→ الحادي عشر ما جاء في التنزيل من الاشمام والروم | إعراب القرآن للسيوطي
الثاني عشر ما جاء في التنزيل ويكون الجار والمجرور في موضع الحال محتملاً ضميراً من صاحب الحال |
الثالث عشر ما جاء في التنزيل دالاً على جواز تقدم خبر المبتدأ ← |
الثاني عشر ما جاء في التنزيل ويكون الجار والمجرور في موضع الحال محتملاً ضميراً من صاحب الحال
وذلك معروف في كلامهم حكى عن العرب خرج زيد بسلاحه أي: متسلحاً.
فمن ذلك قوله تعالى في أحد التأويلين: " الذين يؤمنون بالغيب " قال أبو علي: أي يؤمنون إذا غابوا عنكم ولم يكونوا كالمنافقين الذين يقولون: " إنا معكم إنما نحن مستهزئون " وقد قال: " الذين يخشون ربهم بالغيب " وقال: " من خَشِي الرحمن بالغيب " وقال أبو ذؤيب: أخالد ما راعيت من ذى قرابة فتحفظنِي بالغيب أو بعض ما تبدى فالجار مع المجرور في موضع الحال أي: يحفظنى غائباً.
ويخشون ربهم غائبين من مراءاة الناس لا يريدون بإيمانهم التصنع والتقرب رجاء المنالة ولكن يخلصون إيمانهم لله.
قال: ويجوز فيها وجه آخر: وهو أن هذه الآية إجمال ما فصل في قوله: " والمؤمنون كلُّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله " والموصوفون فيها خلاف من وصف في قوله: " ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً " وكفرهم بالملائكة ادعاؤهم بنات الله فيها كما ادعوا في قوله: " أم اتخذ ممَّا يخلق بنات " وقوله: " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً " وكفرهم بالكتاب إنكار له قوله: " وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء " وكفرهم بإرسال الرسل إنكارهم إرسالهم نحو قوله: " ولئن أطعتم بشراً مثلكم " وقوله: " أهذا الذي بعث الله رسولاً " وكفرهم بالآخرة قوله: " لا تأتينا الساعة قل بلَى وربي " وكل هذه الأمور غيب قد أنكروه ودفعوه فلم يؤمنوا به ولم يستدلوا على صحته.
فقال تعالى: " الذين يؤمنون بالغيب " أي: بهذه الأشياء التي كفروا بها هؤلاء الذين ذكر كفرهم بها عنهم وخصهم بالإيقان بالآخرة في قوله: " وبالآخرة هم يوقنون " وإن كان الإيمان قد شملها لما كان من كفر المشركين بها وجحدهم إياها في نحو ما حكى عنهم في قوله تعالى: " وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ".
ومن ذلك قوله تعالى: " ونحن نسبح بحمدك " أي: حامدين لك.
نظيره: " وإن من شئ إلا يسبح بحمده " أي: حامدين له ومن ذلك قوله: " أتيناكم بقوة " أي: مجدين مجتهدين.
نظيره بعده في الأعراف: " كأنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوةٍ " أي: بجد واجتهاد.
ومن ذلك قوله تعالى: " وأداءٌ إليه بإحسان " أي: محسناً أي له أن يؤدي إليه محسناً لا مماطلاً.
ومن ذلك قوله: " فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف " أي: مؤتمرة بأمر الله فالباء في موضع الحال.
ومن ذلك قوله تعالى: " نزل عليك الكتاب بالحق مصدِّقاً " ف الكتاب مفعول به وقوله بالحق في موضع نصب على الحال وهو متعلق بمحذوف.
ومصدقاً حال من الضمير الذي في قوله بالحق والعامل فيه المعنى ولا يجوز أن تجعله بدلاً لأن الاسم لا يبدل من الاسم هكذا ذكروه وفيه إشارة إلى أن الظرف لا يتعلق بالاسم ويكون بدلاً من الاسم قبله.
وأعجب من ذا جعله مصدقاً حالاً من نفس الحق بعد أن قال في قوله " والسَّاعة لا ريب فيها " أنه يجوز أن يكون عطفاً على الضمير في حق.
وقال غيره وهو رضي به في قوله: " إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون " إن نصب مثل راجع إلى الضمير في لحَقّ.
فلم لا تجعل قوله مصدقاً حالاً من الضمير في قوله بالحق وأما قوله: " وبالحق نزل " فيحتمل الجار فيه ضميرين: أحدهما أن يكون التقدير نزل بالحق كما تقول: نزلت بزيد.
ويجوز أن يكون حالاً من الضمير الذي في نزل.
ومثله: " نزل به الروح الأمين " فمن رفع الأمين يكون الجار مثل الذي في: مررت بزيد ويكون حالاً كما تقول: نزل زيد بعدته وخرج بسلاحه.
وفي التنزيل: " وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به " أي: دخلوا كافرين وخرجوا كافرين.
ومثله: " منزل من ربك بالحق ".
ألا ترى أن أنزلت يتعدى إلى مفعول واحد فإذا بنيته للمفعول لم يبق له متعدًّى إلى مفعول به.
وقوله من ربك على حد: " ولما جاءهم كتاب من عند الله ".
وبالحق حال من الذكر الذي في منزل.
ومما جاء الجار فيه حالاً كما جاء في الآى الآخر: " أنزله بعلمه ".
المعنى: أنزله وفيه علمه.
كما أن خرج بعدته تقديره: خرج وعليه عدته.
والعلم: المعلوم.
أي: أنزله وفيه معلومه.
ومثل ذلك قوله تعالى: " ويوم تشقق السماء بالغمام ".
فالمعنى والله أعلم: يوم تشقق السماء وعليها الغمام.
ومنه قوله تعالى: " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات " الجار في موضع الحال أي: ثابتاً منه آيات محكمات.
وآيات يرتفع بالظرف هنا على المذهبين.
ومنه قوله تعالى: " وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً " أي: ثابتاً فيه هدى ونور.
يدل عليه انتصاب قوله ومصدقاً ويرتفع هدى بالظرف في المذهبين.
ومن هذا الباب قوله: " ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله " قوله في النار لا يخلو من أن يكون متعلقاً ب يوقدون أو بمحذوف فلا يجوز أن يكون تعلقه ب يوقدون من حيث لا يستقيم أوقدت عليه في النار إلا أن الموقد عليه إنما يكون في النار.
فصير في النار على هذا غير مفيد وكذلك " فأوقدْ لىي يا هامانُ عَلَى الطِّين ".
وكما أنه لو قيل هنا: أوقد لى يا هامان على الطين في النار لم يستقم.
كذلك الآية الأخرى.
وإذا كان كذلك ثبت أن تعلق في النار من قوله: " ومما يوقدون عليه في النار " إنما هو المحذوف والظرف الذي هو في النار في موضع حال.
وذو الحال الهاء التي في عليه أي ومما يوقدون عليه ثابتاً في النار أو كائناً في النار.
ففي قوله في النار ضمير مرفوع يعود إلى الهاء التي هي اسم ذى الحال.
ومن ذلك قوله تعالى: " إنما يأكلون في بطونهم ناراً " الجار في قوله في بطونهم حال من المذكور وكان وصفاً له كقوله: لميةً موحشاً طَلَلُ ولا يتعلق ب يأكلون لأن الأكل لا يكون في بطنه.
والمعنى: إنما يأكلون مثل النار في بطونهم لأنه يؤدي إلى حصول النار في بطونهم.
أو يجعله ناراً على الاتساع لما يصير إليه من ذلك في العاقبة.
ومن هذا الباب قوله: " ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله ".
فالباء في قوله بحبل متعلق بحذوف في موضع الحال.
والتقدير: ضربت عليهم الذلة في جميع أحوالهم أينما ثقفوا إلا متمسكين بحبل الله.
