→ كتاب المفلس | الروضة الندية شرح الدرر البهية كتاب اللقطة صديق حسن خان القنوجي |
كتاب القضاء ← |
من وجد لقطة فليعرف عفاصها وهو الوعاء الذي تكون فيه من جلد أو خرقه أو غير ذلك من العفص وهو الثني والعطف وبه سمي الجلد الذي يكون على رأس القارورة .
ووكاءها وهو الخيط الذي يشد به الوعاء قيل : فائدة المعرفة أنه لو ادعاها أحد ووصفها إليه . وقيل : أن لا تختلط بماله إختلاطاً لا يمكن معه التمييز إذا جاء مالكها . في شرح السنة قال الشافعي : إذا عرف الرجل العفاص والوكاء والعدد والوزن ووقع في نفسه أنه صادق فله أن يعطيه ولا أجبره عليه إلا ببينة . لأنه قد يصيب الصفة بأن يسمع الملتقط يصفها . وفي الهداية فإن أعطى علامتها حل للملقتط أن يدفعها إليه ولا يجبر على ذلك في القضاء انتهى .
فإن جاء صاحبها دفعها إليه لحديث عياض بن حمار قال : قال رسول الله (ﷺ) من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل ، أو ليحفظ عفاصها ووكاءها ، فإن جاء صاحبها فلا يكتم فهو أحق بها ، وإن لم يجيء صاحبها فهو مال الله يؤتيه من يشاء أخرجه أحمد وابن ماجة وأبو داود والنسائي وابن حبان . وفي الصحيحين من حديث زيد بن خالد قال : سئل رسول الله (ﷺ) عن لقطة الذهب والورق فقال : أعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة ، فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك ، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه . وسأله عن ضالة الإبل فقال مالك : ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها . وسأله عن الشاة فقال : خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب وفي لفظ لمسلم فإن جاء صاحبها وعرف عفاصها وعددها ووكاءها فأعطها إياه وإلا فهي لك وفي مسلم وغيره من حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : عرفها فإن جاء أحد يخبرك بعدتها ووعائها ووكائها فاعطها إياه وإلا فاستمتع بها فدل ما ذكرنا على أنه إذا جاء صاحبها دفعها إليه . وفي أعلام الموقعين قال يا رسول الله : فاللقطة يجدها في سبيل العامرة . قال : عرفها حولاً فإن وجدت باغيها فأدها إليه وإلا فهي لك . قال : ما يوجد في الخراب . قال : فيه وفي الركاز الخمس ذكره أحمد وأهل السنن . قال ابن القيم : والافتاء بما فيه متعين وإن خالفه من خالفه فإنه لم يعارضه ما يوجب تركه انتهى .
وإلا عرف بها حولاً وبعد ذلك يجوز له صرفها ولو في نفسه ويضمن مع مجيء صاحبها يعني إن جاء صاحبها بعد ذلك عرفها له إن كان قد أتلفها . وأرجعها بعينها إن كانت باقية . كما يفيده قوله (ﷺ) فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يجب التعريف بعد الحول . وقد ورد في لفظ للبخاري من حديث أبي ما يدل على أن التعريف يجب بعد الحول ، ولفظه قال : وجدت صرة فيها مائة دينار فأتيت النبي (ﷺ) فقال: عرفها حولاً فعرفتها فلم أجد من يعرفها ، ثم أتيته ثانياً فقال : عرفها حولاً فلم أجد ، ثم أتيته ثالثاً فقال : احفظ وعاءها وعددها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها ، فاستمتعت بها فلقيته يعد بمكة وقد وقع الإختلاف بين الحفاظ في هذه الرواية . فعن بعضهم أن الزيادة على العام غلط كما جزم بذلك ابن حزم . قال ابن الجوزي : والذي يظهر لي أن سلمة أخطأ فيها ثم ثبت واستمر على عام واحد . وجمع بعضهم بأن الزيادة على العام محمولة على مزيد الورع والكلام في ذلك يطول . والمراد بقوله في الحديث ولتكن وديعة عندك أنه يجب ردها فتجوز بذكر الوديعة عن وجوب الرد لعوضها بعد الإستنفاق بها . قال في المسوى : قوله عرف سنة عليه الشافعي وأبو حنيفة . وخص منه الحقير لحديث علي أنه التقط ديناراً في عهد النبي (ﷺ) ولم يعرفه وفي المنهاج ، والأصح أن الحقير لا يعرف سنة بل زمناً يظن أن صاحبه يعرضه عنه غالباً . وفي الوقاية عرفت مدة لا تطلب بعدها .
ولقطة مكة المكرمة زادها الله شرفاً أشد تعريفاً من غيرها لما ثبت في الصحيح أنها لا تحل لقطة مكة إلا لمعرف مع أن التعريف لا بد منه في لقطة مكة وغيرها ، فحمل ذلك على المبالغة في التعريف لأن الحاج قد يرجع إلى بلده ولا يعود ، فاحتاج الملتقط لها إلى المبالغة في التعريف وقد قيل في التعريف وقد قيل غير ذلك .
ولا بأس بأن ينتفع الملتقط بالشئ الحقير كالعصا والسوط ونحوهما بعد التعريف به ثلاثاً
ولا بأس به ثلاثاً لما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث جابر قال : رخص لنا رسول الله (ﷺ) في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به وفي إسناده المغيرة بن زياد وفيه مقال ، وقد وثقه وكيع وابن معين وابن عدي . وفي الصحيحين من حديث أنس أن النبي (ﷺ) في بتمرة في الطريق فقال : لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها وقد أخرج أحمد والطبراني والبيهقي من حديث يعلى بن مرة مرفوعاً من التقط لقطة يسيرة حبلاً أو درهماً أو شبه ذلك فليعرفها ثلاثة أيام فإن كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام زاد الطبراني فإن جاء صاحبها وإلا فليتصدق بها وفي إسناده عمر بن عبد الله بن يعلى وهو ضعيف . وأخرج عبد الرزاق من حديث أبي سعيد أن علياً جاء إلى النبي (ﷺ) بدينار وجده في السوق فقال النبي (ﷺ) : عرفه ثلاثاً ففعل فلم يجد أحداً يعرفه فقال كله . وأما إذا كان الشئ مأكولاً فلا يجب التعريف به بل يجوز أكله في الحال لما تقدم من قوله (ﷺ) في التمرة .
وتلتقط ضالة الدواب إلا الإبل للحديث المتقدم عن زيد بن خالد وإلحاق سائر الدواب بالشاة لكونها مثلها في معنى قوله (ﷺ) هي لك أو لأخيك أو للذئب ولا يخرج من ذلك إلا الإبل كما صرح به (ﷺ) ومما يفيد ذلك ما أخرجه مسلم من حديث زيد بن خالد أن النبي (ﷺ) قال : لا يأوي الضالة إلا ضال ما لم يعرفها فإن الضالة تصدق على الشاة وغيرها . وقد قيد ذلك بالتعريف فدل على جواز الإلتقاط وخرجت الإبل بالحديث الآخر في المنهاج والحيوان الممتنع من صغار السباع بقوة أو بعدو أو طيران إن وجد بمفازة فللقاضي التقاطه ، ويحرم التقاطه للتملك ، وإن وجد بقرية فالأصح جواز التقاطه للتملك وما لا يمتنع منها كشاة يجوز التقاطه في القرية والمفازة ولا فرق عند أبي حنيفة بين أن يكون بهيمة أو غيرها