الرئيسيةبحث

الحرب العالمية الأولى ( World War I )



جنود يتوجهون إلى ساحات القتال، مرحبين باندلاع الحرب العالمية الأولى في البداية ـ الجنود الألمان (إلى اليمين) يُقابلون بالزهور وهم في طريقهم إلى فرنسا. وجنود سلاح الفرسان الفرنسيون (إلى اليسار) وهم في طريقهم إلى الحرب تحدوهم الثقة في إخراج الألمان من بلادهم، وكل جانب يأمل في تحقيق نصر سريع.
الحرب العالمـية الأولى (1914 - 1918م). شملت الحرب العالمية الأولى أكثر الأقطار، وسببت أعظم الخسائر التي لم تسببها حرب أخرى فيما عدا الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م). لقد أشعلت طلقات حادثة الاغتيال التي وقعت في النمسا ـ المجر تلك الحرب، وجرت سلسلة من التحالفات بين القوى الأوروبية الرئيسة لخوض القتال، كان كل جانب يتوقع نصراً سريعاً، لكن الحرب استمرت أربع سنوات وأزهقت أرواح مايقرب من عشرة ملايين من القوات المتحاربة.

أدت تطورات عدة إلى إراقة دماء كثيرة في هذه الحرب. وأدى التجنيد الإجباري إلى أن تكون الجيوش أكبر مما كانت عليه من قبل، وكان التعصب الوطني سببا دفع كثيرا من الرجال إلى الموت، كما أدت الدعاية دورها في تأييد الحرب وإظهار كل طرف ـ في عيون الآخر ـ بمظهر الشرير.

في 28 يونيو 1914م، اغتيل، الأرشيدوق فرانسيس فرديناند ولي عهد النمسا ـ المجر في سراييفو وكان للقاتل جافريلو برنسيب ارتباط مع تنظيم إرهابي في الصرب، فاعتقدت النمسا ـ المجر أن حكومة الصرب وراء هذا الاغتيال، وانتهزت الفرصة لتعلن الحرب على الصرب وتأخذ بثأر قديم.

الدمار والموت بدلاً من النصر السريع كانا في انتظار الشعوب المتحاربة في النزاع القاسي طويل الأمد. فبعد المعارك الضارية في بلجيكا تحولت مدينة يببريس إلى خرائب (إلى اليمين). وكان كثير من الرجال، مثل الجنود الفرنسيين (إلى اليسار) على موعد مع الموت في خنادق الجبهة الغربية.
أشعل اغتيال فرانسيس فرديناند الحرب العالمية الأولى، لكن بعض المؤرخين يعتقدون أن الحرب كانت لها أسباب أعمق، وهي أنها نتجت أساسًا من نمو الاعتزاز الوطني بين الشعوب الأوروبية والزيادة الكبيرة في القوات المسلحة الأوروبية، والسباق من أجل المستعمرات، وتكوين تحالفات عسكرية أوروبية. وعندما بدأت الحرب ساندت كل من فرنسا وبريطانيا وروسيا ـ وهي التي عرفت بدول التحالف ـ الصرب، ضد قوى الوسط المكونة من النمسا ـ المجر وألمانيا، ثم انضمت أمم أخرى لدول التحالف أو لقوى الوسط.

أحرزت ألمانيا انتصارات سريعة على الجبهات الأوروبية الرئيسية، وفي الجبهة الغربية أوقفت فرنسا وبريطانيا التقدم الألماني في سبتمبر 1914م، وحاربت الجيوش المعادية في خنادق امتدت عبر بلجيكا وشمال شرقي فرنسا، ولم يحدث تحول في الجبهة الغربية طوال ثلاث سنوات ونصف السنة رغم الحرب الضارية. وفي الجبهة الشرقية تقاتلت روسيا مع ألمانيا والنمسا ـ المجر. تأرجح القتال ما بين كرٍ وفرّ حتى سنة 1917م عندما اندلعت ثورة في روسيا، وسرعان ما طلبت روسيا عقد هدنة.

بقيت الولايات المتحدة على الحياد أول الأمر، لكن كثيرًا من الأمريكيين تحولوا ضد قوى الوسط بعد أن أغرقت الغواصات الألمانية السفن غير الحربية. وفي سنة 1917م انضمت الولايات المتحدة إلى الحلفاء، وأمدت الحلفاء بقوى بشرية كانوا في حاجة إليها لكسب الحرب، واستسلمت قوى الوسط في خريف 1918م.

كان للحرب العالمية الأولى نتائج لم تستطع الدول المتحاربة أن تتنبأ بها. فقد ساعدت الحرب على إسقاط أباطرة النمسا ـ المجر، وألمانيا وروسيا، وساعدت معاهدات الصلح دولاً جديدة في أن تخرج إلى حيز الوجود من نطاق قوى مهزومة. لقد تركت الحرب أوروبا متهالكة، لاتستطيع أن تعود لوضع قيادي في الشؤون العالمية مثلما كان لها من قبل، وأوجدت تسوية الصلح ظروفًا أدت إلى الحرب العالمية الثانية.

أسباب الحرب

تنحصر الأسباب الرئيسية للحرب العالمية الأولى في: 1- نمو النزعات القومية، 2- بناء قوة حربية، 3- التنافس على المستعمرات، 4- التحالفات العسكرية.


الأمم المتحاربة يبين الجدول التاريخ الذي دخلت فيه كل دولة من دول التحالف ودول الوسط الحرب العالمية الأولى

الحــلــفـــاء
البريـطانية الإمبراطورية 4 أغسطس 1914م الصين 14أغسطس 1914م
البرازيل 26
أكتوبر 1917م
كوبــا 7 أبريل 1917م
البرتغال 9 مارس 1916م كوستاريكا 23 مايو 1918م
بلجيكا 4 أغسطس
1914م
نيكاراجوا 8 مايو 1918م
بنما 7 أبريل 1917م هاييتي 12 يوليو 1918م
الجبل الأسود 5 أغسطس 1914مالولايات المتحدة 6 أبريل 1917م
جواتيمالا 23 أبريل 1918م اليونان 2 يوليو 1917م
روسيا 1 أغسطس
1914م
دول الوسط
رومانيا 27 أغسطس 1916م ألمانيا 1 أغسطس 1914م
سان مارينو 3 يونيو 1915 الدولة العثمانية 31 أكتوبر 1914م
سيام 22 يوليو 1917م بلغاريا 14 أكتو بر 1915م
صربيا 28 يوليو 1914م النمسا ـ المجر 28 يوليو 1914م

نمو القومية:

تجنبَّت أوروبا حرباً كبرى في المائة عام السابقة على الحرب العالمية الأولى. ورغم أن حروبًا صغيرة اشتعلت، فإنها لم تضم دولا أخرى، لكن فكرة اكتسحت القارة في القرن التاسع عشر ساعدت على بدء الحرب الكبرى، تلك الفكرة كانت القومية وهي الاعتقاد أن الولاء لأمة بعينها ولأهدافها السياسية والاقتصادية يسبق أي ولاء آخر. وزاد هذا النزوع المبالغ فيه من الوطنية من احتمالات الحرب، لأن أهداف أمة ما لابد أن تتعارض مع أهداف أمة أو مجموعة أمم أخرى، بالإضافة إلى ذلك فإن الاعتزاز القومي كان من شأنه أن يجعل الأمم تضخم الخلافات البسيطة وتحولها قضايا كبرى، وأصبح من الممكن أن تؤدي شكوى صغيرة إلى تهديد بالحرب. لقد قويت القومية خلال سنوات القرن التاسع عشر بين أفراد الشعب الذين يشتركون في لغة واحدة، وتاريخ أو ثقافة. وقد أدى استعار المشاعر القومية إلى قيام دولتين جديدتين تأسّستا على أساس من مبادئ القومية هما: ألمانيا وإيطاليا اللتان كانتا نتاجًا لتوحد دول عديدة صغيرة، وكان للحرب دور كبير في تحقيق التوحيد القومي في إيطاليا وألمانيا.

ولقيت السياسات القومية تأييدًا عاطفيا عندما منحت دول كثيرة في غرب أوروبا حق التصويت لأناس أكثر، وأعطى حق التصويت المواطنين اهتماما أكبر وإعجابا أعظم بالأهداف القومية.

ومن ناحية أخرى، أضعفت القومية الإمبراطوريات الشرقية في النمسا ـ المجر، روسيا والدولة العثمانية. كانت هذه الإمبراطوريات تحكم مجموعات كثيرة تناضل من أجل الاستقلال، وكانت الصراعات بين المجموعات القومية متفجرة في دول شبه جزيرة البلقان في الجنوب الشرقي من أوروبا، وعُرفت شبه الجزيرة بأنها برميل البارود في أوروبا، لأن شعوبا كثيرة من البلقانيين كانوا جزءًا من الدولة العثمانية. حصلت اليونان والجبل الأسود والصرب ورومانيا وبلغاريا وألبانيا على الاستقلال في الفترة من 1821 إلى 1913م، لذلك فقد نشبت التوترات عندما احتكت كل دولة مع جيرانها بشأن الحدود، وانتهزت النمسا ـ المجر وروسيا ضعف الدولة العثمانية لتزيدا من نفوذهما في البلقان.

