الرئيسيةبحث

الوحي الكتابي

جزء من سلسلة مقالات عن

الكتاب المقدس


أقسامه

العهد القديم · العهد الجديد

محطات كتابية

الوصايا العشر · ولادة عذرية
عظة الجبل · قيامة يسوع
الإرسالية الكبرى

دراسات

الوحي الكتابي · الأسفار
القانون الإنجيلي · أبوكريفا
التفسير · السبعينية · الترجمات

مسيحية

الوحي الكتابي هو عقيدة رئيسية في المسيحية، تؤكد على الأصل الإلهي للكتاب المقدس، أي أنها تقول بأن الكتاب موحى به من الله ولم يكتبه بشر بحسب أهواءهم.

كلمة الوحي في المخطوطات اليونانية القديمة تأتي بمعنى نفس الله أو النفس الإلهي θεοπνευστος (من التنفس)، كما وردت في (2 تيموثاوس 3: 16-17) وتترجم بالعربية بالوحي (كل الْكتاب هو موحىً بِه من الله، ونافعٌ للتعليم والتوبِيخ، للتقويم والتأديب الذي في البِرِّ، لِكَي يَكون إِنسان الله كاملاً، متأهبا لكل عمل صالح).

في مواقع كثيرة من الكتاب المقدس تعزو كتابته للوحي الإلهي، مع أماكن أخرى نرى فيها تدخل الله المباشر في كتابة الوصايا، كتلقي موسى للوحي الوصايا العشر، وكان أنبياء العهد القديم يكررون قبل ذكر أي نبوة (هكذا يقول الرب) (1 الملوك 12: 22-24 و أرميا 35: 13 و حزقيال 2: 4 و زكريا 7: 9).

وفي العهد الجديد أقر يسوع بشرعية العهد القديم وقال بأنه ( لايمكن أن يُنقض المكتوب) (يوحنا 10: 35)، وفي رسالة بطرس الثانية يصرح الكاتب بأن (عالمين هذَا أَوّلاً: أَن كل نبوَّة الكتَاب لَيست من تَفسير خاصٍّ، لأَنه لَم تأت نبوة قط بِمشيئة إِنسان، بل تَكَلم أنَاس اللَّه القديسون مَسوقين من الرُّوح القدس.) (2بطرس 1: 20-21) وتذكر الرسالة أيضا سلطة الرسل الإلهية (3: 2)، وتصنف رسائل بولس ضمن كتب الوحي (3: 16).

يرى علماء اللاهوت المحافظون بأن الوحي الكتابي تؤكده الدراسات التي أجريت وتجرى حول الثقل الأخلاقي لتعاليم الكتاب المقدس بالإضافة لتحقق التنبؤات التي ذكرها حول المسيح وغيرها. بينما يرى باحثون آخرون أن سلطة وقوة الكنيسة لعبت دوراً كبيراً في صياغة ما يصفوه بالوحي الكتابي.