فحذف اسم الفاعل وانتقل الضمير إلى الظرف.
وقال أبو علي: الاستثناء من الذلة المعنى: يذلون إلا أن يكون معهم حبل من الله وهو ما يكونون به ذمة.
ولا يكون متعلقا بقوله ثقفوا ألا ترى أنه لا يصح: أينما ثقفوا إلا بحبل من الله لأنه إذا كان معهم حبل من الله لم يثقفوا.
ومن هذا الباب قوله تعالى: " ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا " الكاف في موضع الحال أي مشابهة أحوالهم أحوال من لم يلبثوا.
وفيه غير هذا ذكرناه في باب آخر.
ومن ذلك قوله تعالى: " يا يحيى خذ الكتاب بقوة " أي: بجد واجتهاد أي: خذ الكتاب مجداً.
ومثله: خذها بقوة.
أي: بجدٍ أي: مجداًّ.
ومثله قوله تعالى: " وهزِّي إليكِ بجذع النخلة " أي: هزى إليك رطبا جنيا متمسكة بجذع النخلة.
فعلى هذا لا تكون الباء زائدة بل يكون مفعول هزي فيمن أعمل الأولى رطباً وأضمر في تساقط ومن أعمل الثاني أضمر في هزى.
ومثله: " فانبذ إليهم على سواء " أي: فانبذ إليهم مستوين.
كما أن قوله: " فقل آذنتكم على سواء " أي: آذنتكم مستوين.
فالحال من الفاعل والمفعول جميعاً.
كقوله: # متى ما تلقنى فردين وقوله: # وإن تلقنى برزين ولأبي علي في هذا كلام طويل ذكر فيه أن الحال كالصفة من حيث لا يجوز تعريض الصفة لعاملين مختلفين.
وكذا يقبح في الحال ما يقبح في الصفة من تعريضها لعمل عاملين مختلفين فيهما كما قبح ذلك في الصفة.
وقد حمل سيبويه شيئاً منها على المعنى نحو ما أجازه من قولهم: هذا رجل مع رجل قائمين.
حيث جعل ما عملت فيه مع داخلاً في المعنى الإشارة فأجاز نصب قائمين على فأما قوله: # متى ما تلقنى فردين و # تعلقت من ليلى صغيرين و: إن تلقنى برزين لا يعتد به.
ولا أعلم لسيبويه في ذلك نصاً ولا يجوز أن نقول: إنه لا يجوز على قياس قوله لأن السائل الذي منع ذلك فيها عاملان وليس في هذا إلا عامل واحد.
فإذا كان هناك عامل واحد وذو الحال واحد من جهة تعريضه لعاملين لا يصح لأنه ليس هناك عاملان.
فإن قلت: فهلا فسد حمله على الحال لأن الحال تقتضى أن يكون فيها ذكر من ذى الحال وذو الحال مفردان وحالهما مثناة فلا يرجع إذن إليهما من حاليهما ذكر وإذا لم يرجع فسد أن يكون حالاً لهما فاحمله على فعل مضمر.
قلنا: لا يفسد أن يكون ذلك حالاً لأنا نحمله على المعنى ألا تراهم قالوا: مررت برجلين قائم وقاعد.
فرددت الذكر إليهما على المعنى فكما رددت إلى المثنى المفردين للحمل على المعنى كذلك ترد إلى المفردين من المثنى للحمل على المعنى.
ومن ذلك قوله تعالى: " ولقد جئناهم بكتابٍ فصلناه على علمٍ ".
أي: فصلناه عالمين.
وقال عز وجل: " علمها عند ربي في كتاب " والتقدير: علمها ثابت في كتاب ثابت عند ربي ف عند ربي كان صفة للمجرور.
فلما تقدم انتصب على الحال.
ومن ذلك قوله تعالى: " الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ".
أي: مضطجعين ففي الظرف ضمير لوقوعه موقع مضطجعين وقائمين.
ومثله: " وإذا مسَّ الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً " أي: دعانا مضطجعاً.
لا بد من ذا التقدير في الموضعين ليصح العطف عليه.
وأبو إسحاق حمل اللام وما بعده على المس دون الدعاء وإذا مس الإنسان مضطجعاً أو قائماً أو قاعداً الضُّر دعانا.
وحمله على الدعاء أولى من حمله على المس لكثرة الآى في ذلك.
من قوله: " الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ".
وقوله: " وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيين إليه " وغيرهما.
فأما قوله: " وسار بأهله آنس " فقد يكون من هذا الباب أي: لم يخرج منفرداً عن مدين.
ويجوز أن يكون كقوله: " أسرى بعبده " فتعديه بالباء.
وأما قوله في " أحببت حب الخير عن ذكر ربيِ " أي: لزمت حب الخير معرضاً عن ذكر ربي.
والجار في موضع الحال.
وأحببت بمعنى: لزمت الأرض من قولهم: أحبَّ البعير: إذا برك.
ومن ذلك قوله تعالى: " ولكم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم " فيما يتعلق به الجار وما ينتصب عنه " نُزُلاً " أوجه: يجوز أن يكون نزلاً جمع نازل مثل: شارف وشُرف.
قال الأعشى: أو تنزلون فإنا معشرٌ نُزُلُ فإذا حملته على ذلك أمكن أن يكون حالاً من شيئين: أحدهما: الضمير المرفوع في تدَّعون.
والآخر: أن يكون من الضمير المجرور في قوله لكم.
والآخر أن يكون النزل كالتي في قوله: " فنزل من حميم وتصلية جحيمٍ " فإذا حملته على هذا كان حالاً للموصول والعامل فيها لكم.
فأما قوله: " من غفور رحيم " فمتعلق بمحذوف وهو صفة للحال كقوله: جاءني زيد رجلاً صالحاً.
ولا يجوز أن يكون من متعلقاً ب تدَّعون إذا جعلت نزُلاً حالاً من ما لأنك لا تفصل بين الصلة والموصول بأجنبي.
ألا ترى أن الحال إذا كانت من الموصول كانت بمنزلة الصفة له ولا يجوز أن يعترض بها بين الصلة والموصول كما لا يجوز ذلك في الصفة.
ولو جعلت نُزُلاً جمع نازل حالاً من الضمير المرفوع لجاز أن يكون من غفور رحيم متعلقاً ب تدَّعون ولم تكن لتفصل بها لأن الحال والجار جميعاً في الصلة.
ولو جعلت الحال أعني: نزلاً من كُمْ في ولَكُمْ والجار متعلق ب تدَّعون لم يجز أيضاً للفصل بأجنبي بين الصلة والموصول.
ولا يجوز أن يكون متعلقاً ب لكم على أن يكون ظرفاً لأنه تعلق ظرف آخر وهو فيها.
ويجوز أن يكون من والمجرور به في موضع حال من الضمير المجرور في لكم.
وفي هذا نظر لأنك لو قدرت لكم ثابتين من غفور رحيم لم يكن له معنى فإذا حملته جعلت نزلاً حالاً من الضمير المرفوع في تدعون أو من ما.
ولا يجوز أن يكون حالاً من الضمير المجرور في لكم لأنه لا يكون منه حالان كما لا يكون له ظرفان.
فإن جعلت من صفة لنزلٍ جاز أن يكون نزلاً حالاً من الضمير المجرور في لكم.
فأما قوله تعالى: " كانت لهم جنات الفردوس نزُلاً ".
فإن جعلت نزلاً من قوله " فنزل من حميم " فعلى حذف المضاف كأنه: كانت لهم كل جنات الفردوس نزلاً لأن الجنات مكان.
وإن جعلته جمع نازل كانت حالاً من الضمير المجرور في لهم.
ومن ذلك قوله تعالى: " فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين ".
