الرئيسيةبحث

الحرب ( War )



الحرب صراع بين مجموعتين كبيرتين تسعى إحداهما لتدمير الأخرى أو التغلب عليها. والحروب أنواع عديدة ؛ فقد حاربت أسر أسرًا أخرى، وقبائل قبائل أخرى، وأتباع دين أتباع دين آخر. وفي العصور الحديثة، تدور الحروب بين أمم أو مجموعات من الأمم. وكانت كفاءة الجيوش والأساطيل ومستوى تجهيزاتها في الماضي تقرر نتائج الحروب. أما الآن، فعلى المدنيين أن يشاركوا في المجهود الحربي إذا أرادوا الانتصار.

سببت الحروب وما تزال تسبب الكثير من المعاناة والمصاعب. وعلى الرغم من أن معظم الناس يكرهون الحروب، إلا أن الحروب قد استمرت على امتداد مئات السنين. تصيب الزلازل والفيضانات الإنسان قضاءً وقدرًا، أما الحرب فيصنعها البشر أنفسهم، ولكي نفهم لماذا تستمر الحروب دائرة في وقت يريد فيه الناس جميعًا السلام، علينا أن نمعن النظر في طبيعة الحرب.

دواعي الحرب وذرائعها:

في الأزمنة الحديثة، لا تختار أمة، أو مجموعة من الناس، الحرب مادامت تستطيع الحصول على ما تريد سلمًا. ويبدأ القتال عندما تريد أمة ما الحصول على شيء مُلح، فتكون على استعداد لتخوض حربًا لكي تناله. وتقع الحرب أحيانًا نتيجة عدم اتفاق بين أمتين، أو لفرض عقيدة أو دين على شعب آخر. كذلك من دواعي الحرب الأساسية الرغبة في مزيد من الأراضي، أو مزيد من الثروة أو الرغبة في تحقيق عنصر الأمن. يقول الكاتب المسرحي البريطاني جورج برنارد شو في مسرحيته رجل الأقدار إن البريطانيين أمة "دكاكين" تهمهم التجارة والأسواق التجارية، فهم عندما يريدون الاستيلاء على بعض البلاد فإنهم يدعون أنهم إنما يذهبون إلى هناك بغرض إشاعة المدنية والحضارة، ونشر النصرانية فيها، وأنهم يستعمرونها لأسباب إنسانية محضة وليس بغرض الاستعمار والاستحواذ عليها وفتح أسواقها لبضائعهم وسلعهم المصنَّعة.

في الغالب كانت محاولة الحصول على الطعام سببًا من أسباب الحروب بين الناس في العصور القديمة. فعندما أصاب الجفاف مراعي آسيا الوسطى، شنت القبائل الجائعة حروبًا على جيرانها للحصول على أرضٍ جديدة. وفي بعض الأحيان، كان هؤلاء الجيران يضطرون إلى القتال، لكن في أحايين كثيرة كانوا يتنازلون عن أراضيهم ويسعون للاستيلاء على ممتلكات قبيلة أضعف منهم.

ومعظم القتال الذي دار بين الأمريكيين الأوائل كان من النوع الشائع في الحروب ؛ فالهنود السكان الأصليين كانوا يتمسكون بحقّهم في التجول بحرية على امتداد الأرض، يصطادون أو ينصبون الشراك للحيوانات، أو يصطادون الأسماك. في حين كان الرواد الأوروبيون يريدون إخلاء الأرض من أصحابها وزراعتها بالمحاصيل. وكانت الحرب مع الهنود خطرة ولذلك لم يكن أولئك الذين كانوا يمتلكون مزارع جيدة على استعداد للخروج وقتال الهنود نيابة عن الآخرين. إلا أن الناس الذين لم تكن لهم أراض، كانوا يفضلون خطر الحرب على ما يسببه الفقر من رعب.

البارون الأحمر بارون مانفرد فون ريتشثوفن، يُرى وهو جالس بين أفراد سريته، التي اعتبرت قمة المقاتلين في الحرب العالمية الأولى.

الحرب من أجل الثروة:

خاضت شعوب الإمبراطوريات القديمة حروبًا عديدة في سبيل الثروة. وكان حاكم الإمبراطورية ومستشاروه يتخذون قرار الحرب، بينما كان القتال في الغالب تتولاه جيوش مستأجرة. ولم يكن هدف الحاكم الذي يفتح أراضيَ جديدة أن يطرد الناس منها ؛ بل جباية الضرائب من شعب المنطقة التي تعرضت للغزو.

