→ كتاب الشفعة | الروضة الندية شرح الدرر البهية كتاب الإجارة صديق حسن خان القنوجي |
كتاب الرهن ← |
قال الله تعالى في قصة موسى وشعيب عليهما السلام : قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين وقال تعالى : وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف في هذه الآية مشروعية الإجارة مطلقاً ومشروعية الإجارة بتسليم نفسه للخدمة ، وعليه أهل العلم . وتدل أيضاً على أنه إن أطاق الخدمة فهي محمولة على المتعارف ، ولا يضرها الجهالة في الجملة لأن الإرضاع والرعي لا يضبطان حق الضبط .
تجوز على كل عمل لم يمنع منه مانع شرعي لإطلاق الأدلة الواردة في ذلك ، كحديث أبي سعيد قال : نهى رسول الله (ﷺ) عن إستئجار الأجير حتى يبين له أجره أخرجه أحمد بن حنبل ورجال إسناده رجال الصحيح ، وأخرجه أيضاً البيهقي وعبد الرزاق وإسحاق في مسنده ، و أبو داود في المراسيل ، و النسائي في الزراعة غير مرفوع . ولفظ بعضهم من استأجر أجيراً فليسم له أجرته ، ولا طلاق حديث أبي هريرة عند البخاري و أحمد بن حنبل قال : قال رسول الله (ﷺ) : يقول الله عز وجل : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ، ومن كنت خصمه خصمته ، رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حراً وأكل ثمنه ، ورجل إستأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه أجره وقد استأجر النبي (ﷺ) دليلاً عند هجرته إلى المدينة كما في البخاري وغيره . وثبت من حديث أبي هريرة عند البخاري قال : قال النبي (ﷺ) : ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم فقال أصحابه : وأنت قال : نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة وأخرج أحمد بن حنبل وأهل السنن ، وصححه الترمذي من حديث سويد بن قيس قال : جلبت أنا ومخرمة العبدي بزاً من هجر فأتينا به مكة فجاءنا رسول الله (ﷺ) يمشي فساومنا سراويل فبعناه وثم رجل يزن بالأجر فقال له : زن وأرجح وفيه أنه (ﷺ) لم يذكر قدر أجرته بل أعطاه ما يعتاده في مثل ذلك ، وقد كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يؤجرون أنفسهم في عصره (ﷺ) ويعملون الأعمال المختلفة حتى أن علياً أجر نفسه من إمرأة على أن ينزع لها كل ذنوب بتمرة فنزع ستة عشر ذنوباً حتى مجلت يداه فعدت له ست عشرة تمرة ، فأتى النبي (ﷺ) فأخبره فأكل معه منها . أخرجه أحمد بن حنبل من حديث علي بإسناد جيد ، وأخرجه أيضاً ابن ماجه ، وصححه ابن السكن ، وأخرجه البيهقي و ابن ماجه من حديث ابن عباس أن علياً أجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة وأما المانع الشرعي فهو مثل الصور التي سيأتي ذكرها .
وتكون الأجرة معلومة عند الإستئجار لحديث أبي سعيد المتقدم .
فإن لم تكن أجرته كذلك أي معلومة إستحق الأجير مقدار عمله عند أهل ذلك العمل لحديث سويد بن قيس السابق ، ولكون ذلك هو الأقرب إلى العدل . وأما أجرة القسام فأقول : القسام أجير كسائر الأجراء يستحق أجرته ممن عمل له ، فإن كانت مسماة لم يستحق سواها ، وإن كانت غير مسماة كانت له مثله على حسب العمل ، ولكنه لا يجعل له من الأجرة ما يجعل لمن يزاول الأعمال الوضيعة ، لأن مرجع صناعة القسمة إلى العلم وهو أشرف صناعة ديناً ودنيا . ولا يجعل له ما يجعل للقسامين في هذا العصر من الأجرة التي تكاد تبلغ إلى مقدار نصيب بعض المقتسمين فإن ذلك من الظلم البحت ، بل يسلك به مسكاً وسطاً وتكون الأجرة على مقدار الأنصباء ، فيكون على كل واحد من الشركاء بمقدار نصيبه . وأما ما يروى عن بعض أهل العلم أن أجرة القسام تكون نصف عشر التركة ، أو ربع عشرها فمجازفة لا ترجع إلى دليل ، بل إعانة لظلمة القسامين على أكل أموال الناس بالباطل . ولقد تفاحش كثير من الحكام ونوابهم في هذا الأمر وصنعوا صنيع من لا يخشى تبعة في الدنيا والآخرة نسأل الله السلامة مع أن من كان منهم يأخذ مقرراً من بيت المال لا يستحق على القسمة شيئاً من الأجرة ، لأنه قد صار مستغرق المنافع فكما أنه لا يأخذ أجرة على قضائه كذلك لا يأخذ أجرة على القسمة ، لأن الكل من مصالح المسلمين التي أخذ نصيباً من بيت المال في مقابلة القيام بها بحسب طاقته .
وقد ورد النهي عن كسب الحجام ومهر البغى وحلوان الكاهن لحديث أبي هريرة أن النبي (ﷺ) نهى عن كسب الحجام ومهر البغى وثمن الكلب أخرجه أحمد بن حنبل برجال الصحيح ، وأخرجه أيضاً الطبراني في الأوسط ، ومثله من حديث رافع بن خديج عند أحمد بن حنبل ، و أبو داود و النسائي و الترمذي وصححه ، وهو أيضاً في صحيح مسلم وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي مسعود البدري قال نهى النبي (ﷺ) عن ثمن الكلب ومهر البغى وحلوان الكاهن .
وعسب الفحل وقد تقدم الكلام على ثمن الكلب وعلى عسب الفحل في البيع . والمراد بمهر البغى ما تأخذه الزانية على الزنا . والمراد بحلوان الكاهن عطية الكاهن لأجل كهانته . والحلوان بضم الحاء المهملة مصدر حلوته إذا أعطيته . وقد إستدل بما تقدم بعض أهل الحديث فقال : أنه يحرم كسب الحجام . وقد ورد في معنى ما تقدم أحاديث ، وفي بعضها التصريح بأنه خبيث وأنه سحت . وذهب الجمهور إلى أنه حلال لحديث أنس في الصحيحين وغيرهما أن النبي (ﷺ) إحتجم حجمه أبو طيبة وأعطاه صاعين من طعام وكلم مواليه فخففوا عنه وفيهما أيضاً من حديث ابن عباس أن النبي (ﷺ) إحتجم وأعطى الحجام أجره ولو كان سحتاً لم يعطه . والأولى الجمع بين الأحاديث بأن كسب الحجام مكروه غير حرام إرشاداً منه (ﷺ) إلى معالي الأمور ، ويؤيد ذلك حديث محيصة بن مسعود عند أحمد بن حنبل و أبو داود و الترمذي و ابن ماجه بإسناد رجاله ثقات أنه كان له غلام حجام فزجره النبي (ﷺ) عن كسبه فقال له : ألا أطعمه أيتاماً لي ؟ قال : لا ، قال : أفلا أتصدق به . قال : لا فرخص له أن يعلفه ناضحه فلو كان حراماً بحتاً لم يرخص له أن يعلفه ناضحه . ويستفاد منه أن إعطاءه (ﷺ) الحجام لا يستلزم أن يأكله أهله حتى تتعارض الأحاديث ، فقد يكون مكروهاً ، لهم ويكون وصفه بالسحت والخبث مبالغة في التنفير ، وقد يمكن الجمع بأن المنع عن مثل ما منع منه محيصة والإذن بمثل ما أذن له ورخص له فيه .
وأجر المؤذن لحديث عبادة بن الصامت أن النبي (ﷺ) قال لعثمان ابن أبي العاص : وأتخذ مؤذناً ، لا يأخذ على أذانه أجراً وفي لفظ لا تتخذ مؤذناً يأخذ على أذانه أجراً والحديث في الصحيح .
وقفير الطحان لحديث أبي سعيد قال نهى رسول الله (ﷺ) عن قفيز الطحان أخرجه الدارقطني والبيهقي وفي إسناده هشام أبو كليب قيل : لا يعرف ، وقد أورده ابن حبان الثقات ووثقه مغلطاي . وقفيز الطحان هو أن يطحن الطعام بجزء منه وقيل : المنهي عنه طحن الصبرة لا يعلم قدرها بجزء منها .
ويجوز الإستئجار على تلاوة القرآن لحديث ابن عباس عند البخاري وغيره أن نفرأ من أصحاب النبي (ﷺ) مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال : هل فيكم من راق فإن في الماء رجلاً لديغاً أو سليماً . فإنطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا : أخذت على كتاب الله أجراً حتى قدموا المدينة فقالوا يارسول الله : أخذ على كتاب الله أجراً ! فقال رسول الله (ﷺ) إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله وفي لفظ من حديث أبي سعيد أن النبي (ﷺ) قال أصبتم اقتسموا واضربوا لي معكم سهماً وضحك النبي (ﷺ) والحديث في الصحيحين بألفاظ . وفي حديث خارجة بن الصلت عن عمه في رقية المجنون بقاتحة الكتاب أن النبي (ﷺ) قال : خذها فلعمري من أكل برقية باطل فقد أكلت برقية حق أخرجه أحمد بن حنبل و أبو داود و النسائي .
لا على تعليمه لحديث أبي بن كعب قال : علمت رجلاً القرآن فأهدى لي قوساً ، فذكرت ذلك للنبي (ﷺ) فقال : إن أخذتها أخذت قوساً من نار فرددتها أخرجه ابن ماجه والبيهقي وقد أعل بالإنقطاع وتعقب وأعل أيضاً بجهالة بعض رواته وتعقب ، وله شاهد عند الطبراني من حديث الطفيل بن عمر والدوسي قال : أقر أني أبي بن كعب القرآن فأهديت إليه قوساً فغدا إلى النبي (ﷺ) وقد تقلدها فقال له النبي (ﷺ) : تقلدها من جهنم وعلى هذا يحمل حديث عبدالرحمن بن شبل عن النبي (ﷺ) قال : اقرؤا القرآن ولا تغلوا فيه ، ولا تجفوا عنه ، ولا تأكلوا به ، ولا تستكثروا به أخرجه أحمد بن حنبل برجال الصحيح ، وأخرجه أيضاً البزار وله شواهد . وحديث عمران بن حصين أن النبي (ﷺ) قال : اقرؤا القرآن واسألوا الله به فإن من بعدكم قوماً يقرؤون القرآن يسألون الناس به أخرجه أحمد بن حنبل و الترمذي وحسنه ، وفي الباب أحاديث . ووجه المنع من أخذ الأجرة على تعليمه ، أن ذلك من تبليغ الأحكام الشرعية وهو واجب ، وقد ذهب إلى ذلك أحمد بن حنبل وأصحابه وأبو حنيفة ، وبه قال عطاء والضحاك والزهري وإسحق وعبد الله بن شقيق . هذا وقد مال الماتن في حاشية الشفاء : إلى أن الجمع متقدم على الترجيح قال لأن حديث أحق ما أخذتم عليه أجراً القرآن عام يصدق على التعليم ، وأخذ الأجرة على التلاوة لمن طلب من القارىء ذلك ، وأخذ الأجرة على الرقية ، وأخذ ما يدفع إلى القارىء من العطاء لأجل كونه قارئاً ونحو ذلك ، فيخص من هذا العموم تعليم المكلف ويبقى ما عداه داخلاً تحت العموم ، وبعض أفراد العام فيه أدلة خاصة تدل على جوازه كما دل العام على ذلك ، فمن تلك الأفراد أخذ الأجرة على الرقية وتعليم المرأة في مقابلة مهرها ، فهكذا ينبغي تحرير الكلام في المقام والمصير إلى الترجيح من ضيق العطن ، ولا سيما لما لا مدخل له فيما نحن بصدده كما زعمه المصنف والمقبلى . وبهذا تعلم أن ما ساقه في أدلة القائلين بجواز أخذ الأجرة على التعليم من حديث الرقية لا دلالة فيه على المطلوب .
و يجوز أن يكري العين مدة معلومة بأجرة معلومة لما ورد من إكراء الأراضي في عصره (ﷺ) ، كحديث رافع بن خديج في الصحيحين قال : كنا أكثر الأنصار حقلاً فكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك ، فأما بالورق فلم ينهنا وفي لفظ لمسلم وغيره فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به وسائر الأعيان لها حكم الأرض . وفي شرح السنة : ذهب عامة أهل العلم إلى جواز كراء الأرض بالدراهم والدنانير وغيرها من صنوف الأموال سواء كان مما تنبت الأرض أولاً تنبت إذا كان معلوماً بالعيان أو بالوصف . كما يجوز إجارة غير الأراضي من العبيد والدواب وغيرها .
وجملته أن ما جاز بيعه جاز أن يجعل أجرة . قال محمد : لا بأس بكراء الأرض بالذهب والورق وبالحنطة كيلاً معلوماً وضرباً معلوماً ما لم يشترط ذلك مما يخرج منها ، فإن إشترط مما يخرج منها كيلا معلوماً فلا خير فيه وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا .
ومن ذلك الأرض لا بشطر ما يخرج منها لأن أحاديث أن النبي (ﷺ) عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من تمر أو زرع وإن كانت ثابتة في الصحيحين وغيرهما فهي منسوخة بمثل حديث رافع المتقدم وما ورد في معناه . وفي المسألة مذاهب متنوعة وأدلة مختلفة واجتهادات مضطربة قد أوضحها الماتن في شرح المنتقى وفي رسالة مستقلة ، وذكرتها في مسك الختام . ومن أصرح أحاديث النهي حديث جابر عند مسلم وغيره قال : كنا نخابر على عهد رسول الله (ﷺ) فنصيب من القصري ومن كذا ومن كذا فقال النبي (ﷺ) . من كانت له أرض فليزرعها أو ليحرثها أخاه وإلا فليدعها وفي حديث سعد بن أبي وقاص أنه نهاهم أن يكروا بذلك وقال : اكروا بالذهب والفضة أخرجه أحمد بن حنبل و أبو داود و النسائي ورجاله ثقات . وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة نحو حديث جابر . وفي الحجة البالغة : إختلف الرواة في حديث رافع إختلافاً فاحشاً ، وكان وجوه التابعين يتعاملون بالمزارعة . ويدل على الجواز حديث معاملة أهل خيبر . وأحاديث النهي عنها محمولة على الإجارة بما على الماذيانات أو قطعة معينة وهو قول رافع ، أو على التنزيه والإرشاد وهو قول ابن عباس ، أو على مصلحة خاصة بذلك الوقت من جهة كثرة مناقشتهم في هذه المعاملة حينئذ وهو قول زيد رضي الله تعالى عنه ، والله تعالى أعلم . والمزارعة أن يكون الأرض والبذر لواحد والعمل والبقر من الآخر والمخابرة أن يكون الأرض لواحد والبذر والبقر والعمل من الآخر ونوع آخر يكون العمل من أحدهما والباقي من الآخر انتهى .
ومن أفسد ما استؤجر عليه أو أتلف ما استأجره ضمن لمثل حديث على اليد ما أخذت حتى تؤديه أخرجه أحمد بن حنبل و أبو داود و ابن ماجه و الترمذي والحاكم وصححه ، وهو من حديث الحسن عن سمرة وفي سماعه منه كلام مشهور ، والمراد أن على اليد ضمان ما أخذت حتى تؤديه . وأخرج أبو داود و النسائي و ابن ماجه والبزار من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي (ﷺ) قال : من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن وقد أخرجه النسائي مسنداً منقطعاً ، ويؤيده حديث عبدالعزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : حدثني بعض الوفد الذين قدموا على أبي قال : قال رسول الله (ﷺ) : أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن أخرجه أبو داود . فالمتطبب إنما ضمن لكونه أقدم على بدن المريض غير عالم بما يعلم به أهل هذه الصناعة فكان ضامناً . وهكذا من استؤجر على عمل عين فأقدم على العمل فيها غير عالم بالصناعة وأفسدها لتعاطيه ضمن . وهكذا من استأجر دابة ليركب عليها إلى مكان فسار بها سيراً غير معتاد فهلكت أو تركت علفها فماتت فإنه ضامن
باب الأحياء والاقطاع
من سبق إلى إحياء أرض لم يسبق إليها غيره فهو أحق بها وتكون ملكاً له لحديث جابر أن النبي (ﷺ) قال: من أحيا أرضاً ميتة فهي له أخرجه أحمد بن حنبل و النسائي و الترمذي وابن حبان وصححه الترمذي ، وفي لفظ من أحاط حائطاً على أرض فهي له أخرجه أحمد بن حنبل و أبو داود وأخرج أحمد بن حنبل و أبو داود والطبراني والبيهقي وصححه ابن الجارود من حديث الحسن عن سمرة مرفوعاً من أحاط حائطاً على أرض فهي له وأخرج أحمد بن حنبل و أبو داود و الترمذي وحسنه و النسائي من حديث سعيد بن زيد قال قال رسول الله (ﷺ) من أحيا أرضاً ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق وأخرج البخاري وغيره من حديث عائشة قالت : قال رسول الله (ﷺ) : من عمر أرضاً ليست لأحد فهو أحق بها وأخرج أبو داود من حديث أسمر بن مضرس قال : أتيت النبي (ﷺ) فبايعته فقال : من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له فخرج الناس يتعادون يتخاطبون أي يجعلون في الأرض خطوطاً علامة لما سبقوا إليه . وصححه الضياء في المختارة في شرح السنة : من أحيا مواتاً لم يجر عليه ملك أحد في الإسلام يملكه وإن لم يأذن السلطان ، وبه قال الشافعي . وذهب بعضهم إلى أنه يحتاج إلى إذن السلطان ، وهو قول أبي حنيفة ، وخالفه صاحباه وقوله : ليس لعرق ظالم حق هو أن يغتصب أرض الغير فيغرس فيها أو يزرع فلا حق له ويقلع غراسه وزرعه ، وفي المنهاج : ولو سبق رجل إلى موضع من رباط مسبل أي وقف أو فقيه إلى مدرسة أو صوفي إلى خانقاه لم يزعج منه ولم يبطل حقه بخروجه لشراء حاجة ونحوه انتهى . في الحجة البالغة : الأرض كلها بمنزلة مسجد أو رباط جعل وقفاً على أبناء على أبناء السبيل وهم شركاء فيه فيقدم الأسبق فالأسبق . ومعنى الملك في حق الآدمي كونه أحق كالإنتفاع من غير انتهى .
ويجوز للإمام أن يقطع من في إقطاعه مصلحة شيئاً من الأرض الميتة أو المعادن أو المياه لما في الصحيحين من حديث أسماء بنت أبي بكر من أنها كانت تنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله (ﷺ) وأخرج أحمد بن حنبل و أبو داود عن ابن عمر أن النبي (ﷺ) أقطع الزبير حضر فرسه وأجرى الفرس حتى قام ثم رمى بسوطه فقال : اقطعوه حيث بلغ السوط وفي إسناده عبد الله بن عمر بن حفص وفيه مقال خفيف . وأقطع النبي (ﷺ) وائل بن حجر أرضاً بحضرموت كما أخرجه الترمذي و أبو داود وابن حبان والبيهقي والطبراني والمنذري بإسناد حسن وصححه الترمذي وأخرجه أحمد بن حنبل من حديث عروة بن الزبير أن عبد الرحمن بن عوف قال : أقطعني النبي (ﷺ) وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا وأخرج البخاري وغيره من حديث أنس قال : دعا النبي (ﷺ) الأنصار ليقطع لهم البحرين فقالوا يارسول الله : إن فعلت فاكتي لإخواننا من قريش بمثلها فلم يكن ذلك عند النبي (ﷺ) فقال : إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني وأخرج أحمد بن حنبل و أبو داود من حديث ابن عباس قال : أقطع النبي (ﷺ) بلال بن الحرث المزني معادن القبلية جلسيها وغوريها وأخرجاه أيضاً من حديث عمرو بن عوف المزني . وأخرج الترمذي و أبو داود و النسائي وصححه ابن حبان وحسنه الترمذي من حديث أبيض بن حمال أنه وفد إلى النبي (ﷺ) استقطعه الملح فقطع له فلما أن ولى قال رجل من المجلس : أتدري ما أقطعت له إنما أقطعته الماء العد قال : فانتزعه منه وفي الباب غير ذلك . قال في المنهاج : المعدن الظاهر وهو ما يخرج بلا علاج لا يملك بالأحياء ولا يثبت فيه إختصاص بتحجر ولا إقطاع . والمعدن الباطن هو ما لا يخرج إلا بعلاج كذهب وفضة وحديد ونحاس لا يملك بالحفر والعمل في الأظهر قال المحلي : والثاني يملك بذلك وللسلطان اقطاعه على الملك وكذا على عدمه في الأظهر ولا يقطع إلا قدراً يتأتى في العمل عليه . قال في الحجة البالغة : ولا شك أن المعدن الظاهر الذي لا يحتاج إلى كثير عمل إقطاعه لواحد من المسلمين إضرار بهم وتضييق عليهم إنتهى .
كتابة الشركة
الناس شركاء في الماء والنار والكلاء لحديث أبي خراش عن بعض أصحاب النبي (ﷺ) قال : قال رسول الله (ﷺ) المسلمون شركاء في ثلاثة : في الماء والكلأ والنار أخرجه أحمد بن حنبل و أبو داود وقد رواه أبو نعيم في الصحابة في ترجمة أبي خراش ولم يذكر الرجل . وقد سئل أبو حاتم عنه فقال : أبو خراش لم يدرك النبي (ﷺ) . قال ابن حجر : رجاله ثقات . وقد أخرج الحديث ابن ماجه عن ابن عباس وفي إسناده عبد الله بن خراش وهو متروك . وقد صححه ابن السكن . وأخرج ابن ماجه أيضاً من حديث أبي هريرة أن النبي (ﷺ) قال : لا يمنع الماء والنار والكلأ قال ابن حجر : إسناده صحيح . وأخرج الخطيب من حديث عمر نحو ما في الباب وزاد والملح وفيه عبد الحكيم بن مسرة ورواه الطبراني بسند حسن عن زيد بن جبير عن ابن عمر ، وله عنده طريق أخرى . وأخرجه أبو داود من حديث بهيسة عن أبيها وأخرجه ابن ماجه من حديث عائشة أنها قالت : يارسول الله ما الشئ الذي لا يحل منعه ؟ قال : الملح والماء والنار وإسناده ضعيف . وأخرجه الطبراني عن أنس بلفظ خصلتان لا يحل معهما الماء والنار وأخرجه العقيلي في الضعفاء من حديث عبد الله بن سرجس . وأحاديث الباب تنتهض بمجموعها وقد خصص الحديث بما وقع من الإجماع على أن الماء المحرز في الجرار ملك . قال في الحجة : يتأكد إستحباب المواساة في هذه فيما كان مملوكاً وما ليس بمملوك أمره ظاهر انتهى .
وإذا تشاجر المستحقون للماء كان الأحق به الأعلى فالأعلى يمسكه إلى الكعبين ثم يرسله إلى من تحته لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي (ﷺ) قضى في سيل مهزور أن يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الأعلى على الأسفل أخرجه أبو داود و ابن ماجه . قال ابن حجر في الفتح : وإسناده حسن ، وأخرجه الحاكم في المستدرك من حديث عائشة وصححه الحاكم ، وأعله الدارقطني بالوقف ، وأخرجه أبو داود و ابن ماجه من حديث ثعلبة بن مالك . وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه من حديث أبي حاتم القرظي عن أبيه عن جده وأخرج ابن ماجه والبيهقي والطبراني من حديث عبادة أن النبي (ﷺ) قضى في شرب النخل من السيل أن الأعلى يشرب قبل الأسفل ويترك الماء إلى الكعبين ثم يرسل الماء إلى الأسفل الذي يليه وكذلك حتى تنقضي الحوائط أو يفنى الماء وأحاديث الباب صالحة للإحتجاج بها . قال في المنهاج : والمياه المباحة من الأودية والعيون والسيول والأمطار يستوي الناس فيها فإن أراد الناس سقي أرضهم منها فضاق سقي الأعلى فالأعلى وحبس كل واحد الماء حتى يبلغ الكعبين . وقال محمد : بهذا نأخذ لأنه كان كذلك الصلح بينهم ولكل قوم ما اصطلحوا وأسلموا عليه من عيونهم وسيوليهم وأنهارهم وشربهم .
ولا يجوز منع فضل الماء ليمنع به الكلأ لحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما عن النبي (ﷺ) قال : لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ وفي لفظ مسلم لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ وفي لفظ للبخاري لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ وفي الباب أحاديث . وفي لفظ ل أحمد بن حنبل ولا يمنع فضل ماء بعد أن يستغني عنه وهو أن يتغلب رجل على عين أو واد فلا يدع أحد يسقي منه ماشية إلا بالأجر فإنه يفضي إلى بيع الكلأ المباح يعني يصير المرعى من ذلك بازاء مال وهذا باطل لأن الماء والكلأ مباحان . وقيل : يحرم بيع الماء الفاضل عن حاجته لمن أراد الشرب أو سقي الدواب . وأما ماء البئر فلا يمنع من أراد شربه أو سقي بهائمه ، كما في الموطأ من حديث عمرة بنت عبد الرحمن أن رسول الله (ﷺ) قال : لا يمنع نقع بئر أي فضل مائها . قلت : وعليه أهل العلم في المنهاج . وحافر بئر بموات للإرتفاق أولى بمائها حتى يرتحل . والمحفورة أي في أرض موات للتملك ، أو في ملك يتملك ماءها في الأصح ، وسواء ملكه أم لا . لا يلزمه بذل مافضل عن حاجته لزرع ويجب لماشية . قال المحلى : في المحفورة للإرتفاق وقبل ارتحاله ليس له منع مافضل عنه عن محتاج إليه للشرب إذا استسقى بدلو نفسه ولا منع مواشيه ، وله منع غيره لسقي الزرع . قال محمد : وبهذا نأخذ أيما رجل كانت له بئر فليس له أن يمنع الناس منها أن يستقوا منها بشفاههم أما لزرعهم ونخلهم فله أن يمنع ذلك وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا .
وللإمام أن يحمي بعض المواضع لرعى دواب المسلمين في وقت الحاجة لحديث ابن عمر عند أحمد بن حنبل وابن حبان أن النبي (ﷺ) حمى النقيع للخيل خيل المسلمين وأخرج أحمد بن حنبل و أبو داود والحاكم من حديث الصعب بن جثامة وزاد لاحمى إلا لله ورسوله وهذه الزيادة في صحيح البخاري وفيه أن النبي (ﷺ) حمى النقيع وأن عمر حمى شرف والربذة قلت : وعليه الشافعي . في المنهاج : والأظهر أن للإمام أن يحمي بقعة موات لرعي نعم جزية وصدقة وضالة وضعيف من النجعة ولا يحمي لغير ذلك إنتهى . لأن الحمى تضييق على الناس وظلم عليهم وإضرار لهم .
ويجوز الإشتراك في النقود والتجارات ويقسم الربح على ما تراضيا عليه لحديث السائب بن أبي السائب أنه قال للنبي (ﷺ) : كنت شريكي في الجاهلية فكنت خير شريك لاتداريني ولا تماريني أخرجه أبو داود و ابن ماجه و النسائي والحاكم وصححه . وفي لفظ ل أبو داود و ابن ماجه أن السائب المخزومي كان شريك النبي (ﷺ) قبل البعثة فجاء يوم الفتح فقال : مرحباً بأخي وشريكي لا تداري ولا تماري وله طرق غير هذه . وأخرج البخاري عن أبي المنهال أن زيد بن أرقع والبراء بن عازب كانا شريكين فاشتريا فضة بنقد ونسيئة فبلغ النبي (ﷺ) فأمرهما أن ما كان يداً بيد فخذوه وما كان نسيئة فردوه وأخرج أبو داود و النسائي و ابن ماجه عن ابن مسعود قال : إشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر قال فجاء سعد بأسيرين ولم أجىء أنا وعمار بشئ وفيه إنقطاع . وأخرج أحمد بن حنبل و أبو داود عن رويفع بن ثابت قال : إن كان أحدنا في زمن رسول الله (ﷺ) ليأخذ نضو أخيه على أن له النصف مما يغنم ولنا النصف ، وإن كان أحدنا ليطير له النصل والريش وللآخر القدح وأخرجه الدارقطني والبيهقي .
وتجوز المضاربة وهو في لغة أهل المدينة القراض ، والضرب بمعنى السفر . والمضاربة المعاملة على السفر ، وأيضاً الضرب بمعنى الشركة ، والمضاربة المعاملة على الشركة . اتفق أهل العلم على جواز المضاربة ، ولا تجوز إلا على الدراهم والدنانير ، وهو أن يعطي شيئاً منها لرجل ليعمل ويتجر فيما يحصل من الربح يكون بينهما مناصفة أو أثلاثاً على ما يتشارطان .