فإن: قِبلك ينتصب على ثلاثة أضرب: أحدها: أن يكون ظرفاً لمعنى الفعل في اللام الجارة.
والآخر: أن يكون ظرفاً لمهطعين.
والثالث: أن يكون الظرف في موضع الحال وكون الظرف في موضع الحال كثير فاش.
ومثله: " يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ " أي ركبانا.
كقوله تعالى في الأخرى: " فرجالاً أو ركباناً " فيكون فيه ذكر فيمكن أن يكون مهطعين حالاً من ذلك الضمير.
وأما قوله عزين فيجوز أن ينتصب من ثلاثة أضرب: أحدها أن يكون صفة للحال الذي هو مهطعين.
ويجوز أن ينتصب عن مهطعين وفيه ضمير يعود إلى ما في مهطعين.
ويجوز أن ينتصب عما في قوله: " عن اليمين وعن الشمال عزين ".
ذلك أن الظرف يجوز أن يكون صفة ل مهطعين لأنه نكرة وإذا كان كذلك تضمن ضميراً وإذا تضمن الضمير أمكن أن ينتصب عزين عن ذلك.
ويجوز في قوله: " عن اليمين وعن الشمال " أن يكون متعلقاً ب مهطعين.
ويجوز أن يتعلق ب عزين على حد قولك: أخذته عن زيد.
ومن ذلك قوله تعالى: " فأتبعهم فرعون بجنوده " أي: أتبعهم عقوبته.
مستعداً جامعاً لجنوده.
ومن ذلك قول الفراء: " فمن كان منكم مريضاً أو على سفر " أي: مسافراً لأن مسافراً حال عند الفراء وخبر كان على قولنا.
وقال: " وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ ".
ومثله: " يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر " أي: ركبانا ففي الظرف ضمير كما في قوله: " فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم " أي: مضطجعين.
ومن ذلك قوله: " ويكلم الناس في المهد " أي: يكلمهم صبياً وكهلاً.
وكذلك قوله: " ومن الصالحين " أي: صالحاً.
كما أن ما قبله " ومن المقربين " حال أي: مقرباً.
ومن ذلك قوله: " وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل " فقوله بالليل جنس في موضع الحال أي: مصبحين ومظلمين وفيه ذكر.
ومن ذلك قوله تعالى: " فخرج على قومه في زينته " أي: متزيِّنا.
ومن ذلك قوله تعالى: " في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ".
الجار يتعلق بمحذوف في موضع النصب على الحال من الضمير في قوله " ومثلاً من الذين خلوا من قبلكم ".
أي: خلوا من قبلكم ثابتين في بيوت أذن الله وما بينهما من الكلام تسديد لهم وبيان أحوالهم.
وإن قدرت مبتدأ على معنى: أولئك في بيوت أذن الله أن ترفع جاز وجاد.
وقال: والمراد بهم الأنبياء صلوات الله عليهم والمؤمنون معهم.
وقيل: بل هو متعلق بمحذوف صفة مصباح في قوله: فيها مصباح أي: المصباح ثابت في بيوت.
وقيل: بل هو صفة ل مشكاة أي: كمشكاة ثابتة في بيوت.
وقيل: هو من صلة توقد أي توقد في بيوت أذن الله.
وقيل: إن البيوت لا تكون مسجداً واحداً ولا يستعمل مصباح واحد إلا في مسجد واحد فالمشكاة إذا كانت كوة غير نافذة فمصباحها لا يضئ عدة مساجد.
ومن رتب المفعول للمفعول فإنه يمكن أن يكون كقولهم: في الدار زيد.
فيكون رجال مبتدأ والظرف خبراً.
وهكذا في تفسير الدمياطي.
فتسقط خصومة الفارسي من أن رجالاً يرتفع بمضمر كقوله: ليبك يزيد ضارع لخصومة ولعل الحارثي لم يحتج بهذه الآية لهذا المعنى واحتج بقراءة الذمارى: " قتل أولادهم شركاؤهم " وقد رجحنا قول قطرب على ذلك.