عندما قاد الإسكندر الأكبر جيوشه لمواجهة الإمبراطورية الفارسية، لم يواجه بأية مقاومة من عامة الناس في الأراضي التي تعرضت للغزو. فالناس عادة لا يهمهم مَنْ مِنَ الحكام سوف يقوم بجباية الضرائب منهم، فالحروب كانت حروب حكام والشعب ليس معنيًا بها.

نشبت في العصور الوسطى حروب عديدة في أوروبا في سبيل الثروة. وكثيرًا ما كان أحد النبلاء يحاول أن يستولي على ممتلكات نبيل آخر. ومن أجل ذلك، كان يستخدم جنوده، أو ربما يستأجر قادة آخرين مع جنودهم لمساعدته. وفي بعض الأحيان كان فاتح المدينة يحصل على دفعات مالية كبيرة في مقابل تركه المدينة في سلام.

الحرب من أجل السلطة:

خاضت الأمم الأوروبية الكبيرة حروبًا على امتداد العالم في سبيل حصولها على السلطة أو التوسع فيها. وقد وحدت هذه الحروب الشعوب كما زادت من قوة الحكومات.

الحرب من أجل الأمن:

تخشى معظم الدول من احتمالات الهجوم عليها فتقوم بإنشاء قوات مسلحة للدفاع عن أراضيها. وأحيانًا تتوجه هذه الخشية نحو قطر معين، وفي هذه الحالة تقوم الدولة بتوجيه ضربتها الأولى.

الفرق بين الذرائع والأسباب:

عندما تقوم أمة بشن حرب ما، فإن حكومتها تعلن دائما أسبابًا لتلك الحرب. ويعتبر هذا ضروريًا ليشارك الشعب في المجهود الحربي. غير أن الأسباب المعلنة لحرب ما قد لا تكون نفسها بالضرورة هي دواعي الحرب. فمثلاً، أبرزت روسيا الاضطهاد التركي للنصارى الأرثوذكس الذين كانوا يعيشون في الإمبراطورية العثمانية باعتباره سببًا لهجومها على الأتراك عام 1853م، وهو ما أدى إلى نشوب حرب القرم (1853- 1856م). غير أن دواعي هذه الحرب، التي لم تعلن، كانت ترجع لرغبة الروس في التوسع في منطقة البحر الأسود على حساب الدولة العثمانية الضعيفة. وقد أثارت هذه السياسة مخاوف كل من بريطانيا وفرنسا. فالأسباب الحقيقية للاستعمار هي الرغبة في إيجاد أسواق للسلع المصنَّعة وغيرها، والحصول على المواد الخام بأسعار زهيدة تتحكم فيها الدولة المستعمرة. وأما الذرائع فهي الحديث عن التمدن وإدخال الحضارة في البلاد المتأخرة، ونشر الدين النصراني، والمثل العليا النصرانية في تلك البلاد التي تعيش عيشة غاية في التأخر.

وقد درج الغرب على هذه السياسة منذ ظهور الإسكندر الأكبر الذي قاد جيوشه المقدونية من بلاده للسيطرة على الشرق الأوسط حتى إمبراطورية فارس بذريعة أنه يريد نشر المدنية الإغريقية في العالم القديم، وتوحيده تحت مظلة تلك المدنية. وقام بالفعل بتدمير إمبراطورية الفرس وبناء إمبراطورية اليونان مكانها في سائر أنحاء الشرق الأوسط، وأصبح الإغريق هم الشعب الذي ينعم بالثروات على حساب الآخرين.

ولعل من أهم الحروب التي نشبت بين الشرق المسلم والغرب النصراني هي تلك الحروب التي شنها الصليبيون بحجة تحرير بيت المقدس. وشارك فيها إنجليز وألمان وفرنجة وغيرهم، ونزلوا إلى الأراضي الإسلامية بالشام الكبير وحاولوا القضاء على الإسلام والمسلمين في أعوام 585 - 590هـ، 1189 - 1193م والتي كانت ردا على استرداد صلاح الدين بيت المقدس وإعادته للمسلمين. وكان ملوك الحملة الصليبية هم فريدريك بارباروسا الألماني، وريتشارد قلب الأسد الإنجليزي، وفيليب أوغسطس الفرنسي ملك فرنسا.

ومن الذرائع السياسية الغريبة أيضًا ما فعله الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى حين منحوا بولندا ممرا مائيا عبر الأراضي الألمانية عرف بممر دانزج، ثم أعطوها ميناء دانزج ليكون ملكا لها بحجة أن مصالح دانزج وبولندا متطابقتان. وهذا ما لم ترض عنه ألمانيا، وقد أثاره هتلر فيما بعد.

