثم حذف العبادة.
ومثله: " من أثر الرسول " أي من أثر تراب حافر فرس الرسول.
وقال الكلبي: لما ذرى العجل في اليم وشربوا منه الماء ظهرت علامة الذهب على بدن محبي العجل فذلك قوله: " وأشربوا في قلوبهم العجل.
" وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً " أي: ذا أمن.
وإن شئت أمنا كان بمعنى: آمن.
ومن ذلك قوله تعالى: " تلك أمة قد خلت لها ما كسبت " أي: لها جزاء ما كسبت " ولكم ما كسبتم " أي: جزاء ما كسبتم.
ومنه قوله تعالى: " والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها " أي في عقوبة اللعنة وهي النار.
" كذلك يريهم الله أعمالهم " أي: جزاء أعمالهم.
قوله تعالى: " ومثل الذين كفروا " أي: مثل داعي الذين كفروا " كمثل الذي ينعق " لا بد من هذا الإضمار ليكون الداعي بمنزله الراعي.
وقيل: " ومثل الذين كفروا ": مثل وعظ الذين كفروا فحذف المضاف.
قال سيبويه: وهذا من أفصح الكلام إيجازاً واختصاراً ولأن الله تعالى أراد تشبيه شيئين بشيئين: الداعي والكفار بالراعي والغنم فاختصر.
وذكر المشبه في الغنم بالظرف الأول فدل ما أبقى على ما ألقى.
وهذا معنى كلامه.
ومثله: " إنما حرم عليكم الميتة " أي أكل الميتة فحذف.
وإن شئت: ولكن البر بر من آمن.
وإن شئت: كان البر بمعنى البار فلا يكون من هذا الباب.
ولا وجه أن يكون التقدير: ولكن البر بر من آمن ليكون ابتداء الكلام على الحقيقة لأنه إذا حذف منه ذا أو جعل بمعنى البار فعلى الوجهين يكون مغيراً عن أصله.
" فمن عفي له من أخيه شيء " أي: من جناية أخيه وتقديره: من جنايته على أخيه.
والعفو: التيسير دون الصفح كالذي في قوله.
وآخره عفو لله أي يسر له حيث قبلت الصلاة في آخره قبولها في أوله لم تضيق على المصلى.
وقال في موضع آخر: " فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " الآية.
هذا في قبول الدية في العمد أي من يسر له من أخيه القاتل فاتباع بالمعروف أي ليتبعه ولى المقتول بالمعروف فيتجمل في المطالبة وليؤد المطالب ذلك منه إلى ولي المقتول بإحسان فلا يمطله ولا يبخسه.
فقوله تعالى: " وأداء إليه بإحسان " مرتفع بالابتداء وخبره له هي مضمرة في تقدير الفاعل أن يؤدى إليه أخوه والجار في بإحسان متعلق بمضمر في موضع حال.
والتقدير: متلبساً بإحسان أي محسناً.
ولا يتعلق بالمصدر نفسه لأنه قد تعلق به إلى والضمير في إليه راجع إلى " مَنْ عُفِىَ لَهُ ".
ومنه قوله تعالى: " ولكم في القصاص حياة " أي: في استيفاء القصاص أو في شرع القصاص.
ومن ذلك قوله تعالى: " الشهر الحرام بالشهر الحرام " أي: انتهاك حرمة الشهر الحرام.
" والحرمات قصاص " أي: ذات قصاص.
ومن ذلك قوله تعالى: " الحج أشهر معلومات " أي: أشهر الحج أشهر وإن شئت: الحج حج أشهر.
وإن شئت كان: الحج نفس الأشهر مجازاً واتساعاً لكونه فيها.
ومن ذلك قوله: " قل فيهما إثم كبير " أي في استعمالهما.
ووقع في الحجة: في استحلالهما وهو فاسد لأن استحلالهما كفر واستعمالهما إثم.
ومن ذلك قوله تعالى: " فمن شرب منه فليس مني " أي: ليس من أهل ديني.
ومن ذلك قوله: " نساؤكم حرث لكم " أي " فروج نسائكم.
ومثله قوله تعالى: " وإني خفت الموالي من ورائي " أي: تضييع بني عمي فحذف المضاف.
والمعنى: على تضييعهم الدين ونبذهم إياه واطراحهم له فسأل ربه وليا يرث نبوته.
ومنه قوله تعالى: " قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله " أي: ملاقون ثواب الله كقوله تعالى: " ملاقوا ربهم ".
وقوله تعالى: " أنكم ملاقوه " أي: ثوابه.
وهذا قول نفاة الرؤية.
ومن أثبت الرؤية لم يقدر محذوفا.
ومن ذلك قوله تعالى: " فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما " أي: فلتحدث شهادة رجل وامرأتين أن تضل إحداهما.
وقال أبو علي: لا يتعلق " أَنْ " بقوله: " واستشهدوا شهيدين من رجالكم أن تضل إحداهما " لم يسغ ولكن يتعلق " أن " بفعل مضمر دل عليه هذا الكلام وذلك أن قوله: " فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان " يدل على قولك: واستشهدوا رجلا وامرأتين فتعلق " أَنْ " إنما هو بهذا الفعل المدلول عليه من حيث ما ذكرناه.
وقال أبو الحسن في قوله: " فرجل وامرأتان " التقدير: فليكن رجل وامرأتان.
وهذا قول حسن وذلك أنه لما كان قوله " أن تضل إحداهما " لا بد أن يتعلق بفعل وليس في قوله: " فَرَجُلٌ وامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ " فعل ظاهر جعل المضمر فعلا يرتفع به النكرة ويتعلق به المصدر وكان هذا أولى من تقدير إضمار المبتدأ الذي هو: ممن شهد به رجل وامرأتان لأن المصدر الذي هو: أن تضل إحداهما لا يجوز أن يتعلق به لفصل الخبر بين الفعل والمصدر.
فإن قلت: من أي الضريين تكون كان المضمرة في قوله " رَجُلٌ وامْرَأَتَانِ " هل يحتمل أن تكون فالقول في ذلك أن كل واحد منهما يجوز أن يقدر إضماره فإذا أضمرت الذي يقتضي الخبر كان تقديره إضمار المخبر: فليكن ممن يشهدون رجل وامرأتان.
وإنما جاز إضمار هذه وإن كان قد قال: لا يجوز: عبد الله المقتول وأنت تريد: كن عبد الله المقتول لأن ذكرها قد تقدم فتكون هذه إذا أضمرتها لتقدم الذكر بمنزلة المظهرة ألا ترى أنه لا يجوز العطف على عاملين ولما تقدم ذكر " كل " في قوله: أكل امرئ تحسين امرأ ونار توقد في الليل نارا كان كل بمنزلة ما قد ذكر في قوله: ونار توقد بالليل.
وكذلك جاز إضمار كان المنتصبة للخبر كما أضمر بعد " إنْ " في قوله: إن خنجراً فخنجر لما كان الحرف يقتضيها.
ويجوز أن تضمر التامة التي بمعنى الحدوث والوقوع لأنك إذا أضمرتها أضمرت شيئاً وإذا أضمرت الأخرى احتجت أن تضمر شيئين وكلما قل الإضمار كان أسهل فأيهما أضمرت فلا بد من تقدير المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.
المعنى: فليحدث شهادة رجل وامرأتين أو يقع أو نحو ذلك.
