الرئيسيةبحث

الردة، حروب ( Apostasy, Wars on )


الرِّدَّة، حروب. وقعت معظم أحداث حروب الردة في الجزيرة العربية إثر وفاة الرسول ﷺ بصفة خاصة، واستمرت إلى مطلع العام الثاني عشر الهجري، وقد شملت منطقة جغرافية واسعة بالجزيرة العربية (ماعدا مكة والمدينة والطائف)، أما حروب الرِّدة التي وقعت قبيل وفاته ﷺ فقد شملت منطقة جغرافية محددة ثارت على يد الأسود العنسي باليمن ومسيلمة الكذاب باليمامة. تصدى الخليفة الأول أبوبكر الصديق للمرتدين بكل حزم، فجهز أحد عشر لواء للقضاء على فتن المرتدين، واستمرت هذه الألوية تخوض المعارك الضارية داخل الجزيرة العربية أكثر من سنة، فقضت على التمرد وقتلت أكثر الزعماء الذين أشعلوا الفتنة، كما أجبرت آخرين على الاستسلام أو الهرب إلى خارج الجزيرة العربية، كما فعل طليحة الأسدي. وعادت كل جزيرة العرب إلى حظيرة الإسلام. أرجع معظم المؤرخين المحدثين أسباب حروب الرِّدة إلى الآتي: 1- العصبية القبلية، حيث مل بعض العرب سيادة قريش التي منها النبي ﷺ. 2- رغبة الأعراب، الذين لم يتذوقوا حلاوة الإيمان، في التخلص من مبادئ الإسلام الخلقية. 3- ظن الأعراب أن طاعة الرسول ﷺ هي الواجبة، أما من يجيء بعده فلا طاعة له عليهم 4- تأثر بعض العرب في شمال وجنوب الجزيرة العربية بالفرس والروم، المناوئين للدين الجديد. وقال المؤرخون إنَّ حروب الردة شملت كل الجزيرة العربية عدا مكة والمدينة والطائف.

ومن الحقائق الأساسية المستمدَّة من المصادر الأصلية حول هذه الفتنة، أنها لم تكن شاملة لكل الناس، بل إن هناك قبائل وقادة وجماعات وأفرادًا تمسكوا بدينهم في كل منطقة من المناطق التي ظهرت فيها ردّة وكان لهم جهد كبير في إخماد فتنة الردّة في مناطقهم.

فقد ثبت على الإسلام في الحجاز زمن فتنة الرِّدَّة: المكيِّون والثقفيُّون والمدنيون، واتفق على هذا المؤرخون. وثبتت القبائل المقيمة بين مكة والمدينة والطائف على إسلامها، مثل: مُزينة وغِفار وجُهينة وبلي وبعض أشجع وأسلم وعبس وطوائف من بني سليم وجماعة من بني ذُبيان وطيء وهذيل وأهل السراة وبجيلة وخثعم وبني كلب وبني كعب وبني عامر بن صعْصعة. ولم تتابع كل أسد وغطفان المرتد طليحة الأسدي، بل ثبتت جماعات منها على الإسلام.

وثبت الأبناء ـ مولدُو الفرس باليمن ـ وعلى رأسهم فيروز الديلمي وداذويه وجشنس، واستنهضوا القبائل والجماعات والأفراد الذين بقوا على إسلامهم لحرب الأسود العنسي. ونهض معهم جماعة من بني عقيل بن ربيعة وجماعة من عك والنخع وجعض والسكون والسكاسك وزبيد وأشخاص، أمثال: فروة بن مسيك. كل هؤلاء تآزروا في إخماد فتنة العنسي في حياة الرسول ﷺ وقبل وصول جيش أبي بكر إليهم بقيادة المهاجر بن أبي أميَّة وعكرمة بن أبي جهل.

وثبت كثير من بطون وأفراد ورؤساء بني تميم، ووقفوا في وجه مالك بن نويرة وسجاح التميمية المتنبئة، وردَّوها عن فكرة غزو المدينة ـ عاصمة الدولة الإسلامية. وكان من أولئك الثابتين على الإسلام: بنو يربوع بزعامة ابن قعنب والرباب وعوف والأبناء بزعامة الزبرقان بن بدر، وبنو عمرو وخضم بزعامة صفوان بن صفوان وسبرة بن عمرو.

وكان ممن وقف من أهل اليمامة ضد مُسيْلمة الكذَّاب وساند خالد بن الوليد في حربه ضد مسيلمة: ثمامة بن أُثال وقومه بنو سحيم وغيرهم، ومجاعة بن مرارة وسارية ابن عامر ومعمر بن كلاب وابن عمرو اليشكري وعمر بن ضابئ اليشكري وعامر بن مطرفة ورهطه.

ووقفت الجماعة الإسلامية في عمان مع أميرها جيفر وأخيه عباد ضد ذي التاج لقيط بن مالك الأزدي ـ متنبِّئ عمان ـ حتى أدركهم حُذيْفة بن محصن الغلفاني وعرفجة ابن هرثمة البارقي وعكرمة بن أبي جهل ـ وهم من قواد الألوية التي عقدها الخليفة أبو بكر لقتال المرتدين. وثبت بنو جديد وبنو ناجية بزعامة الخريت بن راشد، وبنو عبد القيس بقيادة سيحان بن صوحان، وأهل تبالة من أرض كعب بن ربيعة.

وثبت على الإسلام في البحرين: الجارود بن عمرو العبدي مع قومه بني عبد القيس، وقيس بن عاصم المنقري وعفيف بن المنذر، وعتبة بن النهاسي بن بكر بن وائل، وعامر ابن عبد الأسود، ومسمع، وحفصة التميمي، وغيرهم، وآزروا جميعاً العلاء بن الحضرمي قائد جيش الخلافة.

وثبت في حضرموت: أميرهم زياد بن لبيد الأنصاري البياضي، وامرؤ القيس بن عابس الكندي وبنو قتيرة من كنْدة، وشرحبيل بن السمط وابنه، وعدي بن عوف الكندي، وأبضعة بن مالك من أبناء ملوك كندة ـ وعفيف ابن معدي كرب ـ من رؤساء كندة ـ وثور بن مالك، ومعاوية بن الجون الكندي، ومعاوية بن عمرو.

وثبت على الإسلام في مهرة: بنو شخراة بزعامة شخريت، وبعض بني محارب، وأهل المناطق المحيطة بمهرة، أمثال: أهل النجد ورياض الروضة والسّاحل والجزائر والمر واللبان وجيروت وظهور الشحر والصبرات، وغيرهم، وساعدوا عكرمة في حربه ضد مرتدي قومهم في هذه المناطق.

وثبت في مناطق شمالي الجزيزة العربية: بنو شيبان من بني بكر بن وائل بزعامة المثنىَّ بن حارثة الشيباني، وبنو عذرة بزعامة معاوية العذري.

وهكذا يتضح لنا أن العرب المسلمين لم يرتدوا جميعًا عن الإسلام، بل ثبتت عليه الأكثرية وتمكنت من القضاء على الفتنة في مهدها لتنطلق الأمة الاسلامية بعدها في ميادين الجهاد والفتح ونشر قيم الإسلام بعد إزالة الطواغيت والعوائق التي كانت تحول بين الناس والدخول في الإسلام. وحَّدت هذه الحروب كلمة المسلمين وجعلتهم يلتفون حول أبي بكر الصديق، وقويت بذلك خلافته، وصقلت مواهب العرب العسكرية، وطهرت نفوس من ارتدَّ منهم وعاد للإسلام، وجعلتهم يكفِّرون عن ذنوبهم بالصدق في الجهاد في ميادين الفتوح الإسلامية المختلفة.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية