الرئيسيةبحث

رياض الصالحين/الصفحة السادسة والعشرون



باب الأمر بأداء الأمانة


قال اللَّه تعالى (النساء 58): {إن اللَّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}.


وقال تعالى (الأحزاب 72): {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان؛ إنه كان ظلوماً جهولاً}.


199- وعن أبي هريرة رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ ﷺ قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.


وفي رواية (وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم) .


200- وعن حذيفة بن اليمان رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال: حدثنا رَسُول اللَّهِ ﷺ حديثين قد رأيت أحدهما أنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: (ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً وليس فيه شيء) ثم أخذ حصاةً فدحرجه على رجله (فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، حتى يقال للرجل: ما أجلده! ما أظرفه! ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان).

ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت: لئن كان مسلماً ليردنه علي دينه، وإن كان نصرانياً أو يهودياً ليردنه علي ساعيه. وأما اليوم فما كنت أبايع منكم إلا فلاناً وفلاناً , مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.


قوله (جذر) بفتح الجيم وإسكان الذال المعجمة: وهو أصل الشيء.

و (الوكت) بالتاء المثناة من فوق: الأثر اليسير.

و (المجل) بفتح الميم وإسكان الجيم: وهو تنفطٌ في اليد ونحوها من أثر عمل وغيره.

قوله (منتبرا): مرتفعاً.

قوله (ساعيه): الوالي عليه.


201- وعن حذيفة وأبي هريرة رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُما قالا قال رَسُول اللَّهِ ﷺ : (يجمع اللَّه تبارك وتعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم صلوات اللَّه عليه فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنة. فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل اللَّه. قال فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك إنما كنت خليلاً من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى الذي كلمه اللَّه تكليماً. فيأتون موسى فيقول: لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة اللَّه وروحه. فيقول عيسى: لست بصاحب ذلك. فيأتون محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فيقوم فيؤذن له، وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يميناً وشمالاً، فيمر أولكم كالبرق) قلت: بأبي وأمي أي شيء كمر البرق قال: ألم تروا كيف يمر ويرجع في طرفة عين، ثم كمر الريح، ثم كمر الطير وشد الرجال: تجري بهم أعمالهم ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد، وحتى يجيء الرجل لا يستطيع السير إلا زحفاً. وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به، فمخدوش ناج، ومكردس في النار , والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفاً ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.


قوله (وراء وراء) هو بالفتح فيهما وقيل بالضم بلا تنوين: ومعناه لست بتلك الدرجة الرفيعة، وهي كلمة بذكر على سبيل التواضع.

وقد بسطت معناها في شرح صحيح مسلم، والله أعلم.


202- وعن أبي خبيب -بضم الخاء المعجمة- عبد اللَّه بن الزبير رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ قال: لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه.

فقال: يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوماً، وإن من أكبر همي لديني، أفترى ديننا يبقي من مالنا شيئا ثم قال: يا بني بع مالنا واقض ديني.

وأوصى بالثلث، وثلثه لبنيه (يعني لبني عبد اللَّه بن الزبير ثلث الثلث) قال: فإن فضل من مالنا بعد قضاء الدين شيء فثلثه لبنيك. قال هشام: وكان ولد عبد اللَّه قد وازى بعض بني الزبير: خبيب وعباد، وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد اللَّه: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بني إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه بمولاي.

قال: فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبت من مولاك قال: اللَّه. فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه.

قال: فقتل الزبير ولم يدع ديناراً ولا درهماً إلا أرضين: منها الغابة، وإحدى عشرة داراً بالمدينة، ودارين بالبصرة، وداراً بالكوفة، وداراً بمصر.

قال: وإنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير: لا ولكن هو سلف إني أخشى علية الضيعة.

وما ولي إمارة قط ولا جباية ولا خراجاً ولا شيئاً إلا أن يكون في غزوة مع رَسُول اللَّهِ ﷺ أو مع أبي بكر وعمر وعثمان رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُم.

قال عبد اللَّه: فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف. فلقي حكيم بن حزام عبد اللَّه بن الزبير فقال: يا ابن أخي كم على أخي من الدين فكتمته وقلت: مائة ألف.

فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تسع هذه.

فقال عبد اللَّه: أرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف قال: ما أراكم تطيقون هذا فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي.