ألا ترى أنه ليس المعنى: فليحدث رجل وامرأتان ولكن لتحدث شهادتهما ويجوز أن يتعلق قوله " أن تضل إحداهما " بشئ ثالث وهو أن تضمر خبر المبتدأ ويكون العامل في أن.
وموضع إضماره فيمن فتح الهمزة من أن تضل قبل أن وفيمن كسر إن بعد انقضاء الشرط بجوابه.
يعني أن من كسر إن يجعل الجملة الشرطية وصفا لقوله امرأتان والصفة قبل الخبر.
فقد جاز في أن تضل أن تتعلق بأحد ثلاثة أشياء: أحدها المضمر الذي دل عليه قوله: " واستشهدوا شهيدين ".
والثاني: الفعل الذي هو: فليشهد رجل وامرأتان.
والثالث: الفعل الذي هو خبر المبتدأ.
فإن قيل: فإن الشهادة لم توقع للضلال الذي هو النسيان إنما وقعت للذكر والحفظ.
فالقول في ذلك أن سيبويه قد قال: أمر بالإشهاد لأن تذكر إحداهما الأخرى ومن أجل أن تذكر إحداهما الأخرى.
وذكر الضلال لأنه سبب للإذكار كما تقول: أعددته أن تميل الحائط فأدعمه.
وهو لا يطلب بذاك ميلان الحائط ولكنه أخبره بعلة الدعم وسببه.
ومن حذف المضاف قوله تعالى: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي ".
أي: فنعم شيئاً إبداؤها فحذف المضاف وهو إبداء فاتصل الضمير فصار ها هي لأن ها ومن ذلك قوله تعالى: " إنه كان حوباً كبيراً ".
أي: إن أكله.
ومثله: " وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم ".
أي: وقت دوامي فيهم.
ومثله: " أعلم بنا لبثتم " أي: بوقت لبثكم.
وقال: " يا حسرتنا على ما فرطنا فيها " أي: في عملها وتأهبها.
ويجوز أن تعود الهاء إلى ما حملا على المعنى.
ومثله: " فقد لبثت فيكم عمراً من قبله " أي: من قبل تلاوته.
ومن حذف المضاف قوله تعالى: " سيجزيهم وصفهم " أي: جزاء قولهم لقوله: " قالوا هذه أنعام وحرث حجر " والوصف القول فحذف المضاف كقوله تعالى: " فيها متاع لكم " أي: في دخولها استمتاع لكم.
ألا ترى أنه قيل: أراد به البنادق.
ومثله: " وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ".
أي: ليس عليكم جناح العمل وإثمه دون الخطأ.
ومثله: " رب نجني وأهلي مما يعملون " تقديره تقدير حذف المضاف أي: من عقوبة ما يعملون أو جزاء ما يعملون.
ألا ترى أن الأنبياء تعتزل عن المعاقبين في المحل إذا عوقبوا على هذا " وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون " وقوله تعالى: " فأسر بأهلك " ونحو ذلك.
ويجوز أن يكون التقدير: من ومثله: " إنما تقضي هذه الحياة الدنيا " أي: أمور هذه الحياة الدنيا وإنما تقضى بوقت هذه الحياة الدنيا فعلى الأول مفعول وعلى الثاني ظرف.
وكقوله تعالى: " بجذع النخلة " أي: بهز جذع النخلة.
وقيل: الباء زيادة.
وقيل: وهزى إليك رطباً بجذع النخلة.
وكقوله تعالى: " لا تقربوا الصلاة " أي: مواضع الصلاة.
ألا ترى أنه إنما يعبر موضع الصلاة وموضع الصلاة هو المسجد لأن سائر المواضع عبوره قد وقع الاتفاق على إباحته.
ومن ذلك قوله تعالى: " اليوم يئس الذين كفروا من دينكم " أي: من توهين دينكم.
ومثله قوله تعالى: " لقد كان لسبأ في مسكنهم " أي: في مواضع سكناهم فحذف المضاف والمسكن: السكنى.
وقال: " في مقعد صدق " أي: في مواضع قعود صدق فلا يكون من باب قوله: في حلقكم عظم وقد شجينا وأما جلدها فصليب لأن ذلك في الشعر.
كذا ذكره سيبويه وأبو علي وقد وجدنا خلاف ذلك في التنزيل.
ومن ذلك قوله تعالى: " قل ما يعبأ بكم " أي: بعذابكم أي: لا وزن لعذابكم عنده لولا دعاؤكم الآلهة الذين أشركتموها في عبادته.
والمفعول الذي هو مفعول المصدر محذوف وكل واحد من الفاعل والمفعول قد يحذف مع المصدر.
ويجوز أن يكون قوله تعالى: " لولا دعاؤكم " الآلهة أي: عبادتكم إياها.
وعلى هذا قوله تعالى: " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " أي: لم يكن يعذبكم بعذابه لولا دعاؤكم الآلهة ولكن إذا عبدتم داعين إليها كما يرغب الموحدون مجتهدين في دعاء الله وعبادته عذبكم.
ويقوى أن الدعاء يراد به دعاء الآلهة الذي هو العبادة لها والرغبة إليها في دعائها قوله: " فقد كذبتم " لأنهم إذا دعوا الآلهة فقد كذبوا الموحدين في توحيدهم وكذبوا الرسل " فسوف يكون لزاماً ".
أما فاعل يكون للعذاب المحذوف لذى قد حذف وأقيم المضاف إليه مقامه أي: سوف يكون العذاب لازماً لكم ولزاماً مصدر فإما أن يكون بمعنى لازم أو يكون: ذا لزام.
ومثله: " ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا " أي: حين كبرهم لأنهم إذا كبروا زالت ولايتهم عنهم.
ومثله: " لحبط عنهم " أي: عن ثواب أعمالهم فلهذا عداه ب عن.
ومثله: " إنا خلقناهم مما يعلمون " أي: من أجل ما يعلمون وهو الطاعة كقوله تعالى: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ".
وقال الله تعالى: " يسارعون فيهم " أي: في معونتهم.
وقال الله تعالى: " وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " أي: من إحدى القريتين: مكة والطائف أي: أبي مسعود الثقفي " أ " و: الوليد بن المغيرة.
هكذا قالوه.
وأنكره الأسود وقال: هذه الآية نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي وكان من أهل الطائف وكان ينزل مكة وهو حليف لبني زهرة وهو أحد المنافقين.
مطاع فلما كان ثقيفياً من أهل الطائف ثم نزل مكة جاز أن يقال: على رجل من القريتين وهذا ظاهر.
ومثله: " وجعلوا له من عباده جزءاً " المعنى: من مال عباده نصيباً لأن الجزء هو النصيب كقوله تعالى: " يجعلون لما لا يعلمون نصيباً مما رزقناهم ".
ومثله " فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم " أي: وليأخذ باقيهم.
كقوله تعالى: " ليتفقهوا في الدين " أي ليتفقه باقيهم.
وقال: " لهم عذاب من رجز أليم " أي: من شرب رجز كقوله تعالى: " ويسقى من ماء صديد ".
وقال الله تعالى: " إن كتاب الأبرار لفي عليين " أي: في محل عليين وهم الملائكة.
ومثله: " فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله " أي: من ترك ذكر الله.
ومثله: " عن ذكر ربي ".
ومثله: " فمن يهديه من بعد الله " أي من بعد إضلال الله إياه يطبعه على قلبه جزاء بأعمالهم الخبيثة.
ومثله " استحقا إثماً " أي عقوبة إثم.
ومثله: " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " تقدير هذا الكلام: إني أريد الكف عن قتلى كراهة أن تبوء بإثم قتلى وإثم فعلك الذي من أجله لم يتقبل قربانك فحذف ثلاثة أسماء مضافة وحذف مفعول أريد لا بد من هذا التقدير فموضع " أن تَبوُءَ " نصب لأنه قام مقام كراهة الذي كان مفعولاً له وليس مفعول أريد.
ومثله: " يبين الله لكم أن تضلوا " أي: كراهة أن تضلوا ولئلا تضلوا. عن الكوفي.
وعن النحاس: أن موضع " أنْ تَضلُّوا " نصب بوقوع الفعل عليه أي يبين الله لكم الضلالة.
ومثله: " وألقى في الأرض رواسى أن تميد بكم " أي كراهة أن تميد بكم.
ومثله: " قل إن الهدى هدى الله أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم " أي: كراهة أن يؤتي.
وفيه قول آخر ستراه في حذف الجار.
ومثله: " ولقد كنتم تمنون الموت " أي: أسباب الموت فحذف المضاف يدل عليه: " فقد رأيتموه " أي: رأيتم أسبابه لأن من رأى الموت لم ير شيئاً.
ومثله: " وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون " أي: شكر رزقكم فحذف المضاف.
ومثله: " أن بورك من في النار " أي: من في طلب النار أو قرب النار.
ومن ذلك قوله تعالى: " ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ".
قال محمد بن كعب: كانوا ثمانية والثامن راعي كلبهم.
فيكون التقدير: وثامنهم صاحب كلبهم.
والجمهور على خلافه وأنهم كانوا سبعة وثامنهم كلبهم.
ومثله من حذف المضاف قوله تعالى: " حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده " أي: عند جزاء عمله.
قال أبو علي في الآية: معنى " لم يجده شيئاً " لم يجده وجوداً فصار قوله شيئاً موضوعاً موضع المصدر ألا ترى أن التقدير لم يدركه فهو من وجدان الضالة التي هي رؤيتها وإدراكها.
وأما قوله تعالى: " ووجد الله عنده " فإن أبا إسحاق فسر الوجود ها هنا بما في الحديث من قول القائل: ذروني في الريح لعلى أضل الله أي: وجده فلم يضل عنه.
ويجوز قد أحاط بعلمه وأما قوله تعالى: " أو كظلمات في بحر لجى " فمعناه: أو كذى ظلمات ويدل على حذفه قوله تعالى: " إذا أخرج يده لم يكد يراها ".
والضمير الذي أضيف إليه يده يعود إلى المضاف المحذوف.
ومعنى: ذى ظلمات: أنه في ظلمات.
ومعنى " ظلمات بعضها فوق بعض " ظلمة البحر وظلمة الموج الذي فوق الموج وظلمة الليل.
وقوله تعالى: " فنادى في الظلمات " ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت.
ويجوز أن يكون الالتقام كان في ليل فهذه ظلمات.
وقوله تعالى: " خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث ".
قيل: من ظلمة بطن الأم والرحم والمشيمة عن ابن عباس.
وقيل: ظلمة صلب الأب ثم بطن الأم ثم الرحم.
فمن قرأ: " سحاب ظلمات " بالرفع أي: هذه ظلمات.
ومن جر ظلمات ونون سحاباً كان بدلاً من ظلمات الأولى ومن ذلك قوله تعالى: " سمعوا لها تغيظاً والمعنى على الصوت لأن التغيظ لا يسمع.
ومثله: " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل " كقوله تعالى: " أضل أعمالهم " أي: جزاء أعمالهم كقوله تعالى: " على شئ مما كسبوا " أي: جزاء ما كسبوا.
ومثله: " إنما الحياة الدنيا " تقديره: إنما مثل متاع الحياة الدنيا كمثل ماء.
يدلك على ذلك قوله تعالى: " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار ".
وقال: " مثل الفريقين كالأعمى " أي: كمثل الأعمى وكمثل السميع هل يستويان مثلا أي ذوي مثل.
وقال الله تعالى: " ضرب الله مثلاً رجلاً " أي: مثل رجل ومثلاً قرية " أي: مثلا مثل قرية.
و " مثلا رجلين " أي: مثلا مثل رجلين.
وقال الله تعالى: " واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية " أي: مثلا مثل أصحاب القرية.
وقال مرة أخرى: " إنما مثل الحياة الدنيا كماء " أي: مثل زينة الحياة الدنيا كمثل زينة الماء وزينة الماء نضارة ما ينبته.
وقال: " قادرون عليها " أي: على قطف ثمارها.
وقوله تعالى: " فيه شركاء متشاكسون " أي: في ملكه.
أي ضرب الله مثل عبد مشرك بين شركاء متشاكسين.
ومثله قوله تعالى: " إلا ما حملت ظهورهما أو لحوايا أي: شحم الحوايا.
وقال أبو علي في الآية: الذي حرم عليهم الشحوم والثروب.
قال الكلبي: وكأنه ما خلص فلم يخالط العصب وغيره.
فأما الحوايا فيجوز أن يكون له موضعان: أحدهما رفع والآخر نصب.
فالرفع أن تعطفها على " حملت ظهورهما " كأنه: إلا ما حملته ظهورهما أو حملته الحوايا.
والآخر: أن يريد: إلا ما حملت ظهورهما أو شحم الحوايا فيحذف الشحم ويقيم الحوايا مقامه.
والمعنى في الوجهين التحليل ألا ترى ما حملت الظهور محلل.
وكذلك إذا جعلت موضع الحوايا نصباً بالعطف على " إلاَّ ما حملَّت " كان أيضاً محللاً " وما اختلط بعظم " أي: الإلية.
والحوايا: المباعر وبنات اللبن.
ومثله: " سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ".
والتقدير فيه حذف المضاف كأنه: سواء منكم أسرار من أسر وجهر من جهر كما قال الله تعالى: " يعلم سركم وجهركم ".
وأما الجار في قوله تعالى: " سواء منكم " فيجوز أن يكون وصفاً لسواء تقديره: سر من أسر وجهر من جهر سواء ثابت منكم.
ويجوز أن يكون متعلقاً بسواء أي: يستوي فيكم.
مثل: مررت بزيد.
ويجوز ألا يكون: جهر من جهر منكم وسر من أسر منكم سواء.
هكذا قال أبو علي على الموصول إلا أن تجعله من باب قوله: " وكانوا فيه من الزاهدين " " وأنا على ذلكم من الشاهدين " و " إني لكما لمن الناصحين ".
ومثله: " إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون " تقديره: إن المتقين في ظلال وشرب عيون أي شرب ماء عيون وأكل فواكه.
يدل على ذلك قوله تعالى: " كلوا واشربوا هنيئاً " وقوله: " إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً.
عيناً " أي: يشربون من كأس ماء عين فحذف الماء كما حذف في الأولى فحذف الماء للعلم بأن الماء من العين ماؤها لا نفسها.
ومثله: " لولا يأتون عليهم بسلطان بين " أي: على دعواهم بأنها آلهتهم كقوله تعالى: " ولهم علي ذنب " أي: دعوى ذنب.
ومن حذف المضاف قوله تعالى: " وازدادوا تسعا " أي: لبث تسع.
ف " تِسْعاً " منصوب لأنه مفعول به والمضاف معه مقدر.
ومثله: " جامع الناس ليوم " أي: لجزاء يوم لا ريب فيه.
ومثله: " فليس من الله في شئ " فحذف.
ومثله: " ويحذركم الله نفسه " أي: عذاب نفسه.
ومثله: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله " أي: تحبون دين الله فاتبعوا ديني يحبب الله قال أبو علي: في قوله تعالى: " فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله " أي: من ترك ذكر الله.
ألا ترى أن القلوب إنما تقسو من ترك الذكر لا من الذكر كما قال الله تعالى: " تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله " و " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ".
وقد يمكن أن تكون الآية على ظاهرها فتكون القسوة تحدث عن ذكر الله وذلك ممن يستكبر ولا ينقاد ولا يخضع ولا يعترف.
وقريب من هذا قوله تعالى: " وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة " وهؤلاء الذين تشمئز قلوبهم عن ذكر الله يجوز أن تقسو من ذكره فيكون المعنى بالآية هؤلاء.
ومن حذف المضاف قوله تعالى: " ومن قتل مؤمناً خطأً " أي: قتلاً ذا خطأ فحذف الموصوف والمضاف جميعا.
ومن هذا الباب قوله تعالى: " ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم " أي: جزاؤه واقع أي: جزاء الكسب فحذف المضاف فاتصل ضمير المنفصل.
ومثله: " إلى ربك كدحاً فملاقيه " أي: ملاق جزاءه.
ومثله: " والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون " أي: إلى جزائه وثوابه وجنته.
ومثله: " ولا تجهر بصلاتك: أي: بقراءة صلاتك ألا ترى أن الصلاة لا يخافت بها.
وإنما يخافت ومثله: " قربا قرباناً " أي: قرب كل واحد منهما.
فحذف المضاف.
كقوله تعالى: " فاجلدوهم ثمانين جلدة " أي: فاجلدوا كل واحد منهم.
وقال الله تعالى: " إلى قوم مجرمين " أي: إلى إهلاك قوم مجرمين.
وقال ": " وعند الله مكرهم " أي: جزاء مكرهم.
ومثله: " ولا تحزن عليهم " أي: على كفرهم.
ومثله: " والذين هم به مشركون " أي: بتوليته.
وقال: " ما أخلفنا موعدك بملكنا " أي: بمعاناة ملكنا وإصلاحه.
ومن ذلك قوله تعالى: " وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا " أي: كراهة أن تقولوا.
وقال الفراء: لئلا تقولوا.
وكذلك: " أو تقولوا لو أنا أنزل " تقديره: أو: كراهة أن تقولوا.
ومثله: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم " إلى قوله " أن تقولوا " أي: أشهدهم على أنفسهم كراهة أن يقولوا فيمن قرأ بالياء.
فأما من قرأ بالتاء فالتقدير: وقال لهم " ألست بربكم.
قالوا: بلى " فقال الله تعالى: شهدنا كراهة أن تقولوا.
وقيل: " وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم.
قالوا بلى " فقال الله للملائكة: اشهدوا.
قالت الملائكة: شهدنا كراهة أن تقولوا.
ومن حذف المضاف قوله تعالى: " ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا " تقديره: ساء المثل مثلاً مثل القوم الذين كذبوا فحذف المثل المخصوص بالذم فارتفع القوم لقيامه مقامه.
ومثله: " بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله " أي: بئس مثل القوم الذين كذبوا فحذف المضاف فيكون الذين على هذا في موضع الرفع مقام المضاف إليه.
ويجوز أن يكون الذين في موضع الجر وصفاً للقوم والمخصوص بالذم مضمر والتقدير: بئس مثل القوم المكذبين بآيات الله مثلهم.
فأما قوله تعالى: " نعم أجر العاملين الذين صبروا " أي: أجر الذين صبروا فحذف المضاف.
فيجوز أن يكون التقدير: فنعم أجر العاملين أجر الذين صبروا فحذف المضاف.
ويكون الذين في موضع الرفع لقيامه مقام الآخرة.
ويجوز أن يكون الذين في موضع الجر والتقدير: فنعم أجر العاملين الصابرين أجرهم فحذف المخصوص بالمدح.
ومن ذلك قوله تعالى: " فسألت أودية بقدرها " أي: سالت مياه أودية.
وكذلك قوله تعالى بقدرها يعني بقدر مياهها.
ألا ترى أن المعنى ليس على أنها سالت بقدر أنفسها لأن أنفسها على حال واحدة وإنما تكون كثرة المياه وقلتها وشدة جريها ولينه على قدر قلة المياه المنزلة وكثرتها.
ومن حذف المضاف قوله تعالى: " إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك " بالتاء ونصب الباء.
والمعنى: هل تستطيع سؤال ربك فحذف المضاف.
وذكروا الاستطاعة في سؤالهم لأنهم شكوا في استطاعته ولكنهم ذكروه على وجه الاجتماع عليه منهم كأنهم قالوا: إنك تستطيع فما يمنعك مثل ذلك قولك لصاحبك: أتستطيع أن تذهب عني فإني مشغول أي: اذهب لأنك غير عاجز عن ذلك.
وأما أن في قوله: " هل يستطيع ربك أن ينزل " فهو من صلة المصدر المحذوف ولا يستقيم الكلام إلا بتقدير ذلك.
ألا ترى أنه لا يصلح: هل تستطيع أن يفعل غيرك وإن الاستفهام لا يقع عنه كما لا يصح في الإخبار: أنت تستطيع أن يفعل زيد.
وأن في قوله " أن ينزل علينا " متعلق بالمصدر المحذوف على أنه مفعول به.
فإن قلت: هل يصح هذا على قوله سيبويه وقد قال: إن بعض الاسم لا يضمر في قوله: إلا الفرقدان.
فإن ذلك لا يصح لأنه كما ذهب إليه في قوله: ونار توقد بالليل نارا ومثل حذف المضاف قوله تعالى: " إنه عمل غير صالح " أي ذو عمل فحذف المضاف.
ومثله قوله تعالى: " كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار " أي على كل قلب كل متكبر وذلك فيمن قرأ مضافاً أعني قلباً إذ لا يصح أن يقال: يطبع على جملة كل قلب من المتكبر.
إنما المعنى: أنه يطبع على القلوب إذا كانت قلباً قلباً.
وقد ظهر هذا المضاف في قراءة ابن مسعود: على قلب كل متكبر.
ومثله: " ثم لا تجد لك به " أي: بإذهابه وإغراقه.
ومن حذف المضاف قوله تعالى: " وما علمناه الشعر " تقديره: وما علمناه صناعة الشعر لأنهم نسبوه عليه السلام إلى ذلك في قوله تعالى: " افتراه بل هو شاعر ".
وقوله تعالى: " أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون " فنفى ذلك.
وليس المراد بهذا الكرم أنه لا يقيم بيتا لأن ذلك تكرر عليه مع صحة العقل والسمع بعد ألا يحفظه.
ألا ترى أن الصغار منا ومن يقرب من الأطفال قد يحفظون ذلك ويؤدونه.
والبيت الواحد يكون شعراً إلا أن قائله لا يكون شاعراً كما أن من بنى مفحصاً ودرجة ومعلفاً ونحو ذلك مما يقل يقال له بناء.
إلا أن فاعله لا يقال له بناء كما أن من أصلح قميصاً لا يكون خياطاً وإن كان ذلك الإصلاح خياطة.
ومن ذلك قوله تعالى: " وحرمنا عليه المراضع " أي: ثدي المراضع.