ما هو المقصود "بوحي الكتاب المقدس"؟، وبماذا يتكلم الكتاب نفسه عن هذا الأمر؟

يكتب الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس قائلاً: "كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح" (2تيموثاوس 3 : 16). وكان الرسول بولس يوصي تلميذه تيموثاوس قبل هذه الآية مؤكداً على حقيقة هامة وهى انه يجب عليه أن يتمسك بالكتب المقدسة القادرة على أن تحكمه للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع، ثم يردف قائلاً أن كل الكتاب هو موحى به من الله، وهذه العبارة الأخيرة "موحى به من الله" تأتي في اللغة اليونانية الأصلية "ثيوبينستوس" وفي اللغة الإنجليزية " Theopneustos"، وهي كلمة مركبة من "Theo"بمعنى الله، "pneustos" بمعنى نفخ، وتركيب الكلمة في الأصل اليوناني يأتي في المبني للمجهول، وعليه تكون ترجمة "موحى به من الله" أي "نُفِخت من الله"، بمعنى أن الكتب المقدسة صيغت بروح الله. إن الدراسة المتأنية لكلمات العهد القديم نجد أن كتبة الوحي المقدس يستخدمون عبارات "هكذا تكلم الرب" أو ما يناظرها مثل "وقال الرب" وكانت كلمة الرب إليَّ"، أكثر من 3800 مرة، بالإضافة لما يقوله الكتاب نفسه أن هذه الكلمات هي كلمات الله بذاته، "وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به" (تثنية 18: 18)، أو "ومد الرب يده ولمس فمي وقال الرب لي ها قد جعلت كلامي في فمك" (أرميا 1: 9). والسبب الرئيسي لاستخدام كتبة الأٍفكار المقدسة لمثل هذه العبارات"، إنما لتدل على أن الكلام الذي يتكلم به النبي ليس إلا كلام قد أوحى به الله إليه ليعلنه للبشر. لذلك فحينما يستخدم الرسول بولس التعبير الذي يصف الكتاب المقدس بأنه نفخة من الله، فهو تعبير قويٌ يريد أن يُفِهم تلميذه تيموثاوس أن الكتاب المقدس هو كتابٌ جديرٌ بالثقة، وهو الذي يستطيع أن يقوده لطريق الخلاص الأكيد فهو الكتاب المقدس، الذي جاء إلى الوجود بنفخة الله، وهو يستمد أصوله من الله، الواحد الحي. ويستخدم الرسول بطرس ذات الفكرة للدلالة على أن الكتاب المقدس لم يأت بجهد بشر حاولوا أن يصيغوا تعاليمه، أو مفهومه عن الله، بل أن هؤلاء البشر الذين استخدمهم الله في كتابة الكتاب المقدس كانوا مسوقين بالروح القدس، فيقول "لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بطرس1 : 21). ومعنى مسوقين من الروح القدس، محمولين بالروح القدس، فقد كان الله هو المصدر والينبوع الحقيقي والوحيد لما كتبه كًتَّاب الوحي جميعاً، ومع أن بولس يوضح أن الكتاب المقدس هو نفخة الله، إلا أن بطرس يُظهر الطريقة التي جاء بها هذا الكتاب للوجود، فلقد استخدم الله مجموعة من الناس ليسجلوا جميعاً ما أراد أن يقوله للإنسانية، مع قدرته في أن يحفظهم من خلال الروح القدس في أن يكتبوا ما يقوله هو لهم، وقد استخدم الله ما في هؤلاء من وزنات أو ملكات خاصة، ليأتي الكتاب المقدس في صورته الرائعة، ليجمع في أسلوب كتابته بين النثر والشعر، والقصة والأمثال، والتاريخ وغيرها، كذلك نجد أسلوباً راقياً كأسلوب بولس وسليمان، وأسلوباً بسيطاً كعاموس، وبطرس. وهكذا نرى إن الكتاب المقدس مصدره الله وليس الإنسان، وأن الروح القدس هو الذي نفخ به وأخرجه، لذلك نجد أن السيد المسيح حينما جاءه المجرب ليجربه، وبخه بكلمة الله، قائلاً: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (متى 4 : 4)، و من الجهة الأخرى فإن الله حين عبَّر عن كلمته استخدم بشراً أحياء، لهم شخصياتهم، وأسلوبهم الخاص المتميز كلٌ عن غيره، فهو لم يستخدم أدوات جامدة لا حِراك فيها، ومع ذلك كانوا مسوقين من الروح القدس ليسجلوا ما أراده الروح القدس أن يسجلوا فجاء الكتاب المقدس كلمة الله، ورسالة محبته للعالم أجمع. ومع أن الله هو الذي أوحى بالكتاب المقدس وحياً كاملاً ومطلقاً، إلا أن "الوحي الكامل المطلق" لا يستلزم أن تكون كل عبارة أو فقرة في الكتاب المقدس هي تعبيراً عن الحق أو تمثل الحق الكامل، فمثلاً الكلام الذي تكلَّم به الشيطان إلى حواء قد سجله الوحي المقدس، لكنه ليس هو الحق (تكوين 3: 4،5)؛ كذلك ما اقترحه بطرس على السيد المسيح في (متى 16: 22)؛ أو ما فعله داود حين قتل أوريـا الحثي ومـا فعلـه مع زوجته بثشبع لاحقاً (2 صموئيل 11: 2 – 27)؛ أو الأفكار الخاطئة لأصحاب أيوب (أيوب 7:42-9)؛ أو أكاذيب بطرس عند إنكاره للمسيح (مرقس66:14-72). فرغم أن كل هذا وغيره مسجل في الكتاب المقدس فهي مُسجلة بالوحي، وتسجيلها في الكتاب المقدس تم بوحي من الروح القدس، إلا أن هذا لا يعبر عن كون هذه الأحداث أو الأفعال حق يجب أتباعه، بل سُجلِت لكي تكون عبره لنحذر منها ولنتعرف على فكر الله من جهتها. كما أن الاعتراف بأن الكتاب موحى به وبكلماته "لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2 بطرس1: 21)، فليس معنى ذلك أن الوحي كان حرفيًا بمعنى مجرد إملاء أو عملية ميكانيكية. وعندما نقول بالوحي الحرفي فإن المقصود هو أن الروح القدس سيطر على استخدام الكاتب للكلمات التي كتب بها الأسفار المقدسة. وطبيعة الوحي لا يمكن إدراك دقائقها، فهي بمثابة سر من أسرار الله.