الأقليات الألمانية:

كان هتلر منذ أن تولى حكم ألمانيا سنة 1933م ينادي بأن هناك أقليات ألمانية مضطهدة في كل من تشيكوسلوفاكيا (سابقًا) وهي منطقة السوديت وبولندا، وأنه لا يمكن أن يوافق على هذا الاضطهاد العرقي الذي كانت تمارسه هذه الدول على الأقليات الألمانية. ومازال ينادي بذلك حتى احتلال تشيكوسلوفاكيا وبولندا وقيام الحرب العالمية الثانية بعد ذلك.

القراصنة في الخليج:

في القرن الثامن عشر هاجمت بريطانيا السفن العربية في الخليج العربي تحت ذريعة قيام بعض البحارة العرب بتهديد الملاحة البحرية والتجارة في الخليج. وقد أدى ذلك إلى إضعاف الدويلات التي ينتمي إليها البحارة العرب وإخضاعها للهيمنة البريطانية.

حماية الأجانب:

في عدد من المرات ادعت بريطانيا أن الأجانب في مصر كانوا يواجهون ضغوطًا من الشعب المصري خاصة في عام 1881م، وذلك في الإسكندرية. وكان المصريون يحتجون على تدخل البريطانيين في سياستهم الداخلية. فما كان من البريطانيين إلا أن أنزلوا قواتهم في مصر وبدأت هذه القوات في ضرب المظاهرات المصرية، وانتشرت في البلاد، واحتلت مصر، وأعلنت أنها ستخرج منها بعد هدوء الأحوال. ولم تخرج منها إلا عام 1956 بعد حرب السويس.

هولندا في إندونيسيا:

استولت هولندا على معظم الجزر الإندونيسية بذريعة أنها تريد فتح البلاد للتجارة الدولية. ثم ما لبثت أن احتكرت شراء حاصلات البلاد وتصديرها للخارج وجعلت من إندونيسيا مستعمرة هولندية حتى بعد نهاية الحرب العالمية الثانية حين كافح أبناء إندونيسيا الاستعمار ونالوا استقلالهم.

ومن الذرائع التي تتخذها الدول الكبرى للسيطرة على الدول الصغرى ما فعلته بريطانيا في بعض الدول الإفريقية العربية مثل السودان. فقد أثارت الشعب البريطاني ضد السودانيين بحجة أنهم كانوا يمارسون تجارة الرقيق وأنهم يريدون أن يتدخلوا لمنع تلك التجارة غير الإنسانية.

وأعلن البريطانيون أنهم يريدون تطوير البلاد لتنعم بالمدنية والرفاهية. ولكن كان الغرض الرئيسي من استعمارهم زراعة القطن في أراضي السودان الواسعة الخصبة لتلبي حاجة مصانع النسيج في بلانكشاير من القطن.

الحرب تعني غياب القانون:

لم يتوافر حتى الآن قانون فعال لحسم النزاعات بين الدول. ومن هنا يُفهم لماذا يُعتبر استخدام القوة لتسوية النزاع جريمة في داخل قطر ما إذ القانون في هذه الحالة يحدد كيفية حل النزاعات الداخلية. أما في حالة النزاعات الخارجية فتلجأ الدول لحسمها فيما بينها عن طريق الحرب وذلك لعدم وجود قانون يحكم مثل هذه النزاعات. فالحرب تقع فقط عندما لا يكون هناك قانون فعال.

الكساد والحرب:

يرى بعض المؤرخين والاقتصاديين أن هناك صلة وثيقة بين الحرب والكساد الاقتصادي. ويدلّلون على ذلك بأنه في زمن الكساد العالمي تحاول كل دولة أن تحمي نفسها على حساب غيرها من الدول. فكل أمة تريد أن تخفض من حجم البطالة في الوطن، وأن تقلل من حجم ما تستورده من الخارج من صناعات، إن كان عمالها في الوطن قادرين على صناعته. ويمكن تحقيق ذلك بسهولة بزيادة الرسوم الجمركية. وتسمى هذه العملية تصدير البطالة إلى الأقطار الأخرى.

الهم الأكبر الذي يقلق أي حكومة في زمن الكساد هو كيف يمكنها أن تعيد إدخال شعبها ميدان العمل. وعلى هذا، فإذا جرت إثارة سخط الناس على قطر آخر، أو إذا أُشعر الشعب بأنه يواجه خطر هجوم ما، فيمكن عندئذ نيل موافقته على تخصيص اعتمادات مالية للإعداد الحربي. وإلى جانب ذلك، فإن القوات المسلحة نفسها توفر فرص عمل للكثيرين.

