الرئيسيةبحث

السلام ( Peace )



السـلام حالة الهدوء والسكينة وغيبة القلاقل. ومن وجهة النظر العسكرية والسياسية يعني السلام غيبة الاضطرابات العنيفة، مثل الحروب وأعمال العنف. ولايعني ذلك وجود الانسجام التام بين الشعوب، إذ إنه حتى في وقت السلم يدخل الناس في أشكال من الصراع، مثل المناقشات والقضايا والمباريات الرياضية والحملات الانتخابية. ولطالما رغبت معظم الشعوب عبر التاريخ في أن يسود السلام الدائم. فلقد دعا الإسلام إلى حل الخلافات بالطرق السلمية. قال الله تعالى: ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله﴾ الأنفال: 61وهكذا ينص القرآن الكريم على الاحتكام إلى السلام إذا دعا أحد طرفي الصراع إلى ذلك. وكان الإغريق والرومان يدعون في تعاليمهم إلى الأخوة ونبذ العنف. ومع ذلك نجد أن العالم قلّما نَعِمَ منذ قديم الزمان بفترات من السلام. وغالبًا ما تكون الشعوب عبر القرون قد عايشت الحروب على الأقل بقدر ما عايشت السلام. ونتناول في هذه المقالة المحاولات التى بذلت في الماضي وتبذل في الحاضر لتحقيق الخلاص الدائم من الحروب.

جهود صنع السلام عبر السنين

العالم الإغريقي والروماني القديم:

كان العالم الإغريقي يتكون من عدد من المناطق المستقلة يطلق عليها الدول ـ المدن. وكثيرًا ما كانت الدول ـ المدن تدخل في حروب مع بعضها. ونتيجة لذلك، تجمع عدد منها وكوَّن تنظيمًا يعتبر إحدى المحاولات الأولى للحد من الحروب. هذا التنظيم الذي أطلق عليه اسم العصبة الأمفكتيونية، كان يحظر على أي عضو في التنظيم أن يدمر عضوًا آخر أو أن يقطع إمداداته من المياه.

وكانت الألعاب الأوليمبية تجمع الدول ـ المدن مرة كل أربع سنوات، فتقوم بينها هدنة تخلق جوًا من السلام المؤقت في طول البلاد وعرضها لإتاحة الفرصة لإقامة تلك الألعاب. فكان يُحْظَر على أي فرد خلال مدة شهر أن يحمل السلاح أو أن يدخل في حرب ضد الآخرين. وقامت الإمبراطورية الرومانية بحفظ السلام في جزء كبير من العالم خلال فترة عرفت باسم السلام الروماني. وقد استمر هذا السلام لأكثر من مائتي عام، أي من عام 72 ق.م إلى عام 180م. وخلال فترة السلام الروماني، اتسعت الإمبراطورية الرومانية لتغطي أجزاء كبيرة من أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. في ذلك الوقت، لم يكن هناك أي دولة لها من القوة ما يمكّنها من مهاجمة الرومان.

فترة العصور الوسطى الأوروبية:

عندما ضعفت الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي، اندلعت حروب صغيرة في أوروبا كلها، وصارت الكنيسة هي أكبر قوة لدعم السلام. وساد عُرْف كنائسي سُمِّي هدنة الله كان يقصر القتال في المنازعات الخاصة على أيام معينة من أيام الأسبوع، كما كان هناك حكم كنائسي آخر عرف باسم سلام الله يحرم القتال في بعض الأماكن، مثل الكنائس والأضرحة. ولكن الكنيسة كانت تسمح باندلاع بعض الحروب، مثل تلك التي ترى أن من شأنها تعزيز موقعها.

الفترة الممتدة من القرن الخامس عشر إلى القرن الثامن عشر:

خلال هذه الفترة اقترح الكثيرون عدة مشاريع تهدف إلى تحقيق السلام الدائم. فعلى سبيل المثال، قدم رجل الدولة الفرنسي ماكسيمليان دي بيثون، دوق سلي في أوائل القرن السابع عشر الميلادي المشروع الكبير لتحقيق السلام في أوروبا. وكانت خطة دوق سلي تدعو إلى تشكيل مجلس من ممثلي الدول الأوروبية تكون مهمته حلّ الخلافات التي تقوم بين الدول.

وفي عام 1625م اقترح رجل الدولة الهولندي هوجو جروتيوس مجموعة من قواعد السلوك الدولي في كتاب بعنوان قانون الحرب والسلام. ومما جاء فيه على سبيل المثال أن على الدول أن تضمن حقوقًا معينة للدول المحايدة التي لاتشترك في الحرب.وأصبحت أفكار جروتيوس الركيزة التي قام عليها القانون الدولي. ★ تَصَفح: القانون الدولي.

