ستر العورة واجب في الملأ والخلاء لحديث حكيم بن حزام عن أبيه عند أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه والحاكم وصححه قال : قلت يا رسول الله عوارتنا ماء نأتي منها وما نذر فقال : إحفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك . قلت : فإذا كان القوم بعضهم في بعض . قال : إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها فقلت : فإذا كان أحدنا خالياً . قال : فالله تبارك وتعالى أحق أن يستحيا منه وقد اختلف أهل العلم في حد العورة ، وكذلك إختلفت الأدلة ، وقد استوفاها الماتن في شرح المنتقى .
ولا يلبس الرجل الخالص من الحرير لحديث عمر في الصحيحين وغيرهما قال : سمعت النبي (ﷺ) يقول : لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وفيهما نحوه من حديث أنس ، وفيهما وغيرهما من حديث ابن عمر أنه رآى عمر حلة من استبرق فأتى بها النبي (ﷺ) فقال : يا رسول الله ابتع هذه فتجمل بها للعيد وللوفود فقال رسول الله (ﷺ) : إنما هذه لباس من لا خلاق له وأخرج أحمد والنسائي والترمذي وصححه من حديث أبي موسى أن النبي (ﷺ) قال : أحل الذهب والحرير للإناث من أمتى وحرم على ذكورها وفي إسناده سعيد بن أبي هند عن أبي موسى . قال أبو حاتم : أنه لم يلقه . وقد صححه أيضاً ابن حزم . وروي من حديث علي عند أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان قال : أخذ النبي (ﷺ) حريراً فجعله في يمينه وأخذ ذهباً فجعله في شماله ثم قال : إن هذين حرام على ذكور أمتي زاد ابن ماجة حل لإناثهم وهو حديث حسن . وأخرج البيقهي بإسناد حسن نحوه . وأخرج البزار من حديث عمر بن جرير البجلي نحوه أيضاً وفي إسناده قيس بن أبي حازم وفي الباب أحاديث . وقد ذكر المهدي في البحر أنه مجمع على تحريم الحرير للرجال ، وقال فيه أنه خالف في ذلك ابن علية . وانعقد الإجماع بعده على التحريم . وقال القاضي عياض : أنه حكي عن قوم إباحته . وقال أبو داود : أنه لبس الحرير عشرون نفساً من الصحابة . وقد اختلف أهل العلم في الحرير المشوب بغيره . واستدل المانعون من لبسه بما ورد من منعه (ﷺ) للبس حلة السيراء كما في الصحيحين من حديث علي ولكنه قد وقع الخلاف في تفسير حلة السيراء ما هي فقيل إنها ذات الخطوط . وقيل المختلفة الألوان . وهذان التفسيران لا يدلان على مطلوب من إستدل بذلك على المنع من لبس المشوب على أنه قد قيل أنه الحرير المحض . واستدل من لم يقل بتحريم المشوب بل حرم الخالص فقط بمثل حديث ابن عباس عند أحمد وأبو داود قال : إنما نهى رسول الله (ﷺ) عن الثوب المصمت من قز وفي إسناده خصيف بن عبد الرحمن وفيه ضعف والمصمت بضم الميم الأولى وفتح الثانية المخففة وهو الذي جميعه حرير لا يخالطه ، قطن ولا غيره وهذا البحث طويل الذيول .
أقول مسألة تحريم مشوب الحرير من المعارك التي تحتمل البسط . قال الماتن في حاشية الشفاء : وقد طالت المراجعة فيها بيني وبين شيخي المجتهد المطلق السيد عبد القادر بن أحمد الكوكباني رحمه الله أيام قراءتي عليه فكان جميع ما حرره وحررته نحو سبع رسائل ، وقد لخصت ما ظهر لي في المسألة في شرح المنتقى باختصار فليرجع إليه . قلت : وحاصله ترجيح التحريم كما قررته في هداية السائل إلى أدلة المسائل فليراجع . قال في المسوى : الحلة السيراء التي فيها خطوط كالسيور وهي برود من الحرير أو الغالب فيها الحرير ، والقسي ثياب مضلعة من الحرير أي منقوشة بصورة الضلاع وأشباهه . قيل نسبة إلى قس قرية بساحل البحر وقيل إلى القز بالزاي فأبدل من الزاي السين . وعلى هذا أهل العلم أن الحرير حرام على الرجال دون النساء . ويرخص في موضع إصبع أو إصبعين أو ثلاث أو أربع من أعلام الحرير ، ورخص بعضهم في لبسه لأجل الحكة والقمل ا هـ . وفي حديث علي عند مالك نهى رسول الله (ﷺ) عن لبس القسي وعليه أهل العلم . وفي الأنوار يجوز لبس الكتان والقطن والصوف والخزوان كانت نفيسه .
إذا كان فوق أربع أصابع لحديث عمر في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله (ﷺ) نهى عن لبوس الحرير إلا هكذا ورفع لنا رسول الله (ﷺ) يديه الوسطى والسبابة وضمهما وفي لفظ لمسلم وغيره نهى عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربعة قال في الحجة البالغة : لأنه ليس من باب اللباس وربما تقع الحاجة إلى ذلك . ونهى عن لبس الحرير والديباج والقسي والمياثر والأرجوان اهـ .
إلا للتداوي لحديث أنس في الصحيحين وغيرهما أن النبي (ﷺ) رخص لعبد الرحمن ابن عوف والزبير في لبس الحرير لحكة كانت بهما قال في الحجة البالغة : لأنه لم يقصد حينئذ به الإرفاه وإنما قصد به الإستشفاء .
ولا يفترشه أي الحرير . لحديث حذيفة عند البخاري قال نهانا رسول الله (ﷺ) أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها ، وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه وقال : هو لهم في الدنيا ولنا في الآخرة وفي معنى ذلك أحاديث وهذا نص في محل النزاع . وأما الإسترواح بالقياس على جواز افتراش ما فيه تصاوير فقياس في مقابلة النص وهو فاسد الإعتبار . قال ابن القيم : ولو لم يأت هذا النص لكان النهي عن لبسه متناولاً لافتراشه كما هو متناول للإلتحاف به وذلك لبس لغة وشرعاً كما قال أنس : قمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس ولو لم يأت اللفظ العام المتناول لإفتراشه بالنهي لكان القياس المحض موجباً لتحريمه إما قياس المثل ، أو قياس الأولى . فقد دل على تحريم الإفتراش النص الخاص واللفظ العام والقياس الصحيح . ولا يجوز رد ذلك كله بالمتشابه من قوله تعالى : خلق لكم ما في الأرض جميعاً ومن القياس على ما إذا كان الحرير بطانة الفراش دون ظهارته . فإن الحكم في ذلك التحريم على أصح القولين ، والفرق على القول الآخر مباشرة الحرير وعدمها كحشو الفراش . فإن صح الفرق بطل القياس ، وإن بطل الفرق منع الحكم . وقد تمسك بعموم النهي عن افتراش الحرير طائفة من الفقهاء فحرموه على الرجال والنساء وهذه طريقة الخراسانيين من أصحاب الشافعي ، وقابهم من أباحه بنوعين . والصواب التفصيل وأن من أبيح له لبسه أبيح له افتراشه ومن حرم عليه حرم عليه وهذا قول الأكثرين ، وهي طريقة العراقيين من الشافعية . وفي تنبيه الغافلين الجلوس على الحرير والإلتحاف به حرام على الرجال . وصحح الرافعي تحريم افتراشه على النساء وخالفه النووي في ذلك وحكى ابن الرفعة عن بعض العلماء أنه لا ينعقد النكاح بحضور الجالس على الحرير واستبعد . وحكم القز في التحريم حكم الحرير على الأصح إذا كان على صبي غير بالغ ثوب حرير قال الغزالي : الصحيح أن ذلك منكر يجب نزعه عنه إن كان مميزاً بعموم قوله (ﷺ) : هذان حرامان على ذكور أمتي وكما يجب منع الصبي عن شرب الخمر لكونه مكلفاً ولكن لكونه يأنس به فإذا بلغ عسر عليه الصبر عنه كذلك شهوة التزين بالحرير . وأما الصبي الذي لا تمييز له فيضعف - يعني - التحريم في حقه ولا تخلو عن إحتمال ، والعلم فيه عند الله تعالى هذا كلام الغزالي . وصحح النووي الجواز مطلقاً والله تعالى أعلم ا هـ . وروي عن ابن عباس وأنس أنه يجوز افتراش الحرير وإليه ذهب الحنفية ، واستدل لهم بأن افتراش الحرير إهانة ، وليس هذا مما يستدل به عى المسائل الشرعية على فرض عدم المعارض فكيف وقد عارضه الدليل الصحيح الصريح .
ولا المصبوغ بالعصفر لحديث عبد الله بن عمرو عند مسلم وغيره قال : رأى رسول الله (ﷺ) علي ثوبين معصفرين فقال إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها وأخرج مسلم وغيره أيضاً من حديث علي قال : نهاني رسول الله (ﷺ) عن التختم بالذهب وعن لباس القسي وعن القراءة في الركوع والسجود وعن لباس المعصفر وفي الباب أحاديث . والعصفر يصبغ الثوب صبغاً أحمر على هيئة مخصوصة . فلا يعارضه مارود في لبس مطلق الأحمر ، كما في الصحيحين من حديث البراء قال : كان رسول الله (ﷺ) مربوعاً بعيد ما بين المنكبين له شعر يبلغ شحمة أذنيه رأيته في حلة حمراء لم أر شيئاً قط أحسن منه وفي الباب أحاديث يجمع بينهما بأن الممنوع منه هو الأحمر الذي صبغ بالعصفر ، والمباح هو الأحمر الذي لم يصبغ به .
ولا ثوب شهرة لحديث ابن عمر من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة ورجال إسناده ثقات . والمراد به الثوب الذي يشهر لابسه بين الناس ويلحق بالثوب غيره من الملبوس ونحوه مما يشهر به اللابس له لوجود العلة .
ولا ما يختص بالنساء ولا العكس لحديث أبي هريرة عند أحمد وأبو داود والنسائي أن النبي (ﷺ) لعن الرجل يلبس لبس المرأة والمرأة تلبس لبس الرجل وفي صحيح البخاري وغيره من حديث ابن عباس قال : لعن رسول الله (ﷺ) المتشبهات من السناء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء وفي الباب أحاديث .
ويحرم على الرجال التحلي بالذهب لا بغيره لما تقدم من الأحاديث الواردة في تحريم الذهب وهو لا يكون إلا حلية إذ لا يمكن لبسه . وأما ما يخلط في بعض الثياب بالحرير أو بغيره ، فهو فضة لا ذهب ، وإن سماه الناس ذهباً . ومن الأدلة على ذلك ما ورد في المنع من خاتم الذهب ، وما ورد فيمن حلى جيباً له ولو بخر بصيصة . وقد جمع الماتن رسالة مستقلة في تحريم التحلي بقليل الذهب وكثيره . وجمع أيضاً رسالة مستقلة في تحلي النساء بالذهب وهل يجوز ذلك أم لا فليرجع إليهما .. قال المجد في القاموس جربصيصة : أي شئ من الحلي ونحوه في تاج اللغات وفي نهاية الحديث الجربصيصة الهنة التي تتراءى في الرمل لها بصيص كأنها عين جرادة . قال في الحجة البالغة : ومن تلك الرؤس الحلي المترفة وهنا أصلان : أحدهما أن الذهب هو الذي يفاخر به العجم ويفضي جريان الرسم بالتحلي به إلى الإكثار من طلب الدنيا دون الفضة . ولذلك شدد النبي (ﷺ) في الذهب وقال : ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها . والثاني أن النساء أحوج إلى التزين ليرغب فيهن أزواجهن . ولذلك جرت عادة العرب والعجم جميعاً بأن يكون تزينهن أكثر من تزينهم فوجب أن يرخص لهن أكثر مما يرخص لهم ولذلك قال (ﷺ) أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها وقال (ﷺ) في خاتم ذهب في يد رجل : يعمد أحدكم إلى جمر من نار فيجعله في يده ورخص عليه السلام في خاتم الفضة لا سيما لذي سلطان وقال : ولا تتمه مثقالاً ونهى النساء عن غير المقطع من الذهب وهو ما كان قطعة واحدة كبيرة قال : من أحب أن يحلق حبيبه حلقة من نار فيحلقه من ذهب وذكر على هذا الأسلوب الطوق والسوار . وكذا جاء التصريح بقلادة من ذهب وسلسلة من ذهب وبين المعنى في هذا الحكم حيث قال : أما أنه ليس منكن امرأة تحلى ذهباً تظهره إلا عذبت به وكان لأم سلمة أوضاح من ذهب ، والظاهر أنها كانت مقطعة . وقال (ﷺ) : أحل الذهب للأناث معناه الحل في الجملة . هذا الحل في الجملة . هذا ما يوجبه مفهوم هذه الأحاديث ، ولم أجد لها معارضاً . ومذهب الفقهاء في ذلك معلوم ومشهور وهو التحليل مطلقاً بلا فرق بين المقطع وغيره والله تعالى أعلم بحقيقة الحال . أقول : وأما التختم فقد أخرج أبو داود من حديث عمر والنسائي من حديث أنس أن النبي (ﷺ) : كان يختم في يساره وأخرج أبو داود والنسائي من حديث علي والترمذي والنسائي أيضاً من حديث أبي رافع أنه (ﷺ) كان يتختم في يمينه فالكل جائز بدون كراهة ولم يرد النهي إلى عن التختم في السبابة والوسطى كما أخرجه مسلم وأهل السنن من حديث علي بلفظ نهاني أن أجعل الخاتم في هذه أو في التي تليها وأشار إلى السبابة