يأثم الغاصب لأنه أكل مال غيره بالباطل أو إستولى عليه عدوانا ، وقد قال الله تعالى : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وقال (ﷺ) : لا يحل مال امريء مسلم إلا بطيبة من نفسه أخرجه الدارقطني من طرق عن أنس مرفوعاً ، وفي أسانيدها ضعف . وأخرجه أحمد بن حنبل والدارقطني من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو متكلم عليه . وأخرجه الحاكم من حديث ابن عباس . وأخرجه الدارقطني عنه من طريق أخرى . وأخرجه البيهقي وابن حبان والحاكم في صحيحيهما من حديث أبي حميد الساعدي . وقد أخرج أحمد بن حنبل و أبو داود و الترمذي وحسنه من حديث السائب بن يزيد عن أبيه قال : قال رسول الله (ﷺ) لا يأخذن أحدكم متاع أخيه جاداً ولا لاعباً وإذا أخذ أحدكم عصا أخيه فليردها عليه وحديث إنما أموالكم ودماؤكم عليكم حرام وهو ثابت في الصحيحين وغيرهما وهو مجمع على تحريم الغصب عند كافة المسلمين . ومجمع على وجوب رد المغصوب إذا كان باقياً وعلى تسليم عوضه إن كان تالفاً .
ويجب عليه رد ما أخذ ولا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيبة من نفسه كما تقدم دليله .
وليس لعرق ظالم حق ومن زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شئ ومن غرس في أرض غيره غرساً رفعه لحديث رافع بن خديج أن النبي (ﷺ) قال : من زرع في أرض قوم بغير أذنهم فليس له من الزرع شئ وله نفقته أخرجه أحمد بن حنبل و أبو داود و ابن ماجه و الترمذي والبيهقي والطبراني وابن أبي شيبة والطيالسي وأبو يعلى وحسنه البخاري . وأخرج أبو داود والدارقطني من حديث عروة بن الزبير أن رسول الله (ﷺ) قال : من أحيا أرضاً فهي له وليس لعرق ظالم حق قال : ولقد أخبرني الذي حدثني هذا الحديث أن رجلين اختصما إلى رسول الله (ﷺ) غرس أحدهما نخلاً في أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها قال: فلقد رأيتها وأنها لتضرب أصولها بالفؤس وإنها لنخل عم وأخرج أحمد بن حنبل و أبو داود و الترمذي وحسنه و النسائي . وأخرجه البخاري تعليقاً من حديث بن زيد قال : قال رسول الله (ﷺ) من أحيا أرضاً ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق
أقول : الحق الحقيق بالقبول أن الزرع لمالك الأرض وعليه للغاصب ما أنفقه على الزرع كما ثبت ذلك عند أهل السنن ولفظه في رواية أنه (ﷺ) أتى بني حارثة فرأى زرعاً في أرض ظهير فقال : ما أحسن زرع ظهير قيل : ليس لظهير قال : أليست أرض ظهير ؟ قالوا : بلى ولكنه زرع فلان قال : فخذوا زرعكم وردوا عليه النفقة الحديث .
ولا يحل الإنتفاع بالمغصوب لما تقدم من الأدلة القاضية بأنه لا يحل مال الغير لا عيناً ولا انتفاعاً . وقد ورد في غصب الأرض التي لا ثمرة لغصبها إلا الإنتفاع بها بالزرع . ونحوه . أحاديث منها عن عائشة في الصحيحين وغيرهما أن النبي (ﷺ) قال : من ظلم شبراً من الأرض طوقه الله من سبع أرضين وفيهماً أيضاً من حديث أبي سعيد نحوه . وفي البخاري وغيره من حديث ابن عمر نحوه أيضاً . وفي مسلم من حديث أبي هريرة نحوه أيضاً .
ومن أتلفه فعليه مثله أو قيمته لحديث عائشة أنه لما كسرت إناء صفية الذي أهدت فيه للنبي (ﷺ) فقال لها : إناء كإناء وطعام كطعام أخرجه أحمد بن حنبل و أبو داود و النسائي ، وحسنه الحافظ في الفتح . وأخرج البخاري وغيره من حديث أنس أن رسول الله (ﷺ) كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام فضربت بيدها فكسرت القصعة فضمها وجعل فيها الطعام وقال : كلوا ، ودفع القصعة الصحيحة للرسول وحبس المكسورة ولفظ الترمذي قال : أهدت بعض أزواج النبي (ﷺ) إليه طعاماً في قصعة فضربت عائشة القصعة بيدها فألقت ما فيها فقال النبي (ﷺ) : طعام بطعام وإناء بإناء وقد إستدل بذلك من قال : أن القيمي يضمن يمثله ولا يضمن بالقيمة إلا عند عدم المثل وهو الشافعي والكوفيون وقال مالك : إن القيمي يضمن بقيمته مطلقاً قيل : لا . خلاف في أن المثلي يضمن بمثله ولكنه قد ورد في حديث المصراة الثابت في الصحيح ردها وصاعاً من تمر واللبن مثلى والبحث مستوفي في مواطنه