→ الرابع والثمانون نوع آخر إضمار قبل الذكر | إعراب القرآن للسيوطي
(الخامس والثمانون) باب ما جاء في التنزيل حمل فيه الفعل على موضع الفاء في جواب الشرط فجزم |
السادس والثمانون واستعمل ما هو فرع ← |
(الخامس والثمانون) باب ما جاء في التنزيل حمل فيه الفعل على موضع الفاء في جواب الشرط فجزم
فمن ذلك قوله تعالى: " وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم ويكفر عنكم " فجزم " نكفر " على موضع قوله: " فهو خير لكم " لأن تقديره: إن تخفوها وتؤتوها الفقراء يكن الإيتاء والإخفاء خير لكم.
والرفع فيه أيضا حسن جيد لما لم يظهر الجزم في الفاء لم يكن به اعتداد.
وقد ذكر فارسهم ذلك فقال: إذا قلت: زيدا ضربته وعمراً كلمته ربما احتج الزيادي بأن قوله ضربته لم يظهر فيه الإعراب فلم يقع به اعتداد في كلام طويل ذكرته في الخلاف.
ومن ذلك قوله تعالى: " من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم " جزم " يذرهم " حملا على موضع الفاء والرفع فيه حسن على ما قلنا.
وأما قوله تعالى: " فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوماً غيركم " فإن القراء السبعة أجمعوا على رفع " ويستخلف " ولم يجزموه كما جزموا " ويذرهم " " ونكفر " إلا رواية عن حفص جزمه كما جزم أولئك في الآيتين فقال قائلهم: ليس ذا بجزم وإنما هو ألا ترى أنه أطبق مع الجماعة على إثبات النون.
فقرأ: " ويستخلف ربي قوماً غيركم ولا تضرونه شيئا " فأثبت النون ولو اعتقد في " يستخلف " الجزم حملاً على موضع الفاء لحذف النون ولم يثبتها فثبت أنه ليس بمجزوم وأنما أطبقوا على الرفع لمكان النون في " ولا تضرونه شيئا " إذ وجدوها في المصحف كذلك.
ومن ذلك قوله: " لولا أخرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصدق وأكن " فحمل " يكن " على موضع الفاء في " فأصدق " أي: موضع الفاء جزم وكأنه في التقدير: إن أمهلتني أصدق وأكن.
وأبو عمرو قرأه " وأكون " منصوبا بالحمل على موضع " فأصدق " فهذا في الحمل على موضع الفاء وربما كان ينشد فارسهم قول أبي دواد: فأبلوني بليتكم لعلى أصالحكم وأستدرج نؤبا فحمل وأستدرج على موضع لعلى جزم على تقدير: فلعلي بالفاء محذوفة.
فأما ما جاء من نحو قوله: " إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم " وقوله: " يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء " فالجزم هو الجيد بالعطف على الجزاء وجاز الرفع في مثله.
وقد قرئ به في " فيغفر " دون " يخرج " وجاز النصب في " فيغفر ".
وقد جاء ذلك في الشواذ ولم يشذ في قوله: " ويعلم الذين " بعد " أو يوبقهن " المنجزم بالعطف على قوله " إن يشأ يسكن الريح وقال عز من قائل: " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ".
فإنه حمل نصبه على الصرف وعندي أنه مجزوم وكان حقه الكسر لقراءة الحسن " ويعلم الصابرين " لكنه حمله على اللام وفتحه لمطابقة ما قبله كما روى عن ابن عامرٍ تم تجعله بفتح اللام تبعا ل العين.
وأما قوله تعالى: " إن نشأ ننزل عليهم من السماء آيةً فظلت أعناقهم لها خاضعين ".
فقدر أبو إسحاق موضع قوله " ظلت " أنه مجزوم بالعطف على " ننزل " كقوله " فيغفر " جزم بالعطف على " يحاسبكم ".
وأنكر عليه أبو علي وزعم أن قوله " ظلت " بعد الفاء كقوله " ينتقم الله " بعد الفاء كقوله: " فلا هادى له ويذرهم ".
لم يتأمل أبو علي في هذا الكلام لأن قوله " فينتقم الله منه " جواب الشرط وقوله " فظلت " معطوف على " ينزل " كما أن " فيغفر " معطوف على " يحاسبكم ".
نعم لو كان " فظلت " جواب " إن نشأ " لكان كقوله: " ومن عاد فينتقم الله منه " فأما إذا كان في تقدير: إن نشأ ننزل فتظل عناقهم كان كقوله: " فيغفر " والله أعلم.