الدعاية السياسية ( Propaganda )
☰ جدول المحتويات
الدعاية السياسية تعبير رائج في المسائل السياسية يقصد به تكوين آراء ذات منحى واحد مصممة للتأثير على آراء الناس وأفعالهم. فالإعلان التلفازي أو اللوحة الإعلانية التي تدعو الناس إلى التصويت لمرشح معيّن يمكن أن تكون نوعًا من الدعاية السياسية، حسب طريقة الإقناع التي صيغت بها.
تختلف الدعاية السياسية عن التعليم في المجتمعات الديمقراطية. ولكن التعليم في البلدان الديكتاتورية يمكن أن يعلمّ الأطفال واليافعين بطرق يمكن أن يطلق عليها أنها شكل من أشكال الدعاية السياسية ؛ فالمعلمون في المجتمعات الديمقراطية يُعلمون الناس كيفية التفكير، أما صُناع الدعاية السياسية فهم يُعلمونهم بماذا يفكرون. ويميل معظم المعلّمين إلى العدول عن آرائهم بناء على حقائق جديدة، ولكن صُناع الدعاية غير مرنين ويتجاهلون الحقائق التي تخص الموضوع الذي يُعلِّمونه من زوايا متعددة، ويُشجعون النقاش والمداولة، بينما يُقدم الدعائيون أعظم البراهين التي تدعم آراءهم، ويحجمون عن فتح باب المناقشة.
ويختلف الخُبراء في تعريف الدعاية السياسية وما يدخل في إطارها، والاختلاف بينها وبين الإقناع الذي نشاهده في الإعلانات التجارية والحملات السياسية. فالبعض يرى أن أي خطاب ذي ملمح واحد هو نوع من أنواع الدعاية، بينما يعتمد آخرون على صيغة الإقناع التي تحدد نوع الخطاب. فعلى سبيل المثال، نجد أن غالبية أصحاب الدعاية، ومنظمي الحملات السياسية يعملون بشكل واضح ويعلنون أهدافهم بصدق. ولكن هناك معلنين ومنظمي حملات سياسية ممن يعرضون مجموعة حقائق، أو أنصاف حقائق، أو أكاذيب وأنواع من التضليل تخدم غرضهم في إقناع جمهورهم بشكل فعال. ويصف بعض الخبراء كل هؤلاء بأنهم دعائيون، أما بقية الخبراء فَيُعدون الكاذبين والمضللين بأنهم فعلاً دعائيون. وهناك بعض الناس ممن يعتقدون بأن الدعاية ليست حسنة وهي ليست كذلك سيئة. ومعظمهم يستحسن استخدام الدعاية لأغراض جمع الأموال للجمعيات الخيرية. وهناك أفراد آخرون يرون أن الشعب يحتاج إلى معلومات دقيقة لصنع قرارات حكيمة، وأن الدعاية تمنع نشر تلك المعلومات، ويخشون كذلك من أن تحدث الدعاية نوعاً من الغباء السياسى وتقتل القدرة على الحل السليم. وللدعاية نتائج ثانوية في المدى القصير مثل شراء سلعة. ولكن هناك أنواعًا أخرى من الدعاية ذات تأثير خطير.
وأكبر استخدام للدعاية يكون في أوقات الحرب. ففي مثل تلك الأوقات تقوم الدول بحملات دعائية منظمة للمحافظة على الموارد، وكذلك لتشجيع المتطوعين للخدمة العسكرية، ومن أجل مساعدة الحملات العسكرية، وكذلك لتقديم التضحيات من أجل تحقيق النصر. والحرب النفسية نوع من أنواع الدعاية السياسية، وتهدف إلى إضعاف رغبة العدو في القتال وإضعاف ثقته بحكومته. وهناك نمط مشابه يطلق عليه غسيل الدماغ ويستخدم ضد السجناء. وهو عبارة عن مزيج من الدعاية السياسية مصحوبة بمعاملة سيئة تهدف إلى إضعاف قدرة السجين على المقاومة.
ومعظم دعاية الحرب هي دعاية خفية أو غير محسوسة، لأنها تأتى من مصادر مجهولة. فصائغ الدعاية يرمى إلى إضعاف الروح المعنوية لقوات العدو، عن طريق إرسال تقارير صحفية كاذبة إليهم تحمل أنباء عن خسائر فادحة في صفوفهم. كما يقوم المتعاطفون مع العدو بنشر دعاية سياسية سرية، ويُسمى هؤلاء الناس بالطابور الخامس. وبعكس الدعاية السرية، هناك ما يسمى بالدعاية المفتوحة (أو المنفتحة)، وهي التي تأتى من مصادر معروفة.