وفي عام 1648م انتهت حرب الثلاثين عامـًا بتوقيع معاهدة وستفاليا التي حاولت أن تضمن السلام من خلال إقامة توازن القُوَى. ويعتمد مبدأ توازن القوى على التوزيع المتساوي للقوة العسكرية والاقتصادية بين الأمم، بحيث لا يكون لدى أي دولة أو أي مجموعة من الدول القوة الكافية لغزو أي دولة أو مجموعة أخرى من الدول. ★ تَصَفح: ميزان القوى.

وفي نحو عام 1647م، أنشأ الزعيم الديني الإنجليزي جورج فوكس جمعية الأصدقاء التي تشتهر اليوم باسم جمعية الكويكرز، وتؤمن هذه الجماعة بأن تعاليم عيسى المسيح ـ عليه السلام ـ تُحَرِّم الحرب، لذا فقد عارض أعضاؤها الحروب طوال تاريخ وجودهم، وساندوا حركات السلام. ولقد اقترح وليم بن، أحد قيادات الجماعة التي أنشأت مستعمرة بنسلفانيا الأمريكية، مشروعًا للسلام يشبه مشروع سلي الكبير، ففي كتاب له صدر عام 1693م بعنوان نحو حاضر ومستقبل السلام في أوروبا دعا وليم بن إلى إقامة مجلس دولي لحل المنازعات بين الدول.

وفي عام 1713م قام رجل الدين الفرنسي، القس شارل أريني كاستل دي سان بيير بنشر مؤلفه مشروع للسلام الدائم دعا فيه لإقامة مجلس شيوخ أوروبي يضم 24 مندوبًا يمثلون دول أوروبا

مرحلة القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين:

في عام 1815م أنشأ رجل الأعمال الأمريكي ديفيد ل.دودج جمعية نيويورك للسلام التي كانت أول منظمة في الولايات المتحدة تهدف إلى الحفاظ على السلام. وتبع ذلك قيام العديد من الجماعات المحبة للسلام والداعية إليه، كان من ضمنها الجمعية الأمريكية للسلام التي أنشئت عام 1828م، والاتحاد العالمي للسلام الذي تكوّن عام 1866م.

وفي القرن التاسع عشر الميلادي عقدت عدة مؤتمرات دولية لمناقشة موضوع حفظ السلام، فعقدت مؤتمرات للسلام في لندن عام 1843م، وفي مدينة بروكسل ببلجيكا عام 1848م، وفي باريس عام 1849م، وفي مدينة فرانكفورت بألمانيا عام 1850م. وفي عام 1898م، دعا نيقولا الثاني قيصر الروس إلى عقد اجتماع دولي لمناقشة موضوع الحد من التسلح ونتج عن هذه الدعوة انعقاد مؤتمر لاهاي في هولندا عامي 1899م و 1907م. وعلى الرغم من أن هذين المؤتمرين لم ينجحا في الحد من التسلح، إلا أنهما أسفرا عن قيام المحكمة الدائمة للتحكيم لتتولى أمر المنازعات القانونية التي تنشأ بين الأمم.

وعلى المستوى الفردي، شعر الكيميائي السويدي ألفرد ب. نُوبل الذي اخترع الديناميت بالأسى لما أحدثه اختراعه من وفيات وإصابات في وقت الحرب، فرصد في وصيته مبلغًا من المال لتمويل عدد من الجوائز السنوية من بينها جائزة لعمل مميز يسهم في تحقيق السلام العالمي. وقد منحت أول جائزة من جوائز نوبل للسلام عام 1901م. ★ تَصَفح: نوبل، جوائز.

وعندما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها عام 1918م، قامت مجموعة مكونة من 42 دولة بإنشاء عصبة الأمم. وكان هدف تلك المنظمة الدولية هو الحفاظ على السلام في العالم أجمع. وطبقًا لنظام عصبة الأمم، كان على الدول الأعضاء فض المنازعات التي تنشأ بينها عن طريق عرضها على مجلس العُصْبَة، أو عرضها للتحكيم أو قبول حكم طرف ثالث. ولكن عصبة الأمم لم تكن لها سلطة كبيرة. وكان ذلك راجع إلى حد ما إلى عدم انضمام الولايات المتحدة وبعض الدول الكبيرة الأخرى إلى عضويتها.

الجهود الحالية لتحقيق السلام

عند انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945م، قامت عدة محاولات لتحقيق السلام الدائم بين كافة الأمم. وكانت أهم الأشكال التي تضمنتها تلك الجهود ما يلي: 1- الدبلوماسية 2- المنظمات الدولية 3- نزع السلاح 4- الأمن الجماعي 5-تحسين الاتصالات والتجارة الدولية.

الدبلوماسية:

تتعلق بالمفاوضات بين دولتين أو أكثر. ومعظم الحكومات لها دبلوماسيون يمثلونها لدى الدول الأخرى لتنمية التعاون والوفاق الدوليين. وتعتبر الدبلوماسية في رأي كثير من خبراء السياسة أهم عوامل حفظ السلام. ★ تَصَفح: الدبلوماسية.

المنظمات الدولية:

تعمل المنظمات الدولية لحل الخلافات بين الأمم بالطرق السلمية. وفي عام 1945م اجتمع ممثلو خمسين دولة وقاموا بإنشاء الأمم المتحدة وهي المنظمة الدولية الرئيسية لخدمة السلام العالمي. وفي العام التالي، تم رسميًا حل عصبة الأمم.

ويبحث مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المنازعات التي تقوم بين الدول ويقترح الطرق لحلها. فإذا قامت أي دولة بتهديد السلام فإن المجلس يفرض ضدها عقوبات اقتصادية، فمثلاً تقوم الدول الأعضاء بالامتناع عن تبادل التجارة مع الدولة المعتدية، فإذا لم تنجح هذه الإجراءات في ردع المعتدي، على المجلس أن يطلب من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مَدَّهُ بالقوات اللازمة لتنفيذ قراراتها. وقد أحرزت الأمم المتحدة بعض النجاح في عملية حفظ السلام. ولكنها لم تستطع أن تمنع قيام الحروب المحلية في عدد من المناطق، منها إفريقيا وجنوب شرقي آسيا، والشرق الأوسط. وفي أحيان أخرى تراخى مجلس الأمن أو غض الطرف عما يجري من حروب وكوارث، وبخاصة حين تكون الشعوب الإسلامية هي المستهدفة بالعدوان، وتشكل مواقف مجلس الأمن الدولي ومواقف الدول الكبرى من العدوان على المسلمين في فلسطين المحتلة والبوسنة والهرسك أكبر دليل على ذلك.

نزع السلاح:

وتتضمن عملية نزع السلاح الرقابة على الأسلحة، وخفض القوات المسلحة أو الاستغناء عنها. وقد وافقت الأمم المتحدة في عام 1968م على معاهدة منع الانتشار، لوقف انتشار الأسلحة النووية. هذه المعاهدة التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1970م، تحظر على الدول النووية مَدَّ الدول الأخرى بأي أسلحة أو تقنية ذرية. وفي عامي 1972م و 1988م، وَقَّع الاتحاد السوفييتي (سابقًا) والولايات المتحدة اتفاقيتين للحد من إنتاج وحيازة الأسلحة الذرية. وفي السبعينيات من القرن العشرين تمكنت الأمم المتحدة من الحصول على موافقة الأعضاء على عدد من المعاهدات للرقابة على الأسلحة. وتمنع هذه الاتفاقيات الدول من وضع أسلحة ذرية في قاع المحيطات كما تحظر إنتاج وتكديس الأسلحة البيولوجية. وفي عام 1993م، وقعت 125 دولة برعاية الأمم المتحدة اتفاقية تحظر تصنيع الأسلحة الكيميائية واستخدامها ونقلها وتخزينها، وقد أصبحت الاتفاقية نافذة عام 1997م. ولكن ظلت بعض الدول، من بينها إسرائيل، تمتلك هذه الأسلحة.

الأمن الجماعي:

يشبه الأمن الجماعي نظام ميزان القوى، حيث يوافق كل عضو في مجموعة من الدول على مساعدة أي عضو آخر في المجموعة، إذا ما تعرض هذا العضو للاعتداء. وبذلك تقوم قوة المجموعة المشتركة بإحباط أية محاولة لهجوم العدو.

وتشمل منظمات الأمن الجماعي حلف شمال الأطلسي وحلف وارسو السابق.

تحسين الاتصالات والتجارة الدولية:

تزيد تنمية الاتصالات والتجارة الدولية من التفاهم بين الدول، فهي تقلل من خطر الحرب عن طريق خفض الحواجز الثقافية والاقتصادية التي تفصل بين البلاد. ويعمل عدد من دول أوروبا معًا كمجموعة تعرف باسم الاتحاد الأوروبي. وقد استطاعت تلك الدول أن تزيد بشكل كبير حركة انسياب البضائع والأفكار والشعوب من دول لأخرى.

كما ظهرت داخل المجتمعات العربية مثل هذه الاتصالات والمشاركات الفعالة، وتم تشكيل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وذلك للتعاون في كافة المجالات الدفاعية والاقتصادية والثقافية والتنموية، وكذلك دول المغرب العربي، وكل هذا في إطار تحسين قاعدة التعامل العربي وزيادة التبادل المشترك في كافة المجالات.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية