أقول: لما تقدم في سورة الشمس: "ونَفسٍ وما سواها" فصل في هذه السورة بقوله: "لَقد خلقنا الإِنسانَ في أَحسنِ تقويم ثم رددناه أسفل سافلين" إلى آخره وأخرت هذه السورة لتقدم ما هو أنسب بالتقديم من السور الثلاث واتصالها بسورة البلد لقوله: "وهَذا البلدِ الأَمين" وأخرت لتقدم ما هو أولى بالمناسبة مع سورة الفجر لطيفة: نقل الشيخ تاج الدين بن عطاء الله السكندرى في لطائف المنن عن الشيخ أبي العباس المرسي قال قرأت مرة: "والتينِ والزيتونِ" إلى أن انتهيت إلى قوله: "لقَد خلقنا الإِنسانَ في أَحسنِ تقويم ثُم رددناهُ أَسفلَ سافلين" ففكرت في معنى هذه الآية فألهمني الله أن معناها: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم روحاً وعقلاً ثم رددناه أسفل سافلين نفساً وهوى قلت: فظهر من هذه المناسبة وضعها بعد "أَلم نشرح" فإن تلك أخبر فيها عن شرح صدر النبي ﷺ وذلك يستدعي كمال عقله وروحه فكلاهما في القلب الذي محله الصدر وعن خلاصه من الوزر الذي ينشأ من النفس والهوى وهو معصوم منهما وعن رفع الذكر حيث نزه مقامه عن كل موِهم فلما كانت هذه السورة في هذا العلم الفرد من الإنسان أعقبها بسورة مشتملة على بقية الأناسى وذكر ما خامرهم في متابعة النفس والهوى.
أسرار ترتيب القرآن/سورة التين
سورة التين