الرئيسيةبحث

الروضة الندية شرح الدرر البهية/المقدمة


المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

نحمدك اللهم أنت الذي علمت الناس في دينهم حكماً ، وفي دنياهم أحكاماً وجعلت أمة خاتم الرسل المرحومة أكرم الأمم كلها منزلاً ومقاماً ومازلت ألهمت من شئت وتلهم من تشاء منهم في كل قرن إستعمال السنن المطهرة على وجهها إلهاماً ونهيتهم عن التفرق في الدين ، وأوضحت لهم سبيل اليقين ، فأصبحوا بنعمتك بررة كراماً وما انفك عدو لهم نفوا عن الدين وينفون عنه إنتحال المبطلين ، وتحريف الغالين ، وتأويل الجاهلين ، حتى عاد علم الحق معتدلاً قواماً

ونصلي عليك أيها النبي الكريم ، بك من الله علينا بالإيمان وهدانا إسلاماً لطفاً بنا ورحمة علينا ، وبركة فينا ، وإحساناً إلينا وإكراماً فكان ذلك لزاماً ولولاك ما اهتدينا ، ولا صلينا ، ولا علمنا أحكاماً فكنت أنت داعينا إلى الله سبحانه وتعالى ، وهادياً لنا ، ورؤفاً بنا ، وفينا إماماً ونسلم عليكم أهل البيت الطاهرين الطيبين أنتم أصبتم من سعادة الدارين سهاماً وقمتم بالحق الحقيق بالإتباع كما يحق قياماً ورضي الله عنكم أصحاب النبي (ﷺ) بكم انتظم مبتغى الأمة الأمية بدءاً وختاماً ومنك استتب أمر الملة المكرمة أصلاً وفرعاً وإهتماماً ورحمة الله وبركاته عليكم أهل الحديث ، أنتم كشفتم للناس عن صراح الحق وصحاح السنة وقح الشريعة ظلاماً وعن وجه الدين القويم والصراط المستقيم لثاماً وكيف وقد جعلكم الله تعالى للمتقين إماماً

! وبعد ! فلما جمع الإمام الهمام عز المسلمين والإسلام ، سلالة السلف الصلحاء , تذكار العرب العرباء ، وارث علوم سيد المرسلين ، خاتم المفسرين والمحدثين ، شيخ شيوخنا الكاملين ، المجتهد المطلق العلامة الرباني ، قاضي قضاة القطر اليماني ، محمد بن علي بن محمد اليمني الشوكاني ، المتوفي سنة خمس وخمسين ومائتين وألف الهجرية ، رضي الله تعالى عنه وأرضاه ، وجعل الفرودس منزله ونزله ومأواه ، المختصر الذي سماه [ الدرر البهية في المسائل الفقهية ] قاصداً بذلك جمع المسائل التي صح دليلها ، واتضح سبيلها ، تاركاً لما كان منها من محض الرأي ، فإنه قالها وقيلها ، غير ملتفت إلى ما اشتهر ، فالحق أحق بالإتباع ، وغير جامد على ما ذكر في الزبر فلمسلك التحقيق إتساع ، بل محض فيه النصح النصيح ، ومخض عن زبد الحق الصريح ، وأتى بتحقيقات جليلة خلت عنها الدفاتر ، وأشار إلى تدقيقات نفسية تحوها صحف الأكابر ، ونسبة هذا المختصر إلى المطولات من الكتب الفقهية ، نسبة السبيكة الذهبية إلى التربة المعدنية ، كما يعرف ذلك من رسخ في العلوم قدمه ، وسبح في بحار المعارف ذهنه ولسانه وقلمه ، سأله جماعة من أهل الإنتقاد والفهم النافذ ، العاضين على علوم الإجتهاد بأقوى لحى ، وأحد ناجذ ، أن يجلي عليهم عروس ذلك المختصر ، ويزفه إليهم ليمعنوا في محاسنه النظر ، فاستمهلهم ريثما يصحح منه مايحتاج إلى التصحيح ، وينقح فيه ما لا يستغني عن التنقيح ، ويرجح من مباحثه ماهو مفتقر إلى الترجيح ، ويوضح من غوامضه ما لا بد فيه من التوضيح ، فشرحه بشرح مختصر ، من معين عيون الأدلة معتصر وسماه [ الدراري المضية شرح الدرر البهية ] وفيهما قال قائل :

إن شئت في شرح النبي.........تقدح بزنــــد فيه واري

فاعكف على الدرر التي.........سلكت بسمط من دراري

وشرحه هذا كان بالقول ، فجعلته شرحاً ممزوجاً ، وصيرته على منواله منسوجاً ، مستوعباً للفظه ومعناه ، ومستصحباً لفحاويه ومبناه ، مضيفاً إليه مذاهب الفقهاء ليظهر ضعفها أو قوتها ، عند تقابل الأدلة وتعارضها بالآراء ، لا للأخذ بها على ما كان بأي حال ، فإن الرجال تعرف بالحق لا الحق بالرجال ، ثم زدت عليه أشياء من حاشية الماتن على شفاء الأوام التي سماها ! وبل الغمام ! ومن غيرها عند النظر الثاني في هذا الكتاب ، فعاد بحمد الله تعالى كما قيل اللبأ وابن طاب ، هذا وقد أمليت هذا الشرح على طريق الإرتجال بالإستعجال ، ارشاداً إلى طرق من العلم طالما تركت ، وهزاً لطبائع جامدة طالما ركدت ، راجياً من الله تعالى أن أكون ممن تعلم علم رسول الله (ﷺ) وعلمه وأذاعه ، وحفظه على الناس وفيهم روجه وأشاعه ، فدونك هذا المشروح والشرح ، يلقي إليك زمام التفويض في المدح والقدح ، يا من له في أوج التحقيق صعود ، وعليه من ملابس التدقيق برود ، كيف وهو يروي غليل طالبي فقه السنة ، ويشفي عليل السائقين إلى مساق الجنة ، فليسعد به كل طالب الحق الصادق ، ويضن به كل ذي باطل زاهق ، ولئن رده القاصرون ، فسيقبله الماهرون ، وإن ذمه الجهلة ، فسوف يمدحه الكملة ، وسميت هذا الشرح الأنيس ، بل العلق النفيس ! الروضة الندية شرح الدرر البهية ! والله سبحانه وتعالى أرجو أن يعين على التمام ، وينفعني به ومن أخلفه وجميع المتبعين للسنن في هذه الدار ودار السلام ، إنه ولي الإجابة ، وبيده الهداية والإصابة ، قال رضي الله عنه : بسم الله الرحمن الرحيم أحمد من أمرنا بالتفقه في الدين . وأشكر من أرشدنا إلى إتباع سنن سيد المرسلين ، وأصلي وأسلم على الرسول الأمين وآله الطاهرين وأصحابه الأكرمين