قال أبو علي: في الآية يجوز أن يكون جمع المصدر كأنه جمع مرضعاً مراضع.
ويجوز أن يكون جمع المصدر كأنه جمع مرضعاً مراضع على أنه صفة للمرأة مثل مطفل ومطافل فيكون التقدير: ثدي المراضع.
وعلى الوجه الأول: وحرمنا عليه الإرضاعات.
ومن ذلك قوله تعالى: " واسأل القرية " أي: أهل القرية.
كما قال: " فليدع ناديه " أي: أهل ناديه.
ومن ذلك قوله تعالى: " ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً " والتقدير: على موطئ عقبيه فنكص عليهما فلم يسلك الصراط السوى فحاد وزاغ عنه وزال فإنما ذلك عليه لن يضر الله بذلك شيئاً.
ومثله: " انقلبتم على أعقابكم " أي: على مواطىء أعقابكم.
ومن ذلك قوله تعالى: " من شر الوسواس الخناس " أي: من شر ذي الوسواس فحذف المضاف.
قال أبو علي في الآية: فاعل يوسوس من قوله الذي يوسوس في صدور الناس: الجنة.
وذلك أن أبا الحسن يقول: إن قوله من الجنة والناس متعلق بالوسواس كأنه: من شر الوسواس من الجنة والناس.
وإذا كان كذلك ففاعل يوسوس هو اِلْجنَّة ولا يمتنع ذلك وإن كان لفظ الجنة مؤنثا لأن معنى الجن والجنة واحد.
والعائد على هذا إلى الموصول الهاء المحذوفة أي: الذي يوسوسه فحذف.
فإن قلت: إن في هذا إضمار قبل الذكر كما أن: ضرب غلامه زيد كذلك.
وإن شئت كان وإن شئت قدرت في الوسواس فيكون العائد إلى الموصول ذكر الفاعل في يوسوس: ولا تضمر الهاء كما أضمرت في الوجه الآخر.
ومن حذف المضاف قوله تعالى: " ثم توفى كل نفس ما كسبت " في البقرة أي: جزاء ماكسبت وفي آل عمران في موضعين وفي سورة النحل " توفى كل نفس ما عملت " أي: جزاء ما عملت.
وفي " حم عسق " و " الجاثية " وفي جميع التنزيل.
ومنه قوله تعالى: " هم درجات عند الله " أي ذوو درجات عند الجمهور.
وقدره البخاري: لهم درجات على نزع الخافض.
ومن حذف المضاف قوله تعالى: " قد نرى تقلب وجهك في السماء ".
قال أبو علي: هذا يكون على ضربين: أحدهما: تقلب وجهك نحو السماء وهذا يفعله المهتم المتفكر فالسماء هذه التي تظل الأرض ويكون السماء ما ارتفع وكان خلاف السفل أي: تقلب وجهك في الهواء.
ولا يكون في السماء متعلقاً ب نرى لأنه سبحانه وتعالى يرى في السماء وغيرها فلا وجه لتخصيص السماء.
هذه لفظة ذكرها سيبويه في الأبنية مع كينونته في باب: سيد وميت مما مقحمة يقلب فيه ومن ذلك قوله تعالى: " وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين " المعنى: من قبل مجيئها أي: " أوتينا العلم " بالعرش أنه عرشها وكنا مسلمين هذا من قول سليمان ولذلك قد عطف على هذا من قوله: قال هذا من فضل ربي وأوتينا العلم من قبلها أي: كنا مؤمنين بأن الله يقدر من نقل العرش على ثقله في المدة التي ذكرها أنه ينقله فيها لأن ذلك بإقدار الله إياه على هذا من هذا الذي هو معجز له.
ومن حذف المضاف قوله تعالى: " شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان " أي: إذا حضر أحدكم أسباب الموت حين الوصية شهادة اثنين.
ومن ذلك قوله: " يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم " أي من أحدكم.
لأنه لم يأت الجن رسل.
قاله ابن جريج.
وقال الضحاك: بل أتتهم الرسل كما أتت الإنس.
وقال غيرهما: الرسل التي أتتهم هم النفر المذكورون في قوله تعالى: " فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين ".
ومن ذلك قوله تعالى: " نسيا حوتهما " أي: نسى أحدهما وهو يوشع لأن الزاد كان في يده.
وقال الله تعالى: " ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة " أي: في إحداهما.
وقال: " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " أي: من أحدهما وهو الملح دون العذب.
ومثله: " وجعل القمر فيهن نوراً " أي: في إحداهن.
وقال الله تعالى: " فلا جناح فيما افتدت " أي: على أحدهما وهو الزوج لأنه آخذ ما أعطى.
قال: ويراد الزوج دون المرأة وإن كانا قد ذكرا جميعا كما قال الله تعالى: " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " وموضع طرح تعجل الإثم للمتعجل فجعل للمتأخر الذي لم يقصر مثل ما جعل على المقصر.
قال: وقد تحتمل هذه وجها آخر وهو أن يريد: لا يقولن واحد منهما لصاحبه: أنت مقصر فيكون المعنى: لا يؤثمن أحدهما صاحبه.
ومثله: " من العذاب المهين من فرعون " أي: من عذاب فرعون.
ومن حذف المضاف قوله تعالى: " لا يرجون لقاءنا " أي: لقاء رحمتنا.
ومثله: " قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور " أي: من ثوابها لإنكارهم وكفرهم بها في نحو قوله تعالى: " لا تأتينا الساعة " " وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا ".
فأما قوله تعالى: " كما يئس الكفار من أصحاب القبور " أي: من بعث أصحاب القبور يدل على ذلك قوله: " زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ".
أو يكون: من مجازاة أهل القبور أي: لا يثابون ولا يعاقبون ويكون كما يئس الكفار الموتى من الآخرة فأضمر من الآخرة لجرى ذكره.
ويكون قوله من أصحاب القبور متعلقاً ب الكفار دون يئس محذوف لجرى ذكره.
ومن ذلك قوله تعالى: " جعل الله الكعبة البيت الحرام " أي: حج الكعبة ليكون في المعنى " قياماً للناس ".
ومنه قوله تعالى: " ولا تزال تطلع على خائنة منهم " أي: على ذوى خيانة منهم " إلا قليلاً ".
والاستثناء من المضاف المحذوف.
ومن حذف المضاف قوله: " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة " أي: إلا نجوى من أمر.
قال أبو علي: قد تكون موضع من نصباً إذا استثنيته من المنتجين كما جاء " وإذ هم نجوى " أي: هم منتجون.
وقد يكون جزاء أي: لا خير في كثير من نجواهم إلا في انتجاء من أمر بصدقة.
ويكون هذا على قياس قوله: " ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ".
فهذا لا يكون من المنتجين ولكن على الانتجاء.
وإنما قال أبو علي: قد يكون نصباً على أصل الباب كقراءة ابن عامر: " ما فعلوه إلا قليل منهم " وقوله تعالى: " إلا امرأتك " إذا استثنيته من أحد ونصبته.
وأما قوله تعالى: " ما يكون من نجوى ثلاثة " فالأظهر فيه أن تكون ثلاثة وصفاً لنجوى.
والنجوى ها هنا مثله في قوله تعالى: " وإذ هم نجوى " ولا يكون جراً بإضافة النجوى إليه كقوله تعالى: " لا نسمع سرهم ونجويهم ".
ومنه قوله تعالى: " وأنا لمسنا السماء " أي: لمسنا غيب السماء ورمناه.