وجاء التنافس من أجل السيطرة على البلقان ليزيد من التوترات التي أدت إلى تفجر الحرب العالمية الأولى، وقادت صربيا حركة لتوحيد العنصر السلافي في المنطقة. أما روسيا وهي أقوى الدول السلافية فقد أيدت صربيا، لكن النمسا ـ المجر كانت تخشى القومية السلافية التي أدت إلى قلق في إمبراطوريتها، حيث كان هناك ملايين من السلاف يعيشون تحت حكم النمسا ـ المجر. وفي سنة 1908م أغضبت النمسا ـ المجر صربيا بإلحاق البوسنة والهرسك إلى إمبروطوريتها، وكانت صربيا تريد السيطرة على هذه الأراضي لأن كثيراً من الصرب يعيشون هناك.


التواريخ المهمة أثناء الحرب العالمية الأولى

1914م
28 يونيو اغتيال الأرشيدوق فرديناند.
28 يوليو أعلنت النمسا ـ المجر الحرب على الصرب وتتابعت عدة إعلانات أخرى حربية في الأسبوع التالي.
4 أغسطس غزت ألمانيا بلجيكا وبدأت القتال.
10 أغسطس غزت النمسا ـ المجر روسيا مبتدئة القتال في الجبهة الشرقية.
6-9 سبتمبر أوقف الحلفاء الألمان في فرنسا في معركة المارن.
1915م
18 فبرايربدأ الألمان حصار بريطانيا.
25 أبريلأنزلت قوات الحلفاء في شبه جزيرة جاليبولي.
7 مايوأغرقت غواصة ألمانية سفينة النقل البريطانية لوزيتانيا.
23 مايو أعلنت إيطاليا الحرب على النمسا ـ المجر وبدأ تطور في الجبهة الإيطالية.
1916م
21 فبراير بدأ الألمان معركة فردان.
31 مايو-1 يونيو حارب الأسطول البريطاني الأسطول الألماني في معركة جتلاند.
1 يوليو بدأ الحلفاء معركة سوم.
1917م
1 فبراير استأنفت ألمانيا حرب الغواصات غير المحدودة.
6 أبريل أعلنت الولايات المتحدة الحرب على ألمانيا.
24 يونيوبدأت القوات الأمريكية الإنزال في فرنسا.
15 ديسمبر وقعت روسيا هدنة مع ألمانيا لإنهاء الحرب في الجبهة الشرقية.
1918م
8 يناير أعلن الرئيس الأمريكي ولسون نقاطه الأربع عشرة أساساً للسلام.
3 مارس وقعت روسيا معاهدة برست ـ ليتوفسك
21 مارس شنت ألمانيا أول معركة من المعارك الثلاثة النهائية في الجبهة الغربية.
26 سبتمبر بدأ الحلفاء هجومهم النهائي في الجبهة الغربية.
11 نوفمبر وقعت ألمانيا هدنة نهاية الحرب العالمية الأولى.

بناء القوة الحربية:

قبل أن تنفجر الحرب العالمية الأولى، وفي أواخر القرن الثامن عشر، كان لدى ألمانيا أحسن جيش مدرب في العالم، اعتمدت فيه على تجنيد عسكري لكل القادرين من الشباب لتزيد من حجم جيشها وقت السلم. وسلكت أقطار أخرى نفس المسلك الذي سلكته ألمانيا وزادت من جيوشها المتحفزة، وظلت بريطانيا في أول الأمر غير مهتمة بشأن بناء ألمانيا لقوتها، حيث كانت دولة في جزيرة تعتمد على أسطولها للدفاع، وكان أقوى أسطول في العالم.

أدى التقدم التقني في الأدوات والمعدات وأساليب التصنيع إلى زيادة القوة التدميرية للقوات الحربية، وأصبحتالمدافع والأسلحة الحديثة الأخرى أكثر دقة وأسرع من الأسلحة السابقة، وأصبحت البواخر والسكك الحديدية قادرة على الإسراع في حركة القوات والإمدادات. وفي نهاية القرن التاسع عشر ساعدت التقنية الأقطار على أن تشن حروباً أطول وتتحمل خسائر أفدح من ذي قبل. ورغم ذلك فإن الخبراء العسكريين أصروا على أن الحروب القادمة سوف تكون أقصر.

أسلحة الحرب العالمية الاولى

الطائرة. استخدمت الطائرة في القتال لأول مرة في الحرب العالمية الأولى. وكانت طائرة إيركو دي إتش4 المبينة في الصورة تعد من قاذفات القنابل البريطانية المعتبرة. وكانت تحمل طيارًا واحدًا ومدفعًيا . الدبابة اختراع بريطاني خلال الحرب العالمية الأولى. وقد صممت لكي تشق طريقها من خلال الأسلاك الشائكة وتعبر الخنادق. ويشاهد فريق الدبابة وهم يُصوِّبون المدفع إلى العدو وهذه الدبابة من طراز إم كي4.
الغواصة. أثبتت كفاءتها كسفينة حربية أثناء الحرب العالمية الأولى. وقد تحدت الغواصات الألمانية يوبي2 كالتي نشاهدها في الصورة القوة البحرية البريطانية حيث كانت تطلق قذائف الطوربيد على السفن فتتفجر عند ملامستها لها. المدفع الرشاش جعل الحرب العالمية الأولى أكثر ضراوة من الحروب التي سبقتها. حيث تسببت طلقاته السريعة في حصد جنود المشاة المهاجمين. وقد استخدم الجيش الفرنسي مدفع هوتشكس عيار 8 ملم المبين في الرسم.

التنافس على المستعمرات:

في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين حولت الأمم الأوروبية كل إفريقيا تقريبًا ومعظم آسيا إلى مستعمرات، كما ألهبت زيادة التصنيع التسابق نحو المستعمرات التي أمدت الأمم الأوروبية بالمواد الخام للمصانع وبالأسواق لبضائعها المصنعة وبفرص الاستثمار، لكن التسابق نحو المستعمرات أحدث توترًا بين الأقطار الأوروبية.

نظام التحالفات العسكرية:

أعطت التحالفات القوى الأوروبية إحساسا بالأمن قبل الحرب العالمية الأولى، وكان كل قطر يسعى إلى عدم تشجيع أعدائه بالهجوم عليه بالدخول في اتفاقيات عسكرية مع بلد أو بلدان أخرى، فمثل هذه الاتفاقية تضمن مساعدة أعضاء التحالف لهذا القطر، لكن هذا النظام خلق أخطارًا معينة. إذ إن اندلاع الحرب يضطر أعضاء التحالف الأخرى إلى الدخول في الحرب، وهذا يعني أن عددا من الأمم سوف تشترك في القتال الذي لن يقتصر على الطرفين المتنازعين. وكان التحالف يعني أن يضطر بلد ما إلى أن يعلن الحرب ضد بلد آخر أو الدخول في شأن لايهمه. بالإضافة إلى ذلك فإن بنود كثير من التحالفات ظلت سرا، وكانت السرية من شأنها أن تزيد من فرص إساءة حكم البلد على نتائج أعماله.

جبهات الحرب العالمية الأولى انتشر القتال في الحرب العالمية الأولى من أوروبا الغربية إلى الشرق الأوسط. ولقد دارت المعارك الرئيسية على طول الجبهة الغربية التي امتدت عبر بلجيكا وفرنسا، وعلى طول الجبهة الشرقية التي تأرجحت عبر روسيا والنمسا ـ المجر.

التحالف الثلاثي:

كانت ألمانيا في قلب السياسة الأوروبية الأجنبية منذ سنة 1870م وحتى نشوب الحرب العالمية الأولى، حيث كون المستشار أوتو فون بسمارك رئيس وزراء ألمانيا سلسلة من التحالفات لتقوية أمن بلده، فبدأ بتحالف مع النسما ـ المجر. وفي سنة 1879م اتفقت ألمانيا والنمسا ـ المجر أن تشتركا في الحرب إذا ما هوجم أي بلد منهما من جانب روسيا، ثم انضمت إيطاليا إلى التحالف سنة 1882م، وأصبح هذا التحالف يعرف بالتحالف الثلاثي. اتفق أعضاء التحالف الثلاثي أن يساعد كل منهم الآخر في حال وقوع أي عدوان من بلدين أو أكثر.

ثم جعل بسمارك النمسا ـ المجر وألمانيا تدخلان في تحالف مع روسيا، وكان هذا التحالف الذي عرف بعصبة الأباطرة الثلاثة قد تكون سنة 1881م. اتفقت القوى الثلاث على أن تظل على الحياد إذا اشتركت واحدة منها في حرب مع قطر آخر. وحث بسمارك النمسا ـ المجر وروسيا المتنافستين حول النفوذ في البلقان بأن تعترف كل منهما بنفوذ الأخرى في المنطقة، ومن ثم قلل من شأن خطر الاحتكاك بين البلدين.

وساءت علاقات ألمانيا مع البلدان الأوروبية الأخرى بعد ترك بسمارك السلطة سنة 1890م. لقد عمل بسمارك على أن يَحُول بين فرنسا جارة ألمانيا في الغرب، وبين أن تتحالف مع دولة أخرى من جيران ألمانيا في الشرق أي مع روسيا والنمسا. وفي سنة 1894م اتفقت روسيا وفرنسا على تعبئة قواتهما إذا ما عبأت أمة أخرى من دول التحالف الثلاثي قواتها، كما اتفقت فرنسا وروسيا على أن تساعد كل منهما الأخرى إذا ما هوجمت إحداهما من جانب ألمانيا.

الوفاق الثلاثي:

اتبعت بريطانيا سياسة خارجية خلال القرن التاسع عشر عرفت بالعزلة المجيدة. لكن بناء ألمانيا لقواتها البحرية جعل بريطانيا تشعر بالحاجة إلى حلفاء، وأنهت بذلك عزلتها. وفي سنة 1904م سوت كل من فرنسا وبريطانيا خلافاتهما الماضية حول المستعمرات ووقَّعتا الاتفاق الودي. وعلى الرغم من أن الاتفاق لم يتضمن أية التزامات بمساعدة حربية، إلا أنَّ البلدين بدءا مناقشة خططهما الحربية المشتركة. وفي سنة 1907م انضمت روسيا إلى الحلف الودي وأصبح يعرف بالوفاق الثلاثي، ولم يرغم الوفاق الثلاثي أعضاءه أن يشتركوا في الحرب مثلما تضمن التحالف الثلاثي، لكن التحالفات قسمت أوروبا إلى معسكرات متنازعة.

بداية الحرب

أرشيدوق النمسا ـ المجر فرانسيس فرديناند (في أقصى اليمين) الذي اغتيل في 28 يونيو 1914م بعد التقاط هذه الصورة بفترة قصيرة. وكان اغتياله أحد أسباب إشعال فتيل الحرب العالمية الأولى.

اغتيال الأرشيدوق:

ظن الأرشيدوق فرانسيس فرديناند وريث عرش النمسا ـ المجر أن تعاطفه مع الصقالبة (السلافيين) سوف يقلل الاحتكاكات بين النمسا ـ المجر ودول البلقان. ولذلك قرر أن يطوف في البوسنة مع زوجته صوفي. وبينما الركب يطوف في سراييفو في 28 يونيو 1914م، قفز مسلح على سيارتهما وأطلق رصاصتين ؛ على إثرهما مات فرديناند وزوجته في الحال، وكان القاتل جافريلو برنسيب ينتمي إلى عصابة صربية إرهابية تسمى اليد السوداء.

أعطى اغتيال فرانسيس فرديناند النمسا ـ المجر عذرًا لسحق صربيا عدوتها القديمة في البلقان. وحصلت النمسا على وعد من ألمانيا بمساعدتها في أي عمل تتخذه ضد صربيا، ثم أرسلت قائمة بطلبات مهمة لصربيا في 23 يوليو وقبلت صربيا معظم المطالب واقترحت أن تسوى المطالب الأخرى في مؤتمر دولي. ورغم ذلك رفضت النمسا ـ المجر العرض وأعلنت الحرب على صربيا في 28 يوليو وتوقعت نصراً سريعاً.

كيف انتشر الصراع:

اندفعت القوى الأوروبية إلى الحرب العالمية الأولى خلال أسابيع من قتل الأرشيدوق، وبذلت محاولات قليلة لمنع الحرب. فقد اقترحت بريطانيا مثلا مؤتمرا دوليا لإنهاء الأزمة، لكن ألمانيا رفضت الفكرة مدَّعية أن النزاع يخص النمسا ـ المجر وصربيا. ورغم ذلك فإن ألمانيا حاولت إيقاف الحرب ومنع انتشارها، فحث القيصر الألماني ولهلم الثاني قريبه القيصر نقولا الثاني قيصر روسيا على عدم تعبئة قواته.

وكانت روسيا من قبل قد تقاعست عن مساندة حليفتها صربيا. ففي سنة 1908م كانت النمسا قد أغضبت صربيا بضمها البوسنة والهرسك ووقفت روسيا محايدة. وفي سنة 1914م تعهدت روسيا أن تقف خلف صربيا، وحصلت روسيا على وعد بدعم من فرنسا، ووافق القيصر الروسي على خطط لتعبئة قواته على طول حدود روسيا مع النمسا ـ المجر، لكن القادة العسكريين الروس حثوا القيصر على أن يحشد قواته على طول الحدود مع ألمانيا أيضا، وفي 30 يوليو عام 1914م أعلنت روسيا أنها ستعبئ قواتها كاملة.

أعلنت ألمانيا الحرب على روسيا أول أغسطس 1914م رداً على التعبئة الروسية، وبعد يومين أعلنت ألمانيا الحرب على فرنسا، واكتسح الجيش الألماني بلجيكا في طريقه إلى فرنسا، وكان غزو بلجيكا المحايدة سببا في إعلان بريطانيا الحرب على ألمانيا في 4 أغسطس، ومنذ ذلك الحين وحتى نوفمبر 1918م حين انتهت الحرب، لم تبق سوى مناطق قليلة من العالم محايدة.

الجبهة الغربية بدأ القتال في أغسطس 1914م عندما غزت ألمانيا بلجيكا وفرنسا، ثم حوصر الجانبان في حرب الخنادق على طول الجبهة الغربية حتى نهاية العام، وظلت الجبهة الغربية مجمدة لما يقرب من ثلاثة أعوام ونصف العام.

الجبهة الغربية:

أعد ألفرد فون شليفن خطة ألمانيا الحربية سنة 1905م، وكان شليفن رئيسا لهيئة أركان حرب الجيش الألماني، وهي المجموعة التي تعطي المشورة بشأن العمليات الحربية. كانت خطة شليفن تقضي أن تحارب ألمانيا كلا من فرنسا وروسيا، بهدف إلحاق هزيمة سريعة بفرنسا، بينما تكون روسيا في تعبئة بطيئة لقواتها، ثم تبدأ ألمانيا الضربة الأولى إذا ما بدأت الحرب. وإذا ما وضعت الخطة موضع التنفيذ، فإن نظام التحالفات العسكرية سوف يؤدي بالتأكيد إلى حرب أوروبية عامة.

كانت خطة فون شليفن ترى أن يكون لألمانيا جناحان يحاصران الجيش الفرنسي في شكل كَمَّاشة ؛ فالجناح الأيسر الصغير سوف يدافع عن ألمانيا عبر حدودها مع فرنسا، أما الجناح الأيمن الأكبر فيغزو فرنسا عبر بلجيكا ثم يحاصر عاصمة فرنسا باريس، ثم يتحرك شرقاً. ومع تحرك الجناح الأيمن سوف تقع القوات الفرنسية في مصيدة الكمَّاشات. وكان نجاح هجوم ألمانيا يعتمد على جناح أيمن قوي، ورغم ذلك كان هلمون فون مولتكه، الذي أصبح رئيسا للأركان في سنة 1906م وأدار استراتيجية ألمانيا عند بدء الحرب العالمية الأولى، قد غير من خطة فون شليفن بتخفيض عدد قواته في الجناح الأيمن.

حارب الجيش البلجيكي بشجاعة، وقاوم الألمان لفترة قصيرة، وفي 16 أغسطس 1914م استطاع الجناح الأيمن أن يبدأ حركة كماشة وأرغم القوات الفرنسية وقوة صغيرة بريطانية على أن تتقهقر إلى جنوب بلجيكا، واكتسح فرنسا، لكن بدلا من أن يتجه غربا حول باريس طبقا للخطة فإن جزءًا من الجناح الأيمن اندفع لمطاردة القوات الفرنسية المنسحبة شرقا على نهر المارن، وكانت هذه المناورة من شأنها أن تترك الألمان معرضين لهجوم من الخلف.

وفي هذه الأثناء، فإن الجنرال جوزيف جوفر القائد العام لكل الجيوش الفرنسية ثبت قواته قرب نهر المارن شرقي باريس، واستعد للمعركة، وبدأ قتالاً شرسًا عرف بمعركة المارن الأولى في 6 سبتمبر، وفي 9 سبتمبر بدأت القوات الألمانية تنسحب.

كانت معركة المارن الأولى مفتاح النصر للحلفاء، لأنها أنهت آمال ألمانيا في هزيمة فرنسا سريعا، واستبدل بمولتكه إريخ فون فالكنهاين رئيسًا للأركان.

وتوقف انسحاب الجيش الألماني قرب نهر آين، حيث خاض الألمان والحلفاء سلسلة من المعارك التي أصبحت تعرف بالسباق نحو البحر. وسعت ألمانيا إلى السيطرة على موانئ على القنال الإنجليزي لتقطع خطوط المدد الحيوي بين فرنسا وبريطانيا، لكن الحلفاء أوقفوا تقدم الألمان نحو البحر في معركة إيبر الأولى في بلجيكا، واستمرت المعركة من منتصف أكتوبر حتى منتصف نوفمبر.

وفي أواخر نوفمبر 1914م وصلت الحرب إلى طريق مسدود على طول الجبهة الغربية لأن أحدا من الجانبين لم يمتلك أرضا أكثر، وامتدت جبهة القتال أكثر من 720كم عبر بلجيكا وشمال شرقي فرنسا إلى حدود سويسرا، واستمر التوقف في الجبهة الغربية نحو ثلاث سنوات ونصف.

الجبهة الشرقية:

مضت تعبئة روسيا أسرع مما كانت تتوقع ألمانيا، وفي أواخر أغسطس 1914م اندفع جيشان روسيان بعمق في الأراضي الألمانية في شرقي بروسيا، وعرف الألمان أن الجيشين أصبحا منفصلين فأعدوا خطة حربية، تمكنوا بها من محاصرة جيش روسي في معركة تاننبرج في 31 أغسطس ثم طاردوا الجيش الروسي الثاني في شرق بروسيا في معركة البحيرات الماسورية، وكانت خسائر الروس نحو 25 ألفا، مابين قتيل وجريح ومفقود في المعركتين، وجعلت المعركتان من بول فون هندنبرج وإريخ لودندورف أبطالاً.

أما النمسا ـ المجر فكان نجاحها أقل من نجاح حليفتها ألمانيا في الجبهة الشرقية. ففي نهاية عام 1914م هاجمت القوات النمساوية ـ المجرية صربيا ثلاث مرات، وألحقت بها الهزيمة في كل مرة، وفي هذه الأثناء حاصرت روسيا معظم إقليم جاليسيا في النمسا ـ المجر (وهو الآن جزء من بولندا والاتحاد السوفييتي السابق). وفي أوائل أكتوبر انسحب الجيش النمساوي ـ المجري المهزوم إلى أراضيه.

القتال في الأماكن الأخرى:

أعلن الحلفاء الحرب على الدولة العثمانية في نوفمبر 1914م بعد أن ضربت السفن التركية الموانئ الروسية على البحر الأسود، ثم غزت القوات التركية روسيا واندلع القتال بعد ذلك في الأراضي التابعة للدولة العثمانية في شبه الجزيرة العربية وأراضي الرافدين (العراق حاليا) وفلسطين وسوريا.

واستمرت بريطانيا مسيطرة على البحار بعد نصرين بحريين على ألمانيا في سنة 1914م، وجعل الإنجليز منذ ذلك الحين أسطول الألمان محصورا في مياههم معظم الحرب، ومن ثم اعتمدت ألمانيا على حرب الغواصات.

وسرعان ما امتدت الحرب العالمية الأولى إلى المستعمرات الألمانية فيما وراء البحار، وأعلنت اليابان الحرب على ألمانيا في آخر أغسطس 1914م وطردت الألمان من عدة جزر في المحيط الهادئ، أما قوات أستراليا ونيوزيلندا فقد سيطرت على المستعمرات الألمانية في المحيط الهادئ، وفي منتصف سنة 1915م سقطت معظم أملاك الإمبراطورية الألمانية في إفريقيا في يد القوات البريطانية. ورغم ذلك استمر القتال في الأملاك الألمانية في إفريقيا الشرقية (تنزانيا حاليا) لمدة عامين أو أكثر.

الجمود في الجبهة الغربية

في سنة 1915م حفر الجانبان المتصارعان سلسلة من الخنادق تعرجت على طول الجبهة الغربية، ومن الخنادق دافعا عن مواقعهما وابتدآ هجماتهما. وظلت الجبهة الغربية جامدة في حرب الخنادق حتى سنة 1918م.

شبكة الخنادق على امتداد الجبهة الغربية. والأرض المحايدة تفصل الجهتين المعاديتين. وتقوم خنادق إطلاق النيران والخنادق الساترة بحماية جنود القسم الأمامي من نيران العدو. وخنادق الاتصال تربط بين الأجزاء الأمامية وبين القوات المساندة والاحتياط الموجودة في الخطوط الخلفية.

حرب الخنادق:

طور كل من الحلفاء وقوات الوسط أسلحة جديدة أرادوا بها أن يكسروا الجمود، وفي أبريل 1915م نشر الألمان الغاز السام على خطوط الحلفاء في معركة إيبر الثانية، وسبب ذلك دخانا وغثيانا واختناقا، ولكن القادة الألمان كانت لديهم ثقة قليلة في الغاز، وفشلوا في انتهاز هذه الفرصة لشن هجوم أكبر. كذلك استخدم الحلفاء الغاز السام بعد ذلك بقليل، وأصبحت كمامات الغاز أداة حربية في الخنادق، كذلك كان قاذف اللهب سلاحا جديدا يقذف نفثة من اللهب المحترق.

الجنود يشاهدون لابسين كمامات الغاز في الجبهة الغربية للحماية من الغازات السامة. وكانت ألمانيا أول دولة تستخدم الغازات السامة في أبريل سنة 1915م خلال معركة إيبرو الثانية في الحرب العالمية الأولى.

معركة فردان:

لما كان فالكنهاين رئيس أركان حرب الجيش الألماني قد قرر في أبريل 1916م أن يركز على قتل جنود العدو فإنه كان يأمل أن الحلفاء سوف يحتاجون قوات لاستمرار الحرب، واختار فالكنهاين مدينة فردان الفرنسية، لكنه لم يكن يعتقد أن الفرنسيين سوف يدافعون عن فردان لآخر رجل. وبدأت الرماية في 21 فبراير، وشعر جوفر قائد الجيوش الفرنسية أن خسارة فردان سوف تضعف روح الفرنسيين المعنوية بقوة. وخلال الربيع والصيف صد الفرنسيون المهاجمين، وكما تنبأ فالكنهاين دفعت فرنسا بقوات إلى المعركة، ولم يتوقع فالكنهاين أن تكلف المعركة الألمان أرواحا كثيرة مثلما كلفت الفرنسيين، فأوقف الهجوم غير الناجح في 2 يوليو 1916م. وفي الشهر التالي حل هندنبرج ولودندورف بطلا الجبهة الشرقية محل فالكنهاين في الجبهة الغربية، وأصبح هندنبرج رئيس الأركان ولودندورف مساعده يخططان للاستراتيجية الألمانية.

أما الجنرال هنري بيتان فقد نظم الدفاع عن فردان. وعدته فرنسا بطلا، وأصبحت معركة فردان رمزا للتخريب المدمر في الحرب الحديثة، حيث ارتفعت خسائر الفرنسيين إلى نحو 315 ألف رجل وخسائر الألمان نحو 280 ألفا، وأما المدينة فقد دُمّرت تمامًا.

صرخة الانقضاض رمز لبداية الهجوم، حيث يندفع الجنود من خنادقهم ليبدأوا التقدم نحو خنادق العدو. وهؤلاء جنود كنديون وراء ضابط لهم على القمة أثناء معركة سوم في فرنسا في شهر يوليشو 1916م.

معركة السوم:

أعد الحلفاء دفاعا قويًا سنة 1916م عند نهر السوم في فرنسا، لقد استنزفت معركة فردان فرنسا، وهكذا أصبح هجوم السوم مسؤولية البريطانيين الرئيسية تحت قيادة الجنرال إيرل هيج. بدأ هجوم الحلفاء في أول يوليو 1916م، وخلال ساعات خسرت بريطانيا حوالي 60 ألفا، وهي أسوأ خسارة لها في يوم واحد من القتال. ومضى القتال الشرس في الخريف، وفي سبتمبر أنتجت بريطانيا أول دبابة، لكن الدبابات لم يكن يُعوَّل عليها لأنها قليلة العدد بحيث لم تؤثر في مجرى المعركة، وأخيرا أوقف هيج هجومه الذي لاقيمة له في نوفمبر. وحصل الحلفاء على نحو أحد عشر كيلومترًا، وبتكلفة كبيرة بلغت أكثر من مليون من الإصابات ؛ منها أكثر من 600,000بين صفوف الألمان 400 ألف بين صفوف البريطانيين وحوالي 200,000بين صفوف الفرنسيين، ورغم الخسارة الكبرى في فردان والسوم، فإن الجبهة الغربية ظلت متماسكة حتى نهاية عام 1916م.

القتال في الجبهات الأخرى

خلال عامي 1915م و 1916م امتدت الحرب العالمية الأولى إلى إيطاليا عبر البلقان، وازداد نشاطها على الجبهات الأخرى. واعتقد بعض القادة العسكريين أن خلق جبهات جديدة قد يكسر الجمود على الجبهة الغربية، ولكن انتشار الحرب كان له تأثير قليل على هذا الجمود.

الجبهة الإيطالية دخلت إيطاليا الحرب ضد النمسا ـ المجر في شهر مايو 1915م. ورغم الكثير من المعارك المريرة فإن تقدم الإيطاليين كان ضئيلاً ولكنهم أنهكوا جيوش النمسا ـ المجر.

الجبهة الإيطالية:

ظلت إيطاليا خارج الحرب العالمية الأولى طوال عام 1914م رغم أنها كانت عضوا في التحالف الثلاثي مع النمسا ـ المجر وألمانيا، وادعت إيطاليا بأنها ليست ملتزمة بالانضمام للحرب لأن النمسا ـ المجر لم تدخل في حرب دفاعية. وفي مايو 1915م دخلت إيطاليا الحرب إلى جانب الحلفاء، وفي معاهدة سرية وعد الحلفاء بأن يعطوا إيطاليا بعض أراضي النمسا ـ المجر بعد الحرب، ووعدت إيطاليا أن تهاجم النمسا ـ المجر. كان الإيطاليون، ويقودهم الجنرال لويجي كادورنا، قد اندفعوا بعمق لمدة عامين في سلسلة من المعارك على طول نهر إيسونزو في النمسا ـ المجر، وتكبّدت إيطاليا خسائر عديدة، لكنها أخذت أراضي قليلة. كان الحلفاء يأملون أن تساعد الجبهة الإيطالية روسيا بأن تدفع النمسا ـ المجر إلى سحب بعض قواتها بعيدًا عن الجبهة الشرقية، وإن كان هذا السحب قد حدث فإنه لم يساعد روسيا.

الدردنيل:

عندما بدأت الحرب العالمية الأولى، أعلنت الإمبراطورية العثمانية إغلاق الطريق المائي بين بحر إيجة والبحر الأسود، وبذلك سدت طريق البحر إلى جنوب روسيا. وفي فبراير ومارس 1915م، هاجمت السفن الحربية الروسية والفرنسية والإنجليزية مضيق الدردنيل، وكان الحلفاء يأملون في إيجاد طريق مدد إلى روسيا، ورغم ذلك فإن الألغام أوقفت الهجوم.

من أعلى قمة صخرية تستعد القوات الإيطالية لبدء معركة على حدود النمسا ـ المجر وكان عليهم أولاً أن يرفعوا المدفعية إلى أعلى وقد أعاقت جبال الألب الوعرة تقدم الإيطاليين إلى داخل النمسا ـ المجر.
وفي أبريل 1915م أنزل الحلفاء قوات في شبه جزيرة جاليبولي على الشاطئ الغربي للدردنيل، وأدت قوات من أستراليا ونيوزيلندا دورا رئيسيا في هذا الإنزال، وسرعان ما أصبحت القوات العثمانية والحليفة متورطة في حرب خنادق، وفشل هجوم ثانٍ في أغسطس عند خليج سوفلا في الشمال في إنهاء الجمود. وفي ديسمبر بدأ الحلفاء في إجلاء قواتهم، بعد أن خسروا 250 ألفا من ضحاياهم في الدردنيل.

أوروبا الشرقية:

اخترقت جيوش ألمانيا والنمسا ـ المجر في مايو 1915م، الخطوط الروسية في جاليسيا في النمسا ـ المجر، وهي المقاطعة التي غزتها روسيا سنة 1914م، وانسحب الروس نحو 480 كم قبل أن يكوِّنوا خط دفاع جديدًا. وعلى الرغم من هذا التقهقر فإن القيصر نيقولا الثاني شن هجومين لتخفيف الضغط على الحلفاء في الجبهة الغربية، وفشل الهجوم الروسي الأول في مارس 1916م في أن يدفع بالقوات الألمانية بعيدا عن فردان.

أيقونة تكبير الجبهة الشرقية
بدأ الهجوم الروسي الثاني في يونيو 1916م تحت قيادة الجنرال ألكسي بروسيلوف، وأجبر جيش بروسيلوف قوات النمسا ـ المجر على التقهقر 80كم. وخلال أسبوع أسر الروس 200 ألف جندي، ولإيقاف الهجوم كان على النمسا ـ المجر أن تسحب قواتها من الجبهة الإيطالية إلى الجبهة الشرقية، وهكذا أخرج الهجوم الروسي النمسا ـ المجر من الحرب، ولكنه أرهق روسيا، وأصيب كل جانب بنحو مليون إصابة.

دخلت بلغاريا الحرب العالمية الأولى في أكتوبر 1915م لمساعدة النمسا ـ المجر كي تهزم صربيا. وكانت بلغاريا تأمل أن تستعيد أرضا فقدتها في الحرب البلقانية الثانية. وفي محاولة لمساعدة صربيا أنزل الحلفاء قوات في سالونيك في اليونان، لكن القوات لم تصل أبدا إلى صربيا، وانسحب الجيش الصربي إلى ألبانيا. وانضمت رومانيا إلى الحلفاء في أغسطس 1916م، وكانت تأمل في أن تحصل على بعض الأراضي من النمسا ـ المجر إذا كسب الحلفاء الحرب، وفي نهاية 1916م خسرت رومانيا معظم جيشها وسيطرت ألمانيا على حقول القمح الغنية وحقول النفط.

حاولت ألمانيا أن تجعل بريطانيا تعاني من الجوع وتستسلم بإغراق سفن الشحن المتوجهة إلى موانئها. وهذه السفينة التي نراها في الصورة قد أطلق على مقدمتها طوربيد من غواصة ألمانية.

الحرب في البحر:

سببت سيطرة بريطانيا على البحار أثناء الحرب العالمية الأولى مشاكل جسيمة لألمانيا. فقد سد الأسطول البريطاني مياه ألمانيا، ومنع المدد من الوصول إلى الموانئ الألمانية. وبحلول سنة 1916م عانت ألمانيا من نقص الطعام والبضائع الأخرى. وحاربت ألمانيا القوة البحرية البريطانية بغواصاتها المسماة قوارب اليو (u). وفي فبراير 1915م أعلنت ألمانيا حصارًا بالغواصات على الجزر البريطانية، محذرة بأنها ستهاجم أية سفينة تحاول أن تخترق هذا الحصار، وبالفعل دمرت قوارب اليو (u) كميات ضخمة من البضائع المتجهة إلى بريطانيا.

وفي 7 مايو 1915م ضرب قارب طوربيد من قوارب اليو (u) وبدون إنذار سفينة الركاب البريطانية لوسيتانيا على ساحل أيرلندا، وقتل نتيجة لذلك 1198 راكباً منهم 128 أمريكيًا. وكان غرق لوسيتانيا دافعاً لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية الرئيس ودرو ولسون ليحث ألمانيا على أن تكف عن حرب الغواصات غير المحدودة. وفي سبتمبر وافقت ألمانيا على عدم مهاجمتها سفنا محايدة أو سفن ركاب.

الطيارون أدَّوا دورًا مهمًا في الحرب العالمية الأولى. وقد حارب هؤلاء الطيارون في القوة الجوية البريطانية طائرات ألمانيا.
وظلت السفن الحربية التي تسابقت بريطانيا وألمانيا لبنائها قبل الحرب العالمية الأولى في مياه وطنها خلال معظم سنوات الحرب، لكن كان لهذه السفن دورها في تثبيط العدو عن الغزو، وكانت المعركة الوحيدة الكبرى التي تقابل فيها الأسطولان هي معركة جتلاند التي دارت بعيدا عن ساحل الدنمارك في 21 مايو. وفي 31 مايو و1يونيو 1916م كان الأدميرال السير جون جليكو يقود الأسطول البريطاني المكون من 150 سفينة حربية، وتقابل مع أسطول ألماني مكون من 99 سفينة حربية تحت قيادة الأدميرال راينهارد شير. وعلى الرغم من تفوق بريطانيا فإن جليكو كان حذراً، فقد كان يخشى أن يخسر كل الحرب في يوم، وأن خسارة بريطانيا لأسطولها سوف تعطي ألمانيا السيطرة على البحار. ادعى كل طرف أنه المنتصر في معركة جتلاند، ورغم أن بريطانيا خسرت سفنا أكثر من ألمانيا، فقد ظلت مسيطرة على البحار.

الحرب الجوية:

حدث تقدم كبير في الطيران من جانب الحلفاء والدول الوسطى خلال الحرب العالمية الأولى. كان كل جانب يسعى لصنع طائرات أحسن من الآخر. وقد استخدمت الطائرات بشكل رئيسي لمراقبة نشاط العدو. وكان الطيارون يحملون مدافع رشاشة لإسقاط الطائرات المعادية ؛ ولكنهم كانوا بهذا يجازفون بقتل أنفسهم بأنفسهم إذا ما حدث أن ارتدت رصاصاتهم إلى نحورهم بفعل مراوح طائراتهم.

واستمر القصف الجوي في مراحله الأولى خلال الحرب العالمية الأولى، وفي سنة 1915م بدأت ألمانيا قذف لندن وبعض المدن البريطانية الأخرى من سفن زبِّلن الهوائية، لكن القذف كان قليل التأثير في الحرب.


المرحلة الأخيرة

جنود روس أنهكتهم الحرب يتراجعون في صيف عام 1917م بعد أن علموا بأن الألمان قد سحقوا جبهتهم الحربية. وقد توقفت روسيا عن المعارك في أواخر تلك السنة.

هزائم الحلفاء:

في مارس 1917م كان القادة العسكريون الفرنسيون والإنجليز ما يزالون يعتقدون أن هجوما ناجحا قد يكسب الحرب، لكن القادة الألمان استغلوا الجمود على الجبهة الفرنسية ليحسنوا دفاعاتهم. وفي مارس 1917م تقهقرت القوات الألمانية إلى خط معركة جديد محصن بقوة في شمال فرنسا سمي بخط سيجفريد لدى الألمان، وبخط هندنبرج لدى الحلفاء. لقد حاصر خط سيجفريد الجبهة الفرنسية ووضع المدفعية الألمانية والمدافع الآلية في وضع أفضل، وأدى إلى فشل هجوم دبره الفرنسيون.

حل الجنرال روبرت نيفيل في ديسمبر 1916م محل جوفر كقائد للقوات الفرنسية، وأعد نيفيل هجوما ضخما قرب نهر آين. وتنبأ بأنه سوف يخترق خط الألمان خلال يومين. وأنعش إحساس نيفيل القوات الفرنسية، ولم يزعزع ثبات الألمان في خط سيجفريد من ثقة نيفيل.

وبدأ هجوم نيفيل في 16 أبريل 1917م، وفي نهاية اليوم كان واضحا أن الهجوم قد فشل، لكن القتال استمر في مايو وانتشر التمرد بين القوات الفرنسية بعد فشل هجوم نيفيل. لقد نزفت القوات دماء كثيرة لاحد لها في الجبهة الفرنسية. ورفض الرجال الذين قاتلوا بشجاعة معظم السنوات الثلاث أن يستمروا في الحرب، وحل بيتان بطل فردان محل نيفيل في مايو 1917م، وحسن بيتان من الظروف المعيشية للجنود وأعاد النظام، ووعد أن تظل فرنسا في وضع دفاعي إلى أن تصبح مستعدة لكي تقاتل مرة أخرى. وظل دور الدفاعات الأخرى على الجبهة الغربية مسؤولية بريطانيا.

كان الجنرال هيج يأمل أن يؤدي الهجوم البريطاني قرب إيبرو إلى النصر، وبدأت المعركة الثالثة عند إيبرو وكانت تعرف بمعركة باشندال في 31 يوليو 1917م. واستمرت القوات البريطانية وقوة فرنسية صغيرة تضرب الألمان في معركة رهيبة لأكثر من ثلاثة أشهر، ولقد عمل قصف الحلفاء بالمدفعية الثقيلة، الذي تقدم هجوم المشاة على تدمير شبكات الصرف الصحي حول إيبرو، وحوَّل المطر الغزير الأرض المبللة إلى مستنقع غرق فيه آلاف من الجنود الإنجليز، ثم أوقف الثلج والبرد المعركة المدمرة نهائيا في 10 نوفمبر. وفي أواخر الشهر نفسه استخدمت بريطانيا الدبابات لاختراق خط سيجفريد، لكن الفشل عند إيبرو أنهك القوات التي كانت بريطانيا تحتاج إليها لمتابعة النجاح.

في سنة 1917م رأت بريطانيا وفرنسا آمالهما في النصر تتحطم، وأجلت النمسا ـ المجر الإيطاليين من أراضيها في معركة كابوريتو في الخريف، وانعدم أمل أكثر الحلفاء بعد قيام ثورة في روسيا.

الثورة الروسية:

عانى الشعب الروسي كثيرًا خلال الحرب العالية الأولى، وخلال سنة 1917م لم يعد كثير منهم قادرًا على تحمل الخسائر العديدة، والنقص الخطير في الطعام، وأخذوا ينحون باللائمة على القيصر نيقولا الثاني ومستشاريه فيما يتعلق بمشكلات البلاد. وفي أوائل 1917م أطاحت ثورة في بتروغراد (حاليًا بيترسبيرج) بالعرش واستمرت الحكومة الجديدة في الحرب.

ولكي تضعف ألمانيا من مجهود روسيا الحربي فقد ساعدت ف. ل. لينين، وهو ثائر روسي كان يعيش آنذاك في سويسرا، في العودة إلى بلده في أبريل 1917م. وبعد سبعة أشهر قاد لينين ثورة تمكن بها من السيطرة على حكم روسيا، وطالب في الحال بمعاهدة سلام مع ألمانيا، وانتهت الحرب على الجبهة الشرقية.

وأمْلت ألمانيا شروط صلح قاسية على روسيا في معاهدة صلح وقِّعت في برست ـ ليتوفسك في 3 مارس 1918م، وأجبرت معاهدة برست ـ ليتوفسك روسيا على أن تتنازل عن مساحات كبيرة من الأرض تشمل فنلندا وبولندا وأوكرانيا وبسارابيا ودول البلطيق: أستونيا وليفونيا (لاتفيا حاليا) ولتوانيا، ومكن انتهاء القتال على الجبهة الشرقية القوات الألمانية من أن تنتقل إلى الجبهة الغربية. وبدا أن العقبة الوحيدة أمام إحراز الألمان للنصر هو دخول الولايات المتحدة الحرب.

الرماة الأمريكيون يزحفون خلال منطقة مزقتها الحرب في شمال شرقي فرنسا أثناء خريف عام 1918م، حيث جرى الهجوم الأخير خلال الحرب العالمية الأولى. وتقع المنطقة بين نهر الميوز وغابة أرجون. وقد اشتركت في هذا القتال قوات أمريكية كثيرة وعرف هذا الهجوم باسم هجوم ميوز ـ أرجون.

الولايات المتحدة الأمريكية تدخل الحرب:

أعلن الرئيس ولسون رئيس الولايات المتحدة حياد الولايات المتحدة في بداية الحرب ؛ فقد عارض معظم الأمريكيين تورط الولايات المتحدة في حرب أوروبية، لكن غرق سفينة لوسيتانيا وبعض أعمال ألمانيا الأخرى ضد المدنيين أحدث تعاطفا مع الحلفاء.

في 2 أبريل دعا ولسون إلى الحرب قائلاً: "إن العالم لابد أن يصل آمنا إلى الديمقراطية"، وأعلن الكونجرس الحرب على ألمانيا في 6 أبريل. وتوقع قليل من الناس أن تفعل الولايات المتحدة الكثير من أجل إنهاء الحرب.


الجبهة الغربية سنة 1918م، قامت ألمانيا بثلاث هجمات بين شهري مارس ويونيو من عام 1918م. واستطاع الحلفاء إيقاف تقدم الألمان على مشارف باريس في شهر يونيو بمساعدة الأمريكيين. وبعد ذلك تمكن الحلفاء من دفع الألمان إلى الوراء، بثبات. وقد انتهت الحرب بهدنة في 11 نوفمبر 1918م.

المعارك الأخيرة:

أنعش انتهاء الحرب في الجبهة الشرقية أمل الألمان في النصر، وفي أوائل 1918م كانت القوات الألمانية تتفوق عل الحلفاء في الجبهة الغربية، وشنت ألمانيا ثلاث هجمات في الربيع. كان لودندورف قد خطط بأن يقوم بضربة ساحقة على الحلفاء قبل أن تصل القوات الأمريكية إلى الجبهة واعتمد على عنصر السرعة والمفاجأة.

ضربت ألمانيا ضربتها قرب سان كنتان، وهي مدينة في وادي نهر السوم، في 21 مارس 1918م وانسحبت القوات البريطانية نحو 25 كم. وفي آخر مارس بدأ الألمان ضرب باريس، وكانت مدفعيتهم الضخمة تقذف بالقذائف إلى مدى 120 كم. وبعد خسارتهم عند سان كنتان اجتمع قادة الحلفاء لوضع خطة دفاعية جديدة. وفي أبريل عينوا الجنرال فرديناند فوش من فرنسا قائداً أعلى للقوات المتحالفة في الجبهة، وبدأ هجوم ألماني ثان في 9 أبريل على طول نهر لي في بلجيكا، وناضلت القوات البريطانية ببسالة، وأوقف لودندورف الهجوم في 30 أبريل. وعانى الحلفاء من خسائر كبيرة في كلا الهجومين، لكن خسائر الألمان كانت فادحة هي الأخرى.

هجمت ألمانيا للمرة الثالثة في 27 مايو قرب نهر آين. وفي 30 مايو وصلت القوات الألمانية إلى نهر المارن، وساعدت القوات الأمريكية فرنسا لوقف التقدم الألماني عند مدينة شاتو تييري، وهي على بعد أقل من 80 كم شمال شرق باريس. وخلال يونيو طردت الولايات المتحدة الألمان من غابة بيلو قرب المارن. وعبرت القوات الألمانية المارن في 15 يوليو، وأمر فوش بشن هجوم مضاد قرب مدينة سواسون في 18 يوليو.

واستمرت المعركة الثانية في 15 يوليو إلى 6 أغسطس 1918م. ومثلت نقطة تحول في الحرب العالمية الأولى، وبعدها تقدم الحلفاء بثبات. وفي 8 أغسطس هاجمت بريطانيا وفرنسا الألمان قرب آميان.

بدأ الهجوم الأخير في الحرب العالمية الأولى في 26 سبتمبر 1918م. واشتركت قوات أمريكية مكونة من نحو 900 ألف في قتال شرس بين غابة أرجون ونهر الميوز. وتحقق لودندورف من أن ألمانيا لن تستطيع أن تتغلب على قوات الحلفاء الأكثر منها قوة.

نهاية القتال:

كسب الحلفاء الانتصارات على طول الجبهات في خريف 1918م، واستسلمت بلغاريا في 29 سبتمبر، وانتصرت القوات البريطانية تحت قيادة الجنرال إدموند أللنبي على الجيش العثماني في فلسطين وسوريا. وفي 30 أكتوبر وقَّعت الإمبراطورية العثمانية هدنة، وبدأت المعركة الأخيرة بين إيطاليا والنمسا ـ المجر في آخر أكتوبر في إيطاليا. وهزمت إيطاليا النمسا ـ المجر بمساعدة من فرنسا وبريطانيا، ووقعت النمسا ـ المجر هدنة في 3 نوفمبر.

كانت ألمانيا تترنَّح على حافة الانهيار كلما تقدمت الحرب خلال أكتوبر، وكان حصار بريطانيا البحري قد أجاع الشعب الألماني ونشر تذمرًا أدى إلى تظاهرات تطالب بالصلح، وتخلى القيصر فيلهلم عن عرشه في 9 نوفمبر وطار إلى هولندا، وتقابل وفد الحلفاء بقيادة فوش مع ممثلين ألمان في عربة سكة حديدية في غابة كومبيين في شمال فرنسا. وفي صباح 11 نوفمبر 1918م قبل الألمان هدنة نهائية بشروط الحلفاء، ووافقت ألمانيا أن تجلو عن الأراضي التي احتلتها خلال الحرب، وأن تسلم أعدادا كبيرة من جيشها وسفنها، وأدوات حربية أخرى، وأن تسمح لقوى الحلفاء أن تحتل أرض ألمانيا على طول نهر الراين. وأمر فوش بوقف القتال على الجبهة الغربية الساعة 11 قبل الظهر، وانتهت الحرب العالمية الأولى.

نتائج الحرب

الدمار والإصابات:

سببت الحرب العالمية الأولى دمارًا كبيرًا إذ مات نحو 10ملايين جندي نتيجة للحرب، وهو رقم يزيد عن عدد الذين ماتوا خلال المائة سنة السابقة للحرب، وجرح نحو 21 مليون رجل. أما الخسائر المالية فقد نجمت عن القوى التدميرية للأسلحة الجديدة خاصة المدافع الآلية. وساهم القادة العسكريون في هذه المذابح لفشلهم في التَّكيّف مع الظروف المتغيرة للحرب.

خسرت كل من ألمانيا وروسيا نحو مليون وثلاثة أرباع المليون قتيل خلال الحرب العالمية الأولى، وهو أكثر مما عاناه أي قطر آخر، وكانت نسبة الموتى في فرنسا أعلى بالمقارنة بعدد جنودها الكلي. فلقد خسرت نحو مليون وثلث المليون جندي ؛ أي 16% من كل قواتها العاملة. ولا أحد يعرف كم عدد المدنيين الذين ماتوا من المرض والجوع والأسباب الأخرى المتعلقة بالحرب، ويعتقد بعض المؤرخين أن عدد المدنيين الذين ماتوا كان يساوي عدد الموتى من الجنود.

أما الخسائر المادية في الحرب العالمية الأولى فكانت أكثر في فرنسا وبلجيكا، فقد خربت الجيوش المزارع والقرى بمرورها فيها وحفر الخنادق للقتال، وخربت الحرب المصانع والجسور وقضبان السكك الحديدية. أما جرارات المدفعية والمواد الكيميائية فقد خربت الأرض على طول الجبهة الغربية.

النتائج الاقتصادية:

كبدت الحرب العالمية الأولى الأمم المتقاتلة نحو 337 بليون دولار أمريكي. وفي سنة 1918م كانت الحرب تكلف 10 ملايين دولار كل ساعة. ورفعت الأمم ضرائب الدخل والضرائب الأخرى من أجل تمويل الحرب. ولكن معظم الأموال جاءت من القروض التي أوجدت ديونا ضخمة، واستدانت الحكومات من المواطنين ببيع سندات حربية، واستدان الحلفاء كثيراً من الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، طبعت معظم الحكومات أوراقاً مالية إضافية لمواجهة حاجاتها، ولكن الزيادة في النقود سببت تضخما ماليا قاسيا بعد الحرب.

سَخَّرت دول أوروبا مواردها في الحرب العالمية الأولى وخرجت من الحرب منهكة ؛ ففرنسا على سبيل المثال، فقدت عُشْر قوتها العاملة، ولم يجد كثير من الجنود العائدين في معظم أقطار أوروبا وظائف لهم. وبالإضافة إلى ذلك خسرت أوروبا كثيرًا من منتجات أسواقها عندما كانت تنتج مواد للحرب، ورغم ذلك خرجت الولايات المتحدة بقوة اقتصادية متزايدة.

النتائج السياسية:

هزت الحرب العالمية الأولى دعائم حكومات كثيرة. وتصدت الحكومات الديمقراطية في بريطانيا وفرنسا لضغط الحرب، لكن أربع ملكيات سقطت، وكانت أول ملكية تسقط هي ملكية القيصر نيقولا الثاني في روسيا عام 1917م، وتخلى القيصر ولهلم الثاني في ألمانيا، والإمبراطور شارل من النمسا - المجر عن عرشيهما في سنة 1918م، وسقط السلطان العثماني محمد السادس في عام 1922م.

أدى سقوط الإمبراطوريات القديمة إلى إيجاد أقطار جديدة في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، وتكون من أرض النمسا ـ المجر قبل الحرب جمهوريات النمسا والمجر وتشيكوسلوفاكيا وأجزاء من إيطاليا، وبولندا ورومانيا ويوغوسلافيا. وتنازلت روسيا وألمانيا عن أراضٍ لبولندا وفنلندا، وحصلت دول البلطيق: أستونيا ولاتفيا ولتوانيا على استقلالها من روسيا، ووضعت معظم الأراضي العربية في الإمبراطورية العثمانية تحت سيطرة فرنسا وبريطانيا. وتكونت تركيا من باقي الإمبراطورية العثمانية، ووضع قادة أوروبا في حسابهم المجموعات القومية لإعادة رسم خريطة أوروبا، وبذلك رسخوا دواعي قضية القومية، وأعطت الحرب العالمية الأولى الشيوعية الفرصة لتولي السلطة في أوروبا، وتوقع بعض الناس أن تقوم ثورات شيوعية في أماكن أخرى في أوروبا، وقويت الحكومات الثورية بعد الحرب لكن لم تقم حكومات شيوعية.

ابتهاج بانتهاء الحرب العالمية الأولى. حشد مبتهج يملأ شوارع إحدى المدن الفرنسية في 11 نوفمبر 1918م، وكانت تلك الحرب المفزعة قد أزهقت أرواح ما يقارب عشرة ملايين من الجنود.

النتائج الاجتماعية:

أحدثت الحرب العالمية الأولى تغييرات عدة في المجتمع. فقد أثر موت كثير من الشباب على فرنسا أكثر مما أثر على أي قطر آخر، وانخفض سكان فرنسا خلال العشرينيات من القرن العشرين بسبب انخفاض المواليد، واجتثت الحرب الملايين من أبناء الشعب، وهرب بعضهم من مناطق مزقتها الحرب ليجدوا بيوتهم ومزارعهم وقراهم خربة، وصار بعضهم الآخر لاجئين نتيجة للتغيرات في الحكومات والحدود السياسية خاصة وسط وشرق أوروبا.

فضَّل كثير من الناس أن يستأنفوا سيرتهم الأولى بعد الحرب العالمية الأولى، ونمت المناطق الحضرية بسبب تفضيل الفلاحين الإقامة في المدن بدلا من العودة إلى مزارعهم. وملأت النساء الوظائف والمصانع بعد ذهاب الرجال للحرب، وكن حريصات على أن يرسخن استقلالهن الجديد، وأعطت أقطار كثيرة المرأة حق التصويت بعد الحرب، وبدأ التباين بين الطبقات الاجتماعية يظهر نتيجة للحرب العالمية الأولى، وأصبح المجتمع أكثر ديمقراطية، وفقدت الطبقات العليا الحاكمة بعضا من نفوذها وامتيازاتها بعد أن قادت العالم إلى حرب ضروس. وواجه الرجال بكل طبقاتهم نفس الخطر والفزع في الخنادق. وأخيرا صاغت الحرب العالمية الأولى اتجاهات جديدة، وفقدت الطبقات الوسطى والعليا الأوروبية الثقة والتفاؤل اللذين كانت تشعر بهما قبل الحرب، وبدأ كثيرٌ من الناس يعيدون النظر في بعض المفاهيم التي كانت راسخة لديهم. مثال ذلك تغيّر الفكرة القائلة بتفوق الثقافة والحضارة الأوروبية على العالم كله، وكل ذلك بسبب الخراب والدمار الذي أحدثته الحرب في هذه البلاد.

التسوية السلمية

أيقونة تكبير أوروبا والشرق الأوسط بعد الحرب.

النقاط الأربع عشرة:

في يناير 1918م اقترح الرئيس ودرو ولسون رئيس الولايات المتحدة ؛ أي قبل انتهاء الحرب بعشرة شهور، بعضا من أهداف الحرب سميت النقاط الأربع عشرة. اعتقد ولسون أن النقاط الأربع عشرة قد تحقق تسوية سلمية عادلة سماها سلام بلا نصر. وفي نوفمبر 1918م وافقت ألمانيا على هدنة. وتوقعت ألمانيا أن تتم التسوية على أساس النقاط الأربع عشرة، وعالجت ثماني نقاط منها تسويات خاصة سياسية وإقليمية. وأما باقيها فقد وُضِعَت كمبادئ عامة لمنع حروب مستقبلية، واقترحت آخر النقاط تنظيما دوليا سمي فيما بعد عصبة الأمم لتدعيم السلام. ★ تَصَفح: ولسون، ودرو.


الأربعة الكبار المجتمعون في مؤتمر الصلح في باريس سنة 1918م. وهم من اليسار، فيتوريو أورلاندو رئيس وزراء إيطاليا وديفيد لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني وجورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا والرئيس الأمريكي ودرو ولسون.

مؤتمر باريس للسلام:

اجتمع ممثلو القوى المنتصرة في يناير 1919م في باريس لوضع أسس التسوية السلمية، جاءوا من 32 قطرًا. وأعدت اللجان مقترحات تفصيلية لمؤتمر باريس للسلام، لكن القرارات وضعها رؤساء أربع حكومات سموا الأربعة الكبار. كان الأربعة الكبار هم: ودرو ولسون رئيس الولايات المتحدة، ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد لويد جورج، ورئيس وزراء فرنسا جورج كليمنصو، ورئيس وزراء إيطاليا فيتوريو أورلاندو.

تجاهل مؤتمر الصلح إلى حد كبير المبادئ الرئيسية في النقاط الأربع عشرة ؛ فقد ضحَّى الحلفاء الأوروبيون الكبار أكثر من الأمريكيين فأرادوا أن يحصلوا على تعويض. أما ولسون فقد ركز جهوده على إيجاد عصبة الأمم، واستجاب ولسون لفرنسا وبريطانيا حول كثير من القضايا. وفي مايو 1919م وافق مؤتمر الصلح على المعاهدة وقدمها إلى ألمانيا. ولم توافق ألمانيا عليها إلا بعد تهديد من الحلفاء بغزوها، وإثر شكوك كبيرة وقَّع ممثلو ألمانيا على معاهدة الصلح في قصر فرساي قرب باريس في 28 يونيو 1919م.

وبالإضافة إلى معاهدة فرساي مع ألمانيا، وقَّع صانعو السلام معاهدات منفصلة مع دول الوسط الأخرى. فوقَّعت معاهدة سان جرمان مع النمسا في سبتمبر 1919م، ومعاهدة نويي مع بلغاريا في يونيو 1920م، ومعاهدة تريانون مع المجر في يونيو 1920م، ومعاهدة سيفر مع الإمبراطورية العثمانية في أغسطس 1920م.

نصوص المعاهدات التي أنهت الحرب:

حرمت المعاهدات دولاً من أراض وأسلحة وطالبتها بدفع تعويضات ؛ أما ألمانيا فقد عوقبت بشدة. وتضمن بند في معاهدة فرساي إرغام ألمانيا على أن تقبل مسؤوليتها بوصفها المتسببة في الحرب.

وبموجب معاهدة فرساي تنازلت ألمانيا عن أراض في بلجيكا وتشيكوسلوفاكيا والدنمارك وفرنسا وبولندا وخسرت مستعمراتها فيما وراء البحار، وحصلت فرنسا على حقول الفحم الحجري في وادي السار التابع لألمانيا لمدة خمس عشرة سنة، وكان على ألمانيا أن تدفع نفقات جيش للحلفاء يحتل الضفة الغربية من نهر الراين لمدة خمس عشرة سنة، وطلبت بعض البنود من ألمانيا أن تعيد إلى الحلفاء مواد حربية وسفنا وبضائع أخرى. ولم يستقر الرأي على مجموع التعويضات حتى سنة 1921م وتسلمت ألمانيا فاتورة تعويضات بنحو 33 مليار دولار أمريكي.

أما معاهدتا سان جرمان وتريانون فقد أنقصتا مساحة النمسا ـ المجر إلى أقل من ثلث مساحتها السابقة، واعترفت المعاهدات باستقلال تشيكوسلوفاكيا وبولندا ومملكة عرفت فيما بعد باسم يوغوسلافيا. وتسلمت هذه الدول الجديدة ومعها إيطاليا ورومانيا أراضي كانت تابعة للنمسا ـ المجر. أما معاهدة سيفر فقد انتزعت مصر ولبنان والعراق وفلسطين وسوريا وشرق الأردن من الإمبراطورية العثمانية، وتخلت بلغاريا عن أراض لليونان ورومانيا، وكان على ألمانيا كذلك أن تخفض قواتها المسلحة وأن تدفع تعويضات.

عالم مابعد الحرب:

وجد صانعو السلام أنه من المستحيل أن يرضوا آمال كل أمة ورغبات كل مجموعة قومية. لقد أغضبت التسويات القوى المنتصرة والمهزومة على حد سواء. وأخذ صانعو السلام في اعتبارهم رغبات المجموعات القومية وهم يرسمون حدودا جديدة. ورغم ذلك فإن المطالب القومية لم تتحقق في كثير من القضايا، مثال ذلك أخذت رومانيا مجموعة مجرية كبيرة من السكان، كذلك كان في أجزاء من تشيكوسلوفاكيا وبولندا ألمان كثيرون، وكان من شأن هذه التسويات أن تزيد من الخلافات بين الأقطار. وبالإضافة إلى ذلك فإن الأقطار العربية كانت مستاءة لأنها لم تحصل على استقلالها.

لم تحقق الحدود التي أعادت رسمها تسويات الصلح الأمان الاقتصادي إلا قليلا، مثال ذلك أن الأقطار الجديدة في النمسا ـ المجر كانت صغيرة وضعيفة وغير قادرة على أن تدعم نفسها، لقد فقدت كثيرًا من سكانها، ومواردها وأسواقها، وطالب السكان الألمان في النمسا إلى حد كبير بالاتحاد مع ألمانيا، ولكن صانعي السلام لم يريدوا لألمانيا أن تكسب أراضي بعد الحرب.

دخلت بريطانيا عالم مابعد الحرب وهي أكثر دول الحلفاء رضى. فلقد حافظت على إمبراطوريتها وسيطرتها على البحار، لكنها كانت منزعجة من أن ميزان القوى الذي أرادته في أوروبا قد ينقلب رأسا على عقب بوجود ألمانيا ضعيفة للغاية وبنصر شيوعي في حرب أهلية في روسيا، وبنجاح فرنسا في فرض شروط قاسية على ألمانيا عدوها التقليدي. ولكنها لم تنجح في تأمين حدودها وفشلت في أن تحصل على ضمان بمساعدة بريطانيا والولايات المتحدة في حالة غزو ألماني. وأخيرًا حصلت إيطاليا على أراض أقل مما وعدت به وأحست أنها لم تأخذ ماتستحق.

في الولايات المتحدة خالف مجلس الشيوخ الرأي العام، ورفض الموافقة على معاهدة فرساي، وعارض بذلك الرئيس ولسون. كانت المعاهدة تجعل الولايات المتحدة عضوا في عصبة الأمم. ولم يكن كثير من الأمريكيين على استعداد لأن يتقبلوا المسؤوليات المترتبة على القوة الجديدة التي صارت لبلدهم. فلقد خشوا أن تقحم عصبة الأمم بلدهم في منازعات أوروبية.

لقد وضعت معاهدة فرساي شروطا قاسية أكثر مما توقعته ألمانيا. وكانت مسؤولية قبول هذه الشروط إضعافا لحكومة ألمانيا بعد الحرب. وخلال الثلاثينيات ظهرت حركة شديدة التعصب للقومية يقودها أدولف هتلر، الذي وعد بتجاهل معاهدة فرساي والانتقام لهزيمة ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى. وفي سنة 1939م غزت ألمانيا بولندا وبدأت الحرب العالمية الثانية بالفعل.

إختبر معلوماتك :

  1. ما الأسباب الرئيسية للحرب العالمية الأولى؟
  2. ما أول قطر استخدم الغاز السام في الحرب العالمية الأولى؟ وما أول قطر استخدم الدبابات؟
  3. من رؤساء الحكومات في الحرب العالمية الأولى الذين سموا بالأربعة الكبار؟
  4. ما الأقطار التي كونت الوفاق الثلاثي؟ والتحالف الثلاثي؟ وما الاختلاف بين التحالفين؟
  5. كيف نافست ألمانيا البحرية الإنجليزية أثناء الحرب العالمية الأولى؟
  6. ما الإسهام الرئيسي للولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى؟
  7. ما خطة فون شليفن في الحرب العالمية الأولى؟
  8. لماذا كانت معركة المارن الأولى مفتاح النصر للحلفاء؟
  9. ما أسباب تمرد القوات الفرنسية في سنة 1917م؟

المصدر: الموسوعة العربية العالمية