يمكن أن توفر الحرب فرص عمل للناس وتمنحهم نصيبًا من الطعام والكساء وأشياء أخرى، أكثر مما يمكن أن ينالوه في زمن الكساد. ولهذا السبب، فإن الكساد طويل الأجل يجعل الحرب تبدو أقل رهبة لمن فقدوا جميع آمالهم.

أهداف الحرب وأهداف السلام:

نادرًا ما تُحقِّق الحرب النتائج الكاملة التي يأملها أيٌّ من أطرافها. فقد يُوحِّدُ كثير من ذوي الأغراض المختلفة صفوفهم ليقوموا بحرب ما، غير أنهم كثيرًا ما يتنازعون فيما بينهم عندما تضع الحرب أوزارها. وهكذا فمن أجل الإبقاء على تماسك الشعب المحارب، أو مجموعة الأقطار المحاربة، يتم إعلان أهداف السلام بشكل غامض أحيانًا وبعبارات عامة، أحيانًا أخرى، لكي يرى فيها كل من هو معنيُّ بها وعدًا بتحقيق ما يريد. إلا أن هذه العبارات العامة لا توضع على المحك إلا بعد تحقيق الانتصار. ففي الحرب العالمية الأولى شارك العرب في هذه الحرب على إثر وعد بريطاني بمساعدتهم في تحقيق الاستقلال، بينما كانت بريطانيا في ذات الوقت تعقد اتفاقية سرية مع الفرنسيين عرفت بمعاهدة سايكس بيكو، قسم بموجبها الوطن العربي إلى مناطق نفوذ وانتداب بين الاستعمارين الفرنسي والبريطاني كما كانت بريطانيا في الوقت ذاته، قد أعطت وعدًا لليهود "وعد بلفور" بجعل فلسطين وطنا قوميا لهم. ★ تَصَفح: وعد بلفور .

أساليب الحرب:

. تركت التغييرات التي طرأت على أساليب خوض العمليات الحربية تأثيراتها الكبيرة على أساليب حياة الناس. إذ يرى بعض المؤرخين أن فكرة المساواة بين البشر قُبِلت على نطاق واسع ؛ لأن المدافع حلت محل السهام والسيوف سلاحًا رئيسيًا في الحرب. وهم بهذا يشيرون إلى أن الفارس المدرع في العصر الإقطاعي كان يعادل عشرات من الرجال بغير دروع. بيد أن جنود القرن الثامن عشر الميلادي المسلحين بالبنادق كانوا يعادلون العدد نفسه أو ما يقاربه من جنود العدو المسلحين تسليحًا مماثلاً. ووفقًا لوجهة النظر هذه، فإنه عندما أصبح الجندي معادلاً للجندي الآخر، قرر بعض الناس أن المفاوضات هي الوسيلة الممكنة لحل النزاع حول قضية ما.

القنبلة الذرية:

استخدمها الحلفاء ضد اليابان سنة 1945م، وأدخلت تعديلات أخرى في وسائل الحرب. فبعد اختراع القنبلة، بدت الحروب المقبلة ذات مدى قصير وإمكانات تدميرية مخيفة. فالمدن العظيمة يمكن أن تدمر وملايين الناس يمكن أن يقتلوا خلال ساعات قليلة.

الحرب الشاملة:

حرب تقوم فيها دولة ما باستخدام شعبها ومواردها وأسلحتها كافة. ويشارك المدنيون، في مثل هذه الحروب على قدم المساواة مع العسكريين في المجهود الحربي. والحربان العالميتان الأولى والثانية، كانتا حربين شاملتين ؛ فقد كان المدنيون يشتغلون بأنشطة مثل الدفاع المدني وصناعة الأسلحة.

الحرب المحدودة:

حرب تقوم فيها الدول المتحاربة بتحديد الأسلحة التي تستخدمها، أو الأهداف التي تهاجمها، أو المناطق التي تشملها. ومنذ اختراع القنبلة الذرية أصبحت الحرب المحدودة تعني عدم لجوء أي من أطراف الصراع إلى استخدام السلاح الذري. وبهذا المعنى، كانت الحرب الكورية (1950-1953م) حربًا محدودة. حيث لم يستخدم أي من الاتحاد السوفييتي (سابقًا) أو الولايات المتحدة الأمريكية أسلحته النووية.

بعد الحرب العالمية الثانية تطورت العديد من النزاعات الدولية إلى حروب، إلا أن الخوف من الدمار النووي حال دون تحول هذه الحروب إلى حروب شاملة. وتشمل مثل هذه الحروب حرب فيتنام (1957-1975م) وحروب الشرق الأوسط في السنوات 1948 و1956 و1967 و1973م وحرب الخليج الثانية عام 1991م.

مقالات ذات صلة

المصدر: الموسوعة العربية العالمية