قال: وكان الزبير قد اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف فباعها عبد اللَّه بألف ألف وستمائة ألف ثم قام فقال: من كان له على الزبير شيء فليوافنا بالغابة.

فأتاه عبد اللَّه بن جعفر وكان له على الزبير أربعمائة ألف.

فقال لعبد اللَّه: إن شئتم تركتها لكم. قال عبد اللَّه لا، قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم، فقال عبد اللَّه لا، قال: فاقطعوا لي قطعة. قال عبد اللَّه: لك من ههنا إلى ههنا.

فباع عبد اللَّه منها فقضى عنه دينه وأوفاه وبقي منها أربعة أسهم ونصف. فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان، والمنذر بن الزبير وابن زمعة.

فقال له معاوية: كم قومت الغابة قال: كل سهم مائة ألف. قال: كم بقي منها قال: أربعة أسهم ونصف.

فقال المنذر بن الزبير: قد أخذت سهماً بمائة ألف. وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهماً بمائة ألف.

وقال ابن زمعة: قد أخذت سهماً بمائة ألف فقال معاوية: كم بقي منها قال: سهم ونصف. قال: قد أخذته بخمسين ومائة ألف.

قال: وباع عبد اللَّه بن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة ألف.

فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه قال بنو الزبير: اقسم بيننا ميراثنا.

قال: والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه.

فجعل كل سنة ينادي في الموسم. فلما مضى أربع سنين قسم بينهم ورفع الثلث.

وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف؛ فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

رياض الصالحين - كتاب المقدمات

باب الإخلاص وإحضار النية | باب باب التوبة | باب الصبر | باب الصدق | باب المراقبة | باب التقوى | باب اليقين والتوكل | باب الاستقامة | باب التفكر في عظيم مخلوقات الله تعالى | باب المجاهدة | باب الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر | باب بيان كثرة طرق الخير | باب الاقتصاد في العبادة | باب المحافظة على الأعمال | باب الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها | باب وجوب الانقياد لحكم اللَّه تعالى | باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور | باب من سن سنة حسنة أو سيئة | باب الدلالة على خير والدعاء إلى هدى أو ضلالة | باب التعاون على البر والتقوى | باب النصيحة | باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر | باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أو نهى عن منكر وخالف قوله فعله | باب الأمر بأداء الأمانة | باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم | باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم | باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة | باب قضاء حوائج المسلمين | باب الشفاعة | باب الإصلاح بين الناس | باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء الخاملين | باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين | باب الوصية بالنساء | باب حق الزوج على المرأة | باب النفقة على العيال | باب الإنفاق مما يحب ومن الجيد | باب وجوب أمر أهله وأولاده بطاعة الله تعالى | باب حق الجار والوصية به | باب بر الوالدين وصلة الأرحام | باب تحريم العقوق وقطيعة الرحم | باب بر أصدقاء الأب والأم | باب إكرام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان فضلهم | باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل | باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم | باب فضل الحب في الله والحث عليه | باب علامات حب الله تعالى للعبد | باب التحذير من إيذاء الصالحين | باب إجراء أحكام الناس على الظاهر | باب الخوف | باب الرجاء | باب فضل الرجاء | باب الجمع بين الخوف والرجاء | باب فضل البكاء | باب فضل الزهد في الدنيا | باب فضل الجوع وخشونة العيش | باب القناعة والقفاف والاقتصاد | باب جواز الأخذ من غير مسألة | باب الحث على الأكل من عمل يده | باب الكرم والجود والإنفاق | باب النهى عن البخل والشح | باب الإيثار والمواساة | باب التنافس في أمور الآخرة | باب فضل الغني الشاكر | باب ذكر الموت وقصر الأمل | باب استحباب زيارة القبور للرجال | باب كراهة تمنى الموت | باب الورع وترك الشبهات | باب استحباب العزلة عند فساد الناس | باب فضل الاختلاط بالناس حضور جمعهم وجماعاتهم | باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين | باب تحريم الكبر والإعجاب | باب حسن الخلق | باب الحلم والأناة والرفق | باب العفو والإعراض عن الجاهلين | باب احتمال الأذى | باب الغضب إذا انتهكت حرمات الشرع | باب أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم | باب الوالى العادل | باب وجوب طاعة ولاة الأمر | باب النهى عن سؤال الإمارة | باب حث السلطان والقاضي | باب النهى عن تولية الإمارة والقضاء