ما لم تشتمل على ما لا يحل لما روي عن حكيم بن حزام أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة يضرب له به أن لا يجعل مالي في كبد رطبة ولا يحمله في بحر ولا ينزل به بطن مسيل فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي وقد قيل : أنه لم يصح في المضاربة شئ عن النبي (ﷺ) . وإنما فعلها الصحابة منهم حكيم المذكور ، ومنهم علي كما رواه عبد الرزاق ، ومنهم ابن مسعود كما رواه الشافعي ، ومنهم العباس كما رواه البيهقي ، ومنهم جابر كما رواه البيهقي أيضاً ، ومنهم أبو موسى وابن عمر كما رواه في الموطأ و الشافعي والدارقطني ، ومنهم عمر كما رواه الشافعي ، ومنهم عثمان كما رواه البيهقي . وقد روي في ذلك من المرفوع ما أخرجه ابن ماجه من حديث صهيب قال : قال رسول الله (ﷺ) ثلاث فيهن البركة البيع إلى أجل ، والمقارضة ، وإخلاط البر بالشعير للبيت لا للبيع ولكن في إسناده مجهولان .
أقول : قد صرح جماعة من الحفاظ بأنه لم يثبت في هذا الباب أعني المضاربة شئ مرفوع إلى رسول الله (ﷺ) بل جميع ما فيه آثار عن الصحابة ، وقد وقع إجماع من بعدهم على جواز هذه المعاملة كما حكى ذلك غير واحد . وصرح الحافظ ابن حجر بأنها كانت ثابتة في عصر النبوة فقال : والذي نقطع به أنها كانت ثابتة في عصر النبي (ﷺ) يعلم بها وأقرها ولولا ذلك لما جازت البتة إنتهى . ولا يخفاك أن عدم الجواز الذي ذكره على فرض عدم ثبوتها في أيام النبوة مبني على أن الأصل عدم جواز كل معاملة لم يثبت فيها دليل وهو غير مسلم بل الأصل الجواز ما لم تكن على وجه يستلزم ما لا يحل شرعاً . وعندي أن المضاربة داخلة تحت قول الله : وأحل الله البيع وتحت قوله تعالى : تجارة عن تراض بل كل ما دل على جواز البيع وعلى جواز الإجارة وعلى جواز الوكالة دل عليها . وبيان ذلك أن المالك للنقد إذا دفعه إلى آخر ووكله بالشراء له بنقده مارآه ووكله أيضاً بيعه وجعل له أجرة على تولي البيع وتولي الشراء وهي ما سماه له من الربح فجواز البيع والشراء داخل تحت أدلة البيع والشراء وجواز التوكيل بهما داخل تحت أدلة الوكالة وجواز جعل جزء من الربح للوكيل داخل تحت أدلة الإجارة . فعرفت بهذا أن القراض غير خال من دليل يدل عليه العموم بل الذي لم يثبت هو الدليل الذي يدل عليه بخصوصه . فلا وجه لما قاله الحافظ ابن حجر : أنه لو لم تثبت هذه المعاملة بخصوصها في عصر النبوة لما جازت البتة . واعلم أن هذه الأسامي التي وقعت في كتب الفروع لأنواع من الشركة كالمفاوضة والعنان والوجوه والأبدان ، لم تكن أسماء شرعية ولا لغوية ، بل إصطلاحات حادثة متجددة . ولا مانع للرجلين أن يخلطا ماليهما ويتجرا كما هو معنى المفاوضة المصطلح عليها ، لأن للمالك أن يتصرف في ملكه كيف يشاء ما لم يستلزم ذلك التصرف محرماً مما ورد الشرع بتحريمه ، وإنما الشأن في اشتراط إستواء المالين وكونهما نقداً وإشتراط العقد ، فهذا لم يرد ما يدل على إعتباره . بل مجرد التراضي بجمع المالين والإتجار بهما كاف ، وكذلك لا مانع من أن يشترك الرجلان في شراء شئ بحيث يكون لكل واحد منهما نصيب منه بقدر نصيبه من الثمن كما هو معنى شركة العنان إصطلاحاً وقد كانت هذه الشركة ثابتة في أيام النبوة ودخل فيها جماعة من الصحابة فكانوا يشتركون في شراء شئ من الأشياء ويدفع كل واحد منهم نصيباً من قيمته ويتولى الشراء أحدهما أو كلاهما . وأما إشتراط العقد والخلط فلم يرد ما يدل على إعتباره . وكذلك لا بأس أن يوكل أحد الرجلين الآخر أن يستدين له مالاً ويتجر فيه ويشتركا في الربح كما هو معنى شركة الوجوه إصطلاحاً . ولكن لا وجه لما ذكروه من الشروط . وكذلك لا بأس بأن يوكل أحد الرجلين الآخر في أن يعمل عنه عملاً استؤجر عليه كما هو معنى شركة الأبدان إصطلاحاً ولا معنى لإشتراط شروط في ذلك .
والحاصل : أن جميع هذه الأنواع يكفي في الدخول فيها مجرد التراضي ، لأن ما كان منها من التصرف في الملك فمناطه التراضي، ولا يتحتم إعتبار غيره وما كان منها من باب الوكالة أو الإجارة ، فيكفي فيه ما يكفي فيهما . فما هذه الأنواع التي نوعوها والشروط التي إشترطوها وأي دليل عقل أو نقل ألجأهم إلى ذلك فإن الأمر أيسر من هذا التهويل والتطويل ، لأن حاصل ما يستفاد من شركة المفاوضة والعنان والوجوه أنه يجوز للرجل أن يشترك هو وآخر في شراء شئ وبيعه ويكون الربح بينهما على مقدار نصيب كل واحد منهما من الثمن ، وهذا شئ واحد واضح المعنى يفهمه العامي فضلاً عن العالم ، ويفتي بجوازه المقصر فضلاً عن الكامل ، وهو أعم من أن يستوي ما يدفعه كل واحد منهما من الثمن أو يختلف ، وأعم من أن يكون المدفوع نقداً أو عرضاً ، وأعم من أن يكون ما اتجرا به جميع مال كل واحد منهما أو بعضه ، وأعم من أن يكون المتولي للبيع والشراء أحدهما أو كل واحد منهما . وهب أنهم جعلوا لك قسم من هذه الأقسام التي هي في الأصل شئ واحد اسماً يخصه فلا مشاحة في الإصطلاحات . لكن ما معنى إعتبارهم لتلك العبارات وتكلفهم لتلك الشروط وتطويل المسافة على طالب العلم وأتعابه بتدوين ما لا طائل تحته . وأنت لو سألت حراثاً أو بقالاً عن جواز الإشتراك في شراء الشئ وفي ربحه لم يصعب عليه أن يقول نعم . ولو قلت له هل يجوز العنان أو الوجوه أو الإيدان لحار في فهم معاني هذه الألفاظ . بل قد شاهدنا كثيراً من المتبحرين في علم الفروع يلتبس عليه كثير من تفاصيل هذه الأنواع ويتلعثم إن أراد تمييز بعضها من بعض ، اللهم إلا أن يكون قريب عهد بحفظ مختصر من مختصرات الفقه ، فربما يسهل عليه ما يهتدي به إلى ذلك . وليس المجتهد من وسع دائرة الآراء العاطلة عن الدليل وقبل كل ما يقف عليه من قال وقيل . فإن ذلك هو دأب أسراء التقليد ، بل المجتهد من قرر الصواب وأبطل الباطل ، وفحص في كل مسألة عن وجوه الدلائل ولم يحل بينه وبين الصدع بالحق مخالفة من يخالفه ممن يعظم في صدور المقصرين . فالحق لا يعرف بالرجال . ولهذا المقصد سلكنا في هذه الأبحاث مسالك لا يعرف قدرها إلا من صغى فهمه عن التعصبات وأخلص ذهنه عن الإعتقادات المألوفات والله المستعان .
وإذا تشاجر الشركاء في عرض الطريق كان سبعة أذرع لحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما أن النبي (ﷺ) قال : إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع وأخرج معناه عبد الله بن أحمد بن حنبل في المسند والطبراني من حديث عبادة بن الصامت وأخرجه أيضاً عبد الرزاق من حديث ابن عباس وأخرجه أيضاً ابن عدي من حديث أنس .
ولا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره لحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما أن النبي (ﷺ) قال لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره وروى نحوه أحمد بن حنبل و ابن ماجه والبيهقي عن جماعة من الصحابة .
ولا ضرر ولا ضرار بين الشركاء لحديث ابن عباس قال : قال رسول الله (ﷺ) : لا ضرر ولا ضرار وللرجل أن يضع خشبه في حائط جاره وإذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع أخرجه أحمد بن حنبل و ابن ماجه والبيهقي والطبراني وعبد الرزاق . قال ابن كثير : أما حديث لا ضرر ولا ضرار فرواه ابن ماجه عن عبادة بن الصامت وروي من حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري وهو حديث مشهور انتهى . فحديث ابن عباس هو المذكور في الباب . وحديث عبادة أخرجه أيضاً البيهقي . وحديث أبي سعيد أخرجه ابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي ، وقد رواه من حديث ثعلبة من مالك القرظي الطبراني في الكبير وأبو نعيم .
ومن ضار شريكه كان للإمام عقوبته بقلع شجره أو بيع داره لحديث سمرة بن جندب أنه كان له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار قال : ومع الرجل أهله قال : وكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به الرجل ويشق عليه فطلب إليه أن يناقله فأبى فأتى النبي (ﷺ) فذكر له فطلب إليه النبي (ﷺ) أن يبيعه فأبى فطلب إليه أن يناقله فأبى قال : فهبه لي ولك كذا وكذا أمر أرغبه فيه فأبى فقال : أنت مضار فقال رسول الله (ﷺ) للأنصاري : إذهب فاقلع نخله وهو من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عن سمرة ولم يسمع منه . وقد روى المحب الطبري في أحاديث الأحكام عن واسع بن حبان قال : كان لأبي لبابة عذق في حائط رجل فكلمه ثم ذكر نحو قصة سمرة