سر الافخارستيا Eucharist أو سر التناول هو أحد الأسرار السبعة المقدسة في الكنيسة المسيحية. وهي تذكير بالعشاء الذي تناوله يسوع بصحبة تلاميذه عشيّة الآمه (لوقا19:22 ومتى26:26 ومر22:14 و 1قور23:11-25). ويُحتفل بها في جماعة المؤمنين لأنها التعبير المرئي للكنيسة. الإحتفال يكون بصيغة تناول قطعة صغيرة ورقيقة من الخبز (تعرف بالبرشان) التي تمثل جسد المسيح وأحياناً تذوق أو غمس قطعة الخبز في القليل من الخمر الذي يمثل دم المسيح.
يعتقد المسيحيون أن يسوع هو من أسس هذا السر لان به الثبات فيه "من ياكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وانا فيه" (يو6 : 56) وبه ننال الحياة الابديه "انا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء ان اكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الابد والخبز الذي انا اعطي هو جسدي الذي ابذله من اجل حياة العالم" (يو6 : 51). وبه ننال الخلاص والاستنارة "الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا" (كولوسي 1 : 14).
قد قال يسوع للتلاميذ "هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم، اصنعوا هذا لذكري" (لو19:22). قال هذا للرسل وهم مجتمعون معه في العلية يوم خميس العهد. ولهذا فإنم بولس الرسول حينما يتعرض لهذا الأمر يقول: "كأس البركة التي نباركها، أليست هي شركة دم المسيح؟! الخبز الذي نكسره، أليس هو شركة جسد المسيح؟!" (1كو16:10). فقال: "نبارك ونكسر"، دليل على الفعل، وقال "شركة دم المسيح" دلالة على قدسية هذا الأمر وأنه سر مقدس.
الأناجيل والافخارستيّا
إنّ الخبز والخمر هما اللذين يتحولان، بكلمات يسوع واستدعاء الروح القدس، إلى جسد المسيح ودمه. وهنا نرى أن الكنيسة تستمرّ في طاعتها لأمر الربّ في تجديد ما صنعه عشيّة آلامه. في العهد القديم كان الخبز والخمر يقدمان قرباناً من بواكير الأرض، علامة اعتراف بالخالق، إلى أن اكتسبا مغزىً جديداً فبات الخبز الفطير المُتَناول من قِبل بنو إسرائيل يذكّرهم بخروجهم من عبوديّة أرض مصر. ومع يسوع المسيح أصبح لهذا الاحتفال معنىً آخر. إنّ التحضير لهذا السر الكبير في الكنيسة يبدأ من هذا العهد ويتفاعل مع رأس الكنيسة مع العهد الجديد، وما تكثير الخبز يوم باركها يسوع ووزّعها بواسطة تلاميذه لإطعام الجموع الاّ لتُنْبِىء بتوافر هذا الخبز الإفخارستي الوحيد (متى13:14-21 و 32:15-39) و (يو1:6-12) و (مر32:6-44). أما الماء المحوّل خمراً في قانا (يو11:2) فهو الرمز إلى الساعة التي يتمجّد فيها يسوع، ويعلن اكتمال وليمة العرس في ملكوت الآب حيث يشرب المؤمنون الخمر الجديد (مر25:14). إنّ الاشارات التي أطلقها يسوع في رسالته الأرضيّة كانت واضحة تماماً، فهو "الخبز الحي الذي نزل من السماء من يأكل من هذا الخبز يحي إلى الأبد. والخبز الذي سأعطيه أنا هو جسدي أبذله ليحيا العالم". (يو51:6) ورغم الجرأة في هذا الإعلان، نجد أن تلاميذه يتشكّكون ويتململون في أول إنباء له عن الإفخارستيا ويعتبرونه حجر عثرة (يو60-6) لكن إيمان بطرس عبر قوله بأن يسوع وحده يملك "كلمات الحياة الأبدية" (يو68:6) أعطى بُعْداً أزليّاً، لامتناهياً ومدوّياً لمحبة الربّ، مؤكّداً بصورة مطلقة غير قابلة للشك أن من يقبل الإيمان عطيّته الافخارستيّة إنما يقبله هو نفسه. وليورِثهم عربون هذا الحب ويظلّ معهم أبداً ويشركهم في فِصْحِهِ، فقد وضع الافخارستيّا تذكاراً لموته وقيامته، وأمر رُسُله بأن يقيموها إلى يوم عودته. وهذا السَرْد ليوحنّا إيذاناً بإقامة الافخارستيّا يقابله نقل للأناجيل الإزائيّة الثلاثة للعشاء الأخير بتفاصيله(7) الذي نجد في كتابته وفي رسالة القدّيس بولس (1قور27:11-29) خبر إقامة الافخارستيّا.