ومنه قوله تعالى: " لا يسمعون إلى الملاء الأعلى " أي: إلى قول الملأ الأعلى وإلى كلام الملأ الأعلى.
كقوله تعالى: " إن هى إلا أسماء سميتموها " أي: ذوات أسماء.
ومن ذلك قوله تعالى: " لترون الجحيم " أي: عذاب الجحيم لأن الوعيد برؤية العذاب لا برؤيتها لأن المؤمنين أيضاً يرونها قال الله تعالى: " وإن منكم إلا واردها ".
ومن ذلك قوله تعالى: " الرجال قوامون على النساء " أي: على مصالح النساء.
ومن ذلك قوله تعالى: " فلا عدوان إلا على الظالمين " أي: فلا جزاء ظلم إلا على ظالم.
ومن ذلك قوله تعالى: " فلا يصدنك عنها " أي: عن اعتقادها ومثله: " لن نؤثرك على ما جاءنا " أي: لن نؤثر اتباعك.
ومن حذف المضاف قوله تعالى: " لن يضروا الله شيئاً " أي: دين الله أو جند الله أو نبي الله.
ومن ذلك قوله تعالى: " ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم " التقدير: ولا تحسبن بخل الذين كفروا خيرا لهم فيمن قرأ بالتاء فيكون المضاف محذوفاً مفعولاً وهو تكرار لطول الكلام.
وخيراً المفعول الثاني.
ومن قرأ بالياء فقد كفانا سيبويه حيث قال: ومن ذلك قوله عز وجل: " ولا يحسبن الذين يبخلون " البخل " هو خيراً لهم " ولم يذكر البخل اجتزاء لعلم المخاطب بأنه البخل لذكره يبخلون.
ومن ذلك قول العرب: من كذب كان شراً له.
يريدون: كان الكذب شراً له.
إلا أنه استغنى بأن المخاطب علم أنه الكذب لقوله: كذب في أول حديثه فصارت هو ها هنا وأخواتها بمنزلة ما إذا كانت لغوا في أنها لا تغير ما بعدها عن حاله قبل أن تذكر.
ومن ذلك قوله تعالى: " فطلقوهن لعدتهن " المعنى: لقبل عدتهن.
لأن العدة الحيض والمرأة لا تطلق في حيضها.
ألا ترى أن ابن عمر لما طلق في الحيض أمره بأن يراجعها ثم يطلقها.
فإذا كانت العدة الحيض وكان النهى قد حصل وثبت عن الطلاق في الحيض لم يجز أن يكون المراد إيقاع الطلاق في العدة وإذا لم يجز ذلك ثبت أنه لقبل عدتهن إذ ذلك هو الظرف وهو المأمور بإيقاع الطلاق فيه.
ومن ذلك قوله تعالى: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم " المعنى: خذ من مال كل واحد منهم.
ألا ترى أنه لا تفرق الثمانون على الجماعة إنما يضرب كل واحد ثمانين.
وإذا كان كذلك دل أن ما دون النصاب بين الشريكين لا يحتسب فيه شئ بظاهر قوله: " خذ من أموالهم ".
ومن حذف المضاف قوله تعالى: " فتيمموا صعيداً طيباً " هو على حذف المضاف كأنه قال: تيمموا استعمال صعيد.
ولا يكون على الظاهر وغير حذف المضاف لحلو اللفظ من الفائدة على هذا.
ألا ترى أن قوله " فامسحوا " يغنى عن ذلك.
وهذا الحذف ينبغي أن يكون على تأويل أبي حنيفة لأن أبا يوسف روى عنه فيما حكى الشيخ أنه قال: أمر الله في آية التيمم بشيئين: تيمم ومسح.
وفي قول زفر: لا يلزم أن يقدر هذا المضاف لأن المراد كان عنده المسح ولا ينبغي أن يكون المراد تيمموا الصعيد: اقصدوه.
لأن من الفقهاء من لم يذهب إليه لأن زفر كان المعنى عنده: امسحوا لأن زفر يقول: يصح التيمم بغير النية وأبو حنيفة يقول: لا يصح إلا بالنية لأن التيمم قصد والقصد هو النية.
وزفر يقيسه على الوضوء فيصير في الآية تكرار لأنه لا يقدر المضاف ولا يجعل التيمم النية.
ومن حذف المضاف قوله تعالى: " من أول يوم أحق أن تقوم فيه " أي من تأسيس أول يوم لا بد من ذا لأن من لا تدخل.
ومن ذلك قوله تعالى: " تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت " يجوز أن يكون الجار والمجرور صفة للمصدر المحذوف كأنه: تدور أعينهم دورا كدور الذي يغشى عليه أي: كدور عين الذي يغشى عليه من الموت أي: من حذر الموت أو: من خوف الموت أو: من مقارفته الموت.
ويجوز أن يكون حالاً من المضاف إليه الأعين أي: تدور أعينهم مشبهين الذي يغشى عليه لأن الذي يغشى عليه تدور عينه فيكون الكاف على هذا حالا وعلى القول الأول وصفا للمحذوف منه وفي كلا الأمرين فيه ذكر من هو له.
ومن حذف المضاف قوله تعالى: " هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم " أي: في ملك ما ملكنا كم تخافونهم أي: تخافون تسويتهم في الملك لأن سياقة الكلام عليه ولا يكون المعنى على: تخافون مكايدتهم أو بأسهم لأن ذلك غير مأمون منهم.
فالمعنى: تخافون تسويتهم إياكم فتقدير المصدر الإضافة إلى الفاعل فقوله " كخيفتكم أنفسكم " أي: كخيفتكم المساواة بينكم.
فهو من باب " فمن اعتدى عليكم " لأن التسوية بين الأحرار قائمة واقعة أي: تخافون ومن ذلك قوله تعالى: " وثيابك فطهر " أي ذا ثيابك فطهر فحذف المضاف فهذا كقوله تعالى " إن الله اصطفاك وطهرك " أي برأك مما رميت به.
ومن ذلك قوله تعالى " قل أحل لكم الطيبات وما علمتم " أي صيد ما علمتم.
ومنه قوله تعالى " طريقا في البحر يبساً " أي ذا يبس.
ومن ذلك قوله تعالى: " سبل السلام " أي: سبل دار السلام يعني: سبل دار الله.
ويجوز أن يكون السلام السلامة أي: دار السلامة.
ومن ذلك قوله تعالى: " فأتوا به على أعين الناس " أي: على مرآة أعين الناس.
ومن ذلك قوله تعالى: " ولا تولوا عنه " أي: لا تعرضوا عن أمره وتلقوه بالطاعة والقبول كما قال عز وجل: " فليحذر الذين يخالفون عن أمره ".
ومن ذلك قوله تعالى: " أيعدكم أنكم إذا متم " أي: أن إخراجكم إذا متم.
لا بد من حذف المضاف لأن ظرف الزمان لا يكون خبراً عن الجثة كقولهم: الليلةُ هلالُ.
ومن ذلك قوله تعالى: " ما وعدتنا على رسلك " أي: على ألسن رسلك.
وقال: " ثم أصبحوا بها كافرين " أي: بردها لأنهم إذا سألوا عما يسوؤهم إذا أظهر لهم فأخبروا به ردوها ومن رد على الأنبياء كفر فالتقدير فيه: بردها وتركهم قبولها.
ومن ذلك قوله تعالى: " من بعد قوة أنكاثاً " أي: من بعد إمرار قوة وقوة واحد في معنى الجمع.
