سلاميز.
استخدمت معظم حضارات البحر الأبيض المتوسط القديمة سفن المجاذيف لحراسة شواطئها وطرق تجارتها. ومن المرجح أن يكون المصريون قد استخدموها منذ عام 3000 ق.م.، لكن الإغريق والرومان حولوا سفن المجاذيف إلى أسلحة حرب فعالة للغاية.
في عام 483ق.م. بدأت أثينا الدولة ـ المدينة الإغريقية ببناء أسطول ضخم من سفن المجاذيف للدفاع عن نفسها ضد الغزاة من فارس. وأصبح الأثينيون القوة البحرية الرئيسية في بحر إيجة بعد أن هزموا، مع إغريق آخرين، الأسطول الفارسي على مقربة من جزيرة سلاميز عام 480ق.م. وكانت معركة سلاميز أول معركة لدى المؤرخين سجل كامل عنها. تألف الأسطول الأثيني من مئات السفن ثلاثية المجاذيف، يجذف كل واحدة منها ما يربو على 200 رجل.
في عام 31 ق.م. اشتبكت أساطيل اثنين من القادة الرومان المتنافسين، مارك أنطوني وأوكتافيان، في معركة شهيرة على مقربة من أكتيوم ـ وهي شبه جزيرة في شمال اليونان. كان أنطونيو متحالفًا مع كليوباترا، ملكة مصر، التي منحته قيادة الأسطول المصري. تمكن أوكتافيان بانتصاره في معركة أكتيوم من أن يسيطر على روما ويحكمها كإمبراطور باسم أوغسطس. وأصبحت روما القوة الكبرى في البحر الأبيض المتوسط. وخلال الأربعمائة عام التالية اعتبر الرومان البحر الأبيض المتوسط مير نوسترم (بحرنا).
بعض المعارك البحرية الشهيرة |
صعدت قوة بحرية جديدة ـ الفايكنج ـ في أوروبا خلال العصور الوسطى. كان الفايكنج إسكندينافيين شجعانًا يخرجون إلى البحر بحثًا عن المغامرة والثروة. وكانت سفن الفايكنج ذات المجاذيف تُغِيرُ على المستوطنات الساحلية والنهرية عبر أوروبا من القرن الثامن الميلادي إلى أواخر الحادي عشر الميلادي. في أواخر القرن التاسع الميلادي أنشأ الملك الإنجليزي ألفرد الأكبر أسطولاً ضخمًا من السفن الحربية لحماية بلده ضد المغيرين الفايكنج. خلال القرن الثاني عشر الميلادي بدأ بناة السفن الأوروبيون في إنشاء سفن حربية عميقة الهيكل. وخلافًا لسفن المجاذيف الطويلة المنخفضة، فإن السفن عميقة الهيكل تستطيع الإبحار بسهولة في أعالي البحار. وأصبحت الأشرعة هي الوسيلة الرئيسية للدفع. أما المجاذيف فكانت تستخدم عند إخفاق الريح، أو للمناورة خلال المعركة. وكانت أغلب البحريات في العصور الوسطى تتبع نمطًا معينًا في المعركة. فقد كانت السفن تصطف جنبا إلى جنب. وبينما تتقدم نحو العدو تبدأ بقذف الصخور من آليات تدعى المنجنيقات أو خليط من المواد الكيميائية المشتعلة. ثم تناور هذه السفن للاصطدام، ويحاول البحارة الصعود إلى سفن العدو. وقد استخدمت المدافع لأول مرة على السفن الحربية خلال القرن الرابع عشر الميلادي، لكن لم يتسع استخدامها حتى القرن السادس عشر.
سادت البندقية كقوة بحرية رئيسية في البحر الأبيض المتوسط في أواخر القرون الوسطى. وبحلول القرن الخامس عشر الميلادي كان لديها أسطول مؤلف من 300 سفينة شراعية. وكان الأتراك العثمانيون الخصوم البحريين الرئيسيين لأهل البندقية.
بدأت أسبانيا أيضًا تنافس إنجلترا في السيطرة على البحار. وفي منتصف القرن السادس عشر الميلادي، شرعت كلتا الدولتين في إنشاء سفن ضخمة تُدعى السفن الشراعية كسفن أساسية في بحرياتهما. وقد اشتركت بضع سفن شراعية أسبانية في معركة ليبانتو عام 1571م. في عام 1588م اشتبكت الأساطيل الإنجليزية والأسبانية في القنال الإنجليزي.كانت السفن الشراعية الإنجليزية أسهل في مناورتها من الأسبانية، وكانت لديها أيضًا مدافع أجود. وتشتت الأسطول الأسباني، وفقد العديد من سفنه في عاصفة بالبحر. وقد حدد انتصار انجلترا المعروف بمعركة الأرمادا الأسبانية، بداية صعودها كأكبر قوة بحرية في العالم.
نافست هولندا إنجلترا في السيطرة على البحار خلال القرن السابع عشر الميلادي. واشتبك البلدان في عدة حروب بحرية. وقد أبرزت الحرب الأولى، التي استمرت من 1652م إلى 1654م، تغييرات مهمة في أساليب القتال البحرية. بحلول أواسط القرن السابع عشر الميلادي، أصبحت الأساطيل القتالية ضخمة للغاية وصعبة الإدارة. وبدأ القادة البحريون في إصدار تعليمات تفصيلية لتنسيق حركات السفن خلال المعركة. ووضعوا أقوى السفن في مقدمة أساطيلهم، واحتفظوا بالسفن الحربية الصغرى بالقرب من المؤخرة. وبذلك أصبحت السفن الحربية العمود الفقري لتشكيل الخط الأمامي.
خلال القرن الثامن عشر الميلادي أصبحت فرنسا الخصم البحري الرئيسي لإنجلترا. وفي عام 1805م هزم البريطانيون الفرنسيين على مقربة من رأس الطرف الأغر، على الساحل الأطلسي لأسبانيا. بعد معركة الطرف الأغر لم تعد هناك دولة تنافس بريطانيا في البحار.
كان للتحسينات التي أدخلت على مدافع ودروع السفن أثر هائل على الحرب البحرية. خلال عام 1820م طور المخترعون المدافع البحرية التي كانت تطلق قذائف متفجرة بدلاً من كرات مدفعية صلبة. في عام 1853م، خلال حرب القرم أطلقت السفن الحربية الروسية أول قذائف متفجرة. أحدثت هذه القذائف ثقوبًا هائلة في سفن الأسطول التركي الخشبية. ومن ثم بدأ بناة السفن بتشييد سفن حربية ذات دروع حديدية ثقيلة فوق هياكلها الخشبية. وبعدها بقليل أصبحت المدافع البحرية ضخمة للغاية ولديها ارتداد قوي جدًا لدرجة أن أضخم السفن لا تستطيع أن تحمل سوى عدد قليل من المدافع. وتم تطوير أبراج مدافع دوارة حتى يمكن توجيه مدفع كبير من أي من جانبي السفينة.
أعطى استخدام المدافع البحرية المطورة السفن الحربية نطاق قصف ودقة أكبر. وأصبحت السفن الحربية تقاتل بعضها بعضًا من بعد، ولم يعد هناك صعود وقتال بالسلاح الأبيض خلال المعارك البحرية. وبينما ازدادت المدافع ضخامة، أصبحت الدروع الأثقل فأثقل ضرورية للحماية ضد هجوم المدافع.
في عام 1862م، خلال الحرب الأهلية الأمريكية، اشتبكت السفينة مونيتر التابعة للشمال مع مريماك الجنوب وكان تدعى وقتها فرجينيا. ولم يتم إغراق أيً من السفينتين في هذه المعركة التي وقعت في قنال هامبتن رودز بخليج تشيسابيك. لكن معركة هامبتن رودز اكتسبت سمعة كأول معركة بين سفن مدرعة بالحديد. كذلك كانت تلك أولى المعارك بين سفن تدور فقط بالبخار. وكانت أغلب السفن الحربية البخارية الأولى تتكون من سفن شراعية لديها محركات بخارية إضافية. ★ تَصَفح: مونيتر و مريماك.
في عام 1906م أنتجت بريطانيا فئة دريدنوت السفينة المدرعة من السفن الحربية. زودت هذه السفن بأسلحة أكبر وأثقل من أي سفينة حربية سابقة كما كانت تبحر بسرعات أكبر من سابقتها. لسفن دريدنوت سرعة تبلغ 21 عقدة (ميلاً بحريًا) في الساعة، وكانت الفئات التالية من السفن الحربية أيضًا ذات تسليح ثقيل. وقد عززت هذه السفن من سيطرة بريطانيا على البحار.
خلال أوائل القرن العشرين الميلادي كان ترتيب ألمانيا يأتي خلف بريطانيا فقط في القوة البحرية، تليها عن قرب الولايات المتحدة. وكانت السفن الحربية ذات الدروع الثقيلة، المزودة بأكبر مدافع تم صنعها على الإطلاق، تشكل لب الأسطول.