رموز سر التناول في العهد القديم
- ذبيحة ملكي صادق التي كانت من خبز وخمر "وملكي صادق ملك شاليم اخرج خبزا وخمرا وكان كاهنا لله العلي وباركه وقال مبارك ابرام من الله العلي مالك السماوات والارض" (الخروج 14) وقد ذكر الرسول بولس ان"ملكي صادق هذا ملك ساليم كاهن الله العلي الذي استقبل إبراهيم راجعا من كسرة الملوك وباركه الذي قسم له إبراهيم عشرا من كل شيء المترجم اولا ملك البر ثم ايضا ملك ساليم اي ملك السلام بلا اب بلا ام بلا نسب لا بداءة ايام له ولا نهاية حياة بل هو مشبه بابن الله هذا يبقى كاهنا إلى الابد" (عبرانيين 7).
- الجمرة التي وضعها الملاك علي شفتي اشعياء النبي: "في سنة وفاة عزيا الملك رايت السيد جالسا على كرسي عال ومرتفع واذياله تملا الهيكل السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة اجنحة باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطي رجليه وباثنين يطير وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الارض فاهتزت اساسات العتب من صوت الصارخ وامتلا البيت دخانا فقلت ويل لي اني هلكت لاني انسان نجس الشفتين وانا ساكن بين شعب نجس الشفتين لان عيني قد راتا الملك رب الجنود فطار الي واحد من السرافيم وبيده جمرة قد اخذها بملقط من على المذبح ومس بها فمي وقال ان هذه قد مست شفتيك فانتزع اثمك وكفر عن خطيتك" (اشعياء 6: 1-7). فكانت حقا هذه الجمره هي التناول المقدس الذي يعطي لمغفرة الخطايا "لان هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (متى 26 : 28).
- المن النازل من السماء: كان المن رمزا جليا لجسد الرب لان التناول المقدس "هو الخبز الذي نزل من السماء ليس كما اكل اباؤكم المن وماتوا من ياكل هذا الخبز فانه يحيا إلى الابد" (يو6 : 58) "واما المن فكان كبزر الكزبرة ومنظره كمنظر المقل كان الشعب يطوفون ليلتقطوه ثم يطحنونه بالرحى او يدقونه في الهاون ويطبخونه في القدور ويعملونه ملات وكان طعمه كطعم قطائف بزيت ومتى نزل الندى على المحلة ليلا كان ينزل المن معه" (عدد 11) وفي (مزامير 105: 40 ) "سالوا فاتاهم بالسلوى وخبز السماء اشبعهم" وقارن الرب جسدة الحبيب بالمن في (يو6: 47 ) "الحق الحق اقول لكم من يؤمن بي فله حياة ابدية انا هو خبز الحياة اباؤكم اكلوا المن في البرية وماتوا هذا هو الخبز النازل من السماء لكي ياكل منه الانسان ولا يموت انا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء ان اكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الابد والخبز الذي انا اعطي هو جسدي الذي ابذله من اجل حياة العالم... الحق الحق اقول لكم انتم تطلبونني ليس لأنكم رايتم ايات بل لانكم اكلتم من الخبز فشبعتم اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الابدية الذي يعطيكم ابن الانسان لان هذا الله الاب قد ختمه....الحق الحق اقول لكم ليس موسى اعطاكم الخبز من السماء بل ابي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء لان خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم فقالوا له يا سيد اعطنا في كل حين هذا الخبز فقال لهم يسوع انا هو خبز الحياة من يقبل الي فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش ابدا".
- خروف الفصح: إن للتناول المقدس له قدسيته الخاصه ويجب التناول منه باستحقاق أي التوبه والنقاوة والايمان بفاعليه السر وقد شرح الرسول بولس ذلك "ان الرب يسوع في الليلة التي اسلم فيها اخذ خبزا وشكر فكسر وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور لاجلكم اصنعوا هذا لذكري كذلك الكاس ايضا بعدما تعشوا قائلا هذه الكاس هي العهد الجديد بدمي اصنعوا هذا كلما شربتم لذكري فانكم كلما اكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكاس تخبرون بموت الرب إلى ان يجيء اذا اي من اكل هذا الخبز او شرب كاس الرب بدون استحقاق يكون مجرما في جسد الرب ودمه ولكن ليمتحن الانسان نفسه وهكذا ياكل من الخبز ويشرب من الكاس لان الذي ياكل ويشرب بدون استحقاق ياكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب من اجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون" (1كو11) وفي رساته الي اهل كورونثوس الاول الاصحاح العاشر قال " كاس البركة التي نباركها أليست هي شركة دم المسيح؟ الخبز الذي نكسره اليس هو شركة جسد المسيح؟ فاننا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد لاننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد".