وأنكاثاً حال مؤكدة لأن في النقض دلالة على النكث.
ومن ذلك قوله تعالى: " فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب " والجن قد تبينوا أنهم لا يعلمون الغيب فهو على حذف المضاف أي بتبين أمر الجن فصار بمنزلة: اجتمعت اليمامة.
وحمل أن على موضع المحذوف ف أن بدل من أمر الجن.
ومن ذلك قوله تعالى في قصة شعيب: " إن أريد إلا الإصلاح " أي: فعل الإصلاح لأن الاستطاعة من شرط الفعل دون الإرادة.
ومن ذلك قوله تعالى: " أولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها " أي: دخول جنات عدن " ومن صلح " أي: دخول من صلح.
فإن قلت: فهل يكون " ومن صلح " على: زيدا ضربته وعمرا فتحمله على المضمر دون ضربته فإن ذلك لا يجوز.
ألا ترى أن يدخلونها صفة وليس بخبر لأن جنات عدن نكرة وليس كزيد. قاله أبو علي.
وعندي فيه نظر لأن كون قوله " يَدْخُلُونَهَا " صفة لجنات لا يمنع عطف ومن صلح على الضمير الذي فيه.
ومن ذلك قوله تعالى: " قالوا جزاؤه من وجد في رحله " أي: أخذ من وجد في رحله فحذف المضاف.
ومنه قوله تعالى: " إلا أن يأتيهم الله " أي: أمر الله.
ومنه قوله تعالى: " وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم " أي: أمم النبيين.
وقال: " كمثل ريح " أي: كمثل إنفاق زرع ذى ريح فحذف أي: فإنفاق بعض هذا الزرع لا يجدي عليه شيئاً كذلك إنفاق هؤلاء لا يجدي عليهم نفعاً ولا يرد عنهم ضيراً.
ووصف الزرع بأنه ذو ريح في وقتها كان كما أن من قرأ في قوله تعالى: " سحاب ظلمات " أضاف السحاب إلى الظلمات لأنه في وقتها نشأت وعلى هذا ينبغي أن يحمل ليكون مثل النفقة.
ولا تكون النفقة كالريح ولا كمثل الريح فإنما هو كلام فيه اتساع لمعرفة المخاطبين بالمعنى كقولهم: ما رأيت كاليوم رجلاً.
وقدره أبو علي مرة أخرى: كمثل إهلاك ريح أو فساد ريح.
وإن جعلت ما بمنزلة الذي كان التقدير مثل إفساد ما ينفقون وإتلاف ما ينفقون كمثل إتلاف ريح تقدر إضافة المصدر إلى المفعول في الأول وفي الثاني إلى الفاعل.
وقال في قوله تعالى: " إن تمسسكم حسنة تسؤهم " اللفظ على تسؤهم للحسنة والتقدير على وكذلك " يفرحوا بها " أي: بإصابتهم السيئة.
ومن ذلك قوله تعالى: " لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله " أي كإبطال الذي ينفق أو كإهلاك الذي ينفق.
ومن ذلك قوله تعالى: " لن ينال الله لحومها " أي: ينال ثواب الله " ولكن يناله التقوى " أي: ينال ثواب التقوى.
ومن ذلك قوله تعالى: " لا تكلف إلا نفسك " أي: قتال نفسك أو: جهاد نفسك.
وفي الأخرى: " وجاهدهم به جهاداً كبيراً " ألا ترى أن الإنسان لا يكلف العين وإنما يكلف معنى فيه كقول الأعشى: إلا كخارجة المكلف نفسه وابنى قبيصة أن أغيب ويشهدا والتقدير فيه شرة نفسه.
المعنى: والمتكلف شرة نفسه فحذف المضاف إليه كما حذف في الآية.
ومن ذلك قوله تعالى: " لست منهم في شيء " أي: من قتالهم في شئ نسختها سورة التوبة.
عن الكلبي.
وقيل: لست عن مخالطتهم في شيء.
نهى نبيه صلى الله عليه وآله عن مقاربتهم وأمره قال أبو علي: لست منهم كقوله: فإني لست منك للمبارأة.
وحمل الجار في شئ على أنه حال من الضمير في منهم على الوجوه كلها.
ومن ذلك قوله تعالى: " بشراكم اليوم جنات تجري " أي: دخول جنات فحذف المضاف.
وقال: " جزاؤهم عند ربهم جنات عدن " أي: دخول جنات كما أن قوله: " فجزاؤه جهنم " كذلك لأن جهنم والجنة عين فلا يكون حدثا.
ومن ذلك قوله تعالى: " فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله " أي: خلاف خروج رسول الله.
والخلاف والخلف واحد وهو ظرف.
وقيل: هو مصدر في موضع الحال أي: فرح المخلفون بمقعدهم مخالفين رسول الله والمقعد المصدر لا غير لتعلق خلاف به والمكان لا يتعلق به شئ.
وإن كان خلاف مصدراً فهو مضاف إلى المفعول به.
والمقعد والمثوى في قوله تعالى: " النار مثواكم " ومغار في قول حميد بن ثور: مغار ابن همام على حي خثعما مصادر كلها لما يتعلق به ما بعدها فالمقعد: القعود.
والمثوى: الثواء.
والمغار: الإغارة.
والملقى في قول ذى الرمة: أي: فظل بالإلقاء.
والمجر في قول النابغة: كأن مجر الراسيات ذيولها " فاْلَملْقَى " والمجر مصدران.
ومن ذلك قوله تعالى: " وقودها الناس " لا يكون إلا على الاتساع أي: وقودها يلهب الناس.
ومن ذلك قوله تعالى: " والله مخرج ما كنتم تكتمون ".
ما بمنزلة الذي.
ويجوز أن تجعلها مصدراً أي: الكتمان.
ويريد مع هذا بالكتمان: المكتوم أي: ذا الكتمان فحذف المضاف ويخرج على معنى الحكاية كقوله: " باسط ذراعيه ".
وإنما قال: " ما كنتم تكتمون " لمن علم القاتل وكتم أمره دون القاتل لأنه يجحد ولا يكتم.
ومن ذلك قوله تعالى: " وكفى بجهنم سعيراً ".
وقال أبو عبيدة: أي: وقوداً.
وهذا يصح على حذف المضاف والمضاف إليه كله أي وكفى بسعير جهنم سعيراً لأن السعير هو الاستعار وجهنم اسم مكان فلا يكون ذو الحال الحال إلا على هذا التقدير وتكون الحال مؤكدة كقوله: كفى بالنأى من أسماء كاف وقال أبو الحسن في سعير: أي مسعورة.
واستدل على ذلك بقوله تعالى: " وإذا الجحيم سعرت ".
وإن أراد أبو عبيدة بالوقود الحطب كان أيضاً على حذف المضاف أي: وكفى بوقود جهنم وقودا والحال أيضاً مؤكدة.
ومن ذلك قوله تعالى: " وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً درجات منه ومغفرة ورحمة " انتصب أجرا لأن " فَضَّل " يدل على أجر ولا ينتصب بفضل لاستيفائه المجاهدين أولاً والثاني على القاعدين.
ودرجات أي: أجر درجات فحذف وهو بدل.
أو يكون: بدرجات فهو ظرف.
ومغفرة أي: وجزاهم مغفرة أو يكون: وغفر مغفرة.
ومن ذلك قوله تعالى: " وحرم عليكم صيد البر " أي: اصطياد صيد البر لأن الاسم غير محرم.
وإن حملت الصيد على المصدر والتقدير: صيد وحش البر لأن البر لا يصاد فالصيد هنا مثله في قوله: " لا تقتلوا الصيد " على الوجه الأول.
ومن ذلك قوله تعالى: " ورسلاً قد قصصناهم عليك " يحتمل أمرين: أحدهما: رسلاً قصصنا أخبارهم عليك ورسلاً لم نقصص عليك أي: لم نقص أخبارهم عليك.
وقد يكون على: رسلا قصصنا أسماءهم عليك ورسلا لم نقصص أسماءهم.
ومن ذلك قوله عز وجل: " وما من حسابك عليهم من شيء ".
ومن ذلك قوله تعالى: " أو من كان ميتاً فأحييناه ".
والتقدير: أو مثل من كان ميتا ليطابق قوله كمن مثله فحذف المضاف.
وإن شئت كان التقدير: كمن مثله.
فهو كقولهم: أنا أكرم مثلك أي أكرمك.
وقال عز وجل: " كمن هو أعمى ".
ومن ذلك قوله تعالى: " قد استكثرتم من الإنس " أي: من استمتاع الإنس أي: من استمتاعكم بالإنس فحذف بعدما أضاف إلى المفعول مع الجار والمجرور مضمر لقوله: " اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ".
ومن ذلك قوله تعالى: " لا يزال بنيانهم الذي بنوا " أي: هدم بنيانهم أو حرق بنيانهم.
ومن ذلك قوله تعالى: " ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم " أي: كتب ثواب قطعه فحذف المضاف فصار: كتب لهم قطعه ثم حذف أيضاً القطع فارتفع الضمير.
ومن ذلك قوله تعالى: " ويؤت كل ذى فضل فضله " أي: جزاء فضله لأن الفضل قد أوتيه.
ومن ذلك قوله تعالى: " بدم كذب " أي: ذي كذب وقيل: بدم مكذوب فيه.
ومن ذلك قوله تعالى: " إنى أرانى أعصر خمراً " أي: عنب خمر فحذف.
ومن ذلك قوله تعالى: " وكان الكافر على ربه ظهيرا " أي: على معصية ربه فحذف المضاف.
قال أبو علي: أي: ساقطاً.
مثل قوله: جعل قضاء حاجتي بظهر أي: نبذه وراء ظهره ولم يلتفت إليه.
وقوله تعالى: " فكيف تتقون إن كفرتم يوماً " أي: عقاب يوم.
ومن ذلك قوله تعالى: " فإنها محرمة " أي: إن دخولها لقوله: " لن ندخلها أبداً ما داموا فيها ".
ومن ذلك قوله تعالى: " إن العهد كان مسئولاً " أي ذا العهد كان مسئولا عنه وذا الأمانة فحذف.
وقوله تعالى: " إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا " أي: كل أفعال أولئك أي: إن ذا العهد كان مسئولا عنه أي عن كل الأفعال.
وقيل: أي: يكون الإنسان هو المسئول عن السمع والبصر والفؤاد تسأل عن الإنسان لتكون شهوداً عليه وله بما فعل من طاعة وارتكب من معصية.
وقيل: يعود إلى البصر.
وقيل: يعود إلى كل.
ومن ذلك قوله تعالى: " لن تخرق الأرض " أي: لن تخرق عمقها أي: لن تبلغ طول ذا ولا خرق ذا وأنت ضعيف عاجز.
ومن ذلك قوله تعالى: " كانت لهم جنات الفردوس نزلاً " أي: دخول جنات الفردوس ف نزلاً حال من الضمير المجرور فيمن جعلها جمع نازل.
ومن جعله كقوله: " هذا نزلهم " كان خبراً والتقدير: كانت لهم ثمر الجنات فحذف المضاف.
ومن ذلك قوله تعالى: " كما بدأكم تعودون " أي: كما بدأ خلقكم تعودون.
أي: يعود خلقكم عودا كبدئه.
والخلق: اسم الحدث لا الذي يراد به المخلوق.
ومن ذلك قوله تعالى: " وكان بين ذلك قواماً " أي: كان الانفاق ذا قوام بين ذلك.
وإن شئت علقت الظرف بما دل عليه القوام كأنه: قال: مستقيما بين الإسراف والإقتار فلا تجعله متقدماً على المصدر وما يجرى مجراه لأن ذلك لا يستقيم.
وإن شئت علقته به فكان على هذا النحو.
وإن شئت علقته بمحذوف جعلته الخبر كأنه قال: بين الإسراف أو التبذير والإقتار فأفرد ذلك كما أفرد في قوله: " عوان بين ذلك " وكلا ذلك وجه حسن.
ومن ذلك قوله تعالى: " حسبته لجة " أي: حسبت صحن الصرح من القوارير ماءً ذا لجة.
وقال تعالى: " بل أدارك علمهم في الآخرة " بمعنى: أدرك ولحق فالمعنى: أنهم لم يدركوا علم الآخرة أي: لم يعلموا حدوثها وكونها.
ودل على ذلك: " بل هم في شك منها بل هم منها عمون " أي: من عملها.
ف في بمعنى الباء أي: لم يدركوا علمها ولم ينظروا في حقيقتها فيدركوها أي إدراك علمهم بحدوثها بل هم في شك من حدوثها بل هم عن علمها عمون.
ومن ذلك قوله تعالى: " أجعلتم سقاية الحاج " أي: صاحب سقاية الحاج.
وقال عز من قائل: " وكأين من قرية " أي: من أهل قرية " هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك " أي: أخرجك أهلها.
ومن ذلك قوله تعالى: " وعدكم الله مغانم " أي: تمليك مغانم ويراد به المفعول لأن الحرث لا يؤخذ.
ومن ذلك: " لقد صدق الله رسوله الرؤيا " أي: تأويل الرؤيا لأن الرؤيا إنما هي مخايل ترى في المنام وليس بحديث فيحتمل الصدق والكذب.
والتأويل: حديث فيحتمل الصدق والكذب وصدق.
فعل يتعدى إلى مفعولين.
ومن ذلك قوله تعالى: " لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله " أي: من رهبة الله.
والمعنى: يرهبونكم أشد مما ترهبون الله.
وهذا مثل قوله تعالى في صفتهم: " ولكنهم قوم يفرقون ".
وقال عز من قائل: " يحسبون كل صيحة عليهم " فوصفوا في ذلك بالجبن والفرق.
والتقدير: رهبتهم لكم تزيد على رهبة الله.
فالمصدر المقدر حذفه في تقدير الإضافة إلى المفعول به.
ومن ذلك قوله تعالى: " قوارير من فضة " أي: من صفاء فضة.
ويكون قوله من فضة صفة للقوارير كما أن قدروها صفة.
ومن ذلك قوله تعالى: " وما أدرك ما العقبة " أي: اقتحام العقبة.
ثم قال: " فك رقبة " أي: اقتحامها فك رقبة.
" ثم كان " أي: إن كان أي: ثم كونه من الذين فحذف أن كقوله: " أحضر الوغى ".
ومن ذلك قوله تعالى: " من كل أمر سلام " أي: من كل ذى أمر.
ومن ذلك قوله تعالى: " إن الذين هم من خشية ربهم " أي: من خشية عقاب ربهم.
والخشية: خوف فيه تعظيم للمخشى منه بخلاف الإشفاق فكأنه قال: هم حذرون المعاصي من أجل خشية عقاب الله