بعد نشوب الحرب العالمية الثانية في عام 1939م، بدأت الغواصات الألمانية تجوب البحار مثلما فعلت خلال الحرب العالمية الأولى. وقاتل الحلفاء الغواصات بأجهزة وأسلحة جديدة مثل الرادار، والسونار، وعبوات العمق سريعة الغوص، والقذائف الصاروخية. إلا أن الطائرات أثبتت تفوقها على كل الأسلحة المستخدمة في الحرب.
في 7 ديسمبر عام 1941م أقلعت القاذفات اليابانية من ست حاملات طائرات وأغارت على الأسطول الأمريكي الراسي في بيرل هاربر بهاواي. وأباد الهجوم المباغت أسطول الباسفيكي الأمريكي تقريبًا. إلا أن الولايات المتحدة تكيفت بسرعة، وأصبحت حاملات الطائرات العمود الفقري لأساطيل الحلفاء. شكلت الولايات المتحدة واليابان قوات حاملات مهام ـ أي أساطيل يتم تجميعها حول الحاملات وتكليفها بمهام معينة. وتتكون كل قوة حاملة من 1إلى 16 حاملة طائرات محاطة بدائرة من الطرادات والمدمرات. وكانت لدى بعض قوات الحاملات سفن قتالية سريعة أيضًا. كانت معركة بحر كورال، في مايو 1942م، أول معركة بحرية لم تطلق خلالها أي من السفن الحربية المتصارعة قذيفة واحدة بعضها على بعض. وقد قامت الطائرات المتمركزة على حاملات الطائرات التابعة لقوات المهام الأمريكية واليابانية بكل الاشتباك الفعلي. أما معركة خليج لايت، في عام 1944م، فقد كانت أكبر معركة بحرية على الإطلاق من حيث وزنها بالطن. وبلغ الوزن الإجمالي بالطن للأسطولين المتصارعين أكثر من مليوني طن متري. وقد أقصت معركة خليج لايت القوة البحرية اليابانية من الحرب العالمية الثانية.
أدرك قادة العالم أن الأسلحة النووية قد أحدثت ثورة في الحرب. واعتقد البعض أن البحريات قد تجاوزها الزمن، وأن حروب المستقبل سيتم خوضها بالقوة الجوية وحدها.
كانت الولايات المتحدة تمتلك أضخم أسطول، عند نهاية الحرب. ولم تعد لبريطانيا المصادر الكافية للمنافسة للسيطرة على البحر. أما الأساطيل الفرنسية والألمانية والإيطالية واليابانية فقد تم القضاء عليها، والأسطول السوفييتي ما زال صغيرًا نسبيًا. قامت الولايات المتحدة بتخفيض أسطولها مباشرة بعد الحرب وبدأت بالتركيز على صنع القاذفات بعيدة المدى المتمركزة برًا.
غيرت الحرب الكورية (1950-1953م) تفكير العديد من القادة الغربيين حول أهمية البحريات. فالقوة الجوية ليست هي العامل الحاسم في إنهاء الحرب، ولم يستخدم أي جانب الأسلحة النووية. خلال القتال، شنت البحرية الأمريكية غارات جوية متمركزة على الحاملات، ونظمت إنزالات برمائية، وقصفت دفاعات العدو الساحلية. في هذه الأثناء شرع الاتحاد السوفييتي (سابقًا) في توسيع وتحديث أسطوله. نتيجة لهذه التطورات، أعادت الولايات المتحدة بناء أسطولها مرة أخرى.
في عام 1954م، دشنت البحرية الأمريكية الغواصة نوتيلوس، أول سفينة نووية الدفع في العالم. وتم إكمال أول واحدة من سلسلة حاملات طائرات فائقة، فوريستال، في عام 1955م. بحلول أواسط ستينيات القرن العشرين، أصبح لدى كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق أضخم قوة من الغواصات النووية، والعديد منها مسلح بصواريخ بالستية.
أدت البحريات دورًا بارزًا في بعض الصراعات التي برزت إبان الحرب الباردة. فقد حاصر الأسطول الأمريكي كوريا عام 1962م ليجبر الاتحاد السوفييتي السابق على نزع صواريخه وأسلحته من الجزيرة. وعندما تورطت الولايات المتحدة في الحرب الفيتنامية عام 1965م أدى الأسطول الأمريكي دوره فيها. وعاد الأسطول الأمريكي ليمارس نشاطه في حرب الخليج الثانية عام 1991م وأثبت الأسطول البريطاني قدرته عندما قهر الأرجنتين في النزاع حول جزر الفوكلاند عام 1982م.