الإحتفال
يتوافد المسيحيون إلى مكان واحد للإجتماع الافخارستي، (رسل42:2 و7:20) و (لو13:24-35) وعلى رأسهم الكاهن أو الأسقف باسم المسيح نفسه، للاشتراك اشتراكاً حقيقياً في هذا العالم الجديد، حيث أن المسيحيون يعتقدون أن الجسد والدم القربانيان ليسا التذكار الرمزي لحدثٍ حصل وانتهى فحسب، إنما هما الحقيقة الكاملة لعالم آخر الأزمنة، المكان الذي يحيا فيه المسيح. وتزوّد الافخارستيّا جماعة المؤمنين الغارقين في العالم القديم بالاتصال الحسّي مع المسيح، في كلّ واقعية كيان المسيح الجديد القائم من بين الأموات، "الروحي" (يو63:6). إذاً الإحتفال الافخارستي يمرّ بعدّة مراحل قسّمته الكنيسة وفقاً للأناجيل مع مراعاة تقاليد الكنائس المحليّة، دون أي تغيير جوهري. فهي صلاة الشكر لله الآب، تذكار ذبيحة(8) المسيح وجسده وحضوره بقوّة كلمته وروحه. مع الإشارة إلى أنّ القدّاس، التذكار القرباني الذي تستمرّ فيه هذه الذبيحة والوليمة المقدّسة، يهدف إلى اتحاد المؤمنين بالمسيح اتحاداً حميماً بواسطة المناولة.
ويحثّ القدّيس بولس المسيحيين على تهيئة أنفسهم لهذه اللحظة على محاسبة ضميرهم: "من أكل خبز الربّ أو شرب كأسه، ولم يكن أهلاً لهما، فقد جنى على جسد الربّ ودمه. فليحاسب الإنسان نفسه، قبل أن يأكل من هذا الخبز ويشرب من هذه الكأس. فمن أكل وشرب، وهو لا يرى فيه جسد الربّ، أكل وشرب الحكم على نفسه" (1قور27:11-29) فالمناولة تفصل عن الخطيئة.
أهمية التناول وفائدته
- أول أهمية له هي الثبات في الرب: "من يأكل جسدي ويشرب دمي، يثبت فيَّ وأنه فيه" (يو56:6).
- كذلك التناول هو الخبز الروحي: "من يأكل جسدي ويشرب دمي، فله حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (يو54:6). "من يأكل هذا الخبز، فإنه يحيا إلى الأبد" (يو58:6).
- هذا التناول هو عملية تطعيم كما في الأشجار (رو17:11؛ يو5:15).
- كما نقول في القداس: "يُعطى عنّا خلاصاً، وغفراناً للخطايا، وحياة أبدية لمن يتناول منه"، مثل قول الكتاب في (عب22:9؛ 1يو7:1).
- التناول أيضاً هو عهد مع الله: فنقول في القداس الإلهي قول الكتاب "لأنه في كل مرة تأكلون من هذا الخبز، وتشربون من هذه الكأس، تبشرون بموتي، وتعترفون بقيامتي، وتذكرونني إلى أن أجيء" (1كو26:11).
المراجع
- مقالة المعطيات البيبليّة للإحتفال الإفخارستي لجوزيف سمعان إعلامي ومتخصّص في علم اللاهوت.
- الوثائق المجمعيّة المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني ترجمة المطارنة يوسف بشارة، فرنسيس البيسري والأب اغناطيوس عبده خليفة اليسوعي، الجزء الثالث عام 1962 منشورات المطبعة الكاثوليكيّة بيروت.
- معجم اللاهوت الكتابي، الطبعة الثالثة عام 1991، منشورات دار المشرق.
- ليتورجيّات، الأباتي عَمانوئيل خوري (1930-1993) جمع وتنسيق الأب هاني مطر منشورات معهد الليتورجيّا في جامعة الروح القدس الكسليك-لبنان 1998.
- التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة ترجمة المتروبوليت حبيب باشا، المطرانان: يوحنا منصور وكيرلّس سليم بسترس والأب حنا الفاخوري. منشورات المكتبة البولسيّة-جونية لبنان عام 1999
- دراسات بيبليّة 10 أعمال الرسل عنصرة لكل العصور، محاضرات للخوري بولس الفغالي، منشورات الرابطة الكتابيّة عام 1995 وتوزيع المكتبة البولسيّة-جونية لبنان.
- موقع كنيسة الأنبا تكلا
- كتاب الكهنوت ج1 - قداسه البابا شنودة الثالث
- كتاب الوسائط الروحية - قداسة البابا شنوده الثالث
- كتاب بستان الروح ج1 - الأنبا يوأنس (أسقف الغربية المتنيح)
- كتاب القيم الروحية في سر القربان المقدس (سر الافخارستيا) - الأنبا غريغوريوس (الأسقف العام المتنيح)
- كتاب الصناعة المقدسة - جرجس صموئيل
- كتاب سر الأسرار - القمص أنطونيوس البرموسي
- كتاب أسرار الكنيسة السبعة - حبيب جرجس