أكتوبر 1917م
دول الوسط | |||
رومانيا | 27 أغسطس 1916م | ألمانيا | 1 أغسطس 1914م |
سان مارينو | 3 يونيو 1915 | الدولة العثمانية | 31 أكتوبر 1914م |
سيام | 22 يوليو 1917م | بلغاريا | 14 أكتو بر 1915م |
صربيا | 28 يوليو 1914م | النمسا ـ المجر | 28 يوليو 1914م |
ولقيت السياسات القومية تأييدًا عاطفيا عندما منحت دول كثيرة في غرب أوروبا حق التصويت لأناس أكثر، وأعطى حق التصويت المواطنين اهتماما أكبر وإعجابا أعظم بالأهداف القومية.
ومن ناحية أخرى، أضعفت القومية الإمبراطوريات الشرقية في النمسا ـ المجر، روسيا والدولة العثمانية. كانت هذه الإمبراطوريات تحكم مجموعات كثيرة تناضل من أجل الاستقلال، وكانت الصراعات بين المجموعات القومية متفجرة في دول شبه جزيرة البلقان في الجنوب الشرقي من أوروبا، وعُرفت شبه الجزيرة بأنها برميل البارود في أوروبا، لأن شعوبا كثيرة من البلقانيين كانوا جزءًا من الدولة العثمانية. حصلت اليونان والجبل الأسود والصرب ورومانيا وبلغاريا وألبانيا على الاستقلال في الفترة من 1821 إلى 1913م، لذلك فقد نشبت التوترات عندما احتكت كل دولة مع جيرانها بشأن الحدود، وانتهزت النمسا ـ المجر وروسيا ضعف الدولة العثمانية لتزيدا من نفوذهما في البلقان.
وجاء التنافس من أجل السيطرة على البلقان ليزيد من التوترات التي أدت إلى تفجر الحرب العالمية الأولى، وقادت صربيا حركة لتوحيد العنصر السلافي في المنطقة. أما روسيا وهي أقوى الدول السلافية فقد أيدت صربيا، لكن النمسا ـ المجر كانت تخشى القومية السلافية التي أدت إلى قلق في إمبراطوريتها، حيث كان هناك ملايين من السلاف يعيشون تحت حكم النمسا ـ المجر. وفي سنة 1908م أغضبت النمسا ـ المجر صربيا بإلحاق البوسنة والهرسك إلى إمبروطوريتها، وكانت صربيا تريد السيطرة على هذه الأراضي لأن كثيراً من الصرب يعيشون هناك.
التواريخ المهمة أثناء الحرب العالمية الأولى | |||||||||||
| |||||||||||
| |||||||||||
| |||||||||||
| |||||||||||
|
أدى التقدم التقني في الأدوات والمعدات وأساليب التصنيع إلى زيادة القوة التدميرية للقوات الحربية، وأصبحتالمدافع والأسلحة الحديثة الأخرى أكثر دقة وأسرع من الأسلحة السابقة، وأصبحت البواخر والسكك الحديدية قادرة على الإسراع في حركة القوات والإمدادات. وفي نهاية القرن التاسع عشر ساعدت التقنية الأقطار على أن تشن حروباً أطول وتتحمل خسائر أفدح من ذي قبل. ورغم ذلك فإن الخبراء العسكريين أصروا على أن الحروب القادمة سوف تكون أقصر.
أسلحة الحرب العالمية الاولى
الطائرة. استخدمت الطائرة في القتال لأول مرة في الحرب العالمية الأولى. وكانت طائرة إيركو دي إتش4 المبينة في الصورة تعد من قاذفات القنابل البريطانية المعتبرة. وكانت تحمل طيارًا واحدًا ومدفعًيا . | الدبابة اختراع بريطاني خلال الحرب العالمية الأولى. وقد صممت لكي تشق طريقها من خلال الأسلاك الشائكة وتعبر الخنادق. ويشاهد فريق الدبابة وهم يُصوِّبون المدفع إلى العدو وهذه الدبابة من طراز إم كي4. |
الغواصة. أثبتت كفاءتها كسفينة حربية أثناء الحرب العالمية الأولى. وقد تحدت الغواصات الألمانية يوبي2 كالتي نشاهدها في الصورة القوة البحرية البريطانية حيث كانت تطلق قذائف الطوربيد على السفن فتتفجر عند ملامستها لها. | المدفع الرشاش جعل الحرب العالمية الأولى أكثر ضراوة من الحروب التي سبقتها. حيث تسببت طلقاته السريعة في حصد جنود المشاة المهاجمين. وقد استخدم الجيش الفرنسي مدفع هوتشكس عيار 8 ملم المبين في الرسم. |
جبهات الحرب العالمية الأولى انتشر القتال في الحرب العالمية الأولى من أوروبا الغربية إلى الشرق الأوسط. ولقد دارت المعارك الرئيسية على طول الجبهة الغربية التي امتدت عبر بلجيكا وفرنسا، وعلى طول الجبهة الشرقية التي تأرجحت عبر روسيا والنمسا ـ المجر. |
ثم جعل بسمارك النمسا ـ المجر وألمانيا تدخلان في تحالف مع روسيا، وكان هذا التحالف الذي عرف بعصبة الأباطرة الثلاثة قد تكون سنة 1881م. اتفقت القوى الثلاث على أن تظل على الحياد إذا اشتركت واحدة منها في حرب مع قطر آخر. وحث بسمارك النمسا ـ المجر وروسيا المتنافستين حول النفوذ في البلقان بأن تعترف كل منهما بنفوذ الأخرى في المنطقة، ومن ثم قلل من شأن خطر الاحتكاك بين البلدين.
وساءت علاقات ألمانيا مع البلدان الأوروبية الأخرى بعد ترك بسمارك السلطة سنة 1890م. لقد عمل بسمارك على أن يَحُول بين فرنسا جارة ألمانيا في الغرب، وبين أن تتحالف مع دولة أخرى من جيران ألمانيا في الشرق أي مع روسيا والنمسا. وفي سنة 1894م اتفقت روسيا وفرنسا على تعبئة قواتهما إذا ما عبأت أمة أخرى من دول التحالف الثلاثي قواتها، كما اتفقت فرنسا وروسيا على أن تساعد كل منهما الأخرى إذا ما هوجمت إحداهما من جانب ألمانيا.
أرشيدوق النمسا ـ المجر فرانسيس فرديناند (في أقصى اليمين) الذي اغتيل في 28 يونيو 1914م بعد التقاط هذه الصورة بفترة قصيرة. وكان اغتياله أحد أسباب إشعال فتيل الحرب العالمية الأولى. |
أعطى اغتيال فرانسيس فرديناند النمسا ـ المجر عذرًا لسحق صربيا عدوتها القديمة في البلقان. وحصلت النمسا على وعد من ألمانيا بمساعدتها في أي عمل تتخذه ضد صربيا، ثم أرسلت قائمة بطلبات مهمة لصربيا في 23 يوليو وقبلت صربيا معظم المطالب واقترحت أن تسوى المطالب الأخرى في مؤتمر دولي. ورغم ذلك رفضت النمسا ـ المجر العرض وأعلنت الحرب على صربيا في 28 يوليو وتوقعت نصراً سريعاً.
وكانت روسيا من قبل قد تقاعست عن مساندة حليفتها صربيا. ففي سنة 1908م كانت النمسا قد أغضبت صربيا بضمها البوسنة والهرسك ووقفت روسيا محايدة. وفي سنة 1914م تعهدت روسيا أن تقف خلف صربيا، وحصلت روسيا على وعد بدعم من فرنسا، ووافق القيصر الروسي على خطط لتعبئة قواته على طول حدود روسيا مع النمسا ـ المجر، لكن القادة العسكريين الروس حثوا القيصر على أن يحشد قواته على طول الحدود مع ألمانيا أيضا، وفي 30 يوليو عام 1914م أعلنت روسيا أنها ستعبئ قواتها كاملة.
أعلنت ألمانيا الحرب على روسيا أول أغسطس 1914م رداً على التعبئة الروسية، وبعد يومين أعلنت ألمانيا الحرب على فرنسا، واكتسح الجيش الألماني بلجيكا في طريقه إلى فرنسا، وكان غزو بلجيكا المحايدة سببا في إعلان بريطانيا الحرب على ألمانيا في 4 أغسطس، ومنذ ذلك الحين وحتى نوفمبر 1918م حين انتهت الحرب، لم تبق سوى مناطق قليلة من العالم محايدة.
الجبهة الغربية بدأ القتال في أغسطس 1914م عندما غزت ألمانيا بلجيكا وفرنسا، ثم حوصر الجانبان في حرب الخنادق على طول الجبهة الغربية حتى نهاية العام، وظلت الجبهة الغربية مجمدة لما يقرب من ثلاثة أعوام ونصف العام. |
كانت خطة فون شليفن ترى أن يكون لألمانيا جناحان يحاصران الجيش الفرنسي في شكل كَمَّاشة ؛ فالجناح الأيسر الصغير سوف يدافع عن ألمانيا عبر حدودها مع فرنسا، أما الجناح الأيمن الأكبر فيغزو فرنسا عبر بلجيكا ثم يحاصر عاصمة فرنسا باريس، ثم يتحرك شرقاً. ومع تحرك الجناح الأيمن سوف تقع القوات الفرنسية في مصيدة الكمَّاشات. وكان نجاح هجوم ألمانيا يعتمد على جناح أيمن قوي، ورغم ذلك كان هلمون فون مولتكه، الذي أصبح رئيسا للأركان في سنة 1906م وأدار استراتيجية ألمانيا عند بدء الحرب العالمية الأولى، قد غير من خطة فون شليفن بتخفيض عدد قواته في الجناح الأيمن.
حارب الجيش البلجيكي بشجاعة، وقاوم الألمان لفترة قصيرة، وفي 16 أغسطس 1914م استطاع الجناح الأيمن أن يبدأ حركة كماشة وأرغم القوات الفرنسية وقوة صغيرة بريطانية على أن تتقهقر إلى جنوب بلجيكا، واكتسح فرنسا، لكن بدلا من أن يتجه غربا حول باريس طبقا للخطة فإن جزءًا من الجناح الأيمن اندفع لمطاردة القوات الفرنسية المنسحبة شرقا على نهر المارن، وكانت هذه المناورة من شأنها أن تترك الألمان معرضين لهجوم من الخلف.
وفي هذه الأثناء، فإن الجنرال جوزيف جوفر القائد العام لكل الجيوش الفرنسية ثبت قواته قرب نهر المارن شرقي باريس، واستعد للمعركة، وبدأ قتالاً شرسًا عرف بمعركة المارن الأولى في 6 سبتمبر، وفي 9 سبتمبر بدأت القوات الألمانية تنسحب.
كانت معركة المارن الأولى مفتاح النصر للحلفاء، لأنها أنهت آمال ألمانيا في هزيمة فرنسا سريعا، واستبدل بمولتكه إريخ فون فالكنهاين رئيسًا للأركان.
وتوقف انسحاب الجيش الألماني قرب نهر آين، حيث خاض الألمان والحلفاء سلسلة من المعارك التي أصبحت تعرف بالسباق نحو البحر. وسعت ألمانيا إلى السيطرة على موانئ على القنال الإنجليزي لتقطع خطوط المدد الحيوي بين فرنسا وبريطانيا، لكن الحلفاء أوقفوا تقدم الألمان نحو البحر في معركة إيبر الأولى في بلجيكا، واستمرت المعركة من منتصف أكتوبر حتى منتصف نوفمبر.
وفي أواخر نوفمبر 1914م وصلت الحرب إلى طريق مسدود على طول الجبهة الغربية لأن أحدا من الجانبين لم يمتلك أرضا أكثر، وامتدت جبهة القتال أكثر من 720كم عبر بلجيكا وشمال شرقي فرنسا إلى حدود سويسرا، واستمر التوقف في الجبهة الغربية نحو ثلاث سنوات ونصف.
أما النمسا ـ المجر فكان نجاحها أقل من نجاح حليفتها ألمانيا في الجبهة الشرقية. ففي نهاية عام 1914م هاجمت القوات النمساوية ـ المجرية صربيا ثلاث مرات، وألحقت بها الهزيمة في كل مرة، وفي هذه الأثناء حاصرت روسيا معظم إقليم جاليسيا في النمسا ـ المجر (وهو الآن جزء من بولندا والاتحاد السوفييتي السابق). وفي أوائل أكتوبر انسحب الجيش النمساوي ـ المجري المهزوم إلى أراضيه.
واستمرت بريطانيا مسيطرة على البحار بعد نصرين بحريين على ألمانيا في سنة 1914م، وجعل الإنجليز منذ ذلك الحين أسطول الألمان محصورا في مياههم معظم الحرب، ومن ثم اعتمدت ألمانيا على حرب الغواصات.
وسرعان ما امتدت الحرب العالمية الأولى إلى المستعمرات الألمانية فيما وراء البحار، وأعلنت اليابان الحرب على ألمانيا في آخر أغسطس 1914م وطردت الألمان من عدة جزر في المحيط الهادئ، أما قوات أستراليا ونيوزيلندا فقد سيطرت على المستعمرات الألمانية في المحيط الهادئ، وفي منتصف سنة 1915م سقطت معظم أملاك الإمبراطورية الألمانية في إفريقيا في يد القوات البريطانية. ورغم ذلك استمر القتال في الأملاك الألمانية في إفريقيا الشرقية (تنزانيا حاليا) لمدة عامين أو أكثر.
في سنة 1915م حفر الجانبان المتصارعان سلسلة من الخنادق تعرجت على طول الجبهة الغربية، ومن الخنادق دافعا عن مواقعهما وابتدآ هجماتهما. وظلت الجبهة الغربية جامدة في حرب الخنادق حتى سنة 1918م.
شبكة الخنادق على امتداد الجبهة الغربية. والأرض المحايدة تفصل الجهتين المعاديتين. وتقوم خنادق إطلاق النيران والخنادق الساترة بحماية جنود القسم الأمامي من نيران العدو. وخنادق الاتصال تربط بين الأجزاء الأمامية وبين القوات المساندة والاحتياط الموجودة في الخطوط الخلفية. |
الجنود يشاهدون لابسين كمامات الغاز في الجبهة الغربية للحماية من الغازات السامة. وكانت ألمانيا أول دولة تستخدم الغازات السامة في أبريل سنة 1915م خلال معركة إيبرو الثانية في الحرب العالمية الأولى. |
أما الجنرال هنري بيتان فقد نظم الدفاع عن فردان. وعدته فرنسا بطلا، وأصبحت معركة فردان رمزا للتخريب المدمر في الحرب الحديثة، حيث ارتفعت خسائر الفرنسيين إلى نحو 315 ألف رجل وخسائر الألمان نحو 280 ألفا، وأما المدينة فقد دُمّرت تمامًا.
صرخة الانقضاض رمز لبداية الهجوم، حيث يندفع الجنود من خنادقهم ليبدأوا التقدم نحو خنادق العدو. وهؤلاء جنود كنديون وراء ضابط لهم على القمة أثناء معركة سوم في فرنسا في شهر يوليشو 1916م. |
خلال عامي 1915م و 1916م امتدت الحرب العالمية الأولى إلى إيطاليا عبر البلقان، وازداد نشاطها على الجبهات الأخرى. واعتقد بعض القادة العسكريين أن خلق جبهات جديدة قد يكسر الجمود على الجبهة الغربية، ولكن انتشار الحرب كان له تأثير قليل على هذا الجمود.
الجبهة الإيطالية دخلت إيطاليا الحرب ضد النمسا ـ المجر في شهر مايو 1915م. ورغم الكثير من المعارك المريرة فإن تقدم الإيطاليين كان ضئيلاً ولكنهم أنهكوا جيوش النمسا ـ المجر. |
من أعلى قمة صخرية تستعد القوات الإيطالية لبدء معركة على حدود النمسا ـ المجر وكان عليهم أولاً أن يرفعوا المدفعية إلى أعلى وقد أعاقت جبال الألب الوعرة تقدم الإيطاليين إلى داخل النمسا ـ المجر. |
الجبهة الشرقية |
دخلت بلغاريا الحرب العالمية الأولى في أكتوبر 1915م لمساعدة النمسا ـ المجر كي تهزم صربيا. وكانت بلغاريا تأمل أن تستعيد أرضا فقدتها في الحرب البلقانية الثانية. وفي محاولة لمساعدة صربيا أنزل الحلفاء قوات في سالونيك في اليونان، لكن القوات لم تصل أبدا إلى صربيا، وانسحب الجيش الصربي إلى ألبانيا. وانضمت رومانيا إلى الحلفاء في أغسطس 1916م، وكانت تأمل في أن تحصل على بعض الأراضي من النمسا ـ المجر إذا كسب الحلفاء الحرب، وفي نهاية 1916م خسرت رومانيا معظم جيشها وسيطرت ألمانيا على حقول القمح الغنية وحقول النفط.
حاولت ألمانيا أن تجعل بريطانيا تعاني من الجوع وتستسلم بإغراق سفن الشحن المتوجهة إلى موانئها. وهذه السفينة التي نراها في الصورة قد أطلق على مقدمتها طوربيد من غواصة ألمانية. |
وفي 7 مايو 1915م ضرب قارب طوربيد من قوارب اليو (u) وبدون إنذار سفينة الركاب البريطانية لوسيتانيا على ساحل أيرلندا، وقتل نتيجة لذلك 1198 راكباً منهم 128 أمريكيًا. وكان غرق لوسيتانيا دافعاً لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية الرئيس ودرو ولسون ليحث ألمانيا على أن تكف عن حرب الغواصات غير المحدودة. وفي سبتمبر وافقت ألمانيا على عدم مهاجمتها سفنا محايدة أو سفن ركاب.
الطيارون أدَّوا دورًا مهمًا في الحرب العالمية الأولى. وقد حارب هؤلاء الطيارون في القوة الجوية البريطانية طائرات ألمانيا. |
واستمر القصف الجوي في مراحله الأولى خلال الحرب العالمية الأولى، وفي سنة 1915م بدأت ألمانيا قذف لندن وبعض المدن البريطانية الأخرى من سفن زبِّلن الهوائية، لكن القذف كان قليل التأثير في الحرب.
جنود روس أنهكتهم الحرب يتراجعون في صيف عام 1917م بعد أن علموا بأن الألمان قد سحقوا جبهتهم الحربية. وقد توقفت روسيا عن المعارك في أواخر تلك السنة. |
حل الجنرال روبرت نيفيل في ديسمبر 1916م محل جوفر كقائد للقوات الفرنسية، وأعد نيفيل هجوما ضخما قرب نهر آين. وتنبأ بأنه سوف يخترق خط الألمان خلال يومين. وأنعش إحساس نيفيل القوات الفرنسية، ولم يزعزع ثبات الألمان في خط سيجفريد من ثقة نيفيل.
وبدأ هجوم نيفيل في 16 أبريل 1917م، وفي نهاية اليوم كان واضحا أن الهجوم قد فشل، لكن القتال استمر في مايو وانتشر التمرد بين القوات الفرنسية بعد فشل هجوم نيفيل. لقد نزفت القوات دماء كثيرة لاحد لها في الجبهة الفرنسية. ورفض الرجال الذين قاتلوا بشجاعة معظم السنوات الثلاث أن يستمروا في الحرب، وحل بيتان بطل فردان محل نيفيل في مايو 1917م، وحسن بيتان من الظروف المعيشية للجنود وأعاد النظام، ووعد أن تظل فرنسا في وضع دفاعي إلى أن تصبح مستعدة لكي تقاتل مرة أخرى. وظل دور الدفاعات الأخرى على الجبهة الغربية مسؤولية بريطانيا.
كان الجنرال هيج يأمل أن يؤدي الهجوم البريطاني قرب إيبرو إلى النصر، وبدأت المعركة الثالثة عند إيبرو وكانت تعرف بمعركة باشندال في 31 يوليو 1917م. واستمرت القوات البريطانية وقوة فرنسية صغيرة تضرب الألمان في معركة رهيبة لأكثر من ثلاثة أشهر، ولقد عمل قصف الحلفاء بالمدفعية الثقيلة، الذي تقدم هجوم المشاة على تدمير شبكات الصرف الصحي حول إيبرو، وحوَّل المطر الغزير الأرض المبللة إلى مستنقع غرق فيه آلاف من الجنود الإنجليز، ثم أوقف الثلج والبرد المعركة المدمرة نهائيا في 10 نوفمبر. وفي أواخر الشهر نفسه استخدمت بريطانيا الدبابات لاختراق خط سيجفريد، لكن الفشل عند إيبرو أنهك القوات التي كانت بريطانيا تحتاج إليها لمتابعة النجاح.
في سنة 1917م رأت بريطانيا وفرنسا آمالهما في النصر تتحطم، وأجلت النمسا ـ المجر الإيطاليين من أراضيها في معركة كابوريتو في الخريف، وانعدم أمل أكثر الحلفاء بعد قيام ثورة في روسيا.
ولكي تضعف ألمانيا من مجهود روسيا الحربي فقد ساعدت ف. ل. لينين، وهو ثائر روسي كان يعيش آنذاك في سويسرا، في العودة إلى بلده في أبريل 1917م. وبعد سبعة أشهر قاد لينين ثورة تمكن بها من السيطرة على حكم روسيا، وطالب في الحال بمعاهدة سلام مع ألمانيا، وانتهت الحرب على الجبهة الشرقية.
وأمْلت ألمانيا شروط صلح قاسية على روسيا في معاهدة صلح وقِّعت في برست ـ ليتوفسك في 3 مارس 1918م، وأجبرت معاهدة برست ـ ليتوفسك روسيا على أن تتنازل عن مساحات كبيرة من الأرض تشمل فنلندا وبولندا وأوكرانيا وبسارابيا ودول البلطيق: أستونيا وليفونيا (لاتفيا حاليا) ولتوانيا، ومكن انتهاء القتال على الجبهة الشرقية القوات الألمانية من أن تنتقل إلى الجبهة الغربية. وبدا أن العقبة الوحيدة أمام إحراز الألمان للنصر هو دخول الولايات المتحدة الحرب.
الرماة الأمريكيون يزحفون خلال منطقة مزقتها الحرب في شمال شرقي فرنسا أثناء خريف عام 1918م، حيث جرى الهجوم الأخير خلال الحرب العالمية الأولى. وتقع المنطقة بين نهر الميوز وغابة أرجون. وقد اشتركت في هذا القتال قوات أمريكية كثيرة وعرف هذا الهجوم باسم هجوم ميوز ـ أرجون. |
في 2 أبريل دعا ولسون إلى الحرب قائلاً: "إن العالم لابد أن يصل آمنا إلى الديمقراطية"، وأعلن الكونجرس الحرب على ألمانيا في 6 أبريل. وتوقع قليل من الناس أن تفعل الولايات المتحدة الكثير من أجل إنهاء الحرب.
الجبهة الغربية سنة 1918م، قامت ألمانيا بثلاث هجمات بين شهري مارس ويونيو من عام 1918م. واستطاع الحلفاء إيقاف تقدم الألمان على مشارف باريس في شهر يونيو بمساعدة الأمريكيين. وبعد ذلك تمكن الحلفاء من دفع الألمان إلى الوراء، بثبات. وقد انتهت الحرب بهدنة في 11 نوفمبر 1918م. |
ضربت ألمانيا ضربتها قرب سان كنتان، وهي مدينة في وادي نهر السوم، في 21 مارس 1918م وانسحبت القوات البريطانية نحو 25 كم. وفي آخر مارس بدأ الألمان ضرب باريس، وكانت مدفعيتهم الضخمة تقذف بالقذائف إلى مدى 120 كم. وبعد خسارتهم عند سان كنتان اجتمع قادة الحلفاء لوضع خطة دفاعية جديدة. وفي أبريل عينوا الجنرال فرديناند فوش من فرنسا قائداً أعلى للقوات المتحالفة في الجبهة، وبدأ هجوم ألماني ثان في 9 أبريل على طول نهر لي في بلجيكا، وناضلت القوات البريطانية ببسالة، وأوقف لودندورف الهجوم في 30 أبريل. وعانى الحلفاء من خسائر كبيرة في كلا الهجومين، لكن خسائر الألمان كانت فادحة هي الأخرى.
هجمت ألمانيا للمرة الثالثة في 27 مايو قرب نهر آين. وفي 30 مايو وصلت القوات الألمانية إلى نهر المارن، وساعدت القوات الأمريكية فرنسا لوقف التقدم الألماني عند مدينة شاتو تييري، وهي على بعد أقل من 80 كم شمال شرق باريس. وخلال يونيو طردت الولايات المتحدة الألمان من غابة بيلو قرب المارن. وعبرت القوات الألمانية المارن في 15 يوليو، وأمر فوش بشن هجوم مضاد قرب مدينة سواسون في 18 يوليو.
واستمرت المعركة الثانية في 15 يوليو إلى 6 أغسطس 1918م. ومثلت نقطة تحول في الحرب العالمية الأولى، وبعدها تقدم الحلفاء بثبات. وفي 8 أغسطس هاجمت بريطانيا وفرنسا الألمان قرب آميان.
بدأ الهجوم الأخير في الحرب العالمية الأولى في 26 سبتمبر 1918م. واشتركت قوات أمريكية مكونة من نحو 900 ألف في قتال شرس بين غابة أرجون ونهر الميوز. وتحقق لودندورف من أن ألمانيا لن تستطيع أن تتغلب على قوات الحلفاء الأكثر منها قوة.
كانت ألمانيا تترنَّح على حافة الانهيار كلما تقدمت الحرب خلال أكتوبر، وكان حصار بريطانيا البحري قد أجاع الشعب الألماني ونشر تذمرًا أدى إلى تظاهرات تطالب بالصلح، وتخلى القيصر فيلهلم عن عرشه في 9 نوفمبر وطار إلى هولندا، وتقابل وفد الحلفاء بقيادة فوش مع ممثلين ألمان في عربة سكة حديدية في غابة كومبيين في شمال فرنسا. وفي صباح 11 نوفمبر 1918م قبل الألمان هدنة نهائية بشروط الحلفاء، ووافقت ألمانيا أن تجلو عن الأراضي التي احتلتها خلال الحرب، وأن تسلم أعدادا كبيرة من جيشها وسفنها، وأدوات حربية أخرى، وأن تسمح لقوى الحلفاء أن تحتل أرض ألمانيا على طول نهر الراين. وأمر فوش بوقف القتال على الجبهة الغربية الساعة 11 قبل الظهر، وانتهت الحرب العالمية الأولى.
خسرت كل من ألمانيا وروسيا نحو مليون وثلاثة أرباع المليون قتيل خلال الحرب العالمية الأولى، وهو أكثر مما عاناه أي قطر آخر، وكانت نسبة الموتى في فرنسا أعلى بالمقارنة بعدد جنودها الكلي. فلقد خسرت نحو مليون وثلث المليون جندي ؛ أي 16% من كل قواتها العاملة. ولا أحد يعرف كم عدد المدنيين الذين ماتوا من المرض والجوع والأسباب الأخرى المتعلقة بالحرب، ويعتقد بعض المؤرخين أن عدد المدنيين الذين ماتوا كان يساوي عدد الموتى من الجنود.
أما الخسائر المادية في الحرب العالمية الأولى فكانت أكثر في فرنسا وبلجيكا، فقد خربت الجيوش المزارع والقرى بمرورها فيها وحفر الخنادق للقتال، وخربت الحرب المصانع والجسور وقضبان السكك الحديدية. أما جرارات المدفعية والمواد الكيميائية فقد خربت الأرض على طول الجبهة الغربية.
سَخَّرت دول أوروبا مواردها في الحرب العالمية الأولى وخرجت من الحرب منهكة ؛ ففرنسا على سبيل المثال، فقدت عُشْر قوتها العاملة، ولم يجد كثير من الجنود العائدين في معظم أقطار أوروبا وظائف لهم. وبالإضافة إلى ذلك خسرت أوروبا كثيرًا من منتجات أسواقها عندما كانت تنتج مواد للحرب، ورغم ذلك خرجت الولايات المتحدة بقوة اقتصادية متزايدة.
أدى سقوط الإمبراطوريات القديمة إلى إيجاد أقطار جديدة في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، وتكون من أرض النمسا ـ المجر قبل الحرب جمهوريات النمسا والمجر وتشيكوسلوفاكيا وأجزاء من إيطاليا، وبولندا ورومانيا ويوغوسلافيا. وتنازلت روسيا وألمانيا عن أراضٍ لبولندا وفنلندا، وحصلت دول البلطيق: أستونيا ولاتفيا ولتوانيا على استقلالها من روسيا، ووضعت معظم الأراضي العربية في الإمبراطورية العثمانية تحت سيطرة فرنسا وبريطانيا. وتكونت تركيا من باقي الإمبراطورية العثمانية، ووضع قادة أوروبا في حسابهم المجموعات القومية لإعادة رسم خريطة أوروبا، وبذلك رسخوا دواعي قضية القومية، وأعطت الحرب العالمية الأولى الشيوعية الفرصة لتولي السلطة في أوروبا، وتوقع بعض الناس أن تقوم ثورات شيوعية في أماكن أخرى في أوروبا، وقويت الحكومات الثورية بعد الحرب لكن لم تقم حكومات شيوعية.
ابتهاج بانتهاء الحرب العالمية الأولى. حشد مبتهج يملأ شوارع إحدى المدن الفرنسية في 11 نوفمبر 1918م، وكانت تلك الحرب المفزعة قد أزهقت أرواح ما يقارب عشرة ملايين من الجنود. |
فضَّل كثير من الناس أن يستأنفوا سيرتهم الأولى بعد الحرب العالمية الأولى، ونمت المناطق الحضرية بسبب تفضيل الفلاحين الإقامة في المدن بدلا من العودة إلى مزارعهم. وملأت النساء الوظائف والمصانع بعد ذهاب الرجال للحرب، وكن حريصات على أن يرسخن استقلالهن الجديد، وأعطت أقطار كثيرة المرأة حق التصويت بعد الحرب، وبدأ التباين بين الطبقات الاجتماعية يظهر نتيجة للحرب العالمية الأولى، وأصبح المجتمع أكثر ديمقراطية، وفقدت الطبقات العليا الحاكمة بعضا من نفوذها وامتيازاتها بعد أن قادت العالم إلى حرب ضروس. وواجه الرجال بكل طبقاتهم نفس الخطر والفزع في الخنادق. وأخيرا صاغت الحرب العالمية الأولى اتجاهات جديدة، وفقدت الطبقات الوسطى والعليا الأوروبية الثقة والتفاؤل اللذين كانت تشعر بهما قبل الحرب، وبدأ كثيرٌ من الناس يعيدون النظر في بعض المفاهيم التي كانت راسخة لديهم. مثال ذلك تغيّر الفكرة القائلة بتفوق الثقافة والحضارة الأوروبية على العالم كله، وكل ذلك بسبب الخراب والدمار الذي أحدثته الحرب في هذه البلاد.
أوروبا والشرق الأوسط بعد الحرب. |
الأربعة الكبار المجتمعون في مؤتمر الصلح في باريس سنة 1918م. وهم من اليسار، فيتوريو أورلاندو رئيس وزراء إيطاليا وديفيد لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني وجورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا والرئيس الأمريكي ودرو ولسون. |
تجاهل مؤتمر الصلح إلى حد كبير المبادئ الرئيسية في النقاط الأربع عشرة ؛ فقد ضحَّى الحلفاء الأوروبيون الكبار أكثر من الأمريكيين فأرادوا أن يحصلوا على تعويض. أما ولسون فقد ركز جهوده على إيجاد عصبة الأمم، واستجاب ولسون لفرنسا وبريطانيا حول كثير من القضايا. وفي مايو 1919م وافق مؤتمر الصلح على المعاهدة وقدمها إلى ألمانيا. ولم توافق ألمانيا عليها إلا بعد تهديد من الحلفاء بغزوها، وإثر شكوك كبيرة وقَّع ممثلو ألمانيا على معاهدة الصلح في قصر فرساي قرب باريس في 28 يونيو 1919م.
وبالإضافة إلى معاهدة فرساي مع ألمانيا، وقَّع صانعو السلام معاهدات منفصلة مع دول الوسط الأخرى. فوقَّعت معاهدة سان جرمان مع النمسا في سبتمبر 1919م، ومعاهدة نويي مع بلغاريا في يونيو 1920م، ومعاهدة تريانون مع المجر في يونيو 1920م، ومعاهدة سيفر مع الإمبراطورية العثمانية في أغسطس 1920م.
وبموجب معاهدة فرساي تنازلت ألمانيا عن أراض في بلجيكا وتشيكوسلوفاكيا والدنمارك وفرنسا وبولندا وخسرت مستعمراتها فيما وراء البحار، وحصلت فرنسا على حقول الفحم الحجري في وادي السار التابع لألمانيا لمدة خمس عشرة سنة، وكان على ألمانيا أن تدفع نفقات جيش للحلفاء يحتل الضفة الغربية من نهر الراين لمدة خمس عشرة سنة، وطلبت بعض البنود من ألمانيا أن تعيد إلى الحلفاء مواد حربية وسفنا وبضائع أخرى. ولم يستقر الرأي على مجموع التعويضات حتى سنة 1921م وتسلمت ألمانيا فاتورة تعويضات بنحو 33 مليار دولار أمريكي.
أما معاهدتا سان جرمان وتريانون فقد أنقصتا مساحة النمسا ـ المجر إلى أقل من ثلث مساحتها السابقة، واعترفت المعاهدات باستقلال تشيكوسلوفاكيا وبولندا ومملكة عرفت فيما بعد باسم يوغوسلافيا. وتسلمت هذه الدول الجديدة ومعها إيطاليا ورومانيا أراضي كانت تابعة للنمسا ـ المجر. أما معاهدة سيفر فقد انتزعت مصر ولبنان والعراق وفلسطين وسوريا وشرق الأردن من الإمبراطورية العثمانية، وتخلت بلغاريا عن أراض لليونان ورومانيا، وكان على ألمانيا كذلك أن تخفض قواتها المسلحة وأن تدفع تعويضات.
لم تحقق الحدود التي أعادت رسمها تسويات الصلح الأمان الاقتصادي إلا قليلا، مثال ذلك أن الأقطار الجديدة في النمسا ـ المجر كانت صغيرة وضعيفة وغير قادرة على أن تدعم نفسها، لقد فقدت كثيرًا من سكانها، ومواردها وأسواقها، وطالب السكان الألمان في النمسا إلى حد كبير بالاتحاد مع ألمانيا، ولكن صانعي السلام لم يريدوا لألمانيا أن تكسب أراضي بعد الحرب.
دخلت بريطانيا عالم مابعد الحرب وهي أكثر دول الحلفاء رضى. فلقد حافظت على إمبراطوريتها وسيطرتها على البحار، لكنها كانت منزعجة من أن ميزان القوى الذي أرادته في أوروبا قد ينقلب رأسا على عقب بوجود ألمانيا ضعيفة للغاية وبنصر شيوعي في حرب أهلية في روسيا، وبنجاح فرنسا في فرض شروط قاسية على ألمانيا عدوها التقليدي. ولكنها لم تنجح في تأمين حدودها وفشلت في أن تحصل على ضمان بمساعدة بريطانيا والولايات المتحدة في حالة غزو ألماني. وأخيرًا حصلت إيطاليا على أراض أقل مما وعدت به وأحست أنها لم تأخذ ماتستحق.
في الولايات المتحدة خالف مجلس الشيوخ الرأي العام، ورفض الموافقة على معاهدة فرساي، وعارض بذلك الرئيس ولسون. كانت المعاهدة تجعل الولايات المتحدة عضوا في عصبة الأمم. ولم يكن كثير من الأمريكيين على استعداد لأن يتقبلوا المسؤوليات المترتبة على القوة الجديدة التي صارت لبلدهم. فلقد خشوا أن تقحم عصبة الأمم بلدهم في منازعات أوروبية.
لقد وضعت معاهدة فرساي شروطا قاسية أكثر مما توقعته ألمانيا. وكانت مسؤولية قبول هذه الشروط إضعافا لحكومة ألمانيا بعد الحرب. وخلال الثلاثينيات ظهرت حركة شديدة التعصب للقومية يقودها أدولف هتلر، الذي وعد بتجاهل معاهدة فرساي والانتقام لهزيمة ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى. وفي سنة 1939م غزت ألمانيا بولندا وبدأت الحرب العالمية الثانية بالفعل.