ومن ذلك " فليس من الله في شيء " أي: من دين الله فيكون في شيء حالاً من الضمير في من الله.
ومعنى ليس من الله البراءة وخلاف الموالاة ألا ترى إلى قوله: عرينٌ من عرينة ليس منىِّ برئت إلى عرينة من عرين وقد يكون منه قوله: " لست منهم في شئ ".
ومن ذلك قوله تعالى: " وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس.
وقوله: " ويجعل لكم نوراً تمشون به " أي: تمشون ولكم هذا النور.
فيجوز أن يكون ذلك علماً للمؤمنين وفصلاً لهم ممن خالفهم ورغب عن دينهم.
قال أبو علي: في أمم متعلق ب ادخلوا ولا يجوز أن يتعلق بخلت نفسه لتعلق حرف الجر به.
وفي النَّار يجوز أن يكون صفة ل أمم.
ويجوز أن يكون حالاً من الضمير الذي في الظرف الذي هو " من الجن والإنس ".
ويجوز أن يكون حالاً من الذكر الذي في خلت ومتى جعلت الشيء حالاً لم يجز أن تكون عنه حال أخرى.
ومن ذلك قوله تعالى: " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ".
قيل: الباء زيادة.
ومعنى منعنا: اقتضى منا ألا يفعل.
وكل ما أوجب ألا نفعل شيء فهو مانع منه وإن لم تزل القدرة عليه وموضع أن نرسل نصب لأنه مفعول منع.
وقيل: الباء في بالآيات باء الحال أي: نرسل رسولنا ومعه الآيات.
ومن ذلك قوله: " يدعون فيها بكل فاكهة ".
قال أبو علي: لا تكون الباء زائدة لأن الفاكهة لا تدعى فتكون على وجهين: إما أن تكون حالاً من الداعين أي: يدعون مقدرين فيها الملابسة بكل فاكهة فيكون كقولهم: خرج بناقته وركب بسلاحه.
وإما أن تكون صفة للمصدر المحذوف كأنه: يدعون فيها دعاء بكل فاكهة أي: قد التبس ومن ذلك قوله تعالى: " إنَّي رسول الله إليكم مصدقاً ".
قال أبو علي: هو حال مؤكدة منتصبة عن معنى الفعل الذي دلت عليه الجملة.
ولو جعلت قوله إليكم متعلقاً بمحذوف وجعلته حالاً مؤكدة كقوله ومصدقاً فيمن جعل إليكم غير متعلق بالرسول ولكن بالمحذوف أمكن أن يكون مصدقاً حالاً من الضمير في إليكم فكان العامل في الحال ما معنى الفعل من إليكم.
ومن ذلك قوله: " فسبِّح بحمد ربك واستغفره ".
قيل: الباء للحال.
والمعنى: فسبح حامداً أو: فسِّبح تسبيحك حامداً.
لتكون الحال مضامة للفعل.
وقيل: الباء للسبب أي: سبِّحه بأن نحمده.
والمعنى: احمده لتكون مسبحاً له.
وأما قوله تعالى: " ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ".
أي: عن قوله فتصير معه محاذراً ما جاءك من الحق.
وقال: " أطعمهم من جوع ".
وأما قوله: " ما أصاب من مصيبة في الأرض إلى قوله يسير ".
فقد قال أبو علي: يجوز أن يكون في ظرفاً ل أصاب ول مصيبة أيضاً.
يؤكد ذلك ويحسنه دخول لا في قوله: ولا في أنفسكم فصار بمنزلة: ما مررت برجل ولا امرأة.
ويجوز أن يكون صفة للنكرة.
وقوله تعالى: " ولا في أنفسكم " صفة أخرى لها.
فيحتمل على ذلك أن يكون موضعه جراً على لفظ مصيبة رفعاً على الموضع.
وجاز دخول لا هنا وإن لم يكن الكلام على هذا التأويل نفياً لأنه لما كان معطوفاً على ما هو منفي في المعنى حمل عليه كقوله: يحكى علينا إلا كواكبها وكذلك قوله: " في الأرض " لما كان صفة لمنفى حمل الأمر على معناه.
وإن شئت قلت إن لا زائدة.
والأول أبين لأن الحمل على معنى لا قد كثر.
قالوا: إن أحداً لا يقول ذاك إلا زيد.
وقوله: " إلا في كتاب " منصوب الموضع على الحال.
ولا يجوز أن يكون صفة لأن إلا لا تدخل بين الموصوف والصفة كدخولها بين الحال وذى الحال نحو: ما جاء زيد إلا قائماً.
وذلك لأن الصفة مع الموصوف كالجزء الواحد وما بعد إلا جار مجرى ما بعد حرف النفي في انقطاعه من الأول والحال بمنزلة الخبر وليس الخبر مع المخبر عنه كالشيء الواحد.
فأما العامل في الحال إذا كان في الأرض ظرفاً.
وحسنت الحال من النكرة لتعلق الظرف به ك منك في خير منك لأنه قد خصصه.
وأما من جعل في الأرض وصفاً فيجوز أن يكون هو العامل في الحال وذو الحال الذكر الذي فيه.
ويجوز أن يكون ذو الحال الذكر الذي في قوله: " ولا في أنفسكم " والعامل فيها الظرف.
ولا يجوز أن تكون الحال منهما جميعاً لأنه لا يعمل في معمول واحد عاملان.
فأما قوله: " من قبل أن نبرأها " فمتعلّق في بقوله: في كتاب ويكون ذو الحال إن ذلك على الله يسير.
وفي قوله: " من قبل أن نبرأها " ذكر من الفاعل الظاهر.
ولا شيء في قوله: في كتاب لارتفاع الظاهر به في القولين.
والمعنى: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا مكتوبا بتيسير ذلك على الله من قبل أن نبرأها.
ويجوز في قوله: " من قبل أن نبرأها " أن يتعلق بما دل عليه ما تقدم قبل إلا فيكون المعنى: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم من قبل أن نبرأها إلا في كتاب تيسير ذلك على الله.
ومثله قول الأعشى: ولا قائلاً إلاّ هو المتعتِّبا ولا يمتنع هذا الوجه من أجل الفصل الذي وقع بين الفاعل وما ارتفع به بذلك لأنه مما يلابسه فلا يتنزّل منزلة الأجنبي منه.
ومع ذلك فالظرف أحمل للفصل من غيره.
انتهت الحكاية عن أبي علي وفيه غير سهو: أما تشبيهه إلا بحرف النفي ومنع ما بعد إلا متعلقا بما قبلها كحرف النفي فليس كذلك.
ألا ترى قوله: " وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة " فجر مقطوعة حملا على ما قبل إلا.
وقال: " إنها بقرة لا فارض ".
وقال: " إنها بقرة لا ذلول ".
ومسألة الكتاب: مررت برجلين لا شجاع ولا جبان.
وأما قوله: " من قبل أن نبرأها أنه متعلق بمحذوف حال وصاحب الحال إنَّ ذلك على الله يسير فهو فاسد كسرت إن أو فتحت.
أما الكسر فلأن ما بعد إنَّ لا يتقدم عليه لأن إنَّ تقطع ما بعدها مما قبلها.
وقد ذكرنا هذا في هذا الكتاب.
وأما فتح أنَّ فإنه لم يقرأ به وهو في تقدير المصدر وما في حيّز المصدر لا يتقدم عليه.
وقد وقعت هذه المسألة في عدة نسخ من التذكرة وليس فيه هذا الفصل الأخير.
وإنما وقع في تهذيب عثمان وهو يتكلم على مثل هذه الأشياء ولم يتكلم هنا بشيء فلا أدري كيف سها عنه مع وضوحه