الرئيسيةبحث

حرب العصابات ( Guerrilla warfare )



حرب العصابات تعبير يطلق على نمط من القتال، تقوم به مجموعة صغيرة من المحاربين. وترتكز استراتيجية هذه الجماعة على الهجوم المباغت، وقد تخضع مجموعة العصابات للتنظيم، ولكنها تحارب في وحدات صغيرة مستقلة بعضها عن بعض. وتتركز العمليات الحربية لرجال العصابات خلف خطوط العدو، مما يمكنها من الانقضاض المفاجئ عليه، وتدمير إمداداته. وتستخدم هذه الجماعات في هذه العمليات الهجوم، والانسحاب، لإشاعة جو من القلق، والتحفز. ويستغل رجال العصابات التضاريس الطبيعية في عمليات الهجوم والانسحاب أو الاختفاء في مناطق بعيدة عن متناول القوات النظامية كالغابات والتلال والبحيرات والأنهار.

يطلق على حرب العصابات التي تدور في المدن إرهاب المدن. وأهم أساليبها إلقاء المتفجرات واختطاف الرهائن وأشكال العنف المختلفة. كما يطلق على رجال العصابات حركة المقاومـة السرية أو الفدائـيون. ويـقوم بتنفيذ خطط رجال العصابات مجموعات محدودة القوة، والموارد، ضد جيوش تفوقهم عددًا، وعدة. وقد استخدم هذا النمط من الحرب، لأول مرة ضد نابليون في شبه الجزيرة الأسبانية، بين عامي 1808م و1814م.

كما استخدمت حرب العصابات منذ أزمان سحيقة ضد الجيوش الغازية، وتنعكس مزايا هذا النمط من الحروب في خططها التي تحرم العدو بهجومها المباغت من الطعام، والمأوى، وتدمر خطوط إمداداته، وشبكة اتصالاته، مما يمكنها من تنظيم المقاومة وسط الجماهير.

أما في الأزمنة المعاصرة، فقد استُخدمت حرب العصابات بهدف محاربة الحكومة، ومحاولة الإطاحة بها. وتدور حرب العصابات ضد الحكومات في المناطق الريفية في بعض الدول الزراعية. وتعزى الأسباب الرئيسية لاندلاع هذا النمط من الحروب إلى إحساس المواطنين في هذه الدول بإهمال الحكومة رعاية مصالحهم. كما يترتب على انقطاع التواصل بين الريفيين، والحكومة، عدم الشعور بالولاء تجاه الدولة. فضلاً عن انتماء سكان المناطق النائية في بعض البلاد إلى ثقافات تختلف عن ثقافة حكامهم، الأمر الذي يمكن أن يتمخض عنه معارضة الحكومة وعدم الانصياع لأوامرها.

تتخذ أنشطة رجال العصابات في هذه الظروف أشكالاً شتى تمتد من مجرد أعمال النهب، والسرقة، إلى الهجوم المنظم من خلال قوات منظمة ذات كفاءة عالية. ويستقطب رجال العصابات أعضاءهم من الشرائح المدنية المختلفة، مثل الفلاحين والعمال الذين ينخرطون سراً في هذه التنظيمات.

في حرب العصابات غالبًا ما تستغل جماعات المحاربين، التلال والمعالم الطبيعية الأخرى لشن هجمات مباغتة على جيوش العدو. في الصورة يظهر أحد الأفغان يستعد للمشاركة في هجوم على القوات السوفييتية السابقة التي غزت أفغانستان أواخر عام 1979م وأوائل 1980م.

أساليب رجال العصابات الحديثة:

يعتبر الزعيم الصيني ماوتسي تونج أبرع المطورين لأساليب حرب العصابات، وقد توج كفاحه الطويل الممتد بين عام 1927 و1949م، بالنصر على الصينيين الوطنيين.

تستخدم مجموعات صغيرة من الثوريين عدة أساليب في حروب العصابات الحديثة. ومن أهم هذه الأساليب استمالة الريفيين والحصول على دعمهم وتعاطفهم مع الحركة، ومن ثم السيطرة عليهم. ويتم في أعقاب ذلك استقطابهم وتعبئتهم، الأمرالذي يوفر لرجال العصابات إمدادات الطعام، والحاجات الأخرى. وقد تستغرق محاولات رجال العصابات للوصول إلى هذه الأهداف سنين طويلة.

تتركز استراتيجيات رجال حرب العصابات في صراعهم ضد الحكومة، على استخدام الهجوم المباغت والتدمير والاغتيالات وكل وسائل الهجوم الإرهابية التي تفت من عضد القوات الحكومية وتنهك قواها. وترمي هذه الاستراتيجية إلى إضعاف ثقة المواطنين بالحكومة، ومن ثم إقناعهم بعجزها عن حمايتهم. وفي هذه المرحلة من تطور حرب العصابات، يتفادى رجال العصابات المواجهة المباشرة مع قوات الحكومة، إلا في ظروف معينة تسمح لهم بمهاجمة الأهداف التي يتم اختيارها بدقة. ويدرك رجال العصابات أن المواجهة المكشوفة مع قوات الحكومة، يمكن أن تؤدي إلى إبادتهم الكاملة نظرًا لتفوق قوات الحكومة، التي تستخدم المشاة والمدفعية والطائرات في قتالها معهم. يتمكن رجال العصابات أحيانًا مع الازدياد المطّرد في قوتهم العسكرية، واستخدامهم لأساليب متطورة في القتال، من تحرير بعض أجزاء بلدهم. ويتطور القتال في أعقاب ذلك إلى حرب أهلية، وقد تنتهي بإحراز النصر على قوات الحكومة.

يستمد رجال العصابات قوتهم من مقدرتهم الفائقة على التأثير على الجماهير، واكتساب تعاطفها. وتستخدم عدة وسائل لاثارة الجماهير ضد الحكومة، أهمها إثارة المشكلات السياسية والعرقية والاجتماعية، مما يرغم الحكومة على اتخاذ إجراءات صارمة ضد المواطنين. ويترتب على ردود فعل السلطة انحياز الجمهور إلى جانب رجال العصابات.

من أهم الوسائل التي يستخدمها رجال العصابات لاستقطاب الفلاحين، نشر الدعايات التي تنطوي على وعود بمصادرة أراضي الأثرياء، وتقسيمها على الفقراء، والمعدمين. ولا ريب أن استخدام هذا النوع من الدعاية يساهم مساهمة فعالة في إثارة مشاعر الفلاحين ضد الطبقات الحاكمة. كما يسعى رجال العصابات في البلاد التي ترزح تحت الهيمنة الأجنبية، إلى استثارة مشاعر الفلاحين الوطنية ضد المستعمر. إضافة لهذه الأساليب، يحاول رجال العصابات دغدغة آمال وطموحات الفلاحين الذين يتطلعون إلى حياة أفضل. وعندما تفشل وسائل الاستقطاب السلمية يلجأ رجال العصابات إلى استخدام التهديد والقوة للحصول على التأييد والدعم.

تحاول الحكومات مواجهة رجال العصابات وإلحاق الهزيمة بهم من خلال القيام بإصلاحات سياسية واجتماعية، الأمر الذي يمكِّنها من استعادة التأييد الشعبي. إضافة لهذا يجب على الحكومة أن تشبع الحاجات الأساسية للجمهور مثل توفير الغذاء، والماء، والملابس، والعلاج. كما يجب أن تبادر إلى حماية الناس من هجوم رجال العصابات، وتقديم الدعم والتدريب لهم لحماية أنفسهم.

نبذة تاريخية:

يرجع تاريخ استخدام حرب العصابات ضد جيوش الأعداء، إلى أزمان غابرة. وهناك شواهد تدل على استخدام القبائل الأسكتلندية لأساليب حرب العصابات في هجومها على الجيوش الرومانية، التي احتلت بريطانيا خلال القرن الثاني الميلادي. كما قامت عصابات من الفلاحين المدججين بالسلاح أثناء حرب الثلاثين عاماً (1618 ـ 1648م)، في بعض الدول الأوروبية، بالهجوم على الجنود الذين كانوا يتجولون خارج معسكراتهم. وقد استخدم الهنود الأمريكيون أساليب حرب العصابات ضد أعدائهم من القبائل الأخرى، وأخيرًا ضد المستوطنين البيض.

لم تواجه أوروبا أثناء الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م)، في ساحات القتال أية حروب عصابات. ويعزى السبب إلى استخدام الجيوش في القتال لخنادق ترتكز على جبهات ثابتة. أما في الشرق الأوسط، فقد استخدم العرب أساليب حرب العصابات، عندما ثاروا على الإمبراطورية العثمانية لنيل استقلالهم.

أدت الحرب العالمية الثانية، (1939 - 1945م) إلى قيام رجال المقاومة في عدد من الدول الأوروبية، مثل فرنسا ويوغوسلافيا، بشن حرب عصابات على الغزاة من النازيين الألمان. كما تصاعدت حرب العصابات في بورما والفلبين ضد القوات اليابانية الغازية. شن الفدائيون في أعقاب الحرب العالمية الثانية حرب عصابات ضد حكوماتهم في مختلف أصقاع العالم. كما قاد بعضهم الحرب ضد الحكومات الاستعمارية الأوروبية. ففي الصين قاد ماوتسي تونج الشيوعيين إلى النصر ضد الحكومة الوطنية في عام 1949م، بعد كفاح دام اثنين وعشرين عامًا، وحقق الشيوعيون انتصارًا ساحقًا على فرنسا في الهند الصينية، بعد حرب عصابات استغرقت ثمانية أعوام. وأجبرت هجمات الفدائيين المصريين خلال الفترة 1950 ـ 1952م الجيش الإنجليزي على الرحيل عن مصر وتوقيع اتفاقية الجلاء عام 1954م.كما ألحقت حرب العصابات الهزيمة بالجيوش الفرنسية في الجزائر عام 1962م، والتي تمخض عنها تحرير الجزائر ونيلها للاستقلال.

قام الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، في نصف الكرة الغربي بمحاولته الأولى للإطاحة بالحكومة في كوبا عام 1953م. وتصدت قوات الحكومة لمجموعة الثوار الصغيرة التابعة لكاسترو، وكادت تقضي عليها. أدى استخدام الزعيم الكوبي البارع لأساليب حرب العصابات، ومقدرته الفائقة في استقطاب، وتجنيد عدد من السكان، إلى إلحاق الهزيمة بجيوش الحكومة عام 1959م، ومن ثم أصبح حاكمًا مطلقًا على كوبا. وبعد مرور عدة سنين على قيام الثورة الكوبية غادر تشي جيفارا، أحد كبار مساعدي كاسترو، كوبا متوجهًا إلى أمريكا الجنوبية لقيادة الحركة الثورية. ولقي جيفارا مصرعه في عام 1967م، عندما اصطدم بجيوش الحكومة البوليفية. ★ تَصَفح: جيفارا، تشي.

ورغم النجاح الذي حققته حرب العصابات في كوبا، فقد فشل هذا النمط من الحروب في عدة أصقاع من العالم. فقد ألحقت الحكومة الفلبينية الهزيمة بثورة الشيوعيين الهك، التي اندلعت في أعقاب انحسار الاحتلال الياباني للفلبين في عام 1945م. واستخدمت الحكومة عدة وسائل لمواجهة الثورة، حيث شرعت في الإصلاح الزراعي، وتوزيع الأراضي. كما كافأت مجموعات الثوار الهاكبالاهاب، الذين سلموا أسلحتهم للحكومة. وأخيراً شنت الحكومة هجوماً شاملاً على معاقل رجال العصابات وألحقت بهم الهزيمة الساحقة في عام 1954م.

أما في الملايو، المستعمرة البريطانية، فقد تمكنت الحكومة من شن حملة ناجحة على الثوار الشيوعيين، الذين كانوا يطمحون للإطاحة بالحكومة، وتم إلحاق الهزيمة بهم في عام 1948م. شرعت الحكومة البريطانية بعد ذلك في القيام بعدة إصلاحات اقتصادية، وسياسية، واجتماعية. وعندما نالت الملايو استقلالها عام 1957م انتهى كل أثر لحرب العصابات.

انتشرت حروب العصابات ضد الحكومات في عدة أصقاع من العالم في عقد الستينيات من القرن العشرين. فقد قام الجيش الجمهوري الأيرلندي بشن حرب العصابات على الجيش البريطاني، ومنشآته في أيرلندا الشمالية. كما شن الفدائيون الفلسطينيون هجمات متكررة على إسرائيل منطلقين من مصر، وسوريا، والأردن. وصعد الشيوعيون الفلبينيون من هجماتهم على الجيوش الحكومية. أما في جنوب شرقي آسيا، فلقد استخدم المقاتلون الفيت كونج أساليب حرب العصابات في الحرب الفيتنامية.

شهد عقدي ستينيات وسبعينيات القرن العشرين ظاهرة انتشار حرب العصابات داخل المدن، حيث شُنَّت أنماط مختلفة من حروب العصابات في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وأوروبا الغربية، واستُخدمت عدة أساليب إرهابية كتفجير المباني العامة، والقيام بعمليات الاختطاف، والاغتيالات، لكنها أخفقت في الاستيلاء على السلطة. تمكن الفدائيون الذين يطلق عليهم الساندينيستا، من الإطاحة برئيس جمهورية نيكاراجوا في عام 1979م، وتشكيل حكومة جديدة. أما في روديسيا، التي تعرف الآن بزمبابوي، فقد شن رجال حرب العصابات الأفارقة حملاتهم ضد حكومة الأقلية البيضاء في سبعينيات القرن العشرين. وقد تمكن الأفارقة من نيل الاستقلال، والسيطرة على مقاليد الحكم في زمبابوي. في عام 1979م استخدم المجاهدون الأفغان أيضًا أساليب حرب العصابات في أعقاب الغزو السوفييتي لبلادهم في أواخر 1979م. وفي عامي 1988 و1989م، انسحب السوفييت من أفغانستان وتمكن المجاهدون من دحر الحكومة عام 1992م.

★ تَصَفح أيضًا: فلسطين المحتلة ؛ الموالون ؛ الإرهاب ؛ أسبانيا ؛ الحركة السرية ؛ فلسطين، تاريخ.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية