الرئيسيةبحث

الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الرهن


كتاب الرهن


يجوز رهن ما يملكه الراهن في دين عليه الرهن جائز بالإجماع . وقد نطق به الكتاب العزيز . وتقييده بالسفر خرج مخرج الغالب ، كما ذهب إليه الجمهور . وقال مجاهد والضحاك والظاهرية : لا يشرع إلا في السفر . وقد رهن النبي صلي الله عليه وسلم درعاً له عند يهودي بالمدينة وأخذ منه شعيراً لأهله كما أخرجه البخاري وغيره من حديث أنس ، وهو في الصحيحين من حديث عائشة ، وأخرجه أحمد بن حنبل و الترمذي و النسائي و ابن ماجه من حديث ابن عباس ، وصححه الترمذي وصاحب الاقتراح ، وفي ذلك دليل على مشروعية الرهن في الحضر كما قال الجمهور .

والظهر يركب واللبن يشرب بنفقة المرهون لما أخرجه البخاري وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي (ﷺ) أنه كان يقول : الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً وعلى الذي يركب ويشرب النفقة وللحديث ألفاظ . والمراد أن المرتهن ينتفع بالرهن وينفق عليه ، وقد ذهب أحمد بن حنبل وإسحق والليث والحسن وغيرهم . قال ابن القيم : وأخذ أحمد بن حنبل وغيره من أئمة الحديث بهذه الفتوى وهو الصواب . وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء : لا ينتفع المرتهن من الرهن بشئ بل الفوائد للراهن والمؤمن عليه . قالوا : والحديث ورد على خلاف القياس ، ويجاب بأن هذا القياس فاسد الاعتبار مبني على شفا جرف هار ، ولايصح الاحتجاج به لما ورد من النهي عن أن تحلب ماشية الرجل بغير إذنه كما في البخاري وغيره ، لأن العام لايرد به الخاص بل يبنى عليه . وقال ابن القيم في أعلام الموقعين وهذا الحكم من أحسن الأحكام وأعدلها ولا يصلح للراهنين غيره وما عداه ففساده ظاهر . فإن الراهن قد يغيب ويتعذر على المرتهن مطالبته بالنفقة التي تحفظ الرهن ، ويشق عليه أو يتعذر رفعه إلى الحاكم ، وإثبات الرهن وإثبات غيبة الراهن وإثبات أن قدر النفقة عليه قدر حلبه وركوبه . وطلبه منه الحكم له بذلك في هذا من العسر والحرج والمشقة ما ينافي الحنيفية السمحة ، فشرع الشارع الحكم القيم بمصالح العباد . وللمرتهن أن يشرب لبن الرهن ويركب ظهره وعليه نفقته وهذا محض القياس لو لم تأت به السنة الصحيحة انتهى . ثم أطال في تخريج هذا القياس إلى مالا يسعه هذا القرطاس .

ولا يغلق الرهن بما فيه لحديث أبي هريرة عن النبي (ﷺ) قال : لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه أخرجه الشافعي والدارقطني والحاكم والبيهقي وابن حبان في صحيحه وحسن والدارقطني إسناده . وقال الحافظ ابن حجز : في بلوغ المرام أن رجاله ثقات إلا أن المحفوظ عند أبو داود وغيره إرساله . وأخرجه ابن ماجه من طريق أخرى والرفع زيادة ، وقد خرجت من مخرج مقبول . والمراد بالغلاق هنا إستحقاق المرتهن له حيث لم يفكه الراهن في الوقت المشروط . وروى عبد الرزاق عن معمر أنه فسر غلاق الرهن بما إذا قال الرجل إن لم آتك بمالك فالرهن لك قال : ثمن بلغني عنه أنه قال : إن هلك لم يذهب حق هذا إنما هلك من رب الرهن له غنمه وعليه غرمه . وقد روي أن المرتهن في الجاهلية كان يتملك الرهن إذا لم يؤد الراهن إليه ما يستحقه في الوقت المضروب فأبطله الشارع . والغنم والغرم هنا هو أعم مما تقدم من أن الظهر يركب بنفقة المرهون واللبن يشرب . قال في الحجة البالغة : ومبنى الرهن على الإستيثاق وهو بالقبض ، فلذلك إشترط فيه . ولا اختلاف عندي بين حديث لا يغلق الرهن وحديث الظهر يركب إلخ ... لأن الأول هو الوظيفة . لكن إذا إمتنع الراهن من النفقة عليه وخيف الهلاك وأحياه المرتهن فعند ذلك ينتفع به بقدر ما يراه الناس عدلاً انتهى . قلت : وعليه أهل العلم . قال محمد : وبهذا نأخذ . وتفسير قوله : لا يغلق الرهن أن الرجل كان يرهن الرهن أي المرهون عند الرجل فيقول : إن جئتك بمالك إلى كذا وكذار ، وإلا فالرهن لك بمالك قال رسول الله (ﷺ) لا يغلق الرهن ولا يكون للمرتهن بماله وكذلك نقول : وهو قول أبي حنيفة وكذلك فسره مالك بن أنس . وفي شرح السنة : معناه لا يستغلق بحيث لا يعود إلى الراهن بل متى أدى الحق المرهون به افتك وعاد إلى الراهن . وروى الشافعي هذا الحديث مع زيادة ولفظه لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه قال الشافعي  : غنمه زيادته وغرمه هلالكه . وفيه دليل على أنه إذا هلك في يد المرتهن يكون من ضمان الراهن ولا يسقط بهلاكه شئ من حق المرتهن وعليه الشافعي . وقال أبو حنيفة : قيمته إن كانت قدر الحق يسقط بهلاكه الحق ، وإن كانت أقل من الحق يسقط بقدره ، وإن كان أكثر من الحق يسقط الحق . وعند الشافعي  : دوام القبض ليس بشرط في الرهن فيستعمل الدابة المرهونة بالنهار وترد إلى المرتهن بالليل ولا يسافر عليها ، ولم يجوزه أبو حنيفة .

أقول : الحق أن الرهن إذا تلف في يد المرتهن بدون جنايته ولا تفريطه فهو غير مضمون عليه ، وإن كان بجنايته أو تفريطه ضمنه للجناية عليه أو التفريط لا لكونه مستحقاً حبسه فإن الحبس للرهن بمجرده ليس بسبب للضمان والمدارك الشرعية واضحة المنار