كيف تؤثر الدعاية السياسية
تؤثر الدعاية السياسية في سامعيها بطرق ثلاث: 1ـ بالتحريض على أعمال أو آراء تبدو منطقية وحكيمة. 2ـ باقتراح أعمال وآراء تقوم على الحق والعدل. 3ـ بإعطاء شعور بالرضا نظراً لأنها تُشعر السامع بأهميته وبأنه جزء من كيان أكبر. ويُسمّي علماء السياسية هذه العوامل الثلاثة بمبدأ الجذب الثلاثي.
ومعظم تقنيات الدعاية السياسية تقنيات عادية تشبه تقنيات الإقناع الخطابي. وتشمل هذه التقنيات: 1- الفوز بثقة السامعين 2- البساطة والتكرار 3- استخدام المثل والرموز. ولكن يمكن لأصحاب الدعاية استخدام بعض الطرق الوضيعة، والشعارات لطمس الحقيقة وإخفائها، واستخدام الكذب. وتزيد الحكومات الدكتاتورية من قدرتها في الدعاية السياسية، عن طريق قوانين المراقبة على المطبوعات.
الفوز بثقة السامعين:
يجب على الدعائيين قبل كل شيء أن يظهروا وكأنهم صادقون، وأن يعتبرهم جمهورهم مصدراً وثيقاً. ويمكن أن تُبنى ثقة السامعين عن طريق تقديم أخبار غير سارة، ولكن من المؤكد أن السامعين يعرفونها، أو يمكن أن يسمعوها من مصادر أخرى. وخلال الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945م)، كانت هيئة الإذاعة البريطانية راديو لندن تبث دعاية سياسية إلى أوروبا. وكان راديو لندن يبدأ أخباره بهزائم بريطانيا وخسائرها. وعن طريق بث هذه الأخبار حققت إذاعة لندن سمعة عالمية كبيرة في صدق أنبائها. أما الطريقة الأخرى لكسب ثقة السامعين فهي عن طريق التوافق مع مايحملونه من آراء. فأبحاث العلماء أثبتت أن الناس تثق فيمن يتحدث إليهم أو يكتب آراء تتفق مع آراء المُتَلقين، ولهذا فإن الدعاية السياسية تنجح إذا ما توافقت مع مايؤمن به السامعون، وإن زادت عليه قليلاً.البساطة والتكرار:
يجب أن تكون الدعاية بسيطة في الفهم وسهلة التذكر. وبقدر الإمكان فإن صائغي الدعاية يُركزون على أن تكون دعايتهم بسيطة وذات شعارات يَسهُل حفظها، ويقومون بتكرارها مرات عديدة. وقد كتب الدكتاتور النازي أدولف هتلر يقول: "ذكاء الجماهير ضئيل، ولكن نسيانهم كبير. ولذلك لابد لنا من تكرار نفس الشيء لهم ألف مرة".استخدام الشعارات:
ويتم ذلك عن طريق استخدام الشعارات والرسوم التي تُؤثر بشكل واضح على مشاعر الناس. فالأفراد لايتجاوبون فقط مع معاني الكلمات ومحتوى الصور فحسب، ولكنهم أيضاً يتأثرون بالأحاسيس التي تثيرها الشعارات. فعلى سبيل المثال، تتجاوب جميع الثقافات مع صورة الأم والطفل، وكذلك مع كلمات عاطفية مثل الوطن والعدل. ويحاول صائغو الدعاية الربط في أذهان السامعين بين هذه الشعارات وبين الرسالة التي يوجهونها. وهناك من يستخدم صورًا سيئة قوية لزيادة العنصرية والكره والبغضاء لدى المستهدفين من تلك الدعاية.الإخفاء وقلب الحقائق:
يعمد صائغو الدعاية إلى تعظيم بعض الحقائق وقلب معاني بعض الحقائق الأخرى. ويحاولون إخفاء بعض الحقائق، التي تؤثر، في بعض الأحيان، على عدم استجابة سامعيهم كما يحاولون أن يقفزوا فوق بعض الحقائق المُخجلة التي لايمكن إخفاؤها.الكذب:
يَقِل استخدام الكذب المُتعمد من قبل صائغي الدعاية ويعود ذلك إلى خشية أن يُكتشف ذلك ويقود إلى فقدان المصداقية من قبل سامعيهم. وغالبًا ماتحوي الدعاية، بعض المعلومات الدقيقة، ولكن الدعائيين سرعان مايكذبون إذا شعروا بأن في مقدورهم إخفاء الحقيقة عن سامعيهم. ويمكن للدعائيين الإيمان بأهدافهم، ولكن هدفهم الأساسي يبقى التأثير والسيطرة على مفاهيم الناس وأعمالهم.الرقابة:
تكثر أنواع الرقابة الحكومية في بعض الدول على الصحافة والتلفاز وطرق الإعلام الأخرى. ويزيد ذلك من فعالية الدعاية السياسية، حيث تُسكت تلك الحكومات الناس الذين يتفوهون بالرأي الآخر. ★ تَصَفح: الرقابة.من يستخدم الدعاية السياسية
تأتي الدعاية من مصادر متعددة، وأكبر مصادرها هي: 1- الحكومات 2- المنظمات 3- رجال الأعمال.
الحكومات:
تتبنى معظم الدول تقريبًا شكلاً من أشكال الحصول على الدعم من الدول الأخرى. كما تتبنى الحكومات دعاية سياسية وبرامج إعلامية لتشجيع سلوك معين من قبل مواطنيها. ومن الأمثلة على ذلك قيام بعض الدول بتحريض مواطنيها على دعم سياسات معينة، أو معاداة بعض الأنظمة السياسية الخارجية.المنظمات:
يقوم عدد من المنظمات المهنية والدينية وغيرها بحملات دعائية. فخلال الانتخابات، توزع هذه المنظمات منشورات تدعم المرشحين الذين يتفقون مع آرائها. وبعد انتهاء الحملات الانتخابية يمكن أن تقوم المنظمات بحملات إعلامية للتأثير على الرأي العام. كما توظف بعض الجماعات أناساً متخصصين يسمون الضاغطون اللوبي، للتأثير على أعضاء البرلمان كي يدعموا برامجهم. والمجموعة التي تحاول الوصول إلى أهدافها عن طريق الضغط على أعضاء البرلمان أو على موظفي الحكومة، يُسمون بجماعات الضغط. ويرسم أعضاء الجماعة أهدافهم السياسية حول موضوع حيوي مثل، الإجهاض، والحقوق المدنية، والبيئة، ومواضيع السياسة الخارجية، والطاقة النووية.رجال الأعمال:
يستخدم رجال الأعمال الدعاية الجاذبة في إعلاناتهم. فالدعاية للعطور ولمعاجين الأسنان في التلفاز تُوجه نحو الأفراد الذين يودون أن يظهروا مقبولين ومحبوبين. كما توظف شركات الإعلان عددًا من علماء النفس وعلماء اجتماعيين آخرين لدراسة إقبال الناس على شراء بعض السلع. ويحاولون تحديد الشعارات التي تجذب الناس إلى الشراء. ومعظم الشركات الكبرى لديها مكاتب للعلاقات العامة تستخدم الدعاية لتكوين رأي عام طَيّب عن سياسات الشركة.نبذة تاريخية
يُعد مصطلح الدعاية السياسية اليوم مصطلحًا وضيعًا أو يَنُمُّ عن عمل سيء، ولكن لم يكن هذا هو المعنى الأساسي لهذا المصطلح. وقد استخدم هذا المصطلح لأول مرة عندما أنشأ البابا جريجورى الخامس عشر جماعة عام 1662م كانت تُدعى اختصاراً الدعاية وكانت تقوم بالإشراف على البعثات التنصيرية. وشيئًا فشيئًا أصبحت الكلمة تُطلق على أي عمل تنصيري. ولم يستخدم المصطلح بالمعنى الحالي إلا بعد الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، حيث شرح الكُتاب الطرق الوضيعة والفعالة التي استخدمت من قِبَل صائغي الدعاية خلال الحرب.
والدعاية السياسية التي نعرفها اليوم بدأ استخدامها ف.أ. لينين في بداية القرن العشرين، حيث قاد الثورة الشيوعية التي سيطرت على روسيا، والتي أكدت دور الدعاية السياسية. وقد فرق بين نوعين من أنواع الإقناع ـ الدعاية والتحريض. فالدعاية بالنسبة للينين تعني استخدام البراهين التاريخية والعلمية لإقناع الأقلية المثقفة. كما يُعرَّف التحريض بأنه استخدام نصف الحقيقة والشعارات لتحريك الجماهير الذين يعتقد أنهم غير قادرين على فهم الحقائق المعقدة. وبصفة تقليدية، أصبح كل حزب شيوعي لديه وحدة متخصصة تقوم بالتحريض والدعاية.
فترة الحرب العالمية الأولى:
خلال الحرب كان الحلفاء ـ وهم فرنسا وبريطانيا وروسيا والولايات المتحدة ـ يحاربون دول المحور بقيادة ألمانيا، واستخدمت الدول المتقاتلة عمليات الدعاية بشكل واسع. فالولايات المتحدة الأمريكية أوكَلت جهد الدعاية لديها إلى وكالة سُميت بلجنة المعلومات العامة. وقامت اللجنة بتوزيع 100 مليون إعلان حائطي ومنشور صممت لزيادة دعم المجهود الحربي.فترة مابين الحربين:
كان هناك العديد من الدكتاتوريين الذين استخدموا الدعاية السياسية للوصول إلى السلطة. فقد أسس بنيتو موسوليني، على سبيل المثال، دكتاتورية فاشية في إيطاليا عام 1922م، باستخدام الدعاية السياسية، التي وعدت بإعادة أمجاد روما إلى ماكانت عليه.واستخدم جوزيف ستالين، الذي كان دكتاتور الاتحاد السوفييتي عام 1929م، كلاً من الدعاية السياسية والإرهاب للقضاء على المعارضة السياسية. وفي عام 1933م، أُسس أدولف هتلر دكتاتورية نازية في ألمانيا، واشتهر في وقتها وزيره للدعاية، جوزيف جوبلز، الذي سُميت وزارته ـ بوزارة الدعاية والتنوير. واستخدم النازيون بمهارة التعليم والأفلام والصحافة والإذاعة لتشكيل الرأي العام وتوجيهه، كأفضل مثال لاستخدام الدعاية السياسية في العصر الحديث.
فترة الحرب العالمية الثانية:
شهدت الحرب التي شاركت فيها كل من ألمانيا وإيطاليا واليابان ضد بريطانيا والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وغيرهم من الحلفاء، جهدًا واسعًا وحملات دعائية كبرى. ولقد كان مكتب معلومات الحرب الأمريكي يوجه الحملات الدعائية، وكان مكتب الخدمات الإستراتيجية يقود العمليات العسكرية السرية.الحرب الباردة:
وهي التي بدأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م، وكان الاتحاد السوفييتي يقود الدول الشيوعية، بينما كانت الولايات المتحدة تقود الدول غير الشيوعية، وكان كل من المعسكرين يقدم أنواعًا متعددة من الدعاية السياسية للتأثير على الرأي العام العالمي، وكذلك على آراء مواطنيهم.وفي عام 1953م، أنشأت الولايات المتحدة وكالة المعلومات الأمريكية لدعم سياساتها الخارجية. كما أنشأت جزءًا من الوكالة، سُمي صوت أمريكا يتولى إذاعة الأخبار والدعاية السياسية والمنوعات إلى مختلف أنحاء العالم. واستخدمت الحكومة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لنشر الدعاية ضد الحكومات المناهضة للولايات المتحدة. كما اعتمدت المخابرات المركزية الأمريكية في ميزانيتها إنشاء بعض محطات الإذاعة مثل إذاعة أوروبا الحرة وراديو الحرية. ولقد كانت إذاعة أوروبا الحرة تذيع أخبارًا وبرامج تعليمية إلى شرق أوروبا، كما دأب راديو الحرية على البث للاتحاد السوفيتي السابق. وكان عمل الاستخبارات البريطانية في ميدان الدعاية أكثر سرية ولذا لم تتوافر عنه معلومات كثيرة. وهيئة الإذاعة البريطانية العالمية، تُعد منظمة مستقلة عن تأثير الحكومة، وإذا ما استثنينا فترة الحرب العالمية الثانية، فإن استخدام إذاعة لندن في الدعاية السياسية هو أمر نادر الحدوث.