→ باب التقوى | رياض الصالحين باب اليقين والتوكل المؤلف: يحيى النووي |
باب الاستقامة ← |
باب اليقين والتوكل
قال الله تعالى: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً} ((الأحزاب : 22))
وقال تعالى : {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوءٌ واتبعوا رضوان الله، والله ذو فضل عظيم} ((آل عمران : 173: 174))،
وقال تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} ((الفرقان : 58))
وقال تعالى: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} ((إبراهيم :11)).
وقال تعالى : {فإذا عزمت فتوكل على الله} ((آل عمران :159)). والآيات في الأمر بالتوكل كثيرة معلومة.
وقال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} (( الطلاق :3)) أي: كافية:
وقال تعالى : {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون} ((الأنفال : 2)) والآيات في فضل التوكل كثيرة معروفة.
وأما الأحاديث.
74- فالأول عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ : عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي، فقيل لى : هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لى، انظر إلى الأفق الآخر، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب" ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله ﷺ ، وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام، فلم يشركوا بالله شيئاً- وذكروا أشياء- فخرج عليهم رسول الله ﷺ فقال: "ما الذي تخوضون فيه؟" فأخبروه فقال: "هم الذين لا يرقون ، ولا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون" فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: "أنت منهم" ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم فقال: "سبقك بها عكاشة" . ((متفق عليه)) .
الرهيط بضم الراء: تصغير رهط، وهم دون عشرة أنفس. والأفق : الناحية والجانب. وعكاشة بضم العين وتشديد الكاف وبتخفيفها ، والتشديد أفصح .
75- الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً أن رسول الله ﷺ كان يقول: "اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت ، وبك خاصمت. اللهم أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا تموت، والجن والإنس يموتون" ((متفق عليه)) . ((وهذا لفظ مسلم، واختصره البخاري)).
76- الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم ﷺ حين ألقي في النار، وقالها محمد ﷺ حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل: ((رواه البخاري)).
وفي رواية للبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان آخر قول إبراهيم ﷺ حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل
77- الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير" ((رواه مسلم)).
قيل : معناه متوكلون، وقيل: قلوبهم رقيقة
78- الخامس: عن جابر رضي الله عنه أنه غزا مع النبي ﷺ قبل نجد، فلما قفل رسول الله ﷺ قفل معهم، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله ﷺ، وتفرق الناس يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله ﷺ تحت سمرة، فعلق بها سيفه، ونمنا نومة، فإذا رسول الله ﷺ يدعونا، وإذا عنده أعرابي فقال: "إن هذا اختراط علي سيفي وأنا نائم، فاسيقظت وهو في يده صلتا، قال: من يمنعك منى؟ قلت: الله-ثلاثا" ولم يعاقبه وجلس. ((متفق عليه)) .
وفي رواية : قال جابر: كنا مع رسول الله ﷺ بذات الرقاع: فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله ﷺ، فجاء رجل من المشركين، وسيف رسول الله ﷺ معلق بالشجرة، فاخترطه فقال : تخافني؟ قال: لا قال : فمن يمنعك مني ؟ قال: الله .
وفي رواية أبي بكر الإسماعيلى في صحيحه: قال: من يمنعك مني؟ قال : الله قال: فسقط السيف من يده، فأخذ رسول الله ﷺ السيف فقال: من يمنعك مني؟ فقال كن خير آخذ، فقال تشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله؟ قال: لا، ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فأتى أصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس.
وقوله: قفل أي : رجع . و العضاه : الشجر الذي له شوك. والسمرة بفتح السين وضم الميم: الشجرة من الطلح، وهي العظام من شجرة العضاه. و اخترط السيف أي : سله وهو في يده. صلتا أي: مسئولاً ، وهو بفتح الصاد وضمها.
79- السادس: عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول : "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصاً وتروح بطاناً" ((رواه الترمذي ، وقال حديث حسن )).
معناه تذهب أول النهار خماصاً : أي ضامرة البطون من الجوع، وترجع آخر النهار بطاناً: أي : ممتلئة البطون
80- السابع: عن أبي عمارة البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ﷺ : " يا فلان إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك: وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت؛ فإنك إن مت من ليلتك مت على الفطرة، وإن أصبحت أصبت خيراً" ((متفق عليه)) .
وفي رواية في الصحيحين عن البراء قال: قال لي رسول الله ﷺ: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل: وذكر نحوه، ثم قال: واجعلهن آخر ما تقول
81- الثامن: عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي رضي الله عنه - وهو وأبوه وأمه صحابة، رضي الله عنهم- قال: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا فقلت يارسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدمية لأبصرنا. فقال: " ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما" ((متفق عليه)) .
82- التاسع: عن أم المؤمنين أم سلمة، واسمها هند بنت أبي أمية حذيفة المخزومية، رضي الله عنها أن النبي ﷺ كان إذا خرج من بيته قال: "بسم الله، توكلت على الله ، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أذل أو أذل، أو أظلم أو أظلم ، أو أجهل أو يجهل علي" ((حديث صحيح رواه أبو داود، والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحة)) . ((قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وهذا لفظ أبي داود)).
83- العاشر: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : "من قال-يعني إذا خرج من بيته-: بسم الله توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، يقال له: هديت وكفيت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان". رواه أبو داود والترمذي، والنسائي وغيرهم. وقال الترمذي: حديث حسن، زاد أبو داود: "فيقول :-يعني الشيطان-لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقيّ ؟
84- وعن أنس رضي الله عنه قال: كان أخوان على عهد النبي ﷺ، وكان أحدهما يأتي النبي ﷺ ، والآخر يحترف، فشكا المحترف آخاه للنبي ﷺ فقال : "لعلك ترزق به" ((رواه الترمذي بإسناد صحيح على شرط مسلم)).
يحترف : يكتسب ويتسبب