الكرستولوجيا هي مجال دراسة ضمن الثيولوجيا المسيحية مهتمة بدراسة طبيعة يسوع المسيح، وخاصة كيفية إرتباط الآلوهية والإنسانية في شخص يسوع.
فهرس |
منذ منتصف القرن العشرين بدأت الكريستولوجيا تأخذ حيّزًا مهمًّا في حركة الفكر اللاهوتي المسيحي. وبعد أن كانت المسيحانيّة القديمة تنازليّة أي أنها تنطلق من كون يسوع هو المسيح، الكلمة، ابن الله، حيث المُعطى الأوّل لهذا المفهوم اللاهوتي هو:
الى ذلك أشارت المسيحانيّة الحديثة التصاعديّة إلى أنها انطلقت من الانسان المسمّى يسوع، المحدود زمنيًّا ومكانيًّا، إلى نقطة الوصول حيث أنّه ليس إنسانًا فقط إنما هو الله. ومع هاتين الحركتين التنازليّّة القديمة والتصاعديّة الحديثة أخذت هذه الأخيرة في البروز على حساب الأولى ممّا أحدث انقلابًا مهمًّا بالنسبة للكريستولوجيا المعاصرة حيث لم يعد التجسّد وحده هو المحور الذي يشدّد على طبيعة المسيح الإلهيّة-الإنسانيّة دون أن يأخذ التدرّج البشريّ في فهم هذا السرّ تاريخيًّا انطلاقًا من موت يسوع وقيامته. لكن لا بدّ من الاقرار بأن هاتين الحركتين تتكاملان ولا تتناقضان. فالعودة إلى الكتاب المقدّس في الخطاب الكريستولوجي أتاح لنا التوفيق بين صورتين للمسيح، الأولى ناجمة عن الكريستولوجيا التي ترتكز إلى علم التفسير الكتابي، والثانية إلى علم اللاهوت العقائدي المليئة بالتنظير اللاهوتي. وقد تبنّى هذا الخطاب الجديد قناعة الآباء الأوائل لأن مكان وضع اللاهوت هو في قراءة الكتاب المقدّس قراءةً هادئة، مفصّلة ومتماسكة من حيث تضامن معانيها الشاملة... فلا فصل في الكريستولوجيا الكينونيّة لأنه لا فصل بين يسوع التاريخي والمسيح موضوع إيماننا. فلذلك إنّ كان العبور من الانسانيّة إلى الألوهيّة في شخص يسوع أمر ممكن، نجد أن العبور أيضًا من الألوهيّة إلى الانسانيّة ممكنًا، لأنّ واحدهما يفترض قيام الآخر، فيسوع هو إله تَجَسَّد وليس إنسانًا أصبح إلهًا. وبيسوع لم يتخّذ الله ابنًا له، بل أعطانا ابنه الوحيد... ولا بدّ للتقليد من القبول بالتنازع القائم بين ضرورة الأمانة وواجب التجدّد. وعليه فإن المستوى التيولوجي أظهر لنا في الإزائيات وأعمال الرسل تجانسًا من الاهتمام اللاهوتي في القرن العشرين الذي ينطلق من يسوع كشخص ليصل إلى لاهوته وكذلك حدث موته وقيامته ليصل إلى تجسده. من ناحية ثانية إن النظرة إلى شخص يسوع المسيح التي تبدو موضوعيّة فهي مرتبطة بالجوهر Ousia، الطبيعة Phusis والقناع Persona. في حين أنه في المسيحانيّة الحديثة تبدو متأثّرة بالفلسفة الحديثة وهي نظرة ذاتيّة مرتبطة بالكائن الذي يفكّر (ديكارت)، والذي يريد ويقرّر وينفّذ ويتحمّل المسؤوليّة ويتصرّف تصرّفًا أخلاقيًّا ويحقّق حريته في كلّ ذلك (كَنْتْ) ويكوّن علاقات للآخرين فيحقّق ذاته (هيغل) ويحيا في الزمان فيعي ذاته داخل الزمان (هايديغر). وهذه اللغة العصريّة هي أنتروبولوجيّة ووجوديّة وواقعيّة وتاريخيّة تعكس اهتمام انسان القرن العشرين.
أما لجهة تعليم الكنيسة العقائدي حول شخص يسوع المسيح فقد عبّرت عنه بقرارات مجمعيّة منذ القرون الأولى والتي تطرّقت إلى سرّ المسيح:
وفي هذا الإطار ردّ المجمع المذكور ب "نؤمن... بربٍّ واحدِ يسوع المسيح، ابن الله، المولود الوحيد من الآب، أي من جوهر الآب.. وبناءً على ما صدَر طهّر المجمع المفاهيم اللاهوتيّة من التفلسف الذي وقعت فيه بدعة آريوس. مع الإشارة إلى أنّ حركة نيقيا هي تصاعدية تنطلق من يسوع الانسان إلى يسوع الإله.
وإزاء هذه الأفكار أعلن المجمع اعترافه بأن الكلمة صار واحدًا مع الجسد، إذ اتحد به اتحادًا شخصيًّا، مشددًا على عبادة الشخص الواحد، الابن، والربّ، يسوع المسيح. وعدم تفرقته بين الله والانسان وعدم الفصل بينهما. امّا عن مريم العذراء أشار المجمع إلى أنها ولدت بالجسد الإله الذي صار واحدًا مع الجسد بحسب الطبيعة، وسمّاها والدة الإله.
واللغة الخلقيدونيّة التي اعتبرها اللاهوتيّون أكمل صيغة مسيحانيّة مع القسطنطينيّة 2 و 3 وملخصًا للمجامع الأخرى. نرى أن المجمع دعا إلى ضرورة العودة إلى الكتاب المقدّس، والى مجامع نيقيا، القسطنطينيّة الأوّل وأفسس معترفًا بقانون الإيمان الذي حُدّد في نيقيا-القسطنطينيّة. فميزة خلقيدونيا الأساسيّة هي الحفاظ على حقيقة انسانيّة يسوع التي كانت مهدّدة من أوطيخا ومن بعده في لاهوت الطبيعة الواحدة Monophysisme. أخيرًا تجدر الإشارة إلى أنّه بين المستوى التيولوجي (بين نقطة انطلاق المسيحانيّة ونقطة وصولها) والمستوى الأنتروبولوجي (بين الشخص وتاريخه) لا بدّ أن يكامل المستويين بعضهما ففي المسيحانيّة القديمة ما أعطى للمسيحانيّة الجديدة تفسيرها لتواكب وتحدّث العصور القادمة، حيث لا أولويّة للواحدة على الأخرى. فالمسيح هو انسان حقيقي أخذ كل شيء من الطبيعة البشريّة، الجسد والنفس والإرادة والحريّة، وقد كان متحدًا بالله في عمق كيانه، فهو "ابن الله المولود من الآب قبل كل الدهور... إله حقّ من إله حقّ، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر".
* جوزيف سمعان إعلامي ومتخصّص